ليس لقائل ان يقول له (ع) معتذرا عن الخوارج: انهم انما ضللوا عامه امه محمد (ص)، و حكموا بخطئهم و كفرهم و قتلهم بالسيف خبطا، لانهم وافقوك فى تصويب التحكيم، و هو عندهم كفر فلم يواخذوهم بذنبك كما قلت لهم؟ و ذلك لان اميرالمومنين (ع) ما قال هذه المقاله الا لمن راى منهم استعراض العامه، و قتل الاطفال حتى البهائم، فقد كان منهم قوم فعلوا ذلك.
و قد سبق منا شرح افعالهم و وقائعهم بالناس، و قالوا: ان الدار دار كفر لايجوز الكف عن احد من اهلها، فهولاء هم الذين وجه اميرالمومنين (ع) اليهم خطابه و انكاره، دون غيرهم من فرق الخوارج.
(مذهب الخوارج فى تكفير اهل الكبائر) و اعلم ان الخوارج كلها تذهب الى تكفير اهل الكبائر، و لذلك كفروا عليا (ع) و من اتبعه على تصويب التحكيم، و هذا الاحتجاج الذى احتج به عليهم لازم و صحيح، لانه لو كان صاحب الكبيره كافرا لما صلى عليه رسول الله (ص)، و لا ورثه من المسلم، و لا مكنه من نكاح المسلمات، و لاقسم عليه من الفى ء و لاخرجه عن لفظ الاسلام.
و قد احتجت الخوارج لمذهبها بوجوه: منها قوله تعالى: (و لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا و من كفر فان الله غنى عن العالمين)، قا لوا: فجعل تارك الحج كافرا.
و الجواب ان هذه الايه مجمله، لانه تعالى لم يبين (و من كفر) بماذا؟ فيحتمل ان يريد تارك الحج، و يحتمل ان يريد تارك اعتقاد وجوبه على من استطاع اليه سبيلا، فلابد من الرجوع الى دلاله، و الظاهر انه اراد لزوم الكفر لمن كفر باعتقاد كون الحج غير واجب، الا تراه فى اول الايه قال: (و لله على الناس حج البيت)، فانبا عن اللزوم، ثم قال: (و من كفر) بلزوم ذلك! و نحن نقول: ان من لم يقل: لله على الناس حج البيت، فهو كافر.
و منها قوله تعالى: (انه لايياس من روح الله الا القوم الكافرون)، قالوا: و الفاسق لفسقه و اصراره عليه آيس من روح الله، فكان كافرا.
و الجواب انا لا نسلم ان الفاسق آيس من روح الله مع تجويزه تلافى امره بالتوبه و الاقلاع، و انما يكون الياس مع القطع، و ليس هذه صفه الفاسق، فاما الكافر الذى يجحد الثواب و العقاب، فانه آيس من روح الله، لانه لا تخطر له التوبه و الاقلاع، و يقطع على حسن معتقده.
و منها قوله تعالى: (و من لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون) و كل مرتكب للذنوب فقد حكم بغير ما انزل الله.
و لم يحكم بما انزل الله.
و الجواب ان هذا مقصور على اليهود، لان ذكرهم هو المقدم فى الايه، قال سب حانه و تعالى: (سماعون للكذب اكالون للسحت) ثم قال عقيب قوله: (هم الكافرون): (و قفينا على آثارهم" بعيسى بن مريم) فدل على انها مقصوره على اليهود.
و منها قوله تعالى: (فانذرتكم نارا تلظى لايصلاها الا الاشقى الذى كذب و تولى)، قالوا: و قد اتفقنا مع المعتزله على ان الفاسق يصلى النار، فوجب ان يسمى كافرا.
و الجواب، ان قوله تعالى: (نارا) نكره فى سياق الاثبات فلا تعم، و انما تعم النكره فى سياق النفى، نحو قولك: (ما فى الدار من رجل)، و غير ممتنع ان يكون فى الاخره نار مخصوصه لايصلاها الا الذين كذبوا و تولوا، و يكون للفساق نار اخرى غيرها.
و منها قوله تعالى: (و ان جهنم لمحيطه بالكافرين)، قالوا: و الفاسق تحيط به جهنم، فوجب ان يكون كافرا.
و الجواب انه لم يقل سبحانه: (و ان جهنم لا تحيط الا بالكافرين) و ليس يلزم من كونها محيطه بقوم الا تحيط بقوم سواهم.
و منها قوله سبحانه: (يوم تبيض وجوه و تسود وجوه فاما الذين اسودت وجوههم ا كفرتم بعد ايمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون).
قالوا: و الفاسق لا يجوز ان يكون ممن ابيضت وجوههم، فوجب ان يكون ممن اسودت، و وجب ان يسمى كافرا، لقوله: (بما كنتم تكفرون).
و الجواب ان هذه القسمه ليست متقابله، فيجوز ان يكون المكلفون ثلاثه اقسام: بيض الوجوه، و سود الوجوه، و صنف آخر ثالث بين اللونين، و هم الفساق.
و منها قوله تعالى: (وجوه يومئذ مسفره ضاحكه مستبشره و وجوه يومئذ عليها غبره ترهقها قتره اولئك هم الكفره الفجره).
قالوا: و الفاسق على وجهه غبره، فوجب ان يكون من الكفره و الفجره.
و الجواب، انه يجوز ان يكون الفساق قسما ثالثا لا غبره على وجوههم، و لا هى مسفره ضاحكه، بل على ما كانت عليه فى دار الدنيا.
و منها قوله تعالى: (ذلك جزيناهم بما كفروا و هل نجازى الا الكفور).
قالوا: و الفاسق لا بد ان يجازى، فوجب ان يكون كفورا.
و الجواب، ان المراد بذلك: (و هل نجازى بعقاب الاستئصال الا الكفور)! لان الايه وردت فى قصه اهل سبا، لكونهم استوصلوا بالعقوبه.
و منها انه تعالى قال: (ان عبادى ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين)، و قال فى آيه اخرى: (انما سلطانه على الذين يتولونه و الذين هم به مشركون)، فجعل الغاوى الذى يتبعه مشركا.
و الجواب انا لانسلم ان لفظه (انما) تفيد الحصر، و ايضا فانه عطف قوله: (و الذين هم به مشركون) على قوله: (الذين يتولونه)، فوجب ان يثبت التغاير بين الفريقين، و هذا مذهبنا، لان الذين يتولونه هم الفساق، و ال ذين هم به مشركون هم الكفار.
و منها قوله تعالى: (و اما الذين فسقوا فماواهم النار) الى قوله تعالى: (و قيل لهم ذوقوا عذاب النار الذى كنتم به تكذبون) فجعل الفاسق مكذبا.
و الجواب، ان المراد به الذين فسقوا عن الدين، اى خرجوا عنه بكفرهم، و لاشبهه ان من كان فسقه من هذا الوجه فهو كافر مكذب، و لا يلزم منه ان كل فاسق على الاطلاق فهو مكذب و كافر.
و منها قوله تعالى: (و لكن الظالمين بايات الله يجحدون)، قالوا: فاثبت الظالم جاحدا، و هذه صفه الكفار.
و الجواب ان المكلف قد يكون ظالما بالسرقه و الزنا، و ان كان عارفا بالله تعالى، و اذا جاز اثبات ظالم ليس بكافر و لاجاحد بايات الله تعالى، جاز اثبات فاسق ليس بكافر.
و منها قوله تعالى: (و من كفر بعد ذلك فاولئك هم الفاسقون).
و الجواب، ان هذه الايه تدل على ان الكافر فاسق، و لا تدل على ان الفاسق كافر.
و منها قوله تعالى: (فمن ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون و من خفت موازينه فاولئك الذين خسروا انفسهم فى جهنم خالدون تلفح وجوههم النار و هم فيها كالحون الم تكن آياتى تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون).
فنص سبحانه على ان من تخف موازينه يكون مكذبا، و الفاسق تخف موازينه، فكان مكذبا، و كل مكذب كافر.
ال جواب ان ذلك لايمنع من قسم ثالث، و هم الذين لاتخف موازينهم و لا تثقل، و هم الفساق، و لا يلزم من كون كل من خفت موازينه يدخل النار الا يدخل النار الا من خفت موازينه.
و منها قوله تعالى: (هو الذى خلقكم فمنكم كافر و منكم مومن) و هذا يقتضى ان من لايكون مومنا فهو كافر، و الفاسق ليس بمومن فوجب ان يكون كافرا.
و الجواب ان (من) هاهنا للتبعيض، و ليس فى ذكر التبعيض نفى الثالث، كما ان قوله: (فمنهم من يشمى على رجلين و منهم يمشى على اربع) لا ينفى وجود دابه تمشى على اكثر من اربع كبعض الحشرات.
ثم نعود الى