شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 194
نمايش فراداده

و كره له قريشا، فنقله الى الانصار، ثم قدمنا عليهم دارهم، فقاسمونا الاموال، و كفونا العمل، فصرنا منهم بين بذل الغنى و ايثار الفقير، ثم حاربنا الناس فوقونا بانفسهم، و قد انزل الله تعالى فيهم آيه من القرآن جمع لهم فيها بين خمس نعم، فقال:(و الذين تبوءوا الدار و الايمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم و لايجدون فى صدورهم حاجه مما اوتوا و يوثرون على انفسهم و لو كان بهم خصاصه و من يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون)، الا و ان عمرو بن العاص قد قام مقاما آذى فيه الميت و الحى، ساء به الواتر و سر به الموتور، فاستحق من المستمع الجواب، و من الغائب المقت، و انه من احب الله و رسوله احب الانصار، فليكفف عمرو عنا نفسه.

قال الزبير:فمشت قريش عند ذلك الى عمرو بن العاص، فقالوا:ايها الرجل، اما اذا غضب على فاكفف.

و قال خزيمه بن ثابت الانصارى يخاطب قريشا:ايال قريش اصلحوا ذات بيننا و بينكم قد طال حبل التماحك فلا خير فيكم بعدنا فارفقوا بنا و لا خير فينا بعد فهر بن م الك كلانا على الاعداء كف طويله اذا كان يوم فيه جب الحوارك فلا تذكروا ما كان منا و منكم ففى ذكر ما قد كان مشى التساوك قال الزبير:و قال على للفضل:يا فضل، انصر الانصار بلسانك و يدك، فانهم منك و انك منهم، فقال الفضل:قلت يا عمرو مقالا فاحشا ان تعد يا عمرو و الله فلك انما الانصار سيف قاطع من تصبه ظبه السيف هلك و سيوف قاطع مضربها و سهام الله فى يوم الحلك نصروا الدين و آووا اهله منزل رحب و رزق مشترك و اذا الحرب تلظت نارها بركوا فيها اذا الموت برك و دخل الفضل على على فاسمعه شعره، ففرح به، و قال وريت بك زنادى يا فضل، انت شاعر قريش و فتاها، فاظهر شعرك و ابعث به الى الانصار، فلما بلغ ذلك الانصار، قالت:لا احد يجيب الا حسان الحسام، فبعثوا الى حسان بن ثابت، فعرضوا عليه شعر الفضل، فقال:كيف اصنع بجوابه! ان لم اتحر قوافيه فضحنى، فرويدا حتى اقفو اثره فى القوافى، فقال له خزيمه بن ثابت:اذكر عليا و آله يكفك عن كل شى ء، فقال:جزى الله عنا و الجزاء بكفه ابا حسن عنا و من كابى حسن سبقت قريشا بالذى انت اهله فصدرك مشروح و قلبك ممتحن تمنت رجال من قريش اعزه مكانك هيهات الهزال من السمن! و ان ت من الاسلام فى كل موطن بمنزله الدلو البطين من الرسن غضبت لنا اذ قام عمرو بخطبه امات بها التقوى و احيا بها الاحن فكنت المرجى من لوى بن غالب لما كان منهم، و الذى كان لم يكن حفظت رسول الله فينا و عهده اليك و من اولى به منك من و من! الست اخاه فى الهدى و وصيه و اعلم منهم بالكتاب و بالسنن فحقك ما دامت بنجد و شيجه عظيم علينا ثم بعد على اليمن قال الزبير:و بعثت الانصار بهذا الشعر الى على بن ابى طالب، فخرج الى المسجد، و قال لمن به من قريش و غيرهم.

يا معشر قريش، ان الله جعل الانصار انصارا، فاثنى عليهم فى الكتاب، فلا خير فيكم بعدهم، انه لايزال سفيه من سفهاء قريش وتره الاسلام، و دفعه عن الحق، و اطفا شرفه و فضل غيره عليه، يقوم مقاما فاحشا فيذكر الانصار، فاتقوا الله و ارعوا حقهم، فو الله لو زالوا لزلت معهم، لان رسول الله قال لهم:(ازول معكم حيثما زلتم)، فقال المسلمون جميعا:رحمك الله يا اباالحسن! قلت قولا صادقا.

قال الزبير:و ترك عمرو بن العاص المدينه، و خرج عنها حتى رضى عنه على و المهاجرون.

قال الزبير:ثم ان الوليد بن عقبه بن ابى معيط- و كان يبغض الانصار، لانهم اسروا اباه يوم بدر، و ضربوا عنقه بين يدى رسول الله- قام يشتم الانصار، و ذكرهم بالهجر، فقال:ان الانصار لترى لها من الحق علينا ما لانراه، و الله لئن كانوا آووا لقد عزوا بنا، و لئن كانوا آسوا لقد منوا علينا، و الله ما نستطيع مودتهم، لانه لايزال قائل منهم يذكر ذلنا بمكه، و عزنا بالمدينه، و لاينفكون يعيرون موتانا، و يغيظون احياءنا، فان اجبناهم قالوا:غضبت قريش على غاربها، و لكن قد هون على ذلك منهم حرصهم على الدين امس، و اعتذارهم من الذنب اليوم، ثم قال:تباذخت الانصار فى الناس باسمها و نسبتها فى الازد عمرو بن عامر و قالوا:لنا حق عظيم و منه على كل باد من معد و حاضر فان يك للانصار فضل فلم تنل بحرمته الانصار فضل المهاجر و ان تكن الانصار آوت و قاسمت معايشها من جاء قسمه جازر فقد افسدت ما كان منها بمنها و ما ذاك فعل الاكرمين الاكابر اذا قال حسان و كعب قصيده بشتم قريش غنيت فى المعاشر و سار بها الركبان فى كل وجهه و اعمل فيها كل خف و حافر فهذا لنا من كل صاحب خطبه يقوم بها منكم و من كل شاعر و اهل بان يهجو بكل قصيده و اهل بان يرموا بنبل فواقر قال:ففشا شعره فى الناس، فغضبت الانصار، و غضب لها من قريش قوم، منهم ضرار بن الخطاب الفهرى، و زيد بن الخطاب، و يزيد بن ابى سفيان، فبعثوا الى الوليد فجاء.

فتكلم زيد بن الخطاب، فقال:يا بن عقبه بن ابى معيط، اما و الله لو كنت من الفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم و اموالهم يبتغون فضلا من الله و رضوانا، لاحببت الانصار، و لكنك من الجفاه فى الاسلام البطاء عنه، الذين دخلوا فيه بعد ان ظهر امر الله و هم كارهون، انا نعلم انا اتيناهم و نحن فقراء، فاغنونا، ثم اصبنا الغنى فكفوا عنا.

و لم يرزءونا شيئا.

فاما ذكرهم ذله قريش بمكه و عزها بالمدينه، فكذلك كنا، و كذلك قال الله تعالى:(و اذكروا اذ انتم قليل مستضعفون فى الارض تخافون ان يتخطفكم الناس)، فنصرنا الله تعالى بهم، و آوانا الى مدينتهم.

و اما غضبك لقريش فانا لاننصر كافرا، و لانواد ملحدا و لافاسقا، و لقد قلت و قالوا، فقطعك الخطيب، و الجمك الشاعر.

و اما ذكرك الذى كان بالامس، فدع المهاجرين و الانصار، فانك لست من السنتهم فى الرضا، و لا نحن من ايديهم فى الغضب.

و تكلم يزيد بن ابى سفيان، فقال:يا بن عقبه، الانصار احق بالغضب لقتلى احد، فاكفف لسانك، فان من قتله الحق لايغضب له.

و تكلم ضرار بن الخطاب، فقال:اما و الله لولا ان رسول الله (ص) قال:(الائمه من قريش ) لقلنا:الائمه من الانصار، و لكن جاء امر غلب الراى، فاقمع شرتك ايها الرجل، و لاتكن امرا سوء، فان الله لم يفرق بين الانصار و المهاجرين فى الدنيا، و كذلك الله لايفرق بينهم فى الاخره.

و اقبل حسان بن ثابت مغضبا من كلام الوليد بن عقبه و شعره، فدخل المسجد و فيه قوم من قريش، فقال:يا معشر قريش، ان اعظم ذنبنا اليكم قتلنا كفاركم، و حمايتنا رسول الله (ص)، و ان كنتم تنقمون منا منه كانت بالامس، فقد كفى الله شرها، فما لنا و ما لكم، و الله ما يمنعنا من قتالكم الجبن، و لا من جوابكم العى.

انا لحى فعال و مقال، و لكنا قلنا:انها حرب، اولها عار و آخرها ذل، فاغضينا عليها عيوننا، و سحبنا ذيولنا، حتى نرى و تروا، فان قلتم قلنا، و ان سكتم سكتنا.

فلم يجبه احد من قريش، ثم سكت كل من الفريقين عن صاحبه، و رضى القوم اجمعون، و قطعوا الخلاف و العصبيه.

انتهى ما ذكره الزبير بن بكار فى "الموفقيات" و نعود الان الى ذكر ما اورده ابوبكر احمد بن عبدالعزيز الجوهرى فى كتاب "السقيفه".

قال ابوبكر:حدثنى ابويوسف يعقوب بن شيبه، عن بحر بن آدم عن رجاله، عن سالم بن عبيد، قال:لما توفى رسول الله و قالت الانصار:منا امير و منكم امير:اخذ عمر بيد ابى بكر، و ق ال سيفان فى غمد واحد! اذا لايصلحان.

ثم قال:من له هذه الثلاث:(ثانى اثنين اذ هما فى الغار) من هما؟ (اذ يقول لصاحبه لاتحزن)، من صاحبه؟ (ان الله معنا) مع من؟ ثم بسط يده الى ابى بكر فبايعه، فبايعه الناس احسن بيعه، و اجملها.

قال ابوبكر:حدثنا احمد بن عبدالجبار العطاردى، عن ابى بكر بن عياش، عن زيد بن عبدالله، قال:ان الله تعالى نظر فى قلوب العباد، فوجد قلب محمد (ع) خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، و ابتعثه برسالته، ثم نظر فى قلوب الامم بعد قلبه، فوجد قلوب اصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون عن دينه، فما راى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، و ما راى المسلمون سيئا فهو عند الله سيى ء.

قال ابوبكر بن عياش:و قد راى المسلمون ان يولوا ابابكر بعد النبى (ص)، فكانت ولايته حسنه.

قال ابوبكر:و حدثنا يعقوب بن شيبه، قال:لما قبض رسول الله (ص) و قال الانصار:(منا امير و منكم امير)، قال عمر:ايها الناس، ايكم يطيب نفسا ان يتقدم قدمين قدمهما رسول الله (ص) فى الصلاه! رضيك الله لديننا افلا نرضاك لدنيانا! قال ابوبكر:و اخبرنا ابوزيد عمر بن شبه، قال حدثنى زيد بن يحيى الانماطى، قال:حدثنا صخر بن جويريه، عن عبدالرحمن بن الق اسم، عن ابيه، قال:اخذ ابوبكر بيد عمر و يد رجل من المهاجرين- يرونه اباعبيده- حتى انطلقوا الى الانصار، و قد اجتمعوا عند سعد فى سقيفه بنى ساعده، فقال عمر:قلت لابى بكر:دعنى اتكلم، و خشيت جد ابى بكر- و كان ذا جد- فقال ابوبكر لا، بل انا اتكلم، فما هو و الله الا ان انتهينا اليهم، فما كان فى نفسى شى ء اريد ان اقوله الا اتى ابوبكر عليه، فقال لهم:يا معشر الانصار، ما ينكر حقكم مسلم، انا و الله ما اصبنا خيرا قط الا شركتمونا فيه، لقد آويتم و نصرتم، و آزرتم و واسيتم، و لكن قد علمتم ان العرب لاتقر و لاتطيع الا لامرى ء من قريش، هم رهط النبى (ص)، اوسط العرب وشيجه رحم، و اوسط الناس دارا، و اعرب الناس السنا، و اصبح الناس اوجها، و قد عرفتم بلاء ابن الخطاب فى الاسلام و قدمه، هلم فلنبايعه.

قال عمر:بل اياك نبايع، قال عمر:فكنت اول الناس مد يده الى ابى بكر فبايعه، الا رجلا من الانصار ادخل يده بين يدى و يد ابى بكر فبايعه قبلى.

و وطى ء الناس فراش سعد، فقيل:قتلتم سعدا.

فقال عمر:قتل الله سعدا! فوثب رجل من الانصار، فقال:انا جذيلها المحكك و عذيقها المرجب.