شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 147
نمايش فراداده

جرير، قال:فهو اشعرهما.

قال ابوالفرج:و قد كان الناس تجادلوا فى امر جرير و الفرزدق فى عسكر المهلب، حتى تواثبوا، و صاروا اليه محكمين له فى ذلك، فقال:اتريدون ان احكم بين هذين الكلبين المتهارشين، فيمضغانى! ما كنت لاحكم بينهما، و لكنى ادلكم على من يحكم بينهما، ثم يهون عليه سبابهما، عليكم بالشراه، فاسالوهم اذا تواقفتم، فلما تواقفوا سال ابو حزابه عبيده بن هلال عن ذلك، فاجابه بهذا الجواب.

و روى ابوالفرج ان امراه من الخوارج كانت مع قطرى بن الفجاءه، يقال لها ام حكيم، و كانت من اشجع الناس و اجملهم وجها، و احسنهم بالدين تمسكا، و خطبها جماعه منهم فردتهم و لم تجبهم، فاخبر من شاهدها فى الحرب انها كانت تحمل على الناس و ترتجز، فتقول:احمل راسا قد سئمت حمله و قد مللت دهنه و غسله الا فتى يحمل عنى ثقله و الخوارج يفدونها بالاباء و الامهات، فما راينا قبلها و لا بعدها مثلها.

و روى ابوالفرج، قال:كان عبيده بن هلال، اذا تكاف الناس ناداهم:ليخرج الى بعضكم، فيخرج اليه فتيان من عسكر المهلب، فيقول لهم:ايما احب اليكم؟ اقرا عليكم القرآن ام انشدكم؟ الشعر فيقولون له:اما القرآن فقد عرفناه مثل معرفتك، و لكن تنشدنا، فيقول:يا فسقه، قد و الله علمت انكم تختارون الشعر على القرآن! ثم لايزال ينشدهم و يستنشدهم حتى يملوا و يفترقوا.

قال ابوالعباس:و ولى خالد بن عبدالله بن اسيد فقدم فدخل البصره، فاراد عزل المهلب، فاشير عليه بالا يفعل، و قيل له:انما امن (اهل) هذا المصر، لان المهلب بالاهواز و عمر بن عبيدالله بفارس، فقد تنحى عمر، و ان نحيت المهلب لم تامن على البصره.

فابى الا عزله، فقدم المهلب البصره، و خرج خالد الى الاهواز، فاستصحبه، فلما صار بكربج دينار لقيه قطرى، فمنعه حط اثقاله، و حاربه ثلاثين يوما.

ثم اقام قطرى بازائه، و خندق على نفسه، فقال المهلب لخالد:ان قطريا ليس باحق بالخندق منك، فعبر دجيلا الى شق نهر تيرى، و اتبعه قطرى فصار الى مدينه نهر تيرى، فبنى سورها، و خندق عليها، فقال المهلب لخالد:خندق على نفسك، فانى لاآمن البيات، فقال:يا اباسعيد، الامر اعجل من ذاك، فقال المهلب لبعض ولده:انى ارى امرا ضائعا، ثم قال لزياد بن عمرو:خندق علينا، فخندق المهلب على نفسه، و امر بسفنه ففرغت، و ابى خالد ان يفرغ سفنه، فقال المهلب لفيروز حصين:صر معنا، فقال:يا اباسعيد، ان الحزم ما تقول، غير انى اكره ان افارق اصحابى، قال:فكن بقربنا، قال:اما هذه فنعم.

و قد كان عبدالملك كتب الى بشر بن مروان يامره ان يمد خالدا بجيش كثيف، اميره عبدالرحمن بن محمد بن الاشعث:ففعل، فقدم عليه عبدالرحمن، فاقام قطرى يغاديهم القتال و يراوحهم اربعين يوما، فقال المهلب لمولى ابى عيينه:سر الى ذلك الناوس، فبت عليه كل ليله، فمتى احسست خبرا للخوارج، او حركه او صهيل خيل، فاعجل الينا.

فجاءه ليله، فقال:قد تحرك القوم، فجلس المهلب بباب الخندق، و اعد قطرى سفنا فيها حطب و اشعلها نارا، و ارسلها على سفن خالد، و خرج فى ادربارها حتى خالطهم، لايمر برجل الا قتله، و لا بدابه الا عقرها، و لابفسطاط الا هتكه، فامر المهلب يزيد ابنه، فخرج فى مائه فارس.

فقاتل، و ابلى ع بدالرحمن بن محمد بن الاشعث يومئذ بلاء حسنا، و خرج فيروز حصين فى مواليه، فلم يزل يرميهم بالنشاب هو و من معه، فاثر اثرا جميلا، و صرع يزيد بن المهلب يومئذ و صرع عبدالرحمن بن محمد بن الاشعث، فحامى عنهما اصحابهما حتى ركبا، و سقط فيروز حصين فى الخندق، فاخذ بيده رجل من الازد، فاستنقذه، فوهب له فيروز عشره آلاف، و اصبح عسكر خالد كانه حره سوداء، فجعل لايرى الا قتيلا او جريحا، فقال للمهلب:يا اباسعيد، كدنا نفتضح! فقال:خندق على نفسك، فان لم تفعل عادوا اليك، فقال:اكفنى امر الخندق، فجمع له الاحماس فلم يبق شريف الا عمل فيه، فصاح بهم الخوارج:و الله لولا هذا الساحر المزونى، لكان الله قد دمر عليكم- و كانت الخوارج تسمى المهلب الساحر-، لانهم كانوا يدبرون الامر فيجدون المهلب قد سبق الى نقض تدبيرهم.

و قال اعشى همدان لابن الاشعث، يذكره بلاء القحطانيه عنده، فى كلمه طويله:و يوم اهوازك لاتنسه ليس الثنا و الذكر بالبائد ثم مضى قطرى الى كرمان، و انصرف خالد الى البصره، و اقام قطرى بكرمان شهرا، ثم عمد لفارس، فخرج خالد الى الاهواز و ندب الناس للرحيل، فجعلوا يطلبون المهلب، فقال خالد:ذهب المهلب بحظ هذا المصر، انى قد وليت اخى قتال ال ازارقه.

فولى اخاه عبدالعزيز، و استخلف المهلب على الاهواز فى ثلاثمائه، و مضى عبدالعزيز و الخوارج بدرابجرد و هو فى ثلاثين الفا، فجعل عبدالعزيز يقول فى طريقه:يزعم اهل البصره ان هذا الامر لايتم الا بالمهلب، سيعلمون.

قال صقعب بن يزيد:فلما خرج عبدالعزيز عن الاهواز، جاءنى كردوس، حاجب المهلب، فدعانى، فجئت الى المهلب و هو فى سطح، و عليه ثياب هرويه، فقال:يا صقعب، انا ضائع كانى انظر الى هزيمه عبدالعزيز، و اخشى ان توافينى الازارقه و لا جند معى، فابعث رجلا من قبلك ياتينى بخبرهم سابقا الى به، فوجهت رجلا من قبلى يقال له عمران بن فلان، و قلت له:اصحب عسكر عبدالعزيز، و اكتب الى بخبر يوم فيوم، فجعلت اورده على المهلب، فلما قاربهم عبدالعزيز وقف وقفه، فقال له الناس هذا منزل، فينبغى ان تنزل فيه ايها الامير، حتى نطمئن ثم ناخذ اهبتنا، فقال:كلا، الامر قريب، فنزل الناس عن غير امره، فلم يستتم النزول، حتى ورد عليه سعد الطلائع فى خمسمائه فارس، كانهم خيط ممدود، فناهضهم عبدالعزيز فواقفوه ساعه، ثم انهزموا عنه مكيده، و اتبعهم فقال له الناس:لاتتبعهم، فانا على غير تعبيه، فابى، فلم يزل فى آثارهم حتى اقتحموا عقبه، فاقتحمها وراءهم و الناس ي نهونه و يابى، و كان قد جعل على بنى تميم عبس بن طلق الصريمى الملقب عبس الطعان، و على بكر بن وائل مقاتل بن مسمع، و على شرطته رجلا من بنى ضبيعه بن ربيعه بن نزار.

فنزلوا عن العقبه، و نزل خلفهم (و كان) لهم فى بطن العقبه كمين، فلما صاروا من ورائها، خرج عليهم الكمين، و عطف سعد الطلائع، فترجل عبس بن طلق، فقتل و قتل مقاتل بن مسمع، و قتل الضبيعى، صاحب شرطه عبد العزيز، و انحاز عبدالعزيز و اتبعهم الخوارج فرسخين يقتلونهم كيف شاءوا، و كان عبد العزيز قد اخرج معه ام حفص بنت المنذر بن الجارود امراته، فسبوا النساء يومئذ، و اخذوا اسارى لاتحصى، فقذفوهم فى غار بعد ان شدوهم وثاقا، ثم سدوا عليهم بابه، حتى ماتوا فيه.

و قال بعض من حضر ذلك اليوم:رايت عبدالعزيز، و ان ثلاثين رجلا ليضربونه بسيوفهم، فما تحيك فى جنبه، و نودى على السبى يومئذ، فغولى بام حفص، فبلغ بها رجل سبعين الفا، و كان ذلك الرجل من مجوس كانوا اسلموا، و لحقوا بالخوارج، ففرضوا لكل رجل منهم خمسمائه، فكاد ذلك الرجل ياخذ ام حفص، فشق ذلك على قطرى، و قال:ما ينبغى لرجل مسلم ان يكون عنده سبعون الفا، ان هذه لفتنه! فوثب عليها ابوالحديد العبدى فقتلها، فاتى به قطرى، فقال:مهيم يا ا باالحديد! فقال:يا اميرالمومنين، رايت المومنين تزايدوا فى هذه المشركه فخشيت عليهم الفتنه، فقال قطرى:احسنت، فقال رجل من الخوارج:كفانا فتنه عظمت و جلت بحمد الله سيف ابى الحديد اهاب المسلمون بها و قالوا على فرط الهوى هل من مزيد فزاد ابوالحديد بنصل سيف رقيق الحد فعل فتى رشيد و كان العلاء بن مطرف السعدى ابن عم عمرو القنا، و كان يحب ان يلقاه فى صدر مبارزه، فلحقه عمرو القنا يومئذ، و هو منهزم، فضحك منه و قال متمثلا:تمنانى ليلقانى لقيط اعام لك ابن صعصعه بن سعد ثم صاح به:انج يا اباالمصدى، و كان العلاء بن مطرف قد حمل معه امراتين:احداهما من بنى ضبه، يقال لها ام جميل، و الاخرى بنت عمه، يقال لها فلانه بنت عقيل فطلق الضبيه، و حملها اولا، و تخلص بابنه عمه، فقال فى ذلك:الست كريما اذ اقول لفتيتى قفوا فاحملوها قبل بنت عقيل و لو لم يكن عودى نضارا لاصبحت تجر على المتنين ام جميل قال الصقعب بن يزيد:و بعثنى المهلب لاتيه بالخبر، فصرت الى قنطره اربك على فرس اشتريته بثلاثه آلاف درهم، فلم احس خبرا، فسرت مهجرا الى ان امسيت، فلما امسينا و اظلمنا، سمعت كلام رجل عرفته من الجهاضم، فقلت ما وراءك؟ قال:الشر، قلت :فاين عبدالعزيز؟ قال:امامك، فلما كان آخر الليل، اذا انا بزهاء خمسين فارسا معهم لواء، فقلت:لواء من هذا؟ قالوا:لواء عبدالعزيز، فتقدمت اليه، فسلمت عليه، و قلت:اصلح الله الامير! لايكبرن عليك ما كان، فانك كنت فى شر جند و اخبثه، قال لى:او كنت معنا؟ قلت:لا، و لكن كانى شاهد امرك، ثم اقبلت الى المهلب و تركته، فقال لى:ما وراءك؟ قلت:ما يسرك، هزم الرجل و فل جيشه، فقال:ويحك! و ما يسرنى من هزيمه رجل من قريش و فل جيش من المسلمين! قلت:قد كان ذلك، ساءك او سرك، فوجه رجلا الى خالد يخبره بسلامه.

اخيه قال الرجل:فلما خبرت خالدا:قال:كذبت و لومت، و دخل رجل من قريش فكذبنى، فقال لى خالد:و الله لقد هممت ان اضرب عنقك، فقلت:اصلح الله الامير! ان كنت كاذبا فاقتلنى، و ان كنت صادقا فاعطنى مطرف هذا المتكلم، فقال خالد: