هذا اشاره الى امام يخلقه الله تعالى فى آخر الزمان، و هو الموعود به فى الاخبار و الاثار، و معنى (يعطف الهوى) يقهره و يثنيه عن جانب الايثار و الاراده، عاملا عمل الهدى، فيجعل الهدى قاهرا له، و ظاهرا عليه.
و كذلك قوله: (و يعطف الراى على القرآن)، اى يقهر حكم الراى و القياس و العمل بغلبه الظن عاملا عمل القرآن.
و قوله: (اذا عطفوا الهدى) و (اذا عطفوا القرآن) اشاره الى الفرق المخالفين لهذا الامام، المشاقين له، الذين لايعملون بالهدى بل بالهوى، و لايحكمون بالقرآن بل بالراى.
الساق: الشده، و منه قوله تعالى: (يوم يكشف عن ساق).
و النواجذ: اقصى الاضراس، و الكلام كنايه عن بلوغ الحرب غايتها، كما ان غايه الضحك ان تبدو النواجذ.
قوله: (مملوئه اخلافها)، و الاخلاف للناقه حلمات الضرع، واحدها خلف.
و كذلك و قوله: (حلوا رضاعها، علقما عاقبتها) قد اخذه الشاعر، فقال: الحرب اول ما تكون فتيه تسعى بزينتها لكل جهول حتى اذا اشتعلت و شب ضرامها عادت عجوزا غير ذات حليل شمطاء جزت راسها و تنكرت مكروهه للشم و التقبيل و هو الرضاع بالفتح، و الماضى رضع بالكسر، مثل سمع سماعا، و اهل نجد يقولون: (رضع) بالفتح (يرضع) بالكسر رضعا، مثل ضرب يضرب ضربا، و انشدوا: و ذموا لنا الدنيا و هم يرضعونها افاويق حتى ما يدر لها ثعل بكسر الضاد.
(فصل فى الاعتراض و ايراد مثل منه) و قوله: (الا و فى غد) تمامه (ياخذ الوالى) و بين الكلام جمله اعتراضيه، و هى قوله (و سياتى غد بما لاتعرفون) و المراد تعظيم شان الغد الموعود بمجيئه، و مثل ذلك فى القرآن كثير، نحو قوله تعالى: (فلا اقسم بمواقع النجوم و انه لقسم لو تعلمون عظيم انه لقرآن كريم)، فقوله تعالى: (انه لقرآن كريم) هو الجواب المتلقى به قوله: (فلا اق سم)، و قد اعترض بينهما قوله: (و انه لقسم لو تعلمون عظيم)، و اعترض بين هذا الاعتراض قوله: (لو تعلمون)، لانك لو حذفته لبقى الكلام على افادته، و هو قوله: (و انه لقسم عظيم)، و المراد تعظيم شان ما اقسم به من مواقع النجوم، و تاكيد اجلاله فى النفوس، و لا سيما بقوله: (لو تعلمون عظيم).
و من ذلك قوله تعالى: (و يجعلون لله البنات- سبحانه- و لهم ما يشتهون)، فقوله: (سبحانه) اعتراض، و المراد التنزيه.
و كذلك قوله: (تالله- لقد علمتم- ما جئنا لنفسد فى الارض) ف (لقد علمتم) اعتراض، و المراد به تقرير اثبات البرائه من تهمه السرقه.
و كذلك قوله: (و اذا بدلنا آيه مكان آيه- و الله اعلم بما ينزل- قالوا انما انت مفتر) فاعترض بين (اذا) و جوابها بقوله: (و الله اعلم بما ينزل)، فكانه اراد ان يجيبهم عن دعواهم، فجعل الجواب اعتراضا.
و من ذلك قوله: (و وصينا الانسان بوالديه- حملته امه وهنا على وهن و فصاله.
فى عامين- ان اشكر لى و لوالديك) فاعترض بقوله: (حملته امه وهنا على وهن و فصاله فى عامين) بين (وصينا) و بين الموصى به، و فائده ذلك اذكار الولد بما كابدته امه من المشقه فى حمله و فصاله.
و من ذلك قوله: (و اذ قتلتم نفسا فاداراتم فيها و الله مخرج م ا كنتم تكتمون فقلنا اضربوه ببعضها) فقوله: (و الله مخرج ما كنتم تكتمون) اعتراض بين المعطوف و المعطوف عليه، و المراد ان يقرر فى انفس السامعين انه لاينفع البشر كتمانهم و اخفاوهم لما يريد الله اظهاره.
و من الاعتراض فى الشعر قول جرير: و لقد ارانى- و الجديد الى بلى- فى موكب بيض الوجوه كرام فقوله: (و الجديد الى بلى) اعتراض، و المراد تعزيته نفسه عما مضى من تلك اللذات.
و كذلك قول كثير: لو ان الباخلين- و انت منهم- راوك تعلموا منك المطالا فقوله: (و انت منهم) اعتراض، و فائدته الا تظن انها ليست باخله.
و من ذلك قول الشاعر: فلو سالت سراه الحى سلمى على ان قد تلون بى زمانى لخبرها ذوو احساب قومى و اعدائى فكل قد بلانى بذبى الذم عن حسبى و مالى وزبونات اشوس تيحان و انى لا ازال اخا حروب اذا لم اجن كنت مجن جانى فقوله: على ان قد تلون بى زمانى.
اعتراض، و فائدته الاخبار عن ان السن قد اخذت منه و تغيرت بطول العمر اوصافه.
و من ذلك قول ابى تمام: رددت رونق وجهى فى صحيفته رد الصقال بهاء الصارم الخذم و ما ابالى- و خير القول اصدقه- حقنت لى ماء وجهى ام حقنت دمى فقوله: (و خير القول اصدقه) اعتراض، و فائدته اثبات صد قه فى دعواه انه لايبالى ايهما حقن.
فاما قول ابى تمام ايضا: و ان الغنى لى ان لحظت مطالبى من الشعر- الا فى مديحك- اطوع فان الاعتراض فيه هو قوله الا فى مديحك و ليس قوله (ان لحظت مطالبى) اعتراضا كما زعم ابن الاثير الموصلى، لان فائده البيت معلقه عليه، لانه لايريد ان الغنى لى على كل حال اطوع من الشعر، و كيف يريد هذا و هو كلام فاسد مختل! بل مراده ان الغنى لى بشرط ان تلحظ مطالبى من الشعر اطوع لى، الا فى مديحك، فان الشعر فى مديحك اطوع لى منه، و اذا كانت الفائده معلقه بالشرط المذكور لم يكن اعتراضا.
و كذلك وهم ابن الاثير ايضا فى قول امرى ء القيس: فلو ان ما اسعى لادنى معيشه كفانى و لم اطلب قليل من المال و لكنما اسعى لمجد موثل و قد يدرك المجد الموثل امثالى فقال: ان قوله: (و لم اطلب) اعتراض، و ليس بصحيح، لان فائده البيت مرتبطه به، و تقديره: لو سعيت لان آكل و اشرب لكفانى القليل، و لم اطلب الملك، فكيف و يكون قوله: و لم اطلب الملك اعتراضا، و من شان الاعتراض ان يكون فضله ترد لتحسين و تكمله، و ليست فائدته اصليه! و قد ياتى الاعتراض و لا فائده فيه، و هو غير مستحسن، نحو قول النابغه: بقول بقول رجال يجهلون خليقتى لعل زيادا- لا ابالك- غافل فقوله: (لا ابالك)، اعتراض لا معنى تحته هاهنا، و مثله قول زهير: سئمت تكاليف الحياه و من يعش ثمانين حولا- لا ابالك- يسام فان جائت (لا ابالك) تعطى معنى يليق بالموضع فهى اعتراض جيد، نحو قول ابى تمام: عتابك عنى- لا ابالك- و اقصدى فانه اراد زجرها و ذمها لما اسرفت فى عتابه.
و قد ياتى الاعتراض على غايه من القبح و الاستهجان، و هو على سبيل التقديم و التاخير، نحو قول الشاعر: فقد و الشك بين لى عناء بوشك فراقهم صرد فصيح تقديره: فقد بين لى صرد يصيح بوشك فراقهم، و الشك عناء، فلاجل قوله: (و الشك عناء) بين (قد) و الفعل الماضى، و هو (بين) عد اعتراضا مستهجنا و امثال هذا للعرب كثير.
قوله (ع): (باخذ الوالى من غيرها عمالها على مساوى ء اعمالها) كلام منقطع عما قبله، و قد كان تقدم ذكر طائفه من الناس ذات ملك و امره، فذكر (ع) ان الوالى- يعنى الامام الذى يخلقه الله تعالى فى آخر الزمان- ياخذ عمال هذه الطائفه على سوء اعمالهم.
و على هاهنا متعلقه ب (ياخذ) التى هى بمعنى (يواخذ) من قولك: اخذته بذنبه، و آخذته، و الهمز افصح.
و الافاليذ: جمع افلاذ، و افلاذ جمع فلذ، و هى القطعه من الكبد، و هذا كنايه عن الكنوز الت ى تظهر للقائم بالامر، و قد جاء ذكر ذلك فى خبر مرفوع فى لفظه: (وقائت له الارض افلاذ كبدها)، و قد فسر قوله تعالى: (و اخرجت الارض اثقالها) بذلك فى بعض التفاسير.
و المقاليد: المفاتيح.