شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 492
نمايش فراداده

خطبه 191-درباره معاويه

الشرح:

الغدره، على (فعله) الكثير الغدر، و الفجره و الكفره: الكثير الفجور و الكفر، و كل ما كان على هذا البناء فهو للفاعل، فان سكنت العين فهو للمفعول، تقول: رجل ضحكه اى يضحك، و ضحكه يضحك منه، و سخره يسخر، و سخره يسخر به، يقول (ع): كل غادر فاجر و كل فاجر كافر.

و يروى: (و لكن كل غدره فجره، و كل فجره كفره) على (فعله) للمره الواحده.

و قوله: (لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامه) حديث صحيح مروى عن النبى (ص).

ثم اقسم (ع) انه لايستغفل بالمكيده، اى لاتجوز المكيده على، كما تجوز على ذوى الغفله، و انه لايستغمز بالشديده، اى لااهين و الين للخطب الشديد.

(سياسه على و جريها على سياسه الرسول (ع)) و اعلم ان قوما ممن لم يعرف حقيقه فضل اميرالمومنين (ع)، زعموا ان عمر كان اسوس منه، و ان كان هو اعلم من عمر، و صرح الرئيس ابوعلى بن سينا بذلك فى (الشفاء) فى الحكمه، و كان شيخنا ابوالحسين يميل الى هذا، و قد عرض به فى كتاب (الغرر) ثم زعم اعداوه و مباغضوه ان معاويه كان اسوس منه و اصح تدبيرا، و قد سبق لنا بحث قديم فى هذا الكتاب فى بيان حسن سياسه اميرالمومنين (ع)، و صحه تدبيره، و نحن نذكر هاهنا ما لم نذكره هناك مما يليق بهذا الفصل الذى نحن فى شرحه.

اعلم ان السائس لايتمكن من السياسه البالغه الا اذا كان يعمل برايه، و بما يرى فيه صلاح ملكه، و تمهيد امره، و توطيد قاعدته، سواء وافق الشريعه او لم يوافقها، و متى لم يعمل فى السياسه و التدبير بموجب ما قلناه فبعيد ان يتنظم امره، او يستوثق حاله، و اميرالمومنين كان مقيدا بقيود الشريعه، مدفوعا الى اتباعها و رفض ما يصلح اعتماده من آراء الحرب و الكيد و التدبير اذا لم يكن للشرع موافقا، فلم تكن قاعدته فى خلافته قاعده غيره ممن لم يلتزم بذلك، و لسنا بهذا القول زارين على عمر بن الخطاب، و لا ناسبين اليه ما هو منزه عنه، و لكنه كان مجتهدا يعمل بالقياس و الاستحسان و المصالح المرسله، و يرى تخصيص عمومات النص بالاراء و بالاستنباط من اصول تقتضى خلاف ما يقتضيه عموم النصوص، و يكيد خصمه، و يامر امرائه بالكيد و الحيله، و يودب بالدره و السوط من يتغلب على ظنه ان يستوجب ذلك، و يصفح عن آخرين قد اجترموا ما يستحقون به التاديب، كل ذلك بقوه اجتهاده و ما يوديه اليه نظره، و لم يكن اميرالمومنين (ع) يرى ذلك، و كان يقف مع النصوص و الظواهر، و لا يتعداها الى الاجتهاد و الاقيسه، و يطبق امور الدنيا على امور الدين، و يسوق الكل مساقا واحدا، و لايضيع و لايرفع الا بالكتاب و النص، فاختلفت طريقتاهما فى الخلافه و السياسه، و كان عمر مع ذلك شديد الغلظه و السياسه، و كان على (ع) كثير الحلم و الصفح و التجاوز، فازدادت خلافه ذاك قوه، و خلافه هذا لينا، و لم يمن عمر بما منى به على (ع) من فتنه عثمان، التى احوجته الى مداراه اصحابه و جنده و مقاربتهم، للاضطراب الواقع بطريق تلك الفتنه.

ثم تلا ذلك فتنه الجمل و فتنه صفين ثم فتنه النهروان، و كل هذه الامور موثره فى اضطراب امر الوالى و انحلال معاقد ملكه، و لم يتفق لعمر شى ء من ذلك، فشتان بين الخلافتين فيما يعود الى انتظام المملكه و صحه تدبير الخلافه! فان قلت: فما قولك فى سياسه رسول الله (ص) و تدبيره؟ اليس كان منتظما سديدا مع انه كان لايعمل الا بالنصوص و التوقيف من الوحى! فهلا كان تدبير على (ع) و سياسته كذلك! اذا قلتم: انه كان لايعمل الا بالنص، قلت: اما سياسه رسول الله (ص) و تدبيره فخارج عما نحن فيه، لانه معصوم لاتتطرق الغفله الى افعاله و لا واحد من هذين الرجلين بواجب العصمه عندنا.

و ايضا فان كثيرا من الناس ذهبوا الى ان الله تعالى اذن لرسول الله (ص) ان يحكم فى الشرعيات و غيرها برايه، و قال له: احكم بما تراه ، فانك لا تحكم الا بالحق، و هذا مذهب يونس بن عمران، و على هذا فقد سقط السوال، لانه (ص) بما يراه من المصلحه، و لاينتظر الوحى.

و ايضا فبتقدير فساد هذا المذهب، اليس قد ذهب خلق كثير من علماء اصول الفقه الى ان رسول الله (ص) كان يجوز له ان يجتهد فى الاحكام و التدبير، كما يجتهد الواحد من العلماء، و اليه ذهب القاضى ابويوسف رحمه الله، و احتج بقوله تعالى: (لتحكم بين الناس بما اراك الله).

و السوال ايضا ساقط على هذا المذهب، لان اجتهاد على (ع) لا يساوى اجتهاد النبى (ص)، و بين الاجتهادين كما بين المنزلتين.

و كان ابوجعفر بن ابى زيد الحسنى نقيب البصره رحمه الله اذا حدثناه فى هذا يقول: انه لا فرق عند من قرا السيرتين: سيره النبى (ص) و سياسه اصحابه ايام حياته و بين سيره اميرالمومنين (ع) و سياسه اصحابه ايام حياته، فكما ان عليا (ع) لم يزل امره مضطربا معهم بالمخالفه و العصيان و الهرب الى اعدائه، و كثره الفتن و الحروب، فكذلك كان النبى (ص) لم يزل ممنوا بنفاق المنافقين و اذاهم، و خلاف اصحابه عليه و هرب بعضهم الى اعدائه، و كثره الحروب و الفتن.

و كان يقول: الست ترى القرآن العزيز مملوئا بذكر المنافقين و الشكوى منهم، و التالم من اذاهم ل ه، كما ان كلام على (ع) مملوء بالشكوى من منافقى اصحابه و التالم من اذاهم له، و التوائهم عليه! و ذلك نحو قوله تعالى: (الم تر الى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه و يتناجون بالاثم و العدوان و معصيه الرسول و اذا جائوك حيوك بما لم يحيك به الله و يقولون فى انفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير).

و قوله: (انما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا...) الايه.

و قوله تعالى: (اذا جائك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله، و الله يعلم انك لرسوله و الله يشهد ان المنافقين لكاذبون، اتخذوا ايمانهم جنه فصدوا عن سبيل الله انهم ساء ما كانوا يعملون...) السوره باجمعها.