الفلته: الامر يقع عن غير تدبر و لا رويه، و فى الكلام تعريض ببيعه ابى بكر، و قد تقدم لنا فى معنى قول عمر: (كانت بيعه ابى بكر فلته وقى الله شرها) كلام.
و الخزامه: حلقه من شعر تجعل فى انف البعير، و يجعل الزمام فيها.
و اعينونى على انفسكم: خذوها بالعدل، و اقنعوها عن اتباع الهوى، و اردعوها بعقولكم عن المسالك التى ترديها و توبقها، فانكم اذا فعلتم ذلك اعنتمونى عليها، لانى اعظكم و آمركم بالمعروف، و انهاكم عن المنكر، فاذا كبحتم انفسكم بلجام العقل الداعى الى ما ادعو اليه، فقد اعنتمونى عليها.
فان قلت: ما معنى قوله: (اريدكم لله و تريدوننى لانفسكم)؟ قلت: لانه لايريد من طاعتهم له الا نصره دين الله و القيام بحدوده و حقوقه، و لايريدهم لحظ نفسه، و اما هم فانهم يريدونه لحظوظ انفسهم من العطاء و التقريب، و الاسباب الموصله الى منافع الدنيا.
و هذا الخطاب منه (ع) لجمهور اصحابه، فاما الخواص منهم فانهم كانوا يريدونه للامر الذى يريدهم له من اقامه شرائع الدين و احياء معالمه.
النصف: الانصاف، قال الفرزدق: و لكن نصفا لو سببت و سبنى بنو عبد شمس من قريش و هاشم و هو على حذف المضاف، اى ذا نصف، اى حكما منصفا عادلا يحكم بينى و بينهم.
و الطلبه: بكسر اللام ما طلبته من شى ء.
و لبست على فلان الامر، و لبس عليه الامر، كلاهما بالتخفيف.
و الحما: الطين الاسود، قال سبحانه: (من صلصال من حما مسنون).
و حمه العقرب: سمتها، اى فى هذه الفئه الباغيه الضلال و الفساد و الضرر، و اذا ارادت العرب ان تعبر عن الضلال و الفساد قالت: الحم ء، مثله الحماه بالتاء، و من امثالهم، (ثاطه مدت بماء)، يضرب للرجل يشتد موقه و جهله، و الثاطه، الحماه، و اذا اصابها الماء ازدادت فسادا و رطوبه.
و يروى فيها: (الحما) بالف مقصوره.
و هو كنايه عن الزبير، لان كل ما كان بسبب الرجل فهم الاحماء، واحدهم (حما) مثل قفا و اقفاء، و ما كان بسبب المراه فهم الاخاتن، فاما الاصهار فيجمع الجهتين جمعا.
و كان الزبير ابن عمه رسول الله (ص)، و قد كان النبى (ص) اعلم عليا بان فئه من المسلمين تبغى عليه ايام خلافته، فيها بعض زوجاته و بعض احمائه، فكنى على (ع) عن الزوجه بالحمه و هى سم العقرب، و يروى: (و الحم ء) يضرب مثلا لغير الطيب و ل غير الصافى، و ظهر ان الحم ء الذى اخبر النبى (ص) بخروجه مع هولاء البغاه هو الزبير ابن عمته.
و فى الحما اربع لغات: حما مثل قفا، و حم ء مثل كم ء، و حمو مثل (ابو)، و حم مثل اب.
قوله (ع): (و الشبهه المغدفه) اى الخفيه، و اصله المراه تغدف وجهها بقناعها، اى تستره.
و روى: (المغدفه) بكسر الدال، من اغدف الليل، اى اظلم.
و زاح الباطل، اى بعد و ذهب، و ازاحه غيره.
و عن نصابه: عن مركزه و مقره، و منه قول بعض المحدثين: قد رجع الحق الى نصابه و انت من دون الورى اولى به و الشغب، بالتسكين: تهييج الشر، شغب الحقد بالفتح شغبا، و قد جاء بالتحريك فى لغه ضعيفه، و ماضيها شغب، بالكسر.
و لافرطن لهم حوضا، اى لاملان، يقال: افرطت المزاده اى ملاتها، و غدير مفرط، اى ملان.
و الماتح، بنقطتين من فوق: المستقى من فوق، و بالياء: مالى ء الدلاء من تحت.
و العب: الشرب بلا مص كما تشرب الدابه: و فى الحديث: (الكباد من العب).
و الحسى: ماء كامن فى رمل يحفر عنه فيستخرج، و جمعه احساء.
يقول (ع): و الله ما انكروا على امرا هو منكر فى الحقيقه، و انما انكروا ما الحجه عليهم فيه لا لهم، و حملهم على ذلك الحسد و حب الاستئثار بالدنيا و التفضيل فى العطاء، و غير ذلك م ما لم يكن اميرالمومنين (ع) يراه و لايستجيزه فى الدين.
قال: و لا جعلوا بينى و بينهم نصفا، يمنى وسيطا يحكم و ينصف، بل خرجوا عن الطاعه بغته، و انهم ليطلبون حقا تركوه، اى يظهرون انهم يطلبون حقا بخروجهم الى البصره و قد تركوا الحق بالمدينه.
قال: و دما هم سفكوه، يعنى دم عثمان، و كان طلحه من اشد الناس تحريضا عليه، و كان الزبير دونه فى ذلك.
روى ان عثمان قال: ويلى على ابن الحضرميه- يعنى طلحه- اعطيته كذا و كذا بهارا ذهبا، و هو يروم دمى يحرض على نفسى: اللهم لاتمتعه به و لقه عواقب بغيه.
و روى الناس الذين صنفوا فى واقعه الدار ان طلحه كان يوم قتل عثمان مقنعا بثوب قد استتر به عن اعين الناس، يرمى الدار بالسهام.
و رووا ايضا انه لما امتنع على الذين حصروه الدخول من باب الدار، حملهم طلحه الى دار لبعض الانصار، فاصعدهم الى سطحها، و تسوروا منها على عثمان داره فقتلوه.
و رووا ايضا ان الزبير كان يقول: اقتلوه فقد بدل دينكم.
فقالوا: ان ابنك يحامى عنه بالباب، فقال: ما اكره ان يقتل عثمان و لو بدى ء بابنى، ان عثمان لجيفه على الصراط غدا.
و قال مروان بن الحكم يوم الجمل: و الله لااترك ثارى و انا اراه، و لاقتلن طلحه بعثمان، فانه قتله.
ثم رماه بسهم فاصاب مابضه، فنزف الدم حتى مات.
ثم قال (ع): ان كنت شريكهم فى دم عثمان، فان لهم نصيبهم منه، فلا يجوز لهم ان يطلبوا بدمه و هم شركاء فيه، و ان كانوا ولوه دونى، فهم المطلوبون اذن به لا غيرهم.
و انما لم يذكر القسم الثالث، و هو ان يكون هو (ع) وليه دونهم، لانه لم يقل به قائل، فان الناس كانوا على قولين فى ذلك: احدهما ان عليا و طلحه و الزبير مسهم لطخ من عثمان، لا بمعنى انهم باشروا قتله، بل بمعنى الاغراء و التحريض، و ثانيهما ان عليا (ع) برى ء من ذلك، و ان طلحه و الزبير غير بريئين منه.
ثم قال: و ان اول عدلهم للحكم على انفسهم، يقول: ان هولاء خرجوا و نقضوا البيعه، و قالوا: انما خرجنا للامر بالمعروف و النهى عن المنكر، و اظهار العدل و احياء الحق و اماته الباطل، و اول العدل ان يحكموا على انفسهم، فانه يجب على الانسان ان يقضى على نفسه ثم على غيره، و اذا كان دم عثمان قبلهم، فالواجب ان ينكروا على انفسهم قبل انكارهم على غيرهم.
قال: و ان معى لبصيرتى، اى عقلى، ما لبست على الناس امرهم و لا لبس الامر على، اى لم يلبسه رسول الله (ص) على بل اوضحه لى و عرفنيه.
ثم قال: و انها للفئه الباغيه، لام التعريف فى (الفئه) تشعر بان نصا قد كان عنده: انه ستخرج عليه فئه باغيه، و لم يعين له وقتها و لا كل صفاتها، بل بعض علاماتها، فلما خرج اصحاب الجمل و راى تلك العلامات موجوده فيهم، قال: و انها للفئه الباغيه، اى و ان هذه الفئه، اى الفئه التى وعدت بخروجها على، و لو لا هذا لقال: (و انها لفئه باغيه)، على التنكير.
ثم ذكر بعض العلامات، فقال: ان الامر لواضح، كل هذا يوكد به عند نفسه و عند غيره ان هذه الجماعه هى تلك الفئه الموعود بخروجها، و قد ذهب الباطل و زاح، و خرس لسانه بعد شغبه.
ثم اقسم ليملان لهم حوضا هو ماتحه، و هذه كنايه عن الحرب و الهيجاء و ما يتعقبهما من القتل و الهلاك.
لايصدرون عنه برى، اى ليس كهذه الحياض الحقيقيه التى اذا وردها الظمان صدر عن رى و نقع غليله، بل لايصدرون عنه الا و هم جزر السيوف، و لايعبون بعده فى حسى لانهم هلكوا، فلا يشربون بعده البارد العذب.
و كان عمرو بن الليث الصفار امير خراسان انفذ جيشا لمحاربه اسماعيل بن احمد السامانى، فانكسر ذلك الجيش و عادوا الى عمرو بن الليث، فغضب و لقى القواد بكلام غليظ، فقال له بعضهم: ايها الامير، انه قد طبخ لك مرجل عظيم، و انما نلنا منه لهمه يسيره و الباقى مذخور لك، فعلام تتركه! اذهب اليهم فكله فسكت عمرو بن الليث عنه و لم يجب.
و مرادنا من هذه المشابه و المناسبه بين الكنايتين.