شرح نهج البلاغه نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
مرض رسول الله (ص) ان تساله عن هذا الامر فيمن هو فابيت، و اشرت عليك عند وفاته ان تعاجل البيعه فابيت، و قد اشرت عليك حين سماك عمر فى الشورى اليوم ان ترفع نفسك عنها، و لاتدخل معهم فيها فابيت، فاحفظ عنى واحده، كلما عرض عليك القوم الامر فقل: لا، الا ان يولوك.و اعلم ان هولاء لايبرحون يدفعونك عن هذا الامر حتى يقوم لك به غيرك، و ايم الله لا تناله الا بشر لاينفع معه خير.فقال (ع): اما انى اعلم انهم سيولون عثمان، و ليحدثن البدع و الاحداث، و لئن بقى لاذكرنك، و ان قتل او مات ليتداولنها بنواميه بينهم، و ان كنت حيا لتجدنى حيث تكرهون، ثم تمثل: حلفت برب الراقصات عشيه غدون خفافا يبتدرن المحصبا ليجتلبن رهط ابن يعمر غدوه نجيعا بنو الشداخ وردا مصلبا قال: ثم التفت فراى ابا طلحه الانصارى، فكره مكانه، فقال ابوطلحه: لا ترع اباحسن.فلما مات عمر و دفن و خلوا بانفسهم للمشاوره فى الامر، و قام ابوطلحه يحجبهم بباب البيت، جاء عمرو بن العاص و المغيره بن شعبه فجلسا بالباب، فحصبهما سعد و اقامهما، و قال: انما تريدان ان تقولا حضرنا و كنا فى اصحاب الشورى.فتنافس القوم فى الامر و كثر بينهم الكلام، فقال ابوطلحه: انا كنت لان تدافعوها اخوف
منى عليكم ان تنافسوها! اما و الذى ذهب بنفس عمر لا ازيدكم على الايام الثلاثه التى وقفت لكم، فاصنعوا ما بدا لكم! قال: ثم ان عبدالرحمن قال لابن عمه سعد بن ابى وقاص: انى قد كرهتها و ساخلع نفسى منها، لانى رايت الليله روضه خضراء كثيره العشب، فدخل فحل ما رايت اكرم منه، فمر كانه سهم لم يلتفت الى شى ء منها حتى قطعها، لم يعرج، و دخل بعير يتلوه تابع اثره، حتى خرج منها.ثم دخل فحل عبقرى يجر خطامه، و مضى قصد الاولين، ثم دخل بعير رابع، فوقع فى الروضه يرتع و يخضم.و لا و الله لااكون الرابع، و ان احدا لايقوم مقام ابى بكر و عمر فيرضى الناس عنه.ثم ذكر خلع عبدالرحمن نفسه من الامر، على ان يوليها افضلهم فى نفسه، و ان عثمان اجاب الى ذلك، و ان عليا (ع) سكت، فلما روجع رضى على موثق اعطاه عبدالرحمن.ان يوثر الحق، و لايتبع الهوى، و لايخص ذا رحم، و لا يالو الامه نصحا، و ان عبدالرحمن ردد القول بين على و عثمان متلوما، و انه خلا بسعد تاره، و بالمسور بن مخرمه الزهرى تاره اخرى، و اجال فكره، و اعمل نظره، و وقف موقف الحائر بينهما.قال: قال على (ع) لسعد بن ابى وقاص: يا سعد، (اتقوا الله الذى تساءلون به و الارحام)، اسالك برحم ابنى هذا من رسول ا
لله (ص) و برحم عمى حمزه منك، الا تكون مع عبدالرحمن لعثمان ظهيرا.- قلت: رحم حمزه من سعد، هى ان ام حمزه هاله بنت اهيب بن عبدمناف بن زهره، و هى ايضا ام المقوم و حجفل- و اسمه المغيره- و الغيداق ابناء عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف، هولاء الاربعه بنوعبدالمطلب من هاله، و هاله هذه هى عمه سعد بن ابى وقاص، فحمزه اذن ابن عمه سعد، و سعد ابن خال حمزه- قال ابوجعفر: فلما اتى اليوم الثالث جمعهم عبدالرحمن، و اجتمع الناس كافه، فقال عبدالرحمن: ايها الناس، اشيروا على فى هذين الرجلين.فقال عمار بن ياسر: ان اردت الا يختلف الناس، فبايع عليا (ع)، فقال المقداد: صدق عمار، و ان بايعت عليا سمعنا و اطعنا.فقال عبدالله بن ابى سرح: ان اردت الا تختلف قريش، فبايع عثمان.قال عبدالله بن ابى ربيعه المخزومى: صدق، ان بايعت عثمان سمعنا و اطعنا.فشتم عمار ابن ابى سرح، و قال له: متى كنت تنصح الاسلام! فتكلم بنوهاشم و بنواميه، و قام عمار، فقال: ايها الناس، ان الله اكرمكم بنبيه، و اعزكم بدينه، فالى متى تصرفون هذا الامر عن اهل بيت نبيكم! فقال رجل من بنى مخزوم: لقد عدوت طورك يا بن سميه، و ما انت و تامير قريش لانفسها! فقال سعد: يا عبدالرحمن، افرغ من امرك
قبل ان يفتتن الناس.فحينئذ عرض عبدالرحمن على على (ع) العمل بسيره الشيخين، فقال: بل اجتهد برايى.فبايع عثمان بعد ان عرض عليه فقال: نعم.فقال على (ع): ليس هذا باول يوم تظاهرتم فيه علينا، فصبر جميل و الله المستعان على ما تصفون، و الله ما وليته الامر الا ليرده اليك، و الله كل يوم فى شان.فقال عبدالرحمن: لاتجعلن على نفسك سبيلا يا على- يعنى امر عمر اباطلحه ان يضرب عنق المخالف- فقام على (ع) فخرج، و قال: سيبلغ الكتاب اجله، فقال عمار: يا عبدالرحمن، اما و الله لقد تركته، و انه من الذين يقضون بالحق و به كانوا يعدلون.فقال المقداد: تالله ما رايت مثل ما اتى الى اهل هذا البيت بعد نبيهم، و اعجبا لقريش.لقد تركت رجلا ما اقول و لا اعلم ان احدا اقضى بالعدل و لا اعلم و لا اتقى منه! اما و الله لو اجد اعوانا! فقال عبدالرحمن: اتق الله يا مقداد، فانى خائف عليك الفتنه.و قال على (ع): انى لاعلم ما فى انفسهم، ان الناس ينظرون الى قريش، و قريش تنظر فى صلاح شانها، فتقول: ان ولى الامر بنوهاشم لم يخرج منهم ابدا، و ما كان فى غيرهم فهو متداول فى بطون قريش.قال: و قدم طلحه فى اليوم الذى بويع فيه لعثمان فتلكا ساعه، ثم بايع.و روى ابوجعفر رواي
ه اخرى اطالها، و ذكر خطب اهل الشورى و ما قاله كل منهم، و ذكر كلاما قاله على (ع) فى ذلك اليوم، و هو: الحمدلله الذى اختار محمدا منا نبيا، و ابتعثه الينا رسولا، فنحن اهل بيت النبوه و معدن الحكمه، امان لاهل الارض، و نجاه لمن طلب، ان لنا حقا ان نعطه ناخذه، و ان نمنعه نركب اعجاز الابل و ان طال السرى، لو عهد الينا رسول الله (ص) عهدا لانفذنا عهده، و لو قال لنا قولا لجالدنا عليه حتى نموت.لن يسرع احد قبلى الى دعوه حق و صله رحم، و لا حول و لا قوه الا بالله العلى العظيم.اسمعوا كلامى، و عوا منطقى، عسى ان تروا هذا الامر بعد هذا الجمع تنتضى فيه السيوف، و تخان فيه العهود، حتى لايكون لكم جماعه، و حتى يكون بعضكم ائمه لاهل الضلاله و شيعه لاهل الجهاله.قلت: و قد ذكر الهروى فى كتاب "الجمع بين الغريبين" قوله: (و ان نمنعه نركب اعجاز الابل)، و فسره على وجهين: احدهما: ان من ركب عجز البعير يعانى مشقه، و يقاسى جهدا، فكانه قال: و ان نمنعه نصبر على المشقه، كما يصبر عليها راكب عجز البعير.و الوجه الثانى انه اراد: نتبع غيرنا، كما ان راكب عجز البعير يكون رديفا لمن هو امامه، فكانه قال: و ان نمنعه نتاخر و نتبع غيرنا كما يتاخر راكب البعير.و قال ابوهلال العسكرى فى كتاب "الاوائل": استجيبت دعوه على (ع) فى عثمان و عبدالرحمن، فما ماتا الا متهاجرين متعاديين.ارسل عبدالرحمن الى عثمان يعاتبه و قال لرسوله: قل له: لقد وليتك ما وليتك من امر الناس، و ان لى لامورا ما هى لك: شهدت بدرا و ما شهدتها، و شهدت بيعه الرضوان و ما شهدتها، و فررت يوم احد و صبرت، فقال عثمان لرسوله: قل له: اما يوم بدر فان رسول الله (ص) ردنى الى ابنته لما بها من المرض، و قد كنت خرجت للذى خرجت له، و لقيته عند منصرفه، فبشرنى باجر مثل اجوركم، و اعطانى سهما مثل سهامكم.و اما بيعه الرضوان فانه (ص) بعثنى استاذن قريشا فى دخوله الى مكه، فلما قيل له: انى قتلت، بايع المسلمين على الموت لما سمعه عنى، و قال: ان كان حيا فانا ابايع عنه، و صفق باحدى يديه على الاخرى، و قال: يسارى خير من يمين عثمان، فيدك افضل ام يد رسول الله (ص)! و اما صبرك يوم احد و فرارى، فلقد كان ذلك، فانزل الله تعالى العفو عنى فى كتابه، فعيرتنى بذنب غفره الله لى، و نسيت من ذنوبك ما لاتدرى اغفر لك ام لم يغفر! لما بنى عثمان قصره طمار بالزوراء، و صنع طعاما كثيرا، و دعا الناس اليه، كان فيهم عبدالرحمن، فلما نظر للبناء و الطعام قال: يا بن
عفان، لقد صدقنا عليك ما كنا نكذب فيك، و انى استعيذ بالله من بيعتك.فغضب عثمان، و قال: اخرجه عنى يا غلام، فاخرجوه، و امر الناس الا يجالسوه، فلم يكن ياتيه احد الا ابن عباس، كان ياتيه فيتعلم منه القرآن و الفرائض.و مرض عبدالرحمن فعاده عثمان و كلمه فلم يكلمه حتى مات.