الشرح:
السوى: المستوى الخلقه غير ناقص، قال سبحانه: (فتمثل لها بشرا سويا).و المنشا مفعول من (انشا) اى خلق و اوجد.و المرعى: المحوط المحفوظ.و ظلمات الارحام، و مضاعفات الاستار: مستقر النطف و الرحم موضوعه فيما بين المثانه و المعى المستقيم، و هى مربوطه برباطات على هيئه السلسه، و جسمها عصبى، ليمكن امتدادها و اتساعها وقت الحاجه الى ذلك عند الولاده، و تنضم و تنقص اذا استغنى عن ذلك و لها بطنان ينتهيان الى فم واحد، و زائدتان يسميان قرينى الرحم، و خلف هاتين الزائدتين بيضتا المراه و هما اصغر من بيضتى الرجل و اشد تفرطحا و منها ينصب منى المراه الى تجويف الرحم، و للرحم رقبه منهيه الى فرج المراه و تلك الرقبه من المراه بمنزله الذكر من الرجل، فاذا امتزج منى الرجل بمنى المراه فى تجويف الرحم كان العلوق، ثم ينمى و يزيد من دم الطمث، و يتصل بالجنين عروق تاتى الى الرحم فتغذوه، حتى يتم و يكمل فاذا تم لم يكتف بما تحته من تلك العروق فيتحرك حركات قويه، طلبا للغذاء، فتهتك اربطه الرحم التى قلنا انها على هيئه السلسله، و تكون منها الولاده.قوله: (بدئت من سلاله من طين)، اى كان ابتداء خلقك من سلاله، و هى خلاصه الطين لاتها سلت من بين الكدر، و (فعاله) بناء للقله، كالقلامه و القمامه.و قال الحسن: هى ما بين ظهرانى الطين.ثم قال: (و وضعت فى قرار مكين) الكلام الاول لادم الذى هو اصل البشر، و الثانى لذريته، و القرار المكين: الرحم متمكنه فى موضعها برباطاتها، لانها لو كانت متحركه لتعذر العلوق.ثم قال: (الى قدر معلوم، و اجل مقسوم) الى: متعلقه بمحذوف، كانه قال: (منتهيا الى قدر معلوم)، اى مقدارا طوله و شكله الى اجل مقسوم مده حياته.ثم قال: (تمور فى بطن امك)، اى تتحرك.لاتحير، اى لاترجع جوابا احار يحير.الى دار لم تشهدها، يعنى الدنيا، و يقال: اشبه شى ء بحال الانتقال من الدنيا الى الاحوال التى بعد الموت، انتقال الجنين من ظلمه الرحم الى فضاء الدنيا، فلو كان الجنين يعقل و يتصور كان يظن انه لا دار له الا الدار التى هو فيها، و لا يشعر بما ورائها، و لايحس بنفسه الا و قد حصل فى دار لم يعرفها، و لاتخطر بباله، فبقى هو كالحائر المبهوت، و هكذا حالنا فى الدنيا اذا شاهدنا ما بعد الموت.و لقد احسن ابن الرومى فى صفه خطوب الدنيا و صروفها بقوله: لما توذن الدنيا به من صروفها يكون بكاء الطفل ساعه يولد و الا فما يبكيه منها و انها لاوسع مما كان فيه و ارغد
اذا ابصر الدنيا استهل كانه بما سوف يلقى من اذاها يهدد قال: (فمن هداك الى اجترار الغذاء من ثدى امك؟) اجترار: امتصاص اللبن من الثدى، و ذلك بالالهام الالهى.قال: (و عرفك عند الحاجه) اى اعلمك بموضع الحلمه عند طلبك الرضاع فالتقمتها بفمك.ثم قال: (هيهات)، اى بعد ان يحيط علما بالخالق من عجز عن معرفه المخلوق! قال الشاعر: رايت الورى يدعون الهدى و كم يدعى الحق خلق كثير و ما فى البرايا امرو عنده من العلم بالحق الا اليسير خفى فما ناله ناظر و ما ان اشار اليه مشير و لا شى ء اظهر من ذاته و كيف يرى الشمس اعمى ضرير!