الشرح:
قوله (ع): (و من رمى به الشيطان مراميه)، اى اضله كانه رمى به مرمى بعيدا، فضل عن الطريق، و لم يهتد اليها.قوله: (و ضرب به تيهه) اى حيره و جعله تائها.ثم قال (ع): يهلك فى رجلان، فاحدهما من افرط حبه له و اعتقاده فيه حتى ادعى له الحلول كما ادعت النصارى ذلك فى المسيح (ع)، و الثانى من افرط بغضه له، حتى حاربه، او لعنه، او برى ء منه، او ابغضه، هذه المراتب الاربع، و البغض ادناها، و هو موبق مهلك، و فى الخبر الصحيح المتفق عليه انه لا يحبه الا مومن، و لا يبغضه الا منافق، و حسبك بهذا الخبر، ففيه وحده كفايه.(فصل فى ذكر الغلاه من الشيعه و النصيريه و غيرهم) فاما الغلاه فيه فهالكون كما هلك الغلاه فى عيسى (ع).و قد روى المحدثون ان رسول الله (ص) قال له (ع) (فيك مثل من عيسى بن مريم، ابغضته اليهود فبهتت امه، و احبته النصارى فرفعته فوق قدره)، و قد كان اميرالمومنين عثر على قوم من اصحابه خرجوا من حد محبته باستحواذ الشيطان عليهم ان كفروا بربهم، و جحدوا ما جاء به نبيهم، فاتخذوه ربا و ادعوه الها، و قالوا له: انت خالقنا، و رازقنا، فاستتابهم، و استانى و توعدهم فاقاموا على قولهم فحفر لهم حفرا دخن عليهم فيها، طمعا فى رجوعهم، فابوا فحرقهم، و قال: الا ترونى قد حفرت حفرا انى اذا رايت امرا منكرا اوقدت نارى و دعوت قنبرا و روى ابوالعباس احمد بن عبيدالله بن عمار الثقفى، عن محمد بن سليمان بن حبيب المصيصى، المعروف بنوين، و روى ايضا عن على بن محمد النوفلى عن مشيخته، ان عليا (ع) مر بقوم و هم ياكلون فى شهر رمضان نهارا، فقال: اسفر ام مرضى؟ قالوا: لا و لا واحده منهما، قال: فمن اهل الكتاب انتم فتعصمكم الذمه و الجزيه؟ قالوا: لا، قال فما بال الاكل فى نهار رمضان! فقاموا اليه فقالوا: انت انت! يومون الى ربوبيته، فنزل (ع) عن فرسه، فالصق خده بالارض، و قال: ويلكم! ا
نما انا عبد من عبيدالله، فاتقوا الله و ارجعوا الى الاسلام.فابوا فدعاهم مرارا، فاقاموا على كفرهم، فنهض اليهم، و قال: شدوهم وثاقا، و على بالفعله و النار و الحطب، ثم امر بحفر بئرين فحفرتا، احداهما سربا و الاخرى مكشوفه، و القى الحطب فى المكشوفه، و فتح بينهما فتحا، و القى النار فى الحطب، فدخن عليهم، و جعل يهتف بهم، و يناشدهم ليرجعوا الى الاسلام، فابوا، فامر بالحطب و النار فالقى عليهم، فاحرقوا، فقال الشاعر: لترم بى المنيه حيث شاءت اذا لم ترمنى فى الحفرتي اذا ما حشتا حطبا بنار فذاك الموت نقدا غير دين قال: فلم يبرح (ع) حتى صاروا حمما.ثم استترت هذه المقاله سنه او نحوها، ثم ظهر عبدالله بن سبا و كان يهوديا يتستر بالاسلام بعد وفاه اميرالمومنين (ع) فاظهرها، و اتبعه قوم فسموا السبئيه، و قالوا: ان عليا (ع) لم يمت، و انه فى السماء، و الرعد صوته و البرق صوته، و اذا سمعوا صوت الرعد، قالوا: السلام عليك يا اميرالمومنين! و قالوا فى رسول الله (ص) اغلظ قول، و افتروا عليه اعظم فريه، فقالوا: كتم تسعه اعشار الوحى، فنعى عليهم قولهم الحسن بن على بن محمد بن الحنفيه رضى الله عنه فى رسالته، التى يذكر فيها الارجاء، رواها عنه سليم
ان بن ابى شيخ، عن الهيثم بن معاويه، عن عبدالعزيز بن ابان، عن عبدالواحد بن ايمن المكى، قال: شهدت الحسن بن على بن محمد بن الحنفيه يملى هذه الرساله، فذكرها و قال فيها: و من قول هذه السبئيه: هدينا لوحى ضل عنه الناس، و علم خفى عنهم، و زعموا ان رسول الله (ص) كتم تسعه اعشار الوحى، و لو كتم (ص) شيئا مما انزل الله عليه لكتم شان امراه زيد، و قوله تعالى: (تبتغى مرضات ازواجك).ثم ظهر المغيره بن سعيد، مولى بجيله، فاراد ان يحدث لنفسه مقاله يستهوى بها قوما، و ينال بها ما يريد الظفر به من الدنيا، فغلا فى على (ع) و قال: لو شاء على لاحيا عادا و ثمود و قرونا بين ذلك كثيرا.و روى على بن محمد النوفلى، قال: جاء المغيره بن سعيد، فاستاذن على ابى جعفر محمد بن على بن الحسين، و قال له: اخبر الناس انى اعلم الغيب، و انا اطعمك العراق، فزجره ابوجعفر زجرا شديدا، و اسمعه ما كره، فانصرف عنه، فاتى اباهاشم عبدالله بن محمد بن الحنفيه رحمه الله، فقال له مثل ذلك- و كان ابوهاشم ايدا- فوثب عليه فضربه ضربا شديدا اشفى به على الموت، فتعالج حتى برى ء، ثم اتى محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن رحمه الله- و كان محمد سكيتا- فقال له كما قال للرجلين، فسكت مح
مد فلم يجبه، فخرج و قد طمع فيه بسكوته، و قال: اشهد ان هذا هو المهدى الذى بشر به رسول الله (ص)، و انه قائم اهل البيت، و ادعى ان على بن الحسين (ع) اوصى الى محمد بن عبدالله بن الحسن.ثم قدم المغيره الكوفه، و كان مشعبذا، فدعا الناس الى قوله، و استهواهم و استغواهم، فاتبعه خلق كثير، و ادعى على محمد بن عبدالله انه اذن له فى خنق الناس و اسقائهم السموم، و بث اصحابه فى الاسفار يفعلون ذلك بالناس، فقال له بعض اصحابه: انا نخنق من لا نعرف، فقال: لا عليكم! ان كان من اصحابكم عجلتموه الى الجنه، و ان كان من عدوكم عجلتموه الى النار، و لهذا السبب كان المنصور يسمى محمد بن عبدالله الخناق، و ينحله ما ادعاه عليه المغيره.ثم تفاقم امر الغلاه بعد المغيره، و امعنوا فى الغلو، فادعوا حلول الذات الالهيه المقدسه فى قوم من سلاله اميرالمومنين (ع)، و قالوا بالتناسخ، و جحدوا البعث و النشور، و اسقطوا الثواب و العقاب، و قال قوم منهم: ان الثواب و العقاب انما هو ملاذ هذه الدنيا و مشاقها، و تولدت من هذه المذاهب القديمه التى قال بها سلفهم مذاهب افحش منها قال بها خلفهم، حتى صاروا الى المقاله المعروفه بالنصيريه، و هى التى احدثها محمد بن نصير النميرى،
و كان من اصحاب الحسن العسكرى (ع)، و المقاله المعروفه بالاسحاقيه و هى التى احدثها اسحاق بن زيد بن الحارث، و كان من اصحاب عبدالله ابن معاويه بن عبدالله بن جعفر بن ابى طالب، كان يقول بالاباحه و اسقاط التكاليف، و يثبت لعلى (ع) شركه مع رسول الله (ص) فى النبوه على وجه غير هذا الظاهر الذى يعرفه الناس، و كان محمد بن نصير من اصحاب الحسن بن على بن محمد بن الرضا، فلما مات ادعى وكاله لابن الحسن الذى تقول الاماميه بامامته، ففضحه الله تعالى بما اظهره من الالحاد و الغلو و القول بتناسخ الارواح، ثم ادعى انه رسول الله و نبى من قبل الله تعالى، و انه ارسله على بن محمد بن الرضا، و جحد امامه الحسن العسكرى و امامه ابنه، و ادعى بعد ذلك الربوبيه، و قال باباحه المحارم.و للغلاه اقوال كثيره طويله عريضه، و قد رايت انا جماعه منهم، و سمعت اقوالهم، و لم ار فيهم محصلا، و لا من يستحق ان يخاطب، و سوف استقصى ذكر فرق الغلاه و اقوالهم فى الكتاب الذى كنت متشاغلا بجمعه، و قطعنى عنه اهتمامى بهذا الشرح، و هو الكتاب المسمى "بمقالات الشيعه" ان شاءالله تعالى.قوله (ع): (و الزموا السواد الاعظم)، و هو الجماعه، و قد جاء فى الخبر عن رسول الله (ص) هذه اللف
ظه التى ذكرها (ع) و هى: (يد الله على الجماعه و لايبالى بشذوذ من شذ)، و جاء فى معناها كثير، نحو قوله (ع): (الشيطان مع الواحد و هو من الاثنين ابعد)، و قوله: (لا تجتمع امتى على خطا)، و قوله: (سالت الله الا تجتمع امتى على خطا، فاعطانيها)، و قوله: (ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن)، و قوله: (لا تجتمع امتى على ضلاله)، و (سالت ربى الا تجتمع امتى على ضلاله فاعطانيها).و (لم يكن الله ليجمع امتى على ضلال و لاخطا).و قوله (ع): (عليكم بالسواد الاعظم)، و قوله: (من خرج من الجماعه قيد شبر فقد خلع ربقه الاسلام عن عنقه).و قوله: (من فارق الجماعه مات ميته جاهليه)، و قوله: (من سره بحبوحه الجنه فيلزم الجماعه).و الاخبار فى هذا المعنى كثيره جدا.ثم قال (ع): (من دعا الى هذا الشعار فاقتلوه)، يعنى الخوارج، و كان شعارهم انهم يحلقون وسط رووسهم و يبقى الشعر مستديرا حوله كالاكليل.قال: (و لو كان تحت عمامتى هذه- اى لو اعتصم و احتمى باعظم الاشياء حرمه- فلا تكفوا عن قتله).ثم ذكر انه انما حكم الحكمان ليحييا ما احياه القرآن، اى ليجتمعا على ما شهد القرآن باستصوابه و استصلاحه، و يميتا ما اماته القرآن، اى ليفترقا و يصدا و ينكلا عما كرهه ا
لقرآن، و شهد بضلاله.و البجر، بضم الباء: الشر العظيم، قال الراجز: ارمى عليها و هى شى ء بجر اى داهيه.و لا ختلتكم، اى خدعتكم، ختله و خاتله: اى خدعه، و التخاتل: التخادع.و لا لبسته عليكم، اى جعلته مشتبها ملتبسا، البست عليهم الامر البسه بالكسر.و الملا: الجماعه من الناس.و الصمد: القصد.قال: سبق شرطنا سوء رايهما، لانا اشترطنا عليهما فى كتاب الحكومه ما لامضره علينا، مع تامله فيما فعلاه من اتباع الهوى و ترك النصيحه للمسلمين.