فارس، فكتب مصعب الى عمر بن عبيدالله:ما انصفتنا! اقمت بفارس تجبى الخراج، و مثل هذا العدو يجتاز بك لاتحاربه! و الله لو قاتلت ثم هزمت لكان اعذر لك! و خرج مصعب من البصره يريدهم، و اقبل عمر بن عبيدالله يريدهم، فتنحى الخوارج الى السوس، ثم اتوا الى المدائن، و بسطوا فى القتل، فجعلوا يقتلون النساء و الصبيان، حتى اتوا المذار فقتلوا، احمر طيى ء و كان شجاعا، و كان من فرسان عبيدالله بن الحر، و فى ذلك يقول الشاعر:تركتم فتى الفتيان احمر طيى ء بساباط لم يعطف عليه خليل ثم خرجوا عامدين الى الكوفه، فلما خالطوا سوادها- و واليها الحارث القباع- تثاقل عن الخروج، و كان جبانا، فذمره ابراهيم بن الاشتر، و لامه الناس، فخرج متحاملا حتى اتى النخيله، ففى ذلك يقول الشاعر:ان القباع سار سيرا نكرا يسير يوما و يقيم عشرا و جعل يعد الناس بالخروج و لايخرج، و الخوارج يعيثون، حتى اخذوا امراه، فقتلوا اباها بين يديها، و كانت جميله، ثم ارادوا قتلها، فقالت:اتقتلون من ينشا فى الحليه و هو فى الخصام غير مبين! فقال قائل منهم:دعوها، فقالوا:قد فتنتك، ثم قدموها فقتلوها.و قربوا امراه اخرى و هم بازاء القباع، و الجسر معقود بينهم، فقطعه القباع و هو
فى سته آلاف، و المراه تستغيث به و هى تقبل، و تقول:علام تقتلوننى! فو الله ما فسقت، و لاكفرت، و لازنيت، و الناس يتفلتون الى القتال، و القباع يمنعهم.فلما خاف ان يعصوه امر عند ذاك بقطع الجسر، فاقام بين دبيرى و دباها خمسه ايام، و الخوارج بقربه، و هو يقول للناس فى كل يوم:اذا لقيتم العدو غدا، فاثبتوا اقدامكم و اصبروا، فان اول الحرب الترامى، ثم اشراع الرماح، ثم السله، فثكلت رجلا امه فر من الزحف! فقال بعضهم لما اكثر عليهم:اما الصفه فقد سمعناها، فمتى يقع الفعل؟ و قال الراجز:ان القباع سار سيرا ملسا بين دباها و دبيرى خمسا و اخذ الخوارج حاجتهم، و كان شان القباع التحصن منهم، ثم انصرفوا و رجع الى الكوفه، و ساروا من فورهم الى اصبهان، فبعث عتاب بن ورقاء الرياحى الى الزبير بن على:انا ابن عمك، و لست اراك تقصد فى انصرافك من كل حرب غيرى.فبعث اليه الزبير:ان ادنى الفاسقين و ابعدهم فى الحق سواء.فاقام الخوارج يغادون عتاب بن ورقاء القتال و يراوحونه، حتى طال عليهم المقام، و لم يظفروا بكبير شى ء، فلما كثر عليهم ذلك انصرفوا، لايمرون بقريه بين اصبهان و الاهواز الا استباحوها، و قتلوا من فيها.و شاور المصعب الناس فيهم، فاجمع را
يهم على المهلب، فبلغ الخوارج مشاورتهم، فقال لهم قطرى:ان جاءكم عتاب بن ورقاء، فهو فاتك يطلع فى اول المقنب و لايظفر بكثير، و ان جاءكم عمر بن عبيدالله ففارس يقدم، اما عليه و اما له، و ان جاءكم المهلب فرجل لايناجزكم حتى تناجزوه، و ياخذ منكم و لايعطيكم، فهو البلاء الملازم، و المكروه الدائم.و عزم مصعب على توجيه المهلب، و ان يشخص هو لحرب عبدالملك.فلما احس به الزبير خرج الى الرى- و بها يزيد بن الحارث بن رويم- فحاربه ثم حصره، فلما طال عليه الحصار خرج اليه، فكان الظفر للخوارج، فقتل يزيد بن الحارث بن رويم، و نادى يزيد ابنه حوشبا، ففر عنه و عن امه لطيفه (و كان على بن ابى طالب (ع) دخل على الحارث بن رويم يعود ابنه يزيد، فقال:عندى جاريه لطيفه الخدمه ابعث بها اليك، فسماها يزيد لطيفه)، فقتلت مع بعلها يزيد يومئذ.و قال الشاعر:مواقفنا فى كل يوم كريهه اسر و اشفى من مواقف حوشب دعاه ابوه و الرماح شوارع فلم يستجب بل راغ ترواغ ثعلب و لو كان شهم النفس او ذا حفيظه راى ما راى فى الموت عيسى بن مصعب و قال آخر:نجى حليلته و اسلم شيخه نصب الاسنه حوشب بن يزيد قال:ثم انحط الزبير على اصفهان، فحصر بها عتاب بن ورقاء سبعه
اشهر، و عتاب يحاربه فى بعضهن، فلما طال به الحصار قال لاصحابه:ما تنتظرون! و الله ما توتون من قله، و انكم لفرسان عشائركم، و لقد حاربتموهم مرارا فانتصفتم منهم، و ما بقى مع هذا الحصار الا ان تفنى ذخائركم، فيموت احدكم، فيدفنه اخوه، ثم يموت اخوه فلا يجد من يدفنه، فقاتلوا القوم و بكم قوه من قبل ان يضعف احدكم عن ان يمشى الى قرنه.فلما اصبح صلى بهم الصبح، ثم خرج الى الخوارج و هم غارون، و قد نصب لواء لجاريه له يقال لها ياسمين، فقال:من اراد البقاء فليلحق بلواء ياسمين، و من اراد الجهاد فليخرج معى، فخرج فى الفين و سبعمائه فارس، فلم يشعر بهم الخوارج حتى غشوهم، فقاتلوهم بجد لم تر الخوارج منهم مثله، فعقروا منهم خلقا كثيرا و قتل الزبير بن على، و انهزمت الخوارج، فلم يتبعهم عتاب، ففى ذلك يقول القائل:و يوم بجى تلافيته و لولاك لاصطلم العسكر و قال آخر:خرجت من المدينه مستميتا و لم اك فى كتيبه ياسمينا اليس من الفضائل ان قومى غدوا مستلئمين مجاهدينا قال:و تزعم الرواه انهم فى ايام حصارهم كانوا يتواقفون، و يحمل بعضهم على بعض، و ربما كانت مواقفه بغير حرب، و ربما اشتدت الحرب بينهم، و كان رجل من اصحاب عتاب- يقال له:شريح،
و يكنى اباهريره- اذا تحاجز القوم مع المساء نادى بالخوارج و الزبير بن على:يابن ابى الماحوز و الاشرار كيف ترون يا كلاب النار شد ابى هريره الهرار يهركم بالليل و النهار الم تروا جيا على المضمار تمسى من الرحمن فى جوار فغاظهم ذلك، فكمن له عبيده بن هلال، فضربه بالسيف، و احتمله اصحابه، و ظنت الخوارج انه قد قتل، فكانوا اذا تواقفوا نادوهم:ما فعل الهرار؟ فيقولون:ما به من باس، حتى ابل من علته، فخرج اليهم، فقال:يا اعداء الله اترون بى باسا؟ فصاحوا به:قد كنا نرى انك قد لحقت بامك الهاويه، الى النار الحاميه.(قطرى بن الفجاءه المازنى) و منهم قطرى بن الفجاءه المازنى، قال ابوالعباس:لما قتل الزبير بن على ادارت الخوارج امرها، فارادوا توليه عبيده بن هلال، فقال:ادلكم على من هو خير لكم منى؟ من يطاعن فى قبل، و يحمى فى دبر، عليكم بقطرى بن الفجاءه المازنى.فبايعوه.و قالوا:يا اميرالمومنين، امض بنا الى فارس، فقال:ان بفارس عمر بن عبيدالله بن معمر، و لكن نسير الى الاهواز، فان خرج مصعب من البصره دخلناها، فاتوا الاهواز ثم ترفعوا عنها على ايذج- و كان المصعب قد عزم على الخروج الى باجميرا- و قال لاصحابه:ان قطريا لمطل
علينا، و ان خرجنا عن البصره دخلها، فبعث الى المهلب فقال:اكفنا هذا العدو، فخرج اليهم المهلب، فلما احس به قطرى يمم نحو كرمان، و اقام المهلب بالاهواز، ثم كر عليه قطرى، و قد استعد، و كانت الخوارج فى حالاتهم احسن عده ممن يقاتلهم بكثره السلاح و كثره الدواب، و حصانه الجنن.فحاربهم المهلب، فدفعهم فصاروا الى رامهرمز، و كان الحارث بن عميره الهمدانى قد صار الى المهلب مراغما لعتاب بن ورقاء، و يقال:انه لم يرضه عن قتله الزبير بن على، و كان الحارث بن عميره، هو الذى قتله و خاض اليه اصحابه، ففى ذلك يقول اعشى همدان:ان المكارم اكملت اسبابها لابن الليوث الغر من همدان للفارس الحامى الحقيقه معلما زاد الرفاق و فارس الفرسان الحارث بن عميره الليث الذى يحمى العراق الى قرى نجران ود الازراق لو يصاب بطعنه و يموت من فرسانهم مائتان قال ابوالعباس:و خرج مصعب الى باجميرا، ثم اتى الخوارج خبر مقتله بمسكن، و لم يات المهلب و اصحابه، فتواقفوا يوما برامهرمز على الخندق، فناداهم الخوارج:ما تقولون فى مصعب؟ قالوا:امام هدى، قالوا:فما تقولون فى عبدالملك؟ قالوا:ضال مضل، فلما كان بعد يومين اتى المهلب قتل المصعب، و ان اهل العراق قد
اجتمعوا على عبدالملك و ورد عليه كتاب عبدالملك بولايته، فلما تواقفوا ناداهم الخوارج:ما تقولون فى المصعب؟ قالوا:لانخبركم، قالوا:فما تقولون فى عبدالملك؟ قالوا:امام هدى، قالوا:يا اعداء الله، بالامس ضال مضل، و اليوم امام هدى! يا عبيد الدنيا عليكم لعنه الله! و روى ابوالفرج الاصفهانى فى كتاب "الاغانى الكبير"، قال:كان الشراه و المسلمون فى حرب المهلب و قطرى يتواقفون و يتساءلون بينهم عن امر الدين و غير ذلك، على امان و سكون، لايهيج بعضهم بعضا، فتواقف يوما عبيده بن هلال اليشكرى، و ابو حزابه التميمى، فقال عبيده:يا اباحزابه، انى اسالك عن اشياء، افتصدقنى عنها فى الجواب؟ قال:نعم، ان ضمنت لى مثل ذلك، قال:قد فعلت، قال:فسل عما بدا لك، قال:ما تقولون فى ائمتكم؟ قال:يبيحون الدم الحرام، قال:ويحك! فكيف فعلهم فى المال؟ قال:يحبونه من غير حله، و ينفقونه فى غير وجهه، قال:فكيف فعلهم فى اليتيم؟ قال:يظلمونه ماله، و يمنعونه حقه، و ينيكون امه، قال:ويحك يا اباحزابه! امثل هولاء تتبع! قال:قد اجبتك، فاسمع سوالى، و دع عتابى على رايى، قال:سل، قال:اى الخمر اطيب، خمر السهل ام خمر الجبل؟ قال:ويحك! امثلى يسال عن هذا! قال:قد اوجب
ت على نفسك ان تجيب، قال:اما اذ ابيت، فان خمر الجبل اقوى و اسكر، و خمر السهل احسن و اسلس، قال:فاى الزوانى افره؟ ازوانى رامهرمز، ام زوانى ارجان؟ قال:ويحك! ان مثلى لايسال عن هذا، قال:لابد من الجواب او تغدر.قال:اما اذ ابيت فزوانى رامهرمز ارق ابشارا، و زوانى ارجان احسن ابدانا.قال:فاى الرجلين اشعر، جرير ام الفرزدق؟ قال:عليك و عليهما لعنه الله، قال:لابد ان تجيب، قال:ايهما الذى يقول:و طوى الطراد مع القياد بطونها طى التجار بحضرموت برودا قال: