قوله: (فيهم) يرجع الى آل محمد (ص) الذين عناهم بقوله: (نحن الشعار و الاصحاب)، و هو يطلق دائما هذه الصيغ الجمعيه، و يعنى نفسه، و فى القرآن كثير من ذلك، نحو قوله تعالى: (الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل).
و كرائم الايمان: جمع كريمه و هى المنفسات منه، قال الشاعر: ماض من العيش لو يفدى بذلت له كرائم المال من خيل و من نعم فان قلت: ايكون فى الايمان كرائم و غير كرائم؟ قلت: نعم لان الايمان عند اكثر اصحابنا اسم للطاعات كلها واجبها و نفلها، فمن كانت نوافله اكثر كانت كرائم الايمان عنده اكثر، و من قام بالواجبات فقط من غير نوافل، كان عنده الايمان، و لم يكن عنده كرائم الايمان.
فان قلت: فعلى هذا تكون النوافل اكرم من الواجبات؟ قلت: هى اكرم منها باعتبار، و الواجبات اكرم منها باعتبار آخر، اما الاول فلان صاحبها اذا كان قد قام بالواجبات كان اعلى مرتبه فى الجنه ممن اقتصر على الواجبات فقط، و اما الثانى فلان المخل بها لايعاقب، و المخل بالواجبات يعاقب.
قوله: (و هم كنوز الرحمن) لان الكنز مال يدخر لشديده او ملمه تلم بالانسان، و كذلك هولاء قد ذخروا لايضاح المشكلات الدينيه على المكلفين.
ثم قال: ان نطقوا صدقوا، و ان سكتوا لم يكن سكوتهم عن عى يوجب كونهم مسبوقين، لكنهم ينطقون حكما، و يصمتون حلما.
ثم امر (ع) بالتقوى و العمل الصالح، و قال: (ليصدق رائد اهله)، الرائد: الذاهب من الحى يرتاد لهم المرعى، و فى امثالهم: (الرائد لايكذب اهله)، و المعنى انه (ع) امر الانسان بان يصدق نفسه و لايكذبها بالتسويف و التعليل، قال الشاعر: اخى اذا خاصمت نفسك فاحتشد لها و اذا حدثت نفسك فاصدق و فى المثل: (المتشبع بما لايملك كلابس ثوبى زور).
فانه منها قدم، قد قيل: ان الله تعالى خلق ارواح البشر قبل اجسادهم، و الخبر فى ذلك مشهور و الايه ايضا، و هى قوله: (و اذ اخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم).
و يمكن ان يفسر على وجه آخر، و ذلك ان الاخره اليوم عدم محض، و الانسان قدم من العدم، و الى العدم ينقلب، فقد صح انه قدم من الاخره و يرجع الى الاخره.
و روى: (ان العالم بالبصر) اى بالبصيره، فيكون هو و قوله: (فالناظر بالقلب)، سواء، و انما قاله تاكيدا، و على هذا الوجه لايحتاج الى تفسير و تاويل، فاما الروايه المشهوره فالوجه فى تفسيرها ان يكون قوله: (فالناظر) مبتدا و (العامل) صفه له، و قوله: (بالب صر يكون مبتدا عمله) جمله مركبه من مبتدا و خبر، موضعها رفع، لانها خبر المبتدا الذى هو (فالناظر)، و هذه الجمله المذكوره قد دخلت عليها (كان)، فالجار و المجرور و هو الكلمه الاولى منها منصوبه الموضع، لانها خبر (كان)، و يكون قوله فيما بعد: (ان يعلم) منصوب الموضع، لانه بدل من (البصر) الذى هو خبر (يكون) و المراد بالبصر هاهنا البصيره، فيصير تقدير الكلام: فالناظر بقلبه، العامل بجوارحه يكون مبتدا عمله بالفكر و البصيره، بان يعلم: اعمله له ام عليه! و يروى: (كالسابل على غير طريق)، و السابل: طالب السبيل، و قد جاء فى الخبر المرفوع: (من عمل بغير هدى، لم يزدد من الله الا بعدا)، و فى كلام الحكماء: (العامل بغير علم كالرامى من غير وتر).
هذا الكلام مشتق من قوله تعالى: (و البلد الطيب يخرج نباته باذن ربه و الذى خبث لايخرج الا نكدا)، و هو تمثيل ضربه الله تعالى لمن ينجع فيه الوعظ و التذكير من البشر، و لمن لايوثر ذلك فيه مثله بالارض العذبه الطيبه تخرج النبت، و الارض السبخه الخبيثه لاتنبت، و كلام اميرالمومنين (ع) الى هذا المعنى يومى ء، يقول: ان لكلتا حالتى الانسان الظاهره امرا باطنا يناسبها من احواله، الحالتان الظاهرتان: ميله الى العقل و ميله الى الهوى، فالمتبع لمقتضى عقله يرزق السعاده و الفوز، فهذا هو الذى طاب ظاهره، و طاب باطنه، و المتبع لمقتضى هواه و عادته و دين اسلافه يرزق الشقاوه و العطب و هذا هو الذى خبث ظاهره و خبث باطنه.
فان قلت: فلم قال: (فما طاب)؟ و هلا قال: (فمن طاب)! و كذلك فى (خبث)! قلت: كلامه فى الاخلاق و العقائد و ما تنطوى عليه الضمائر، يقول: ما طاب من هذه الاخلاق و الملكات، و هى خلق النفس الربانيه المريده للحق، من حيث هو حق، سواء كان ذلك مذهب الاباء و الاجداد او لم يكن، و سواء كان ذلك مستقبحا مستهجنا عند العامه او لم يكن، و سواء نال به من الدنيا حظا او لم ينل.
يستطيب باطنه يعنى ثمرته، و هى السعاده، و هذا المع نى من مواضع (ما) لا من مواضع (من).
فاما الخبر المروى، فانه مذكور فى كتب المحدثين، و قد فسره اصحابنا المتكلمون، فقالوا: ان الله تعالى قد يحب المومن و محبته له اراده اثابته، و يبغض عملا من اعماله و هو ارتكاب صغيره من الصغائر، فانها مكروهه عندالله، و ليست قادحه فى ايمان المومن، لانها تقع مكفره، و كذلك قد يبغض العبد بان يريد عقابه، نحو ان يكون فاسقا لم يتب، و يحب عملا من اعماله، نحو ان يطيع ببعض الطاعات، و حبه لتلك الطاعه، هى ارادته تعالى ان يسقط عنه بها بعض ما يستحقه من العقاب المتقدم.
السقى: مصدر سقيت، و السقى، بالكسر: النصيب من الماء.
و امر الشى ء، اى صار مرا.
و هذا الكلام مثل فى الاخلاص و ضده و هو الرياء و حب السمعه، فكل عمل يكون مدده الاخلاص لوجهه تعالى لا غير، فانه زاك حلو الجنى، و كل عمل يكون الرياء و حب الشهره مدده، فليس بزاك، و تكون ثمرته مره المذاق.