شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 418
نمايش فراداده

خطبه 162-در توحيد الهى

الشرح:

المهاد هنا: هو الارض، و اصله الفراش: و ساطحه باسطه، و منه تستطيح القبور خلاف تسنيمها، و منه ايضا المسطح، للموضع الذى يبسط فيه التمر ليجفف.

و الوهاد: جمع وهده، و هى المكان المطمئن.

و مسيلها: مجرى السيل فيها.

و النجاد: جمع نجد، و هو ما ارتفع من الارض.

و مخصبها: مروضها و جاعلها ذوات خصب.

مباحث كلاميه و اعلم انه (ع) اورد فى هذه الخطبه ضروبا من علم التوحيد، و كلها مبنيه على ثلاثه اصول: الاصل الاول: انه تعالى واجب الوجود لذاته، و يتفرع على هذا الاصل فروع: اولها انه ليس لاوليته ابتداء، لانه لو كان لاوليته ابتداء لكان محدثا، و لا شى ء من المحدث بواجب الوجود، لان معنى واجب الوجود، ان ذاته لاتقبل العدم، و يستحيل الجمع بين قولنا: هذه الذات محدثه، اى كانت معدومه من قبل، و هى فى حقيقتها لاتقبل العدم.

و ثانيها: انه ليس لازليته انقضاء، لانه لو صح عليه العدم لكان لعدمه سبب، فكان وجوه موقوفا على انتفاء سبب عدمه و المتوقف على غيره، يكون ممكن الذات، فلا يكون واجب الوجود.

و قوله (ع): (هو الاول لم يزل، و الباقى بلا اجل) تكرار لهذين المعنيين السابقين على سبيل التاكيد، و يدخل فيه ايضا قوله: (لايقال له مت ى، و لايضرب له امد بحتى)، لان (متى) للزمان و واجب الوجود يرتفع عن الزمان، و (حتى) للغايه و واجب الوجود لا غايه له.

و يدخل ايضا فيه قوله: (قبل كل غايه و مده، و كل احصاء و عده).

و ثالثها: انه لايشبه الاشياء البته، لان ما عداه اما جسم او عرض او مجرد، فو اشبه الجسم او العرض لكان اما جسما او عرضا، ضروره تساوى المتشابهين المتماثلين فى حقائقهما.

و لو شابه غير من المجردات- مع ان كل مجرد غير ممكن- لكان ممكنا، و ليس واجب الوجود يمكن، فيدخل فى هذا المعنى قوله (ع): (حد الاشياء عند خلقه لها، ابانه له من شبهها)، اى جعل المخلوقات ذوات حدود ليتميز هو سبحانه عنها، اذ لاحد له فبطل ان يشبهه شى ء منها.

و دخل فيه قوله (ع): (لاتقدره الاوهام بالحدود و الحركات، و لا بالجوارح).

و الادوات: جمع اداه و هى ما يعتمد به، و دخل فيه قوله: (الظاهر فلا يقال: مم؟) اى لايقال: من اى شى ء ظهر، (و الباطن فلا يقال: فيم)، اى لايقال فيما ذا بطن؟ و يدخل فيه قوله: (لاشبح فيقتضى) و الشبح: الشخص و يتقصى يطلب اقصاه.

و يدخل فيه قوله: (و لا محجوب فيحوى) و قوله: (لم يقرب من الاشياء بالتصاق، و لم يبعد عنها بافتراق)، لان هذه الامور كلها من خصائص الاجسام و واجب الوجود لايشبه الاجسام و لا يماثلها.

و يدخل فيه قوله (ع): (تعالى عما ينحله المحددون من صفات الاقدار) اى ما ينسبه اليه المشبهه و المجسمه من صفات المقادير، و ذوات المقادير.

و نهايات الاقطار، اى الجوانب.

و تاثل المساكن، مجد موثل، اى اصيل، و بيت موثل، اى معمور، و كان اصل الكلمه ان تبنى الدار بالاثل، و هو شجر معروف.

و تمكن الاماكن: ثبوتها و استقرارها.

و قوله: (فالحد لخلقه مضروب، و الى غيره منسوب)، و قوله: (و لابطاعه شى ء انتفاع)، لانه انما ينتفع الجسم الذى يصح عليه الشهوه و النفره، كل هذا داخل تحت هذا الوجه.

الاصل الثانى: انه تعالى عالم لذاته، فيعلم كل معلوم، و يدخل تحت هذا الاصل قوله (ع): (لاتخفى عليه من عباده شخوص لحظه)، ان تسكن العين فلا تتحرك.

و لا (كرور لفظه) اى رجوعها.

(و لا ازدلاف ربوه)، صعود انسان او حيوان ربوه من الارض، و هى الموضع المرتفع (و لا انبساط خطوه.

فى ليل داج) اى مظلم.

(و لاغسق ساج)، اى ساكن.

ثم قال: (يتفيا عليه القمر المنير) هذا من صفات الغسق، و من تتمه نعته، و معنى: (يتفيا عليه) يتقلب ذاهبا و جائيا فى حالتى اخذه فى الضوء الى التبدر، و اخذه فى النقص الى المحاق.

و قوله: (و تعقبه) اى و تتعقبه، فح ذف احدى التائين، كما قال سبحانه: (الذين تتوفاهم الملائكه)، اى (تتوفاهم)، و الهاء فى (و تعقبه) ترجع الى القمر، اى و تسير الشمس عقبه فى كروره.

و افوله، اى غيبوبته، و فى تقليب الازمنه و الدهور، من اقبال لليل و ادبار نهار.

فان قلت: اذا كان قوله: (يتفيا عليه القمر المنير) فى موضع جر، لانه صفه (غسق) فكيف تتعقب الشمس و القمر مع وجود الغسق؟ و هل يمكن اجتماع الشمس و الغسق؟ قلت: لايلزم من تعقب الشمس للقمر ثبوت الغسق.

بل قد يصدق تعقبها له و يكون الغسق معدوما كانه (ع) قال: (لايخفى على الله حركه فى نهار و لا ليل يتفيا عليه القمر، و تعقبه الشمس)، اى تظهر عقيبه فيزول الغسق بظهورها.

و هذا التفسير الذى فسرناه يقتضى ان يكون حرف الجر و هو (فى) التى فى قوله: (فى الكرور) متعلقا بمحذوف، و يكون موضعه نصبا على الحال، اى و تعقبه كارا و آفلا.

و يدخل تحته ايضا قوله (ع): (علمه بالاموات الماضين، كعلمه بالاحياء الباقين، و علمه بما فى السموات العلا، كعلمه بما فى الارضين السفلى.

الاصل الثالث: انه تعالى قادر لذاته، فكان قادرا على كل الممكنات، و يدخل تحته قوله: (لم يخلق الاشياء من اصول ازليه و لا من اوائل ابديه، بل خلق ما خلق فاقام حده و صور ما صور فاحسن صورته)، و الرد فى هذا على اصحاب الهيولى و الطينه التى يزعمون قدمها.

و يدخل تحته قوله: (ليس لشى ء امتناع) لانه متى اراد ايجاد شى ء اوجده، و يدخل تحته قوله: (خرت له نحباه)، اى سجدت.

و (وحدته الشفاه) يعنى الافواه، فعبر بالجزء عن الكل مجازا، و ذلك لان القادر لذاته هو المستحق للعباده لخلقه اصول النعم.

كالحياه و القدره و الشهوه.

و اعلم ان هذا الفن هو الذى بان به اميرالمومنين (ع) عن العرب فى زمانه قاطبه و استحق به التقدم و الفضل عليهم اجمعين، و ذلك لان الخاصه التى يتميز بها الانسان عن البهائم هى العقل و العلم، الا ترى انه يشاركه غيره من الحيوانات فى اللحميه و الدمويه و القوه و القدره، و الحركه الكائنه على سبيل الاراده و الاختيار، فليس الامتياز الا بالقوه الناطقه اى العافله العالمه، فكلما كان الانسان اكثر حظا منها، كانت انسانيته اتم، و معلوم ان هذا الرجل انفرد بهذا الفن، و هو اشرف العلوم، لان معلومه اشرف المعلومات، و لم ينقل عن احد من العرب غيره فى هذا الفن حرف واحد، و لا كانت اذهانهم تصل الى هذا و لا يفهمونه بهذا الفن فهو منفرد فيه، و بغيره من الفنون- و هى العلوم الشرعيه- مشارك لهم، و راجح عليهم، فكان اكمل منهم لانا قد بينا ان الاعلم ادخل فى صوره الانسانيه و هذا هو معنى الافضليه.