شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 328
نمايش فراداده

خطبه 128-فتنه هاى بصره

الشرح:

اللجب الصوت.

و الدور المزخرفه: المزينه المموهه بالزخرف، و هو الذهب.

و اجنحه الدور التى شبهها باجنحه النسور: رواشينها.

و الخراطيم: ميازيبها.

و قوله: (لايندب قتيلهم): ليس يريد به من يقتلونه، بل القتيل منهم، و ذلك لان اكثر الزنج الذين اشار اليهم، كانوا عبيدالدهاقين البصره و بناتها، و لم يكونوا ذوى زوجات و اولاد، بل كانوا على هيئه الشطار عزابا فلانادبه لهم.

و قوله: (و لايفقد غائبهم) يريد به كثرتهم و انهم كلما قتل منهم قتيل سد مسده غيره، فلا يظهر اثر فقده.

و قوله: (انا كاب الدنيا لوجهها)، مثل الكلمات المحكيه عن عيسى (ع): انا الذى كببت الدنيا على وجهها، ليس لى زوجه تموت، و لابيت يخرب.

وسادى الحجر و فراشى المدر، و سراجى القمر.

(اخبار صاحب الزنج و فتنته و ما انتحله من عقائد) فاما صاحب الزنج هذا فانه ظهر فى فرات البصره فى سنه خمس و خمسين و مائتين رجل زعم انه على بن محمد بن احمد بن عيسى بن زيد بن على بن الحسين بن على بن ابى طالب (ع)، فتبعه الزنج الذين كانوا يكسحون السباخ فى البصره.

و اكثر الناس يقدحون فى نسبه و خصوصا الطالبيين.

و جمهور النسابين اتفقوا على انه من عبدالقيس، و انه على بن محمد بن عبدالرحيم، و امه اسديه من اسد بن خزيمه، جدها محمد بن حكيم الاسدى، من اهل الكوفه، احد الخارجين مع زيد بن على بن الحسين (ع) على هشام بن عبدالملك، فلما قتل زيد، هرب فلحق بالرى و جاء الى القريه التى يقال لها ورزنين، فاقام بها مده، و بهذه القريه ولد على بن محمد صاحب الزنج، و بها منشوه و كان ابوابيه المسمى عبدالرحيم رجلا من عبدالقيس، كان مولده بالطالقان، فقدم العراق، و اشترى جاريه سنديه، فاولدها محمدا اباه.

و كان على هذا متصلا بجماعه من حاشيه السلطان و خول بنى العباس، منهم غانم الشطرنجى، و سعيد الصغير، و بشير، خادم المنتصر، و كان منهم معاشه و من قوم من كتاب الدوله يمدحهم و يستمنحهم بشعره، و يعلم الصبيان الخط و النحو و النجوم، و كان حسن الشعر مطبوعا عليه، فصيح اللهجه، بعيد الهمه، تسمو نفسه الى معالى الامور، و لايجد اليها سبيلا، و من شعره القصيده المشهوره التى اولها: رايت المقام على الاقتصاد قنوعا به ذله فى العباد و من جملتها: اذا النار ضاق بها زندها ففسحتها فى فراق الزناد اذا صارم قر فى غمده حوى غيره السبق يوم الجلاد و من الشعر المنسوب اليه: و انا لتصبح اسيافنا اذا ما انتضين ليوم سفوك منابرهن بط ون الاكف و اغمادهن رووس الملوك و من شعره فى الغزل: و لما تبينت المنازل بالحمى و لم اقض منها حاجه المتورد زفرت اليها زفره لو حشوتها سرابيل ابدان الحديد المسرد لرقت حواشيها، و ظلت متونها تلين كما لانت لداود فى اليد و من شعره ايضا: و اذا تنازعنى اقول لها قرى موت يريحك او صعود المنبر ما قد قضى سيكون فاصطبرى له و لك الامان من الذى لم يقدر و قد ذكر المسعودى فى كتابه المسمى "مروج الذهب"، ان افعال على بن محمد صاحب الزنج، تدل على انه لم يكن طالبيا، و تصدق ما رمى به من دعوته فى النسب، لان ظاهر حاله كان ذهابه الى مذهب الازارقه، فى قتل النساء و الاطفال و الشيح الفانى و المريض، و قد روى انه خطب مره، فقال فى اول خطبته: (لا اله الا الله و الله اكبر، الله اكبر لاحكم الا لله)، و كان يرى الذنوب كلها شركا.

و من الناس من يطعن فى دينه و يرميه بالزندقه و الالحاد، و هذا هو الظاهر من امره، لانه كان متشاغلا فى بدايته بالتنجيم و السحر و الاصطرلابات.

و ذكر ابوجعفر محمد بن جرير الطبرى، ان على بن محمد شخص من سامراء و كان يعلم الصبيان بها، و يمدح الكتاب، و يستميح الناس، فى سنه تسع و اربعين و مائتين الى البحرين، فاد عى بها انه على بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيدالله بن العباس بن على بن ابى طالب (ع)، و دعا الناس بهجر الى طاعته، فاتبعه جماعه كثيره من اهلها، و اتبعه جماعه اخرى، فكانت بسببه بين الذين اتبعوه و الذين ابوه عصبيه، قتل فيها بينهم جماعه، فانتقل عنهم لما حدث ذلك الى الاحساء، و ضوى الى حى من بنى تميم، ثم من بنى سعد يقال لهم بنو الشماس، فكان بينهم مقامه، و قد كان اهل البحرين احلوه من انفسهم محل النبى (ص)- فيما ذكر- حتى جبى له الخراج هنالك، و نفذ حكمه فيهم، و قاتلوا اسباب السلطان لاجله، و وتر منهم جماعه كثيره، فتنكروا له، فتحول عنهم الى الباديه.

و لما انتقل الى الباديه صحبه جماعه من اهل البحرين، منهم رجل كيال من اهل الاحساء، يقال له يحيى بن محمد الازرق، مولى بنى دارم، و يحيى بن ابى ثعلب، و كان تاجرا من اهل هجر، و بعض موالى بنى حنظله اسود يقال له سليمان ابن جامع، و كان قائد جيشه حيث كان بالبحرين.

ثم تنقل فى الباديه من حى الى حى، فذكر عنه انه كان يقول: اوتيت فى تلك الايام آيات من آيات امامتى، منها انى لقيت سورا من القرآن لم اكن احفظها، فجرى بها لسانى فى ساعه واحده، منها (سبحان) و (الكهف) و (صاد)، و منها انى القيت نفس ى على فراشى، و جعلت افكر فى الموضع الذى اقصد له، و اجعل مقامى به اذا نبت الباديه بى.

وضقت ذرعا بسوء طاعه اهلها، فاظلتنى سحابه، فبرقت و رعدت، و اتصل صوت الرعد منها بسمعى، فخوطبت فقيل لى: اقصد البصره، فقلت لاصحابى و هم يكتنفوننى: انى امرت بصوت من هذا الرعد بالمصير الى البصره.

و ذكر عنه انه عند مصيره الى الباديه اوهم اهلها انه يحيى بن عمر ابوالحسين المقتول بناحيه الكوفه فى ايام المستعين، فاختدع بذلك قوما منهم، حتى اجتمع عليه منهم جماعه فزحف بهم الى موضع من البحرين، يقال له الردم، فكانت بينه و بين اهله وقعه عظيمه، كانت الدبره فيها عليه و على اصحابه، قتلوا فيها قتلا ذريعا، فتفرقت عنه العرب و كرهته، و تجنبت صحبته.

فلما تفرقت العرب عنه و نبت به الباديه، شخص عنها الى البصره، فنزل بها فى بنى ضبيعه، فاتبعه بها جماعه، منهم على بن ابان المعروف بالمهلبى، من ولد المهلب بن ابى صفره، و اخواه محمد و الخليل و غيرهم، و كان قدومه البصره فى سنه اربع و خمسين و مائتين و عامل السلطان بها يومئذ محمد بن رجاء، و وافق ذلك فتنه اهل البصره بالبلاليه و السعديه، فطمع فى احد الفريقين ان يميل اليه، فارسل اربعه من اصحابه يدعون اليه، و هم محمد بن سلم القصاب الهجرى و بريش القريعى و على الضراب، و الحسين الصيدنانى، و هم الذين كانوا صحبوه بالبحرين، فلم يستجب لهم احد من اهل البلد، و ثار عليهم الجند، فتفرقوا، و خرج على بن محمد من البصره هاربا، و طلبه ابن رجاء فلم يقدر عليه.

و اخبر ابن رجاء بميل جماعه من اهل البصره اليه، فاخذهم فحبسهم، و حبس معهم زوجه على بن محمد، و ابنه الاكبر، و جاريه له كانت حاملا، و مضى على بن محمد لوجهه يريد بغداد و معه قوم من خاصته، منهم محمد بن سلم، و يحيى بن محمد، و سليمان بن جامع، و بريش القريعى، فلما صاروا بالبطيحه، نذر بهم بعض موالى الباهليين، كان يلى امر البطيحه فاخذهم و حملهم الى محمد بن ابى عون و هو عامل السلطان بواسط، فاحتال لابن ابى عون حتى تخلص هو و اصحابه من يده، ثم صار الى بغداد فاقام بها سنه، و انتسب فى هذه السنه الى محمد بن احمد بن عيسى بن زيد، و كان يزعم انه ظهر له ايام مقامه ببغداد فى هذه السنه آيات، و عرف ما فى ضمائر اصحابه و ما يفعله كل واحد منهم، و انه سال ربه ان يعلمه حقيقه امور كانت فى نفسه، فراى كتابا يكتب له على حائط و لايرى شخص كاتبه.

قال ابوجعفر: و استمال ببغداد جماعه، منهم جعفر بن محمد الصوحانى، من ولد زيد بن صوحان العبدى، و محمد بن القاسم، و غلامان لبنى خاقان، و هما مشرق و رفيق، فسمى مشرقا حمزه و كناه ابااحمد، و سمى رفيقا جعفرا و كناه اباالفضل، فلما انقضى عامه ذلك ببغداد، عزل محمد بن رجاء عن البصره، فوثبت روساء الفتنه بها من البلاليه و السعديه، ففتحوا المحابس، و اطلقوا من كان فيها، فتخلص اهله و ولده فيمن تخلص، فلما بلغه ذلك شخص عن بغداد، فكان رجوعه الى البصره فى شهر رمضان من سنه خمس و خمسين و مائتين، و معه على بن ابان المهلبى، و قد كان لحق به و هو بمدينه السلام مشرق و رفيق، و اربعه اخر من خواصه، و هم يحيى بن محمد و محمد بن سلم، و سليمان بن جامع، و ابويعقوب المعروف بجربان، فساروا جميعا حتى نزلوا بالموضع المعروف ببرنخل من ارض البصره فى قصر هناك يعرف بقصر القرشى على نهر يعرف بعمود بن المنجم، كان بنوموسى بن المنجم احتفروه، و اظهر انه وكيل لولد الواثق فى بيع ما يملكونه هناك من السباخ.

قال ابوجعفر: فذكر عن ريحان بن صالح، احد غلمان الشورجيين الزنوج، و هو اول من صحبه منهم، قال: كنت موكلا بغلمان مولاى، انقل الدقيق اليهم، فمررت به و هو مقيم بقصر القرشى يظهر الوكاله لاولاد الواثق، فاخذنى اصحابه و صاروا بى اليه و امرونى بالتسليم عليه بالامره، ففعلت ذلك فسالنى عن الموضع الذى جئت منه، فاخبرته انى اقبلت من البصره، فقال: هل سمعت لنا بالبصره خبرا؟ قلت: لا، قال: فخبر البلاليه و السعديه؟ قلت: لم اسمع لهم خبرا، فسالنى عن غلمان الشورجيين و ما يجرى لكل جماعه منهم من الدقيق و السويق و التمر، و عمن يعمل فى الشورج من الاحرار و العبيد، فاعلمته ذلك، فدعانى الى ما هو عليه، فاجبته فقال لى: احتل فيمن قدرت عليه من الغلمان، فاقبل بهم الى.

و وعدنى ان يقودنى على من آتيه به منهم، و ان يحسن الى، و استحلفنى الا اعلم احدا بموضعه، و ان ارجع اليه.

فخلى سبيلى، فاتيت بالدقيق الذى معى الى غلمان مولاى، و اخبرتهم خبره، و اخذت له البيعه عليهم، و وعدتهم عنه بالاحسان و الغنى، و رجعت اليه من غد ذلك اليوم، و قد وافاه رفيق غلام الخاقانيه و قد كان وجهه الى البصره، يدعو اليه غلمان الشورج، و وافى اليه صاحب له آخر يعرف بشبل بن سالم، قد كان دعا اليه قوما منهم ايضا، و احضر معه حريره كان امره بابتياعها، ليتخذها لواء، فكتب فيها بالحمره: (ان الله اشترى من المومنين انفسهم و اموالهم بان لهم الجنه يقاتلون فى سبيل الله) الايه، و كتب اسمه و اسم ابيه عليها، و علقها فى راس مردى ، و خرج وقت السحر من ليله السبت لليلتين بقيتا من شهر رمضان، فلما صار الى موخر القصر الذى كان فيه، لقيه غلمان رجل من الشورجيين، يعرف بالعطار (متوجهين الى اعمالهم)، فامر باخذ وكيلهم، فاخذ و كتف، و استضم غلمانه الى غلمانه، و كانوا خمسين غلاما، ثم صار الى الموضع المعروف بالسنائى فاتبعه الغلمان الذين كانوا فيه، و هم خمسمائه غلام فيهم الغلام المعروف بابى حديد، و امر باخذ وكيلهم، و كتفه ثم مضى الى الموضع المعروف بالسيرافى، فاتبعه من كان فيه من غلمان، و هم مائه و خمسون غلاما، منهم زريق و ابوالخنجر، ثم صار الى الموضع المعروف بسبخه ابن عطاء، فاخذ طريفا، و صبيحا الاعسر، و راشد المغربى، و راشد القرمطى، و كل هولاء من وجوه الزنج و اعيانهم الذين صاروا قوادا و امراء فى جيوشهم، و اخذ معهم ثمانين غلاما.

ثم اتى الى الموضع المعروف بغلام سهل الطحان، فاستضاف من كان به من الغلمان، ثم لم يزل يفعل مثل ذلك فى يومه حتى اجتمع اليه بشر كثير من الزنج، ثم قام فيهم آخر الليل خطيبا، فمناهم و وعدهم ان يقودهم و يرئسهم و يملكهم الاموال و الضياع، و حلف لهم بالايمان الغليظه الا يغدر بهم، و لايخذلهم، و لايدع شيئا من الاحسان الا اتى اليهم.

ثم دعا وكلاءهم، فقال: قد اردت ضرب اعناقكم لما كنتم تاتون الى هولاء الغلمان الذين استضعفتموهم و قهرتموهم، و فعلتم بهم ما حرم الله عليكم ان تفعلوه بهم، و كلفتموهم ما لايطيقونه، فكلمنى اصحابى فيكم، فرايت اطلاقكم.

فقالوا له: اصلحك الله! ان هولاء الغلمان اباق، و انهم سيهربون منك فلايبقون عليك و لا علينا، فخذ من مواليهم مالا، و اطلقهم.

فامر الغلمان فاحضروا شطوبا، ثم بطح كل قوم وكيلهم، فضرب كل رجل منهم خمسمائه شطبه، (و احلفهم بطلاق نسائهم الا يعلموا احدا بموضعه)، ثم اطلقهم، فمضوا نحو البصره و مضى رجل منهم حتى عبر دجيل الاهواز، فانذر الشورجيين ليحفظوا غلمانهم، و كان هناك خمسه عشر الف غلام زنجى، ثم سار، و عبر دجيلا، و سار الى نهر ميمون باصحابه، و اجتمع اليه السودان من كل جهه.

فلما كان يوم الفطر، جمعهم و خطب خطبه ذكر فيها ما كانوا عليه من سوء الحال، و ان الله تعالى قد استنقذهم من ذلك، و انه يريد ان يرفع اقدارهم، و يملكهم العبيد و الاموال و المنازل، و يبلغ بهم اعلى الامور، ثم حلف لهم على ذلك.

فلما فرغ من خطبته امر الذين فهموا عنه قوله ان يفهموه من لافهم له من عجمهم، لتطيب بذلك انفسهم، ففعلوا ذلك.

قال ابوجعفر: فلما كان فى اليو م الثالث من شوال، وافاه الحميرى احد عمال السلطان بتلك النواحى، فى عدد كثير، فخرج اليه صاحب الزنج فى اصحابه، فطرده و هزم اصحابه، حتى صاروا فى بطن دجله، و استامن الى صاحب الزنج رجل من روساء السودان، يعرف بابى صالح القصير فى ثلاثمائه من الزنج، فلما كثر من اجتمع اليه من الزنج قود قواده، و قال لهم: من اتى منكم برجل من السودان فهو مضموم اليه.

قال ابوجعفر: و انتهى اليه ان قوما من اعوان السلطان هناك، منهم خليفه بن ابى عون على الابله، و منهم الحميرى قد اقبلوا نحوه، فامر اصحابه بالاستعداد لهم، فاجتمعوا للحرب، و ليس فى عسكره يومئذ الا ثلاثه اسياف: سيفه، و سيف على بن ابان، و سيف محمد بن سلم، و لحقه القوم، و نادى الزنج، فبدر مفرج النوبى و المكنى بابى صالح، و ريحان بن صالح، و فتح الحجام، و قد كان فتح حينئذ ياكل و بين يديه طبق، فلما نهض تناول ذلك الطبق، و تقدم امام اصحابه، فلقيه رجل من عسكر اصحاب السلطان، فلما رآه فتح حمل عليه و حذفه بالطبق الذى كان فى يده، فرمى الرجل سلاحه، و ولى هاربا، و انهزم القوم كلهم، و كانوا اربعه آلاف، فذهبوا على وجوههم، و قتل من قتل منهم، و مات بعضهم عطشا، و اسر كثير منهم، فاتى بهم صاحب الزنج، فامر بضرب اعناقهم، فضربت، و حملت الرووس على بغال كان اخذها من الشورجيين، كانت تنقل الشورج.

قال ابوجعفر: و مر فى طريقه بالقريه المعروفه بالمحمديه فخرج منها رجل من موالى الهاشميين، فحمل على بعض السودان فقتله، و دخل القريه، فقال له اصحابه: ائذن لنا فى انتهاب القريه و طلب قاتل صاحبنا، فقال: لا سبيل الى ذلك دون ان نعرف ما عند اهلها، و هل فعل القاتل ما فعل عن رايهم، و نسائلهم ان يدفعوه الينا، فان فعلوا و الا حل لنا قتالهم، و عجل المسير من القريه، فتركها و سار.

قال ابوجعفر: ثم مر على القريه المعروفه بالكرخ، فاتاه كبراوها، و اقاموا له الانزال، و بات ليلته تلك عندهم، فلما اصبح اهدى له رجل من اهل القريه السماه جبى فرسا كميتا، فلم يجد سرجا و لا لجاما، فركبه بحبل و سنفه بحبل ليف.

قلت: هذا تصديق قول اميرالمومنين (ع): (كانه به قد سار فى الجيش الذى ليس له غبار و لالجب، و لاقعقعه لجم، و لاحمحمه خيل، يثيرون الارض باقدامهم كانها اقدام النعام).

قال ابوجعفر: و اول مال صار اليه مائتا دينار و الف درهم، لما نزل القريه المعروفه بالجعفريه، احضر بعض روسائها، و ساله عن المال فجحد، فامر بضرب عنقه فلما خاف احضر له هذا القدر، و احضر له ثلاثه برازين: كميتا و اشقر و اشهب، فدفع احدها الى محمد بن سلم، و الاخر الى يحيى بن محمد، و الاخر الى مشرق غلام الخاقانيه.

و وجدوا فى دار لبعض الهاشميين سلاحا فانتهبوه، فصار ذلك اليوم بايدى بعض الزنج سيوف و آلات و اتراس.

قال ابوجعفر: ثم كانت بينه و بين من يليه من اعوان السلطان، كالحميرى، و رميس و عقيل و غيرهم وقعات، كان الظفر فيها كلها له، و كان يامر بقتل الاسرى، و يجمع الرووس معه، و ينقلها من منزل الى منزل، و ينصبها امامه اذا نزل، و اوقع الهيبه و الرهبه فى صدور الناس بكثره القتلى، و قله العفو، و على الخصوص الماسورين، فانه كان يضرب اعناقهم و لايستبقى منهم احدا.

قال ابوجعفر: ثم كان له مع اهل البصره وقعه بعد ذلك سار يريدها فى سته آلاف زنجى، فاتبعه اهل الناحيه المعروفه بالجعفريه ليحاربوه، فعسكر عليهم، فقتل منهم مقتله عظيمه، اكثر من خمسمائه رجل، فلما فرغ منهم صمد نحو البصره، و اجتمع اهلها و من بها من الجند، و حاربوه حربا شديدا، فكانت الدائره عليه، و انهزم اصحابه، و وقع كثير منهم فى النهرين المعروفين بنهر كثير و نهر شيطان، و جعل يهتف بهم و يردهم و لايرجعون، و غرق من اعيان جنده و قواده جماعه، منهم ابوالجون، و مبارك البحرا نى، و عطاء البربرى، و سلام الشامى، فلحقه قوم من جند البصره، و هو على قنطره نهر كثير فرجع اليهم بنفسه، و سيفه فى يده، فرجعوا عنه، حتى صاروا الى الارض و هو يومئذ فى دراعه و عمامه و نعل و سيف، و فى يده اليسرى ترس، و نزل عن القنطره، فصعدها البصريون يطلبونه، فرجع اليهم، فقتل منهم رجلا بيده على خمس مراق من القنطره، و جعل يهتف باصحابه، و يعرفهم مكانه، و لم يكن بقى معه فى ذلك الموضع من اصحابه الا ابوالشوك و مصلح و رفيق و مشرق غلاما الخاقانيه، و ضل اصحابه عنه، و انحلت عمامته، فبقى على راسه كور منها او كوران، فجعل يسحبها من ورائه، و يعجله المشى عن رفعها، و اسرع غلاما الخاقانيه فى الانصراف، و قصر عنهما فغابا عنه، فاتبعه رجلان من اهل البصره بسيفيهما، فرجع اليهما، فانصرفا عنه، و خرج الى الموضع الذى فيه مجمع اصحابه، و قد كانوا تحيروا، فلما راوه سكنوا.

قال ابوجعفر: ثم سال عن رجاله و اذا قد هرب كثير منهم، و نظر فاذا هو من جميع اصحابه فى مقدار خمسمائه رجل، فامر بالنفخ فى البوق الذى كانوا يجتمعون لصوته، فنفخ فيه فلم يرجع اليه احد.

قال: و انتهب اهل البصره سفنا كانت معه، و ظفروا بمتاع من متاعه، و كتب من كتبه و اصطرلابات كان معه ، ثم تلاحق به جماعه ممن كان هرب.