شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 298
نمايش فراداده

الشرح:

فعل، مشدد، للتكثير، (قتلت) اكثر من (قتلت)، فيقتضى قوله (ع): (قد حقر الدنيا) زياده تحقير النبى (ص) لها، و ذلك ابلغ فى الثناء عليه و تقريظه.

قوله: (و صغرها)، اى و صغرها عند غيره، ليكون قوله: (و اهون بها و هونها) مطابقا له، اى اهون هو بها و هونها عند غيره.

و زواها: قبضها، قال عليه الصلاه و السلام: (زويت لى الارض فرايت مشارقها و مغاربها).

و قوله: (اختيارا)، اى قبض الدنيا عنه باختيار و رضا من النبى (ص) بذلك، و علم بما فيه من رفعه قدره، و منزلته فى الاخره.

و الرياش و الريش بمعنى، و هو اللباس الفاخر كالحرم و الحرام و اللبس و اللباس، و قرى ء: (و رياشا و لباس التقوى ذلك خير) و يقال: الريش و الرياش: المال و الخصب و المعاش، و ارتاش فلان: حسنت حاله.

و معذرا، اى مبالغا، اعذر فلان فى الامر، اى بالغ فيه.

الشرح:

هذا الكلام غير ملتصق بالاول كل الالتصاق، و هو من النمط الذى ذكرناه مرارا، لان الرضى رحمه الله يقتضب فصولا من خطبه طويله، فيوردها ايرادا واحدا، و بعضها منقطع عن البعض.

قوله (ع): (نحن شجره النبوه)، كانه جعل النبوه كثمره اخرجتها شجره بنى هاشم.

و محط الرساله: منزلها.

و مختلف الملائكه: موضع اختلافها فى صعودها و نزولها، و الى هذا المعنى نظر بعض الطالبيين فقال: يفتخر على بنى عم له ليسوا بفاطميين: هل كان يقتعد البراق ابوكم ام كان جبريل عليه ينزل ام هل يقول له الاله مشافها بالوحى قم يا ايها المزمل و قال آخر يمدح قوما فاطميين: و يطرقه الوحى وهنا و انتم ضجيعان بين يدى جبرئيلا يعنى حسنا (ع) و حسينا (ع).

و اعلم انه ان اراد بقوله: (نحن مختلف الملائكه) جماعه من جملتها رسول الله (ص)، فلا ريب فى صحه القضيه و صدقها، و ان اراد بها نفسه و ابنيه فهى ايضا صحيحه، و لكن مدلوله مستنبط، فقد جاء فى الاخبار الصحيحه، انه قال.

(يا جبريل، انه منى و انا منه)، فقال جبريل: و انا منكما.

و روى ابوايوب الانصارى مرفوعا: (لقد صلت الملائكه على و على على سبع سنين لم تصل على ثالث لنا)، و ذلك قبل ان يظهر امر الاسلام و يتسامع الناس به.

و فى خطبه الحسن بن على (ع) لما قبض ابوه: (لقد فارقكم فى هذه الليله رجل لم يسبقه الاولون، و لايدركه الاخرون، كان يبعثه رسول الله (ص) للحرب و جبريل عن يمينه و ميكائيل عن يساره).

و جاء فى الحديث انه سمع يوم احد صوت من الهواء من جهه السماء، يقول: (لاسيف الا ذو الفقار، و لافتى الا على)، و ان رسول الله (ص) قال: (هذا صوت جبريل).

فاما قوله: (و معادن العلم، و ينابيع الحكم) يعنى الحكمه او الحكم الشرعى، فانه و ان عنى بها نفسه و ذريته، فان الامر فيها ظاهر جدا، قال رسول الله (ص): (انا مدينه العلم و على بابها، فمن اراد المدينه فليات الباب)، و قال: (اقضاكم على) و القضاء امر يستلزم علوما كثيره.

و جاء فى الخبر انه بعثه الى اليمن قاضيا، فقال: يا رسول الله، انهم كهول و ذوو اسنان و انا فتى، و ربما لم اصب فيما احكم به بينهم، فقال له: (اذهب فان الله سيثبت قلبك و يهدى لسانك).

و جاء فى تفسير قوله تعالى: (و تعيها اذن واعيه): سالت الله ان يجعلها اذنك ففعل.

و جاء فى تفسير قوله تعالى: (ام يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) انها انزلت فى على (ع) و ما خص به من العلم.

و جاء فى تفسير قوله تعالى: (افمن كان على بينه م ن ربه و يتلوه شاهد منه): ان الشاهد على (ع).

و روى المحدثون انه قال لفاطمه: (زوجتك اقدمهم سلما، و اعظمهم حلما، و اعلمهم علما).

و روى المحدثون ايضا عنه (ع) انه قال: (من اراد ان ينظر الى نوح فى عزمه، و موسى فى علمه، و عيسى فى ورعه، فلينظر الى على بن ابى طالب).

و بالجمله فحاله فى العلم حال رفيعه جدا لم يلحقه احد فيها و لاقاربه.

و حق له ان يصف نفسه بانه معادن العلم و ينابيع الحكم، فلا احد احق بها منه بعد رسول الله (ص).

فان قلت: كيف قال: (عدونا و مبغضنا ينتظر السطوه)، و نحن نشاهد اعداءه و مبغضيه، لاينتظرونها! قلت: لما كانت منتظره لهم و معلوما بيقين حلولها بهم، صاروا كالمنتظرين لها.

و ايضا فانهم ينتظرون الموت لا محاله الذى كل انسان ينتظره، و لما كان الموت مقدمه العقاب و طريقا اليه جعل انتظاره انتظار ما يكون بعده.

خطبه 109-اندرز به ياران