الاشباح: الاشخاص، و المراد بهم هاهنا الملائكه، لان الخطبه تتضمن ذكر الملائكه.
و قوله: (الصلاه جامعه) منصوب بفعل مقدر، اى احضروا الصلاه، و اقيموا الصلاه، و (جامعه) منصوب على الحال من الصلاه.
و غص المسجد، بفتح الغين، اى امتلاء، و المسجد غاص باهله.
و يقال: رجل مغضب، بفتح الضاد، اى قد اغضب، اى فعل به ما يوجب غضبه.
و يفره المنع: يزيد فى ماله، و الموفور التام، وفرت الشى ء وفرا و وفر الشى ء نفسه وفورا، يتعدى و لايتعدى.
و فى امثالهم: (يوفر و يحمد) هو من قولك وفرته عرضه و وفرته ماله.
و قوله: (و لايكديه الاعطاء)، اى لايفقره و لاينفد خزائنه، يقال: (كدت الارض) تكد و فهى كاديه، اذا ابطاء نباتها، و قل خيرها، فهذا لازم، فاذا عديته اتيت بالهمزه فقلت: اكديت الارض، اى جعلتها كاديه، و تقول: اكدى الرجل اذا قل خيره، و قوله تعالى: (و اعطى قليلا و اكدى)، اى قطع القليل، يقول: انه سبحانه قادر على المقدورات، و ليس كالملوك من البشر الذين اذا اعطوا نقصت خزائنهم و ان منعوا زادت، و قد شرح ذلك و قال: (اذ كل معط منتقص) اى منقوص، و يجى ء (انتقص) لازما و متعديا، تقول: انتقص الشى ء نفسه، و انتقصت الشى ء، اى نقصته و كذلك (نقص) يجى ء لازما و متعديا.
ثم قال: (و كل مانع مذموم غيره)، و ذلك لانه تعالى انما يمنع من تقتضى الحكمه و المصلحه منعه، و ليس كما يمنع البشر.
و سال رجل على بن موسى الرضا عن الجواد، فقال: ان لكلامك وجهين، فان كنت تسال عن المخلوق، فان الجواد هو الذى يودى ما افترض الله عليه، و البخيل هو الذى يبخل بما افترض الله عليه، و ان كنت تعنى الخالق، فهو الجواد ان اعطى، و هو الجواد ان منع، لانه ان اعطى عبدا اعطاه ما ليس له، و ان منعه منعه ما ليس له.
قوله: (و ليس بما سئل باجود منه بما لم يسال) فيه معنى لطيف، و ذاك لان هذا المعنى مما يختص بالبشر، لانهم يتحركون بالسوال و تهزهم الطلبات، فيكونون بما سالهم السائل اجود منهم بما لم يسالهم اياه، و اما البارى ء سبحانه فان جوده ليس على هذا المنهاج لان جوده عام فى جميع الاحوال.
ثم ذكر ان وجوده تعالى ليس بزمانى، فلا يطلق عليه البعديه و القبليه، كما يطلق على الزمانيات، و انما لم يكن وجوده زمانيا لانه لايقبل الحركه، و الزمان من لواحق الحركه، و انما لم تطلق عليه البعديه و القبليه اذ لم يكن زمانيا، لان قولنا فى الشى ء: انه بعد الشى ء الفلانى، اى الموجود فى زمان حضر بعد تقضى زمان ذلك الشى ء الفلانى، و قولنا فى الشى ء: انه قبل الشى ء الفلانى، اى انه موجود فى زمان حضر و لم يحضر زمان ذلك الشى ء الفلانى بعد، فما ليس فى الزمان ليس يصدق عليه القبل و البعد الزمانيان، فيكون تقدير الكلام على هذا: الاول الذى لايصدق عليه القبليه الزمانيه، ليمكن ان يكون شى ء ما قبله، و الاخر الذى لايصدق عليه البعديه الزمانيه، ليمكن ان يكون شى ء ما بعده.
و قد يحمل الكلام على وجه آخر اقرب متناولا من هذا الوجه، و هو ان يكون اراد: الذى لم يكن محدثا، اى موجودا قد سبقه عدم، فيقال انه مسبوق بشى ء من الاشياء اما الموثر فيه او الزمان المقدم عليه، و انه ليس بذات يمكن فناوها و عدمها فيما لايزال، فيقال: انه ينقضى و ينصرم، و يكون بعده شى ء من الاشياء، اما الزمان او غيره، و الوجه الاول ادق و الطف، و يوكد كونه مرادا قوله عقيبه: (ما اختلف عليه دهر فيختلف منه الحال)، و ذلك لان واجب الوجود اعلى من الدهر و الزمان، فنسبه ذاته الى الدهر و الزمان بجملته و تفصيل اجزائه نسبه متحده.
فان قلت: اذا لم يكن قبل الاشياء بالزمان و لا بعدها بالزمان، فهو معها بالزمان، لانه لايبقى بعد نفى القبليه و البعديه الا المعيه! قلت: انما يلزم ذلك فيما وجوده زمانى، و اما ما ليس زمانيا لايلزم من نفى القبليه و البعديه اثبات المعيه، كما انه ما لم يكن وجوده مكانيا لم يلزم من نفى كونه فوق العالم او تحت العالم بالمكان، ان يكون مع العالم بالمكان.
ثم قال: (الرادع اناسى الابصار عن ان تناله او تدركه)، الاناسى: جمع انسان، و هو المثال الذى يرى فى السواد، و هذا اللفظ بظاهره يشعر بمذهب الاشعريه، و هو قولهم: ان الله تعالى خلق فى الابصار مانعا عن ادراكه، الا ان الادله العقليه من جانبنا اقتضت تاويل هذا اللفظ، كما تاول شيوخنا قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضره، الى ربها ناظره)، فقالوا: الى جنه ربها، فنقول: تقديره الرادع اناسى الابصار ان تنال انوار جلالته.
فان قلت: اتثبتون له تعالى انوارا يمكن ان تدركها الابصار، و هل هذا الا قول بالتجسيم! قلت: كلا لاتجسيم فى ذلك، فكما ان له عرشا و كرسيا و ليس بجسم، فكذلك انوار عظيمه فوق العرش، و ليس بجسم، فكيف تنكر الانوار، و قد نطق الكتاب العزيز بها فى غير موضع، كقوله: (و اشرقت الارض بنور ربها)، و كقوله: (مثل نوره كمشكاه فيها مصباح).