شرح نهج البلاغه نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
فاصبح و اذا معه الف رجل.فارسل محمد بن سلم و سليمان بن جامع و يحيى بن محمد الى اهل البصره، يعظهم و يعلمهم، انه لم يخرج الا غضبا لله و للدين و نهيا عن المنكر، فعبر محمد بن سلم حتى توسط اهل البصره، و جعل يكلمهم و يخاطبهم، فراوا منه غره، فوثبوا عليه فقتلوه، و رجع سليمان و يحيى الى صاحب الزنج، فاخبراه فامرهما بطى ذلك عن اصحابه، حتى يكون هو الذى يخبرهم.فلما صلى بهم العصر، نعى اليهم محمد بن سلم، و قال لهم: انكم تقتلون به فى غد عشره آلاف من اهل البصره.قال ابوجعفر: و كان الوقعه التى كانت الدبره عليه فيها يوم الاحد لثلاث عشره ليله خلون من ذى القعده سنه خمس و خمسين و مائتين، فلما كان يوم الاثنين جمع له اهل البصره و حشدوا لما راوا من ظهورهم عليه يوم الاحد، و انتدب لذلك رجل من اهل البصره يعرف بحماد الساجى و كان من غزاه البحر فى الشذا، و له علم بركوبها، و الحرب فيها، فجمع المطوعه و رماه الاهداف و اهل المسجد الجامع و من خف معه من حزبى البلاليه و السعديه، و من غير هذه الاصناف من الهاشميين و القرشيين و من يحب النظر و مشاهده الحرب من سائر اصناف الناس، و شحن ثلاثه مراكب من الشذا بالرماه، و ج
عل الناس يزدحمون فى الشذا حرصا على حضور ذلك المشهد، و مضى جمهور الناس رجاله، منهم من معه سلاح و منهم من لا سلاح معه بل نظاره، فدخلت السفن النهر المعروف بام حبيب بعد زوال الشمس من ذلك اليوم فى المد، و مرت الرجاله و النظاره على شاطى ء النهر، قد سدوا ما ينفذ فيه البصر كثره و تكاثفا، فوجه صاحب الزنج صاحبه زريقا و اباالليث الاصبهانى، فجعلهم كمينا من الجانب الشرقى من نهر شيطان، و كان مقيما بموضع منه، و وجه صاحبيه شبلا و حسينا الحمامى، فجعلهما كمينا فى غربيه، و مع كل من الكمينين جماعه، و امر على بن ابان المهلبى ان يتلقى القوم فيمن بقى معه من جمعه، و امره ان يستتر هو و اصحابه بتراسهم، و لايثور اليهم منه ثائر، حتى يوافيهم القوم و يخالطوهم باسيافهم، فاذا فعلوا ذلك ثاروا اليهم و تقدم الى الكمينين اذا جاوزهما الجمع، و احسا بثوره اصحابهم اليهم ان يخرجا من جنبى النهر، و يصيحا بالناس.و كان يقول لاصحابه بعد ذلك: لما اقبل الى جمع البصره و عاينته، رايت امرا هائلا راعنى، و ملا صدرى رهبه و جزعا، ففزعت الى الدعاء، و ليس معى من اصحابى الا نفر يسير، منهم مصلح، و ليس منا احد الا و قد خيل اليه مصرعه، فجعل مصلح يعجبنى من كثره ذلك ال
جمع، و جعلت اومى ء اليه ان اسكت، فلما قرب القوم منى قلت: اللهم ان هذه ساعه العسره، فاعنى فرايت طيورا بيضا اقبلت فتلقت ذلك الجمع، فلم استتم دعائى حتى بصرت بسميريه من سفنهم قد انقلبت بمن فيها، فغرقوا، ثم تلتها، الشذا فغرقت واحده بعد واحده، و ثار اصحابى الى القوم، و خرج الكمينان من جنبى النهر، و صاحوا و خبطوا الناس، فغرقت طائفه، و قتلت طائفه و هربت طائفه، نحو الشط طمعا، فادركها السيف، فمن ثبت قتل، و من رجع الى الماء غرق، حتى ابيد اكثر ذلك الجمع، و لم ينج منهم الا الشريد، و كثر المفقودون بالبصره، و علا العويل من نسائهم.قال ابوجعفر: و هذا يوم الشذا الذى ذكره الناس فى اشعارهم، و عظموا ما فيه من القتل، فكان ممن قتل من بنى هاشم، جماعه من ولد جعفر بن سليمان و انصرف صاحب الزنج و جمع الرووس و ملا بها سفنا، و اخرجها من النهر المعروف بام حبيب فى الجزر و اطلقها، فوافت البصره، فوقفت فى مشرعه تعرف بمشرعه القيار، فجعل الناس ياتون تلك الرووس، فياخذ راس كل رجل اولياوه، و قوى صاحب الزنج بعد هذا اليوم، و سكن الرعب قلوب اهل البصره منه، و امسكوا عن حربه، و كتب الى السلطان بخبره، فوجه جعلان التركى مددا لاهل البصره، فى جيش ذوى عده و
اسلحه.قال ابوجعفر: و قال اصحاب على بن محمد له: انا قد قتلنا مقاتله اهل البصره، و لم يبق فيها الا ضعفاوهم، و من لا حراك به، فاذن لنا فى تقحمها، فنهاهم و هجن آراءهم و قال: بل نبعد عنها، فقد رعبناهم و اخفناهم، و لنقتحمها وقتا آخر، و انصرف باصحابه الى سبخه فى آخر انهار البصره، تعرف بسبخه ابى قره، قريبه من النهر المعروف بالحاجر فاقام هناك، و امر اصحابه باتخاذ الاكواخ، و هذه السبخه متوسطه النخل و القرى و العمارات، و بث اصحابه يمينا و شمالا، يعيثون و يغيرون على القرى، و يقتلون الاكره، و ينهبون اموالهم، و يسرقون مواشيهم.و جاءه شخص من اهل الكتاب من اليهود، يعرف بمارويه، فقبل يده و سجد له، و ساله عن مسائل كثيره، فاجابه عنها، فزعم اليهودى انه يجد صفته فى التوراه، و انه يرى القتال معه، و ساله عن علامات فى يده و جسده ذكر انها مذكوره فى الكتب، فاقام معه.قال ابوجعفر: و لما صار جعلان التركى الى البصره بعسكره، اقام سته اشهر يحارب صاحب الزنج، فاذا التقوا لم يكن بينهم الا الرمى بالحجاره و النشاب، و لم يجد جعلان الى لقائه سبيلا، لضيق الموضع بما فيه من النخل و الدغل عن مجال الخيل، و لان صاحب الزنج قد كان خندق على نفسه و اصحا
به.ثم ان صاحب الزنج بيت جعلان، فقتل جماعه من اصحابه، و روع الباقون روعا شديدا، فانصرف جعلان الى البصره و وجه اليه مقاتله السعديه و البلاليه فى جمع كثيف، فواقعهم صاحب الزنج، فقهرهم، و قتل منهم مقتله عظيمه، و انصرفوا مفلولين، و رجع جعلان باصحابه الى البصره، فاقام بها معتصما بجدرانها، و ظهر عجزه للسلطان فصرفه عن حرب الزنج، و امر سعيد الحاجب بالشخوص الى البصره لحربهم.قال ابوجعفر: و اتفق لصاحب الزنج من السعاده ان اربعا و عشرين مركبا من مراكب البحر كانت اجتمعت تريد البصره، و انتهى الى اصحابها خبر الزنج و قطعهم السبل، و فيها اموال عظيمه للتجار، فاجتمعت آراوهم على ان شدوا المراكب بعضها الى بعض، حتى صارت كالجزيره، يتصل اولها باخرها، و سارت فى دجله فكان صاحب الزنج يقول: نهضت ليله الى الصلاه و اخذت فى الدعاء و التضرع، فخوطبت بان قيل لى: قد اظلك فتح عظيم، فالتفت فلم البث ان طلعت المراكب، فنهض اصحابى اليها فى شذاتها فلم يلبثوا ان حووها و قتلوا مقاتلتها، و سبوا ما فيها من الرقيق، و غنموا منها اموالا لاتحصى، و لايعرف قدرها فانهبت ذلك اصحابى ثلاثه ايام و امرت بما بقى منها فحيز لى.قال ابوجعفر: ثم دخل الزنج الابله فى شهر رج
ب من سنه ست و خمسين و مائتين، و ذلك ان جعلان لما تنحى الى البصره، الح صاحب الزنج بالسرايا على اهل الابله، فجعل يحاربهم من ناحيه شط عثمان بالرجاله، و بما خف له من السفن من ناحيه دجله و جعلت سراياه تضرب الى ناحيه نهر معقل.فذكر عن صاحب الزنج انه قال: ميلت بين عبادان و الابله، فملت الى التوجه الى عبادان فندبت الرجال الى ذلك، فخوطبت و قيل لى: ان اقرب عدو دارا، و اولاه الا يتشاغل عنه بغيره اهل الابله، فرددت بالجيش الذى كنت سيرته نحو عبادان الى الابله، و لم يزالوا يحاربون اهلها الى ان اقتحموها و اضرموها نارا، و كانت مبنيه بالساج بناء متكاثفا، فاسرعت فيها النار، و نشات ريح عاصف، فاطارت شرر ذلك الحريق الى ان انتهى الى شط عثمان، و قتل بالابله خلق كثير، و حويت الاسلاب و الاموال، على ان الذى احرق منها كان اكثر مما انتهب، و استسلم اهل عبادان بعدها لصاحب الزنج، فان قلوبهم ضعفت، و خافوه على انفسهم و حرمهم، فاعطوا بايديهم، و سلموا اليه بلدهم، فدخلها اصحابه، فاخذوا من كان فيها من العبيد، و حملوا ما كان فيها من السلاح، ففرقه على اصحابه، و صانعه اهلها بمال كف به عنهم.قال ابوجعفر: ثم دخل الزنج بعد عبادان الى الاهواز و لم يثبت
لهم اهلها، فاحرقوا ما فيها، و قتلوا و نهبوا، و اخربوا، فكان بالاهواز ابراهيم بن محمد المدبر الكاتب، و اليه خراجها و ضياعها، فاسروه بعد ان ضربوه ضربه على وجهه، و حووا كل ما كان يملكه من مال و اثاث و رقيق و كراع، و اشتد خوف اهل البصره، و انتقل كثير من اهلها عنها، و تفرقوا فى بلاد شتى، و كثرت الاراجيف من عوامها.قال ابوجعفر: فلما دخلت سنه سبع و خمسين انفذ السلطان بغراج التركى على حرب البصره و سعيد بن صالح الحاجب للقاء صاحب الزنج، و امر بغراج بامداده بالرجال، فلما صار سعيد الى نهر معقل، وجد هناك جيشا لصاحب الزنج فى النهر المعروف بالمرغاب، فاوقع بهم سعيد فهزمهم، و استنقذ ما فى ايديهم من النساء و النهب، و اصابت سعيدا فى تلك الوقعه جراحات، منها جراحه فى فيه.ثم بلغه ان جيشا لصاحب الزنج فى الموضع المعروف بالفرات، فتوجه اليه فهزمه، و استامن اليه بعض قواد صاحب الزنج، حتى لقد كان المراه من سكان ذلك الموضع تجد الزنجى مستترا بتلك الادغال فتقبض عليه، حتى تاتى به عسكر، سعيد ما به عنها امتناع.ثم قصد سعيد حرب صاحب الزنج، فعبر اليه الى غربى دجله، فاوقع به وقعات متتاليه، كلها يكون الظفر فيها لسعيد، الى ان تهيا لصاحب الزنج علي
ه ان وجه الى يحيى بن محمد البحرانى صاحبه، و هو اذ ذاك مقيم بنهر معقل، فى جيش من الزنج، فامره بتوجيه الف رجل من اصحابه، عليهم سليمان بن جامع و ابوالليث القائدان، و يامرهما بقصد عسكر سعيد ليلا، حتى يوقعا به وقت طلوع الفجر، من ليله عينها لهم، ففعلا ذلك، و صارا الى عسكر سعيد فى ذلك الوقت، فصادفا منه غره و غفله، فاوقعا به و باصحابه، وقت طلوع الفجر، فقتل منهم مقتله عظيمه، و اصبح سعيد و قد ضعف امره، و اتصل بالسلطان خبره، فامره بالانصراف الى باب السلطان، و تسليم الجيش الذى معه الى منصور بن جعفر الخياط، و كان اليه يومئذ حرب الاهواز و كوتب بحرب صاحب الزنج، و ان يصمد له، فكانت بينهم وقعه كان الظفر فيها للزنج، فقتل من اصحاب منصور خلق كثير عظيم، و حمل من الرووس خمسمائه راس الى عسكر يحيى بن محمد البحرانى القائد، فنصبت على نهر معقل.قال ابوجعفر: ثم كانت بين الزنج و بين اصحاب السلطان بالاهواز وقعات كثيره، تولاها على بن ابان المهلبى، فقتل شاهين بن بسطام، و كان من اكابر اصحاب السلطان، و هزم ابراهيم بن سيما، و كان ايضا من الامراء المشهورين، و استولى الزنج على عسكره.قال ابوجعفر: ثم كانت الواقعه العظمى بالبصره، فى هذه السنه و ذ
لك ان صاحب الزنج قطع الميره عنهم فاضر ذلك بهم، و الح بجيوشه و زنوجه عليهم بالحرب صباحا و مساء، فلما كان فى شوال من هذه السنه، ازمع على جمع اصحابه للهجوم على البصره، و الجد فى خراجها، و ذلك لعلمه بضعف اهلها و تفرقهم، و اضرار الحصار بهم، و خراب ما حولها من القرى.و كان قد نظر فى حساب النجوم، و وقف على انكساف القمر، الليله الرابعه عشره من هذا الشهر، فذكر محمد بن الحسن بن سهل انه قال: سمعته يقول: اجتهدت فى الدعاء على اهل البصره، و ابتهلت الى الله تعالى فى تعجيل خرابها، فخوطبت و قيل لى: انما البصره خبزه (لك) تاكلها من جوانبها، فاذا انكسر نصف الرغيف خربت البصره.فاولت انكسار نصف الرغيف بانكساف نصف القمر المتوقع فى هذه الليالى، و ما اخلق امر اهل البصره ان يكون بعده! قال: فكان يحدث بهذا حتى افاض فيه اصحابه، و كثر تردده فى اسماعهم و اجالتهم اياه بينهم.ثم ندب محمد بن يزيد الدارمى- و هو احد من كان صحبه بالبحرين للخروج الى الاعراب و استنفار من قدر عليه منهم- فاتاه منهم بخلق كثير، و وجه الى البصره سليمان بن موسى الشعرانى، فامره بتطرق البصره، و الايقاع باهلها، و تقدم الى سليمان (بن موسى) بتمرين الاعراب على ذلك.فلما وقع
الكسوف، انهض اليها على بن ابان، و ضم اليه جيشا من الزنج و طائفه من الاعراب، و امره باتيان البصره مما يلى بنى سعد، و كتب الى يحيى بن محمد البحرانى فى اتيانها مما يلى نهر عدى، و ضم باقى الاعراب اليه، فكان اول من واقع اهل البصره على بن ابان و بغراج التركى يومئذ بالبصره فى جماعه من الجند، فاقام يقاتلهم يومين، و اقبل يحيى بن محمد مما يلى قصر انس قاصدا نحو الجسر فدخل على بن ابان البلد وقت صلاه الجمعه، لثلاث عشره بقين من شوال.فاقبل يقتل الناس، و يحرق المنازل و الاسواق بالنار، فتلقاه بغراج و ابراهيم بن محمد بن اسماعيل بن جعفر بن سليمان الهاشمى، المعروف ببريه و كان وجيها مقدما مطاعا- فى جمع عظيم، فرداه، فرجع فاقام ليلته تلك.ثم غاداهم و قد تفرق جند البصره فلم يكن فى وجهه احد يدافعه، و انحاز بغراج بمن معه، و هرب ابراهيم بن محمد الهاشمى المعروف ببريه، فوضع على بن ابان السيف فى الناس، و جاء اليه ابراهيم بن محمد المهلبى- و هو ابن عمه- فاستامنه لاهل البصره، فحضر اهل البصره قاطبه، فامنهم و نادى مناديه: من اراد الامان فليحضر دار ابراهيم بن محمد المهلبى.فحضر اهل البصره قاطبه، حتى ملئوا الازقه.فلما راى اجتماعهم انتهز الفرصه
، فامر باخذ السكك و الطرق عليهم، و غدر بهم، و امر الزنوج بوضع السيف فيهم، فقتل كل من شهد ذلك المشهد.ثم انصرف آخر نهار يومه ذلك فاقام بقصر عيسى بن جعفر بالخربيه.و روى ابوجعفر، قال: حدثنى محمد بن الحسن بن سهل، قال: حدثنى محمد بن سمعان، قال: كنت يومئذ بالبصره، فمضيت مبادرا الى منزلى لاتحصن، به و هو فى سكه المربد، فلقيت اهل البصره هاربين، يدعون بالويل و الثبور، و فى آخرهم القاسم بن جعفر بن سليمان الهاشمى على بغل، متقلدا سيفا، يصيح بالناس: ويحكم! تسلمون بلدكم و حرمكم! هذا عدوكم قد دخل البلد.فلم يلووا عليه، و لم يسمعوا منه، فمضى هاربا، و دخلت انا منزلى، و اغلقت بابى، و اشرفت فمر بى الاعراب و رجاله الزنج، يقدمهم رجل على حصان كميت، بيده رمح، و عليه عذبه صفراء، فسالت بعد ذلك عنه فقيل لى: انه على بن ابان.قال: و نادى منادى على بن ابان: من كان من آل المهلب فليدخل دار ابراهيم بن يحيى المهلبى، فدخلت جماعه قليله، و اغلق الباب دونهم، ثم قيل للزنج: دونكم الناس فاقتلوهم، و لاتبقوا منهم احدا، و خرج اليهم ابوالليث الاصفهانى، احد قود الزنج، فقال للزنج: كيلوا، و هى العلامه التى كانوا يعرفونها فيمن يومرون بقتله، فاخذ الناس الس
يف، قال: فو الله انى لاسمع تشهدهم و ضجيجهم و هم يقتلون، و قد ارتفعت اصواتهم بالتشهد، حتى سمعت بالطفاوه، و هو على بعد من الموضع الذى كانوا فيه.قال: ثم انتشر الزنج فى سكك البصره و شوارعها، يقتلون من وجدوا.و دخل على بن ابان يومئذ المسجد فاحرقه، و بلغ الى الكلاء فاحرقه الى الجسر، و اخذت النار كل ما مرت به من انسان و بهيمه و اثاث و متاع، ثم الحوا بالغدو و الرواح على من وجدوه، و يسوقونهم الى يحيى بن محمد البحرانى، و هو نازل ببعض سكك البصره، فمن كان ذا مال قرره حتى يستخرج ماله ثم يقتله، و من كان مختلا قتله معجلا.قال ابوجعفر: و قد كان على بن ابان كف بعض الكف عن العيث بناحيه بنى سعد، و راقب قوما من المهلبيين و اتباعهم، فانتهى ذلك الى على بن محمد صاحب الزنج، فصرفه عن البصره، و اقر يحيى بن محمد البحرانى بها لموافقته على رايه فى الاثخان فى القتل، و وقوع ذلك بمحبته، و كتب الى يحيى بن محمد يامره باظهار الكف ليسكن الناس، و يظهر المستخفى، و من قد عرف باليسار و الثروه، فاذا ظهر فليوخذوا بالدلاله على ما دفعوه و اخفوه من اموالهم، ففعل يحيى بن محمد ذلك، و كان لايخلو فى اليوم من الايام من جماعه يوتى بهم، فمن عرف منهم باليسار
استنزف ما عنده ثم قتله، و من ظهرت له خلته عاجله بالقتل حتى لم يدع احدا ظهر له الا قتله.قال ابوجعفر: و حدثنى محمد بن الحسن، قال: لما انتهى الى على بن محمد عظيم ما فعل اصحابه بالبصره سمعته يقول: دعوت على اهل البصره فى غداه اليوم الذى دخل فيه اصحابى اليها، و اجتهدت فى الدعاء، و سجدت و جعلت ادعو فى سجودى، فرفعت الى البصره، فرايتها و رايت اصحابى يقاتلون فيها، و رايت بين السماء و الارض رجلا واقفا فى صوره جعفر المعلوف المتولى كان للاستخراج فى ديوان الخراج بسامراء، و هو قائم قد خفض يده اليسرى، و رفع يده اليمنى، يريد قلب البصره، فعلمت ان الملائكه تولت اخرابها دون اصحابى، و لو كان اصحابى تولوا ذلك ما بلغوا هذا الامر العظيم الذى يحكى عنها، و لكن الله تعالى نصرنى بالملائكه، و ايدنى فى حروبى، و ثبت بهم من ضعف قلبه من اصحابى.قال ابوجعفر و انتسب صاحب الزنج فى هذه الايام الى محمد بن محمد بن زيد بن على بن الحسين، بعد انتسابه الذى كان الى احمد بن عيسى بن زيد، و ذلك لانه بعد اخرابه البصره، جاء اليه جماعه من العلويه الذين كانوا بالبصره، و اتاه فيمن اتاه منهم قوم من ولد احمد بن عيسى بن زيد، فى جماعه من نسائهم و حرمهم، فلما خاف
هم ترك الانتساب الى احمد بن عيسى، و انتسب الى محمد بن محمد بن زيد.قال ابوجعفر: فحدثنى محمد بن الحسن بن سهل، قال: كنت حاضرا عنده و قد حضر جماعه من النوفليين، فقال له القاسم بن اسحاق النوفلى: انه انتهى الينا ان الامير من ولد احمد بن عيسى بن زيد، فقال: لست من ولد عيسى، انا من ولد يحيى بن زيد.قال محمد بن الحسن: فانتقل من احمد بن عيسى بن زيد الى محمد بن محمد بن زيد، ثم انتقل من محمد الى يحيى بن زيد، و هو كاذب لان الاجماع واقع على ان يحيى بن زيد مات و لم يعقب و لم يولد له الا بنت واحده ماتت و هى ترضع.فهذا ما ذكره ابوجعفر الطبرى فى "التاريخ الكبير".و ذكر على بن الحسن المسعودى فى "مروج الذهب" ان هذه الواقعه بالبصره، هلك فيها من اهلها ثلاثمائه الف انسان، و ان على بن ابان المهلبى بعد فراغه من الواقعه، نصب منبرا فى الموضع المعروف ببنى يشكر، صلى فيه يوم الجمعه، و خطب لعلى بن محمد صاحب الزنج، و ترحم بعد ذلك على ابى بكر و عمر، و لم يذكر عثمان و لا عليا (ع) فى خطبته، و لعن اباموسى الاشعرى و عمرو بن العاص و معاويه بن ابى سفيان، قال: و هذا يوكد ما ذكرناه و حكيناه من رايه، و انه كان يذهب الى قول الازارقه.قال: و استخفى من
سلم من اهل البصره فى آبار الدور، فكانوا يظهرون ليلا، فيطلبون الكلاب فيذبحونها و ياكلونها، و الفار و السنانير، فافنوها حتى لم يقدروا على شى ء منها، فصاروا اذا مات الواحد منهم اكلوه، فكان يراعى بعضهم موت بعض، و من قدر على صاحبه قتله و اكله، و عدموا مع ذلك الماء، و ذكر عن امراه منهم انها حضرت امراه قد احتضرت، و عندها اختها و قد احتوشوها ينتظرون ان تموت فياكلوا لحمها، قالت المراه: فما ماتت حسناء حتى ابتدرناها فقطعنا لحمها فاكلناه، و لقد حضرت اختها و نحن على شريعه عيسى بن حرب و هى تبكى و معها راس الميت، فقال لها قائل: ويحك! ما لك تبكين! فقالت: اجتمع هولاء على اختى فما تركوها تموت حسناء حتى قطعوها، و ظلمونى فلم يعطونى من لحمها شيئا الا الراس، و اذا هى تبكى شاكيه من ظلمهم لها فى اختها.قال: و كان مثل هذا و اكثر منه و اضعافه، و بلغ من امر عسكره انه ينادى فيه على المراه من ولد الحسن و الحسين و العباس و غيرهم من اشراف قريش، فكانت الجاريه تباع منهم بدرهمين و بثلاثه دراهم، و ينادى عليها بنسبها: هذه ابنه فلان بن فلان، و اخذ كل زنجى منهم العشرين و الثلاثين يطوهن الزنج و يخدمن النساء الزنجيات كما تخدم الوصائف، و لقد استغاثت
الى صاحب الزنج امراه من ولد الحسن بن على (ع)، و كانت عند بعض الزنج و سالته: ان يعتقها مما هى فيه، او ينقلها من عنده الى غيره، فقال لها: هو مولاك، و هو اولى بك.قال ابوجعفر: و اشخص السلطان لحرب صاحب الزنج محمدا المعروف بالمولد، فى جيش كثيف فجاء حتى نزل الابله، و كتب صاحب الزنج الى يحيى بن محمد البحرانى يامره بالمصير اليه فصار اليه بزنوجه، و اقام على محاربته عشره ايام، ثم فتر المولد عن الحرب، و كتب على بن محمد الى يحيى، يامره ان يبيته، فبيته فهزمه، و دخل الزنج عسكره فغنموا ما فيه، و كتب يحيى الى صاحب الزنج يخبره، فامره باتباعه، فاتبعه الى الحوانيت، ثم انصرف عنه، فمر بالجامده، و اوقع باهلها، و انتهب كل ما كان فى تلك القرى، و سفك ما قدر على سفكه من الدماء، ثم عاد الى نهر معقل.قال ابوجعفر: و اتصلت الاخبار بسامراء و بغداد و بالقواد و الموالى و اهل الحضره، بما جرى على اهل البصره، فقامت عليهم القيامه، و علم المعتمد انه لا يرتق هذا الفتق الا باخيه ابى احمد طلحه بن المتوكل- و كان منصورا مويدا عارفا بالحرب و قياده الجيوش، و هو الذى اخذ بغداد للمعتز، و كسر جيوش المستعين، و خلعه من الخلافه، و لم يكن لبنى العباس فى هذا ا
لباب مثله و مثل ابنه ابى العباس- فعقد له المعتمد على ديار مضر و قنسرين و العواصم، و جلس له مستهل شهر ربيع الاخر من سنه سبع و خمسين، فخلع عليه و على مفلح، و شخصا نحو البصره لحرب على بن محمد و اصلاح ما افسده من الاعمال، و ركب المعتمد ركوبا ظاهرا يشيع اخاه ابااحمد الى القريه المعروفه ببركوارا و عاد.قال ابوجعفر: و اما صاحب الزنج فانه بعد هزيمه محمد المولد انفذ على بن ابان المهلبى الى حرب منصور بن جعفر و الى الاهواز، فكانت بينهما حروب كثيره فى ايام متفرقه حتى كان آخرها اليوم الذى انهزم فيه اصحاب منصور، و تفرقوا عنه، و ادركت منصورا طائفه من الزنج، فلم يزل يكر عليهم حتى انقصف رمحه، و نفدت سهامه، و لم يبق معه سلاح، و انتهى الى نهر يعرف بنهر ابن مروان، فصاح بحصان كان تحته ليعبر، فوثب فقصر فانغمس فى الماء.و قيل: ان الحصان لم يقصر فى الوثبه، و لكن رجلا من الزنج سبقه الى النهر، فالقى نفسه فيه، لعلمه انه لا محيص لمنصور عن النهر، فلما وثب الفرس تلقاه الاسود، فنكس فغاص الفرس و منصور، ثم اطلع منصور راسه، فنزل اليه غلام من السودان من عرفاء مصلح، يقال له ابرون، فاحتز راسه، و اخذ سلبه، فولى يارجوخ التركى صاحب حرب خوزستان، ما
كان مع منصور من العمل اصغجون التركى.و قال ابوجعفر: و اما ابواحمد، فانه شخص عن سامراء فى جيش لم يسمع السامعون بمثله، كثره و عده، قال: و قد عاينت انا ذلك الجيش، و انا يومئذ ببغداد بباب الطاق، فسمعت جماعه من مشايخ اهل بغداد يقولون: قد راينا جيوشا كثيره للخلفاء، فما راينا مثل هذا الجيش احسن عده و اكمل عتادا و سلاحا، و اكثر عددا و جمعا، و اتبع ذلك الجيش من متسوقه اهل بغداد خلق كثير.قال ابوجعفر: فحدثنى محمد بن الحسن بن سهل، ان يحيى بن محمد البحرانى كان مقيما بنهر معقل قبل موافاه ابى احمد، فاستاذن صاحب الزنج فى المصير الى نهر العباس، فكره ذلك، و خاف ان يوافيه جيش من قبل السلطان، و اصحابه متفرقون، فالح عليه يحيى حتى اذن له، فخرج و اتبعه اكثر اهل عسكر صاحب الزنج، و كان على بن ابان مقيما بجبى فى جمع كثير من الزنج، و البصره قد صارت مغنما لاهل عسكر صاحب الزنج، يغادونها و يراوحونها لنقل ما نالته ايديهم منها الى منازلهم، فليس بمعسكر على بن محمد يومئذ من اصحابه الا القليل، فهو على ذلك من حاله، حتى وافى ابواحمد فى الجيش و معه مفلح، فورد جيش عظيم لم يرد على الزنج مثله، فلما وصل الى نهر معقل، انصرف من كان هناك من الزنج، فال
تحقوا بصاحبهم مرعوبين، فراعه ذلك، و دعا برئيسين منهما، فسالهما عن السبب الذى له تركا موضعهما، فاخبراه بما عاينا من عظم امر الجيش الوارد، و كثره عدد اهله و احكام عدتهم، و ان الذى عايناه من ذلك لم يكن فى قوتهما الوقوف له فى العده التى كانا فيها، فسالهما: هل علما من يقود هذا الجيش؟ فقالا: قد اجتهدنا فى علم ذلك، فلم نجد من يصدقنا عنه.