شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 386
نمايش فراداده

خطبه 150-اشارت به حوادث بزرگ

الشرح:

يذكر (ع) قوما من فرق الضلال اخذوا يمينا و شمالا، اى ضلوا عن الطريق الوسطى التى هى منهاج الكتاب و السنه، و ذلك لان كل فضيله و حق فهو محبوس بطرفين خارجين عن العداله، و هما جانبا الافراط و التفريط، كالفطانه التى هى محبوسه بالجربزه و الغباوه، و الشجاعه التى هى محبوسه بالتهور و الجبن، و الجود المحبوس بالتبذير و الشح، فمن لم يقع على الطريق الوسطى و اخذ يمينا و شمالا فقد ضل.

ثم فسر قوله: (اخذ يمينا و شمالا)، فقال: (ظعنوا ظعنا فى مسالك الغى، و تركوا مذاهب الرشد تركا).

و نصب (تركا) و (ظعنا) على المصدريه، و العامل فيهما من غير لفظهما، و هو قوله: (اخذوا).

ثم نهاهم عن استعجال ما هو معد، و لابد من كونه و وجوده، و انما سماه كائنا لقرب كونه، كما قال تعالى: (انك ميت و انهم ميتون)، و نهاهم ان يستبطئوا ما يجى ء فى الغد لقرب وقوعه، كما قال: و ان غدا للناظرين قريب و قال الاخر: غد ما غد ما اقرب اليوم من غد و قال تعالى: (ان موعدهم الصبح اليس الصبح بقريب).

ثم قال: كم من مستعجل امرا و يحرص عليه، فاذا حصل ود انه لم يحصل! قال ابوالعتاهيه: من عاش لاقى ما يسوء من الامور و ما يسر و لرب حتف فوقه ذهب ياقوت و در و قال آخر: فلا تتمنين الدهر شيئا فكم امنيه جلبت منيه و قال تعالى: (و عسى ان تحبوا شيئا و هو شر لكم و الله يعلم و انتم لاتعلمون).

و تباشير الصبح: اوائله.

ثم قال: يا قوم قد دنا وقت القيامه، و ظهور الفتن التى تظهر امامها.

و ابان الشى ء، بالكسر و التشديد: وقته و زمانه، و كنى عن تلك الاهوال بقوله: (و دنو من طلعه ما لاتعرفون)، لان تلك الملاحم و الاشراط الهائله غير معهود مثلها، نحو دابه الارض، و الدجال و فتنته، و ما يظهر على يده من المخاريق و الامور الموهمه، و واقعه السفيانى و ما يقتل فيها من الخلائق الذين لايحصى عددهم.

ثم ذكر ان مهدى آل محمد (ص)، و هو الذى عنى بقوله: (و ان من ادركها منا يسرى فى ظلمات هذه الفتن بسراج منير)، و هو المهدى، و اتباع الكتاب و السنه.

و يحذو فيها: يقتفى و يتبع مثال الصالحين، ليحل فى هذه الفتن.

و ربقا: اى حبلا معقودا.

و يعتق رقا، اى يستفك اسرى، و ينقذ مظلومين من ايدى ظالمين.

و يصدع شعبا، اى يفرق جماعه من جماعات الضلال.

و يشعب صدعا: يجمع ما تفرق من كلمه اهل الهدى و الايمان.

قوله (ع): (فى ستره عن الناس)، هذا الكلام يدل على استتار هذا الانسان المشار اليه، و ليس ذلك بنافع للاماميه فى مذ هبهم، و ان ظنوا انه تصريح بقولهم، و ذلك لانه من الجائز ان يكون هذا الامام يخلقه الله تعالى فى آخر الزمان، و يكون مستترا مده، و له دعاه يدعون اليه، و يقررون امره ثم يظهر بعد ذلك الاستتار، و يملك الممالك، و يقهر الدول، و يمهد الارض، كما ورد فى قوله: (لايبصر القائف)، اى هو فى استتار شديد لايدركه القائف، و هو الذى يعرف الاثار، و الجمع (قافه)، و لايعرف اثره و لو استقصى فى الطلب، و تابع النظر و التامل.

و يقال: شحذت السكين اشحذه شحذا، اى حددته، يريد: ليحرضن فى هذه الملاحم قوم على الحرب و قتل اهل الضلال، و لتشحذن عزائمهم كما يشحذ الصيقل السيف، و يرقق حده.

ثم وصف هولاء القوم المشحوذى العزائم، فقال: تجلى بصائرهم بالتنزيل، اى يكشف الرين و الغطاء عن قلوبهم بتلاوه القرآن و الهامهم تاويله و معرفه اسراره.

ثم صرح بذلك فقال: (و يرمى بالتفسير فى مسامعهم)، اى يكشف لهم الغطاء، و تخلق المعارف فى قلوبهم، و يلهمون فهم الغوامض و الاسرار الباطنه، و يغبقون كاس الحكم بعد الصبوح، اى لاتزال المعارف الربانيه و الاسرار الالهيه تفيض عليهم صباحا و مساء، فالغبوق كنايه عن الفيض الحاصل لهم فى الاصال، و الصبوح كنايه عما يحصل لهم منه فى الغدوات، و هولاء هم العارفون الذين جمعوا بين الزهد و الحكمه و الشجاعه، و حقيق بمثلهم ان يكونوا انصارا لولى الله الذى يجتبيه، و يخلقه فى آخر اوقات الدنيا، فيكون خاتمه اوليائه، و الذى يلقى عصا التكليف عنده.