شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 32
نمايش فراداده

الشرح:

اللام فى (يا لله) مفتوحه، و اللام فى (و للشورى) مكسوره، لان الاولى للمدعو، و الثانيه للمدعو اليه، قال: يا للرجال ليوم الاربعاء اما ينفك يحدث لى بعد النهى طربا! اللام فى (للرجال) مفتوحه، و فى (ليوم) مكسوره.

و اسف الرجل، اذا دخل فى الامر الدنى ء، اصله من (اسف الطائر) اذا دنا من الارض فى طيرانه.

و الضغن: الحقد.

و قوله (مع هن و هن)، اى مع امور يكنى عنها و لايصرح بذكرها، و اكثر ما يستعمل ذلك فى الشر، قال: على هنوات شرها متتابع يقول (ع): ان عمر لما طعن جعل الخلافه فى سته، هو (ع) احدهم، ثم تعجب من ذلك، فقال: متى اعترض الشك فى مع ابى بكر، حتى اقرن بسعد بن ابى وقاص و عبدالرحمن بن عوف و امثالهما! لكنى طلبت الامر و هو موسوم بالاصاغر منهم، كما طلبته اولا و هو موسوم باكابرهم، اى هو حقى فلا استنكف من طلبه، ان كان المنازع فيه جليل القدر او صغير المنزله.

و صغا الرجل بمعنى مال، الصغو: الميل، بالفتح و الكسر.

(قصه الشورى) و صوره هذه الواقعه ان عمر لما طعنه ابو لولوه، و علم انه ميت، استشار فيمن يوليه الامر بعده، فاشير عليه بابنه عبدالله، فقال: لاها الله اذا! لا يليها رجلان من ولد الخطاب! حسب عمر ما حمل! حسب عمر ما احتقب، لاها الله! لا اتحملها حيا و ميتا! ثم قال: ان رسول الله مات و هو راض عن هذه السته من قريش: على، و عثمان، و طلحه، و الزبير، و سعد، و عبدالرحمن بن عوف، و قد رايت ان اجعلها شورى بينهم ليختاروا لانفسهم.

ثم قال: ان استخلف فقد استخلف من هو خير منى- يعنى ابابكر- و ان اترك فقد ترك من هو خير منى- يعنى رسول الله (ص)- ثم قال: ادعوهم لى، فدعوهم، فدخلوا عليه و هو ملقى على فراشه يجود بنفسه.

فنظر اليهم، فقال: اكلكم يطمع فى الخلافه بعدى! فوجموا، فقال لهم ثانيه، فاجابه الزبير و قال: و ما الذى يبعدنا منها! وليتها انت فقمت بها، و لسنا دونك فى قريش و لا فى السابقه و لا فى القرابه.

- قال الشيخ ابوعثمان الجاحظ: و الله لولا علمه ان عمر يموت فى مجلسه ذلك لم يقدم على ان يفوه من هذا الكلام بكلمه، و لا ان ينبس منه بلفظه.

فقال عمر: افلا اخبركم عن انفسكم! قال: قل، فانا لو استعفيناك لم تعفنا، فقال: اما انت يا زبير فوعق لقس، مومن الرضا، كافر الغضب، يوما انسان، و يوما شيطان، و لعلها لو افضت اليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مد من شعير! افرايت ان افضت اليك! فليت شعرى، من يكون للناس يوم تكون شيطانا، و من يكون يوم تغضب!و ما كان الله ليجمع لك امر هذه الامه و انت على هذه الصفه.

ثم اقبل على طلحه- و كان له مبغضا منذ قال لابى بكر يوم وفاته ما قال فى عمر- فقال له: اقول ام اسكت؟ قال: قل، فانك لاتقول من الخير شيئا، قال: اما انى اعرفك منذ اصيبت اصبعك يوم احد و الباو الذى حدث لك، و لقد مات رسول الله (ص) ساخطا عليك بالكلمه التى قلتها يوم انزلت آيه الحجاب.

قال شيخنا ابوعثمان الجاحظ رحمه الله تعالى: الكلمه المذكوره ان طلحه لما انزلت آيه الحجاب قال بمحضر ممن نقل عنه الى رسول الله (ص): ما الذى يغنيه حجابهن اليوم! و سيموت غدا فننكحهن.

قال ابوعثمان ايضا: لو قال لعمر قائل: انت قلت: ان رسول الله (ص) مات و هو راض عن السته، فكيف تقول الان لطلحه انه مات (ع) ساخطا عليك للكلمه التى قلتها! لكان قد رماه بمشاقصه، و لكن من الذى كان يجسر على عمر ان يقول له ما دون هذا، فكيف هذا! قال: ثم اقبل على سعد بن ابى وقاص فقال: انما انت صاحب مقنب من هذه المقانب، تقاتل به، و صاحب قنص و قوس و اسهم، و ما زهره و الخلافه و امور الناس! ثم اقبل على عبدالرحمن بن عوف، فقال: و اما انت يا عبدالرحمن، فلو وزن نصف ايمان المسلمين بايمانك لرجح ايمانك به، و لكن ليس يصلح هذا الامر لمن فيه ضعف كضعفك، و ما زهره و هذا الامر! ثم اقبل على على (ع)، فقال: لله انت لولا دعابه فيك! اما و الله لئن وليتهم لتحملنهم على الحق الواضح، و المحجه البيضاء.

ثم اقبل على عثمان، فقال: هيها اليك! كانى بك قد قلدتك قريش هذا الامر لحبها اياك، فحملت بنى اميه و بنى ابى معيط على رقاب الناس، و آثرتهم بالفى ء، فسارت اليك عصابه من ذوبان العرب، فذبحوك على فراشك ذبحا.

و الله لئن فعلوا لتفعلن، و لئن فعلت ليفعلن.

ثم اخذ بناصيته، فقال: فاذا كان ذلك فاذكر قولى، فانه كائن.

ذكر هذا الخبر كله شيخنا ابوعثمان فى كتاب "السفيانيه"، و ذكره جماعه غيره فى باب فراسه عمر.

و ذكر ابوعثمان فى هذا الكتاب عقيب روايه هذا الخبر قال: و روى معمر بن سليمان التيمى عن ابيه عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس، قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لاهل الشورى: انكم ان تعاونتم و توازرتم و تناصحتم اكلتموها و اولادكم، و ان تحاسدتم و تقاعدتم و تدابرتم و تباغضتم، غلبكم على هذا الامر معاويه بن ابى سفيان.

و كان معاويه حينئذ امير الشام.

ثم رجع بنا الكلام الى تمام قصه الشورى.

ثم قال: ادعوا الى ابا طلحه الانصارى، فدعوه له فقال: انظر يا اباطلحه، اذا عدتم من حفرتى، فكن فى خم سين رجلا من الانصار حاملى سيوفكم، فخذ هولاء النفر بامضاء الامر و تعجيله، و اجمعهم فى بيت، وقف باصحابك على باب البيت ليتشاوروا و يختاروا واحدا منهم، فان اتفق خمسه و ابى واحد فاضرب عنقه، و ان اتفق اربعه و ابى اثنان فاضرب اعناقهما، و ان اتفق ثلاثه و خالف ثلاثه، فانظر الثلاثه التى فيها عبدالرحمن، فارجع الى ما قد اتفقت عليه، فان اصرت الثلاثه الاخرى على خلافها فاضرب اعناقها، و ان مضت ثلاثه ايام و لم يتفقوا على امر، فاضرب اعناق السته، ودع المسلمين يختاروا لانفسهم.

فلما دفن عمر، جمعهم ابوطلحه، و وقف على باب البيت بالسيف فى خمسين من الانصار، حاملى سيوفهم، ثم تكلم القوم و تنازعوا، فاول ما عمل طلحه انه اشهدهم على نفسه انه قد وهب حقه من الشورى لعثمان، و ذلك لعلمه ان الناس لايعدلون به عليا و عثمان، و ان الخلافه لاتخلص له و هذان موجودان، فاراد تقويه امر عثمان و اضعاف جانب على (ع)، بهبه امر لا انتفاع له به، و لاتمكن له منه.

فقال الزبير فى معارضته: و انا اشهدكم على نفسى انى قد وهبت حقى من الشورى لعلى، و انما فعل ذلك لانه لما راى عليا قد ضعف و انخزل بهبه طلحه حقه لعثمان، دخلته حميه النسب، لانه ابن عمه اميرالمومنين (ع)، و هى ص فيه بنت عبدالمطلب، و ابوطالب خاله.

و انما مال طلحه الى عثمان لانحرافه عن على (ع)، باعتبار انه تيمى، و ابن عم ابى بكر الصديق، و قد كان حصل فى نفوس بنى هاشم من بنى تيم حنق شديد لاجل الخلافه، و كذلك صار فى صدور تيم على بنى هاشم، و هذا امر مركوز فى طبيعه البشر، و خصوصا طينه العرب و طباعها، و التجربه الى الان تحقق ذلك، فبقى من السته اربعه.

فقال سعد بن ابى وقاص: و انا قد وهبت حقى من الشورى لابن عمى عبدالرحمن- و ذلك لانهما من بنى زهره، و لعلم سعد ان الامر لا يتم له- فلما لم يبق الا الثلاثه.

قال عبدالرحمن لعلى و عثمان: ايكما يخرج نفسه من الخلافه، و يكون اليه الاختيار فى الاثنين الباقيين؟ فلم يتكلم منهما احد، فقال عبدالرحمن: اشهدكم اننى قد اخرجت نفسى من الخلافه على ان اختار احدهما، فامسكا.

فبدا بعلى (ع)، و قال له: ابايعك على كتاب الله، و سنه رسول الله، و سيره الشيخين: ابى بكر و عمر.

فقال: بل على كتاب الله و سنه رسوله و اجتهاد رايى.

فعدل عنه الى عثمان، فعرض ذلك عليه، فقال: نعم، فعاد الى على (ع)، فاعاد قوله، فعل ذلك عبدالرحمن ثلاثا، فلما راى ان عليا غير راجع عما قاله، و ان عثمان ينعم له بالاجابه، صفق على يد عثمان، و قا ل: السلام عليك يا اميرالمومنين، فيقال: ان عليا (ع) قال له: و الله ما فعلتها الا لانك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه، دق الله بينكما عطر منشم.

قيل: ففسد بعد ذلك بين عثمان و عبدالرحمن، فلم يكلم احدهما صاحبه حتى مات عبدالرحمن.

ثم نرجع الى تفسير الفاظ الفصل: اما قوله (ع): (فصغا رجل منهم لضغنه)، فانه يعنى طلحه.

و قال القطب الراوندى: يعنى سعد بن ابى وقاص، لان عليا (ع) قتل اباه يوم بدر.

و هذا خطا فان اباه ابووقاص، و اسمه مالك بن اهيب بن عبدمناف بن زهره بن كلاب بن مره بن كعب بن لوى بن غالب، مات فى الجاهليه حتف انفه.

و اما قوله: (و مال الاخر لصهره) يعنى عبدالرحمن مال الى عثمان، لان ام كلثوم بنت عقبه بن ابى معيط كانت تحته، و ام كلثوم هذه هى اخت عثمان من امه اروى بنت كريز.

و روى القطب الراوندى ان عمر لما قال: كونوا مع الثلاثه التى عبدالرحمن فيها، قال ابن عباس لعلى (ع): ذهب الامر منا، الرجل يريد ان يكون الامر فى عثمان.

فقال على (ع): و انا اعلم ذلك، و لكنى ادخل معهم فى الشورى، لان عمر قد اهلنى الان للخلافه، و كان قبل ذلك يقول: ان رسول الله (ص) قال: ان النبوه و الامامه لايجتمعان فى بيت، فانا ادخل فى ذلك لاظهر للناس مناق ضه فعله لروايته.

الذى ذكره الراوندى غير معروف، و لم ينقل عمر هذا عن رسول الله (ص)، و لكنه قال لعبدالله بن عباس يوما: يا عبدالله، ما تقول منع قومكم منكم؟ قال: لا اعلم يا اميرالمومنين، قال: اللهم غفرا! ان قومكم كرهوا ان تجتمع لكم النبوه و الخلافه، فتذهبون فى السماء بذخا و شمخا، لعلكم تقولون: ان ابابكر اراد الامره عليكم و هضمكم! كلا، لكنه حضره امر لم يكن عنده احزم مما فعل، و لولا راى ابى بكر فى بعد موته لاعاد امركم اليكم، و لو فعل ما هناكم مع قومكم، انهم لينظرون اليكم نظر الثور الى جازره.

فاما الروايه التى جاءت بان طلحه لم يكن حاضرا يوم الشورى، فان صحت فذو الضغن هو سعد بن ابى وقاص، لان امه حمنه بنت سفيان بن اميه بن عبدشمس، و الضغينه التى عنده على على (ع) من قبل اخواله الذين قتل صناديدهم، و تقلد دماءهم، و لم يعرف ان عليا (ع) قتل احدا من بنى زهره لينسب الضغن اليه.

و هذه الروايه هى التى اختارها ابوجعفر محمد بن جرير الطبرى صاحب "التاريخ" قال: لما طعن عمر قيل له: لو استخلفت.

(يا اميرالمومنين!) فقال: (من استخلف؟) لو كان ابوعبيده حيا لاستخلفته و قلت لربى لو سالنى: سمعت نبيك يقول: (ابوعبيده امين هذه الامه) و لو كان سال م مولى ابى حذيفه حيا استخلفته، و قلت لربى ان سالنى: سمعت نبيك (ع) يقول: (ان سالما شديد الحب لله)، فقال له رجل: ول عبدالله بن عمر، فقال: قاتلك الله! و الله ما الله اردت بهذا الامر! (ويحك) كيف استخلف جلا عجز عن طلاق امراته! لا ارب لعمر فى خلافتكم، ما حمدتها فارغب فيها لاحد من اهل بيتى، ان تك خيرا فقد اصبنا منه، و ان تك شرا يصرف عنا.

حسب آل عمران يحاسب منهم (رجل) واحد، و يسال عن امر امه محمد.

فخرج الناس من عنده، ثم راحوا اليه فقالوا له: لو عهدت عهدا! قال: قد كنت اجمعت بعد مقالتى (لكم) ان اولى امركم رجلا هو احراكم ان يحملكم على الحق- و اشار الى على (ع)- فرهقتنى غشيه، فرايت رجلا يدخل جنه (قد غرسها) فجعل يقطف كل غضه و يانعه، فيضمها اليه، و يصيرها تحته، فخفت ان اتحملها حيا و ميتا، و علمت ان الله غالب امره عليكم بالرهط الذى قال رسول الله عنهم: انهم من اهل الجنه، ثم ذكر خمسه: عليا، و عثمان، و عبدالرحمن، و الزبير، و سعدا.

- قال: و لم يذكر فى هذا المجلس طلحه، و لا كان طلحه يومئذ بالمدينه.

ثم قال لهم: انهضوا الى حجره عائشه فتشاوروا فيها، و وضع راسه و قد نزفه الدم، فقال العباس لعلى (ع): لاتدخل معهم، و ارفع نفسك عنهم، قال : انى اكره الخلاف، قال: اذن ترى ما تكره، فدخلوا الحجره فتناجوا حتى ارتفعت اصواتهم، فقال عبدالله بن عمر: ان اميرالمومنين لم يمت بعد، ففيم هذا اللغط! و انتبه عمر، و سمع الاصوات، فقال: ليصل بالناس صهيب، و لا ياتين اليوم الرابع من يوم موتى الا و عليكم امير، و ليحضر عبدالله بن عمر مشيرا و ليس له شى ء من الامر، و طلحه بن عبيدالله شريككم فى الامر، فان قدم الى ثلاثه ايام فاحضروه امركم، و الا فارضوه، و من لى برضا طلحه! فقال سعد: انا لك به، و لن يخالف ان شاء الله تعالى.

ثم ذكر وصيته لابى طلحه الانصارى و ما خص به عبدالرحمن بن عوف من كون الحق فى الفئه التى هو فيها و امره بقتل من يخالف، ثم خرج الناس فقال على (ع) لقوم معه من بنى هاشم: ان اطيع فيكم قومكم من قريش لم تومروا ابدا.

و قال للعباس: عدل بالامر عنى يا عم.

قال: و ما علمك؟ قال: قرن بى عثمان.

و قال عمر: كونوا مع الاكثر، فان رضى رجلان رجلا و رجلان رجلا، فكونوا مع الذين فيهم عبدالرحمن، فسعد لايخالف ابن عمه، و عبدالرحمن صهر عثمان لايختلفان، فيوليها احدهما الاخر، فلو كان الاخران معى لم يغنيا شيئا.

فقال العباس: لم ادفعك الى شى ء الا رجعت الى مستاخرا بما اكره، اشرت عليك عند