شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 463
نمايش فراداده

الشرح:

هذا الكلام فسره كل طائفه على حسب اعتقادها، فالشيعه الاماميه، تزعم ان المراد به المهدى المنتظر عندهم، و الصوفيه يزعمون انه يعنى به ولى الله فى الارض، و عندهم ان الدنيا لاتخلو عن الابدال، و هم الاربعون، و عن الاوتاد، و هم سبعه، و عن القطب و هو واحد، فاذا مات القطب صار احد السبعه قطبا عوضه، و صار احد الاربعين وتدا، عوض الوتد، و صار بعض الاولياء الذين يصطفيهم الله تعالى ابدالا عوض ذلك البدل.

و اصحابنا يزعمون ان الله تعالى لايخلى الامه من جماعه من المومنين العلماء بالعدل و التوحيد، و ان الاجماع انما يكون حجه باعتبار اقوال اولئك العلماء، لكنه لما تعذرت معرفتهم باعيانهم، اعتبر اجماع سائر العلماء، و انما الاصل قول اولئك.

قالوا: و كلام اميرالمومنين (ع) ليس يشير فيه الى جماعه اولئك العلماء من حيث هم جماعه، و لكنه يصف حال كل واحد منهم، فيقول: من صفته كذا، و من صفته كذا.

و الفلاسفه يزعمون ان مراده (ع) بهذا الكلام العارف، و لهم فى العرفان و صفات اربابه كلام يعرفه من له انس باقوالهم.

و ليس يبعد عندى ان يريد به القائم من آل محمد (ص) فى آخر الوقت، اذا خلقه الله تعالى، و ان لم يكن الان موجودا، فليس فى ال كلام ما يدل على وجوده الان، و قد وقع اتفاق الفرق من المسلمين اجمعين على ان الدنيا و التكليف لا ينقضى الا عليه.

قوله (ع): (قد لبس للحكمه جنتها)، الجنه: ما يستتر به من السلاح كالدرع و نحوها، و لبس جنه الحكمه قمع النفس عن المشتهيات، و قطع علائق النفس عن المحسوسات، فان ذلك مانع للنفس عن ان يصيبها سهام الهوى، كما تمنع الدرع الدارع عن ان يصيبه سهام الرمايه.

ثم عاد الى صفه هذا الشخص، فقال: (و اخذ بجميع ادبها من الاقبال عليها)، اى شده الحرص و الهمه.

ثم قال: (و المعرفه بها)، اى و المعرفه بشرفها و نفاستها.

ثم قال: (و التفرغ لها)، لان الذهن متى وجهته نحو معلومين تخبط و فسد، و انما يدرك الحكمه بتخليه السر من كل ما مر سواها.

قال: (فهى عند نفسه ضالته التى يطلبها)، هذا مثل قوله (ع): (الحكمه ضاله المومن) و من كلام الحكماء: لايمنعك من الانتفاع بالحكمه حقاره من وجدتها عنده، كما لايمنعك خبث تراب المعدن من التقاط الذهب.

و وجدت بخط ابى محمد عبدالله بن احمد الخشاب رحمه الله فى تعاليق مسوده ابياتا للعطوى، و هى: قد راينا الغزال و الغصن و النجم ين شمس الضحى و بدرالتمام فو حق البيان يعضده البر هان فى ماقط شديد الخصام ما راين ا سوى المليحه شيئا جمع الحسن كله فى نظام هى تجرى مجرى الاصاله فى الرا ى و مجرى الارواح فى الاجسام و قد كتب ابن الخشاب بخطه تحت (المليحه): ما اصدقه ان اراد بالمليحه الحكمه! قوله (ع): (و حاجته التى يسال عنها)، هو مثل قوله: (ضالته التى يطلبها).

ثم قال: (هو مغترب اذا اغترب الاسلام)، يقول هذا الشخص يخفى نفسه و يحملها اذا اغترب الاسلام، و اغتراب الاسلام ان يظهر الفسق و الجور على الصلاح و العدل، قال (ع): (بدا الاسلام غريبا و سيعود كما بدا).

قال: (و ضرب بعسيب ذنبه، و الصق الارض بجرانه)، هذا من تمام قوله: (اذا اغترب الاسلام)، اى اذا صار الاسلام غريبا مقهورا، و صار الاسلام كالبعير البارك يضرب الارض بعسيبه، و هو اصل الذنب، و يلصق جرانه- و هو صدره- فى الارض، فلا يكون له تصرف و لانهوض.

ثم عاد الى صفه الشخص المذكور.

و قال: (بقيه من بقايا حججه، خليفه من خلائف انبيائه)، الضمير هاهنا يرجع الى الله سبحانه و ان لم يجر ذكره، للعلم به، كما قال: (حتى توارت بالحجاب)، و يمكن ان يقال: ان الضمير راجع الى مذكور و هو الاسلام، اى من بقايا حجج الاسلام و خليفه من خلائف انبياء الاسلام.

فان قلت: ليس للاسلام الا نبى واحد.

قلت: بل له ا نبياء كثير، قال تعالى: (مله ابيكم ابراهيم هو سماكم المسلمين من قبل)، و قال سبحانه: (ثم اوحينا اليك ان اتبع مله ابراهيم حنيفا)، و كل الانبياء دعوا الى ما دعا اليه محمد (ص) من التوحيد و العدل، فكلهم انبياء للاسلام.

فان قلت: اليس لفظ (الحجه) و لفظ (الخليفه) مشعرا بما تقوله الاماميه؟ قلت: لا، فان اهل التصوف يسمون صاحبهم حجه و خليفه، و كذلك الفلاسفه، و اصحابنا لايمتنعون من اطلاق هذه الالفاظ على العلماء المومنين فى كل عصر، لانهم حجج الله، اى اجماعهم حجه، و قد استخلفهم الله فى ارضه ليحكموا بحكمه.

و على ما اخترناه نحن فالجواب ظاهر.