الشرح:
هذا الكلام يتصل بكلام قبله، لم يذكره الرضى رحمه الله، و هو وصف فئه ضاله قد استولت و ملكت، و املى لها الله سبحانه.
قال (ع): و طال الامد بهم ليستكملوا الخزى، و يستوجبوا الغير، اى النعم التى يغيرها بهم من نعم الله سبحانه، كما قال: (و اذا اردنا ان نهلك قريه امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا)، و كما قال تعالى: (سنستدرجهم من حيث لايعلمون).
حتى اذا اخلولق الاجل، اى قارب امرهم الانقضاء، من قولك: اخلولق السحاب، اى استوى، و صار خليقا بان يمطر، و اخلولق الرسم: استوى مع الارض.
و استراح قوم الى الفتن، اى صبا قوم من شيعتنا و اوليائنا الى هذه الفئه، و استراحوا الى ضلالها و فتنتها، و اتبعوها.
و اشتالوا عن لقاح حربهم، اى رفعوا ايديهم و سيوفهم عن ان يشبوا الحرب بينهم و بين هذه الفئه، مهادنه لها و سلما و كراهيه للقتال، يقال: شال فلان كذا، اى رفعه، و اشتال (افتعل) هو فى نفسه، كقولك حجم زيد عمرا، و احتجم هو نفسه.
و لقاح حربهم: هو بفتح اللام، مصدر من لقحت الناقه.
قوله: (لم يمنوا)، هذا جواب قوله: (حتى اذا)، و الضمير فى (يمنوا) راجع الى العارفين الذين تقدم ذكرهم فى الفصل السابق ذكره،
يقول: حتى اذا القى هولاء السلام الى هذه الفئه عجزا عن القتال، و استراحوا من منابذتهم بدخولهم فى ضلالتهم و فتنتهم، اما تقيه منهم، او لشبهه دخلت عليهم، انهض الله تعالى هولاء العارفين الشجعان الذين خصهم بحكمته، و اطلعهم على اسرار ملكوته فنهضوا، و لم يمنوا على الله تعالى بصبرهم، و لم يستعظموا ان يبذلوا فى الحق نفوسهم، قال: حتى اذا وافق قضاء الله تعالى و قدره كى ينهض هولاء بقضاء الله و قدره فى انقضاء مده تلك الفئه، و ارتفاع ما كان شمل الخلق من البلاء بملكها و امرتها، حمل هولاء العارفون بصائرهم على اسيافهم.
و هذا معنى لطيف، يعنى انهم اظهروا بصائرهم و عقائدهم و قلوبهم للناس، و كشفوها و جردوها من اجفانها، مع تجريد السيوف من اجفانها، فكانها شى ء محمول على السيوف يبصره من يبصر السيوف، و لاريب ان السيوف المجرده من اجلى الاجسام للابصار، فكذلك ما يكون محمولا عليها، و من الناس من فسر هذا الكلام، فقال: اراد بالبصائر جمع بصيره، و هو الدم، فكانه اراد طلبوا ثارهم و الدماء التى سفكتها هذه الفئه، و كان تلك الدماء المطلوب ثارها محموله على اسيافهم.
التى جرودها للحرب، و هذا اللفظ قد قاله بعض الشعراء المتقدمين بعينه: راحوا بصائرهم
على اكتافهم و بصيرتى يعدو بها عتد و اى و فسره ابوعمرو بن العلاء، فقال: يريد انهم تركوا دم ابيهم و جعلوه خلفهم، اى لم يثاروا به، و انا طلبت ثارى.
و كان ابوعبيده معمر بن المثنى يقول فى هذا البيت: البصيره: الترس او الدرع، و يرويه: (حملوا بصائرهم).