شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 351
نمايش فراداده

و قال ابوتمام: يمدون من ايد عواص عواصم تصول باسياف قواض قواضب و قال البحترى: من كل ساجى الطرف اغيد اجيد و مهفهف الكشحين احوى احور و قال ايضا: شواجر ارماح تقطع بينهم شواجن ارحام ملوم قطوعها و هذا البيت حسن الصنعه، لانه قد جمع بين التجنيس الناقص و بين المقلوب، و هو ارماح، و ارحام.

و منها: ان تكون الالفاظ مختلفه فى الوزن و التركيب بحرف واحد، كقوله تعالى: (و التفت الساق بالساق الى ربك يومئذ المساق)، و كقوله تعالى: (و هم يحسبون انهم يحسنون صنعا)، و كقول النبى (ص): (المسلم من سلم الناس من لسانه و يده) و قول بعضهم: الصديق لايحاسب، و العدو لايحتسب له، هكذا ذكر ابن الاثير هذه الامثله.

قال و من هذا القسم قول ابى تمام: ايام تدمى عينه تلك الدمى حسنا و تقمر لبه الاقمار بيض فهن اذا رمقن سوافرا صور و هن اذا رمقن صوار و كذلك قوله ايضا: بدر اطاعت فيك بادره النوى ولعا و شمس اولعت بشماس و قوله ايضا: جهلوا فلم يستكثروا من طاعه معروفه بعماره الاعمار و قوله ايضا: ان الرماح اذا غرسن بمشهد فجنى العوالى فى ذراه معال و قوله ايضا: اذا احسن الاقوام ان يتطاولوا بلا نعمه احسنت ان تتطولا و قوله ايضا: شد ما استنزلتك عن دمعك الاظ عان حتى استهل صوب العزالى اى ربع يكذب الدهر عنه و هو ملقى على طريق الليالى! بين حال جنت عليه و حول فهو نضو الاوحال و الاحوال اى حسن فى الذاهبين تولى و جمال على ظهور الجمال و دلال مخيم فى ذرى الخ يم و حجل مقصر فى الحجال فالبيت الثالث و الخامس هما المقصودان بالتمثيل.

و من ذلك قول على بن جبله: و كم لك من يوم رفعت عماده بذات جفون، او بذات جفان و كقول البحترى: نسيم الروض فى ريح شمال و صوب المزن فى راح شمول و كقوله ايضا: جدير بان تنشق عن ضوء وجهه ضبابه نقع تحتها الموت ناقع و اعلم ان هذه الامثله لهذا القسم، ذك رها ابن الاثير فى كتابه، و هو عندى مستدرك، لانه حد هذا القسم بما يختلف تركيبه، يعنى حروفه الاصليه، و يختلف ايضا وزنه، و يكون اختلاف تركيبه بحرف واحد هكذا قال فى تحديده لهذا القسم، و ليس بقمر و الاقمار تختلف بحرف واحد، و كذلك عماره و الاعمار، و كذلك العوالى و المعالى.

و اما قوله تعالى: (و هم يحسبون انهم يحسنون صنعا)، فخارج عن هذا بالكليه، لان جميع امثله هذا القسم يختلف فيه الكلمات بالحروف الزائده، و هذه الايه اختلاف كلمتيها بحروف اصليه، فليست من التجنيس الذى نحن بصدده، بل هى من باب تجنيس التصحيف، كقول البحترى: و لم يكن المعتز بالله اذ سرى ليعجز و المعتز بالله طالبه ثم قال ابن الاثير فى هذا القسم ايضا: و من ذلك قول محمد بن وهيب الحميرى: قسمت صروف الدهر باسا و نائلا فمالك موتور و سيفك واتر و هذا ايضا عندى مستدرك، لان اللفظتين كلاهما من الوتر، و يرجعان الى اصل واحد، الا ان احد اللفظين مفعول و الاخر فاعل، و ليس احد يقول ان شاعرا لو قال فى شعره: ضارب و مضروب، لكان قد جانس.

و منها القسم المكنى بالمعكوس، و هو على ضربين: عكس لفظ و عكس حرف، فالاول كقولهم: (عادات السادات، سادات العادات)، و كقولهم: شيم الاحرار اح رار الشيم.

و من ذلك قول الاضبط بن قريع: قد يجمع المال غير آكله و ياكل المال غير من جمعه و يقطع الثوب غير لابسه و يلبس الثوب غير من قطعه و مثله قول المتنبى: فلامجد فى الدنيا لمن قل ماله و لا مال فى الدنيا لمن قل مجده و مثله قول الرضى رحمه الله من ابيات يذم فيها الزمان: اسف بمن يطير الى المعالى و طار بمن يسف الى الدنايا و مثله قول آخر: ان الليالى للانام مناهل تطوى و تنشر بينها الاعمار فقصارهن مع الهموم طويله و طوالهن مع السرور قصار و لبعض شعراء الاندلس يذكر غلامه: غيرتنا يد الزما ن فقد شبت و التحى فاستحال الضحى دجى و استحال الدجى ضحى و يسمى هذا الضرب التبديل، و قد مثله قدامه بن جعفر الكاتب بقولهم: (اشكر لمن انعم عليك، و انعم على من شكرك).

و مثله قول النبى (ص): (جار الدار احق بدار الجار).

قالوا: و منه قوله تعالى: (يخرج الحى من الميت و يخرج الميت من الحى)، و لااراه منه، بل هو من باب الموازنه.

و مثلوه ايضا بقول اميرالمومنين (ع): اما بعد، فان الانسان يسره درك ما لم يكن ليفوته، و يسوءه فوت ما لم يكن ليدركه.

و بقول ابى تمام لابى العميثل و ابى سعيد الضرير، فانهما قالا: لما امتدح عبدال له بن طاهر بقصيده و فى افتتاحها تكلف و تعجرف: لم لاتقول ما يفهم؟ فقال لهما: لم لاتفهمان ما يقال! و الضرب الثانى من هذا القسم عكس الحروف، و هو كقول بعضهم، و قد اهدى لصديق له كرسيا: اهديت شيئا يقل لو لا احدوثه الفال و التبرك كرسى تفاءلت فيه لما رايت مقلوبه يسرك و كقول الاخر: كيف السرور باقبال و آخره اذا تاملته مقلوب اقبال اى لا بقاء.

و كقول الاخر: جاذبتها و الريح تجذب عقربا من فوق خد مثل قلب العقرب و طفقت الثم ثغرها فتمنعت و تحجبت عنى بقلب العقرب يريد (برقعا).

و منها النوع المسمى المجنب، و هو ان يجمع بين كلمتين احداهما كالجنيبه التابعه للاخرى، مثل قول بعضهم: اباالفياض لاتحسب بانى لفقرى من حلى الاشعار عار فلى طبع كسلسال معين زلال من ذرا الاحجار جار و هذا فى التحقيق هو الباب المسمى لزوم ما لايلزم، و ليس من باب التجنيس.

و منها المقلوب، و هو ما يتساوى وزنه و تركيبه الا ان حروفه تتقدم و تتاخر، مثل قول ابى تمام: بيض الصفائح لا سود الصحائف فى متونهن جلاء الشك و الريب و قد ورد مثل ذلك فى المنثور، نحو ما روى عن النبى (ص) انه يقال يوم القيامه، لصاحب القرآن اقرا وارق.

و قد تكلمت فى كتابى ا لمسمى (بالعبقرى الحسان) على اقسام الصناعه البديعه نثرا و نظما، و بينت ان كثيرا منها يتداخل، و يقوم البعض من ذلك مقام بعض، فليلمح من هناك.