الشرح:
هذا الكلام من تتمه الكلام الاول، و هو قوله: (لايفره المنع، و لايكديه الاعطاء و الجود).و تنفست عنه المعادن: استعاره، كانها لما اخرجته و ولدته كانت كالحيوان يتنفس فيخرج من صدره و رئته الهواء.و ضحكت عنه الاصداف، اى تفتحت عنه و انشقت، يقال للطلع حين ينشق: الضحك، بفتح الضاد، و انما سمى الضاحك ضاحكا، لانه يفتح فاه.و الفلز: اسم الاجسام الذائبه كالذهب و الفضه و الرصاص و نحوها.و اللجين: اسم الفضه جاء مصغرا، كالكميت و الثريا.و العقيان: الذهب الخالص، و يقال: هو ما ينبت نباتا و ليس مما يحصل من الحجاره.و نثاره الدر: ما تناثر منه، كالسقاطه و النخاله، و تاتى (فعاله) تاره للجيد المختار، و تاره للساقط المتروك، فالاول نحو الخلاصه و الثانى نحو القلامه.و حصيد المرجان: كانه اراد المتبدد منه كما يتبدد الحب المحصود، و يجوز ان يعنى به الصلب المحكم، من قولهم: (شى ء مستحصد)، اى مستحصف مستحكم، يعنى انه ليس برخو و لا هش، و يروى: (و حصباء المرجان)، و الحصباء: الحصى.و ارض حصبه و محصبه، بالفتح: ذات حصباء.و المرجان: صغار اللولو، و قد قيل انه هذا الحجر، و استعمله بعض المتاخرين فقال: ادمى لها المرجان صفحه خده و بكى عليها اللولو المكنون و تنفده: تفنيه، نفد الشى ء اى فنى، و انفدته انا.و مطالب الانام: جمع مطلب، و هو المصدر، من طلبت الشى ء طلبا و م
طلبا.و يغيضه، بفتح حرف المضارعه: ينقصه، و يقال: غاض الماء، فهذا لازم، و غاض الله الماء، فهذا متعد، و جاء: اغاض الله الماء.و الالحاح: مصدر الح على الامر، اى اقام عليه دائما، من الح السحاب، اذا دام مطره، و الح البعير: حرن، كما تقول: خلات الناقه، و روى (و لايبخله) بالتخفيف، تقول: ابخلت زيدا، اى صادفته بخيلا، و اجبنته: وجدته جبانا.و فى هذا الفصل من حسن الاستعاره و بديع الصنعه ما لا خفاء به.
الشرح:
تقول: ائتم فلان بفلان، اى جعله اماما و اقتدى به.فكل علمه، من وكله الى كذا و كلا و وكولا، و هذا الامر موكول الى رايك.و الاقتحام: الهجوم و الدخول مغالبه.و السدد المضروبه: جمع سده، و هى الرتاج.و اعلم ان هذا الفصل يمكن ان تتعلق به الحشويه المانعون من تاويل الايات الوارده فى الصفات، القائلين بالجمود على الظواهر، و يمكن ايضا ان يتعلق به من نفى النظر و حرمه اصلا، و نحن قبل ان نحققه و نتكلم فيه نبدا بتفسير قوله تعالى: (و ما يعلم تاويله الا الله و الراسخون فى العلم)، فنقول: ان من الناس من وقف على قوله: (الا الله)، و منهم من لم يقف على ذلك، و هذا القول اقوى من الاول، لانه اذا كان لايعلم تاويل المتشابه الا الله لم يكن فى انزاله و مخاطبه المكلفين به فائده، بل يكون كخطاب العربى بالزنجيه، و معلوم ان ذلك عيب قبيح.فان قلت: فما الذى يكون موضع (يقولون) من الاعراب؟ قلت: يمكن ان يكون نصبا على انه حال من الراسخين، و يمكن ان يكون كلاما مستانفا، اى هولاء العالمون بالتاويل، يقولون: آمنا به.و قد روى عن ابن عباس انه تاول آيه، فقال قائل من الصحابه: (و ما يعلم تاويله الا الله)، فقال ابن عباس: (و الراسخون فىالعلم)، و انا من جمله الراسخين.ثم نعود الى تفسير كلام اميرالمومنين (ع) فنقول: انه غضب و تغير وجهه لقول السائل: صف لنا ربنا مثل ما نراه عيانا، و اذا هذا المعنى ينصرف وصيه له بما اوصاه به من اتباع ما جاء فى القرآن و السنه، و ذلك لان العلم الحاصل من رويه الشى ء عيانا، علم لايمكن ان يتعلق مثله بالله سبحانه، لان ذاته تعالى لايمكن ان تعلم من حيث هى هى، كما تعلم المحسوسات، الا ترى انا اذا علمنا انه صانع العالم، و انه قادر عالم حى سميع بصير مريد، و انه ليس بجسم و لا جوهر و لا عرض، و علمنا جميع الامور السلبيه و الايجابيه المتعلقه به، فانما علمنا سلوبا و اضافات، و لا شك ان ماهيه الموصوف مغايره لماهيه الصفات، و الذوات المحسوسه بخلاف ذلك، لانا اذا راينا السواد، فقد علمنا نفس حقيقه السواد، لا صفه من صفات السواد، و ايضا فانا لو قدرنا ان العلم بوجوده و صفاته السلبيه و الايجابيه، يستلزم العلم بذاته، من حيث هى هى لم يكن عالما بذاته علما جزئيا، لانه يمكن ان يصدق هذا العلم على كثيرين، على سبيل البدل، و اذا ثبت انه يستحيل ان يصدق على كثيرين على سبيل البدل، ثبت انه يستحيل ان يصدق على كثيرين على سبيل الجمع، و العلم بالمحسوس يستحي
ل ان يصدق على كثيرين لا على سبيل الجمع، و لا على سبيل البدل، فقد بان انه يستحيل ان يعلم الله تعالى كما يعلم الشى ء المرئى عيانا، فامير المومنين (ع) انكر هذا السوال كما انكره الله تعالى على بنى اسرائيل لما طلبوا الرويه، قال تعالى: (و اذ قلتم يا موسى لن نومن لك حتى نرى الله جهره فاخذتكم الصاعقه).ثم قال للسائل بعد غضبه و استحاله لونه و ظهور اثر الانكار عليه: ما دلك القرآن عليه من صفته فخذ به، فان لم تجده فى الكتاب فاطلبه من السنه و من مذاهب ائمه الحق، فان لم تجد ذلك، فاعلم ان الشيطان حينئذ قد كلفك علم ما لم يكلفك الله علمه، و هذا حق، لان الكتاب و السنه قد نطقا بصفات الله من كونه عالما قادرا حيا مريدا سميعا بصيرا، و نطقا ايضا بتنزيهه عن سمات الحدوث كالجسيمه و الحلول و الجهه، و ما استلزم الجهه كالرويه فلا انكار على من طلب فى مدارك العقول وجوها تعضد ما جاء به القرآن و السنه، و توفق بين بعض الايات و بعض، و تحمل احد اللفظين على الاخر اذا تناقضا فى الظاهر، صيانه لكلام الحكيم عن التهافت و التعارض.و اما ما لم يات الكتاب و السنه فيه بشى ء فهو الذى حرم و حظر على المكلفين الفكر فيه، كالكلام فى الماهيه التى يذهب ضرار الم
تكلم اليها، و كاثبات صفات زائده على الصفات المعقوله لذات البارى ء سبحانه، و هى على قسمين: احدهما: ما لم يرد فيه نص، كاثبات طائفه تعرف بالماتريديه صفه سموها التكوين زائده على القدره و الاراده.و الثانى: ما ورد فيه لفظ فاخطا بعض اهل النظر، فاثبت لاجل ذلك اللفظه صفه غير معقوله للبارى ء سبحانه، نحو قول الاشعريين: ان اليدين صفه من صفات الله، و الاستواء على العرش صفه من صفات الله، و ان وجه الله صفه من صفاته ايضا، ثم قال: ان الراسخين فى العلم الذين غنوا بالاقرار بما عرفوه عن الولوج و التقحم فيما لم يعرفوه، و هولاء هم اصحابنا المعتزله لا شبهه فى ذلك، الا ترى انهم يعللون افعال الله تعالى بالحكم و المصالح، فاذا ضاق عليهم الامر فى تفصيل بعض المصالح فى بعض المواضع، قالوا: نعلم على الجمله ان لهذا وجه حكمه و مصلحه، و ان كنا لانعرف تفصيل تلك المصلحه، كما يقولون فى تكليف من يعلم الله تعالى منه انه يكفر، و كما يقولون فى اختصاص الحال التى حدث فيها العالم بحدوثه دون ما قبلها و ما بعدها.و قد تاول القطب الراوندى كلام اميرالمومنين فى هذا الفصل، فقال: انما انكر على من يقول: لم تعبد الله المكلفين باقامه خمس صلوات، و هلا كانت ستا ا
و اربعا! و لم جعل الظهر اربع ركعات، و الصبح ركعتين؟ و هلا عكس الحال! و هذا التاويل غير صحيح، لانه (ع) انما اخرج هذا الكلام مخرج المنكر على من ساله ان يصف له البارى ء سبحانه، و لم يكن السائل قد سال عن العله فى اعداد الصلاه و كميه اجزاء العبادات.ثم انه (ع) قد صرح فى غضون الكلام بذلك، فقال: فانظر ايها السائل، فما دلك القرآن عليه من صفته فائتم به، و ما لم يدلك عليه فليس عليك ان تخوض فيه، و هذا الكلام تصريح بان البحث انما هو فى النظر العقلى فى فن الكلام، فلا يجوز ان يحمل على ما هو بمعزل عنه.و اعلم اننا نتساهل فى الفاظ المتكلمين، فنوردها بعباراتهم، كقولهم فى (المحسوسات) و الصواب (المحسات)، لانه لفظ المفعول من (احس) الرباعى، لكنا لما راينا العدول عن الفاظهم اذا خضنا فى مباحثهم مستهجنا عبرنا بعبارتهم على علم منا ان العربيه لاتسوغها.