شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 52
نمايش فراداده

خطبه 023-در باب بينوايان

قال الرضى رحمه الله: اقول: الغفيره هاهنا الزياده و الكثره، من قولهم للجمع الكثير: الجم الغفير، و الجماء الغفير.

و يروى: (عفوه من اهل او مال)، و العفوه: الخيار من الشى،ء يقال: اكلت عفوه الطعام، اى خياره.

و ما احسن المعنى الذى اراده (ع) بقوله: (و من يقبض يده عن عشيرته...) الى تمام الكلام، فان الممسك خيره عن عشيرته، انما يمسك نفع يد واحده، فاذا احتاج الى نصرتهم و اضطر الى مرافدتهم، قعدوا عن نصره، و تثاقلوا عن صوته، فمنع ترافد الايدى الكثيره و تناهض الاقدام الجمه.

الشرح:

الفالج: الظافر الفائز، فلج يفلج، بالضم، و فى المثل: (من يات الحكم وحده يفلج).

و الياسر: الذى يلعب بالقداح، و اليسر مثله، و الجمع ايسار.

و فى الكلام تقديم و تاخير، تقديره: كالياسر الفالج، اى كاللاعب بالقداح المحظوظ منها، و هو من باب تقديم الصفه على الموصوف، كقوله تعالى: (و غرابيب سود)، و حسن ذلك هاهنا ان اللفظتين صفتان، و ان كانت احداهما مرتبه على الاخرى.

و قوله: (ليست بتعذير)، اى ليست بذات تعذير، اى تقصير، فحذف المضاف، كقوله تعالى: (قتل اصحاب الاخدود النار) اى ذى النار.

(فصل فى ذم الحاسد و الحسد) و اعلم ان مصدر هذا الكلام ال نهى عن الحسد، و هو من اقبح الاخلاق المذمومه.

و روى ابن مسعود عن النبى (ص): (الا لاتعادوا نعم الله)، قيل: يا رسول الله، و من الذى يعادى نعم الله؟ قال: (الذين يحسدون الناس).

و كان ابن عمر يقول: تعوذوا بالله من قدر وافق اراده حسود.

قيل لارسطو: ما بال الحسود اشد غما من المكروب؟ قال: لانه ياخذ نصيبه من غموم الدنيا، و يضاف الى ذلك غمه بسرور الناس.

و قال رسول الله (ص): (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فان كل ذى نعمه محسود).

و قال منصور الفقيه: منافسه الفتى فيما يزول على نقصان همته دليل و مختار القليل اقل منه و كل فوائد الدنيا قليل و من الكلام المروى عن اميرالمومنين (ع): لله در الحسد! ما اعدله! بدا بصاحبه فقتله.

و من كلام عثمان بن عفان: يكفيك من انتقامك من الحاسد انه يغتم وقت سرورك.

و قال مالك بن دينار: شهاده القراء مقبوله فى كل شى ء الا شهاده بعضهم على بعض، فانهم اشد تحاسدا من السوس فى الوبر.

و قال ابوتمام: و اذا اراد الله نشر فضيله طويت اتاح لها لسان حسود لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف العود لولا محاذره العواقب لم تزل للحاسد النعمى على المحسود و تذاكر قوم من ظرفاء البصره ا لحسد، فقال رجل منهم: ان الناس ربما حسدوا على الصلب، فانكروا ذلك، ثم جاءهم بعد ذلك بايام، فقال: ان الخليفه قد امر بصلب الاحنف بن قيس، و مالك بن مسمع، و حمدان الحجام، فقالوا: هذا الخبيث يصلب مع هذين الرئيسين! فقال: الم اقل لكم ان الناس يحسدون على الصلب! و روى انس بن مالك مرفوعا: (ان الحسد ياكل الحسنات كما تاكل النار الحطب).

و فى الكتب القديمه: يقول الله عز و جل: الحاسد عدو نعمتى، متسخط لفعلى، غير راض بقسمتى.

و قال الاصمعى: رايت اعرابيا قد بلغ مائه و عشرين سنه، فقلت له: ما اطول عمرك! فقال: تركت الحسد فبقيت.

و قال بعضهم: ما رايت ظالما اشبه بمظلوم من حاسد.

قال الشاعر: تراه كان الله يجدع انفه و اذنيه ان مولاه ثاب الى وفر و قال آخر: قل للحسود اذا تنفس ضغنه يا ظالما و كانه مظلوم و من كلام الحكماء: اياك و الحسد، فانه يبين فيك و لا يبين فى المحسود.

و من كلامهم: من دناءه الحاسد انه يبدا بالاقرب فالاقرب.

و قيل لبعضهم: لزمت الباديه، و تركت قومك و بلدك! قال: و هل بقى الا حاسد نعمه، او شامت بمصيبه! بينا عبدالملك بن صالح يسير مع الرشيد فى موكبه، اذ هتف هاتف: يا اميرالمومنين، طاطى ء من اشرافه، و قصر من عنانه، و اشدد من شكاله- و كان عبدالملك متهما عند الرشيد بالطمع فى الخلافه- فقال الرشيد: ما يقول هذا؟ فقال عبدالملك: مقال حاسد و دسيس حاقد يا اميرالمومنين.

قال: قد صدقت، نقص القوم و فضلتهم، و تخلفوا و سبقتهم، حتى برز شاوك، و قصر عنك غيرك، ففى صدورهم جمرات التخلف، و حزازات التبلد.

قال عبدالملك: فاضرمها يا اميرالمومنين عليهم بالمزيد.

و قال شاعر: يا طالب العيش فى امن و فى دعه محضا بلا كدر صفوا بلا رنق خلص فوادك من غل و من حسد فالغل فى القلب مثل الغل فى العنق و من كلام عبدالله بن المعتز: اذا زال المحسود عليه، علمت ان الحاسد كان يحسد على غير شى ء.

و من كلامه: الحاسد مغتاظ على من لاذنب له، بخيل بما لا يملكه.

و من كلامه: لا راحه لحاسد، و لا حياه لحريص.

و من كلامه: الميت يقل الحسد له، و يكثر الكذب عليه.

و من كلامه: ما ذل قوم حتى ضعفوا، و ما ضعفوا حتى تفرقوا، و ما تفرقوا حتى اختلفوا، و ما اختلفوا حتى تباغضوا، و ما تباغضوا حتى تحاسدوا، و ما تحاسدوا حتى استاثر بعضهم على بعض.

و قال الشاعر: ان يحسدونى فانى غير لائمهم قبلى من الناس اهل الفضل قد حسدوا فدام لى و لهم ما بى و ما بهم و مات اكثرنا غيظا بما يجد و من كلامهم: ما خلا جسد عن حسد.

و حد الحسد هو ان تغتاظ مما رزقه غيرك، و تود انه زال عنه و صار اليك.

و الغبطه: الا تغتاظ و لا تود زواله عنه، و انما تود ان ترزق مثله، و ليست الغبطه بمذمومه.

و قال الشاعر: حسدوا الفتى اذ لم ينالوا سعيه فالكل اعداء له و خصوم كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسدا و بغيا انه لدميم (فصل فى مدح الصبر و انتظار الفرج) و اعلم انه (ع) بعد ان نهى عن الحسد امر بالصبر و انتظار الفرج من الله، اما بموت مريح، او بظفر بالمطلوب.

و الصبر من المقامات الشريفه، و قد وردت فيه آثار كثيره، روى عبدالله بن مسعود عن النبى (ص): (ان الصبر نصف الايمان، و اليقين الايمان كله).

و قالت عائشه: لو كان الصبر رجلا لكان كريما.

و قال على (ع): الصبر اما صبر على المصيبه، او على الطاعه، او عن المعصيه، و هذا القسم الثالث اعلى درجه من القسمين الاولين.

و عنه (ع): الحياء زينه، و التقوى كرم، و خير المراكب مركب الصبر.

و عنه (ع): القناعه سيف لا ينبو، و الصبر مطيه لا تكبو، و افضل العده الصبر على الشده.

قال الحسن (ع): جربنا و جرب المجربون، فلم نر شيئا انفع وجدانا، و لااضر فقدانا من الصبر، تداوى به الامور، و لا يداوى هو بغيره.

و قال سعيد بن حميد الكاتب: لاتعتبن على النوائب فالدهر يرغم كل عاتب و اصبر على حدثانه ان الامور لها عواقب كم نعمه مطويه لك بين اثناء النوائب و مسره قد اقبلت من حيث تنتظر المصائب و من كلامهم: الصبر مر، لايتجرعه الا حر.

قال اعرابى: كن حلو الصبر عند مراره النازله.

و قال كسرى لبزر جمهر: ما علامه الظفر بالامور المطلوبه المستصعبه؟ قال: ملازمه الطلب، و المحافظه على الصبر، و كتمان السر.

و قال الاحنف بن قيس: لست حليما، انما انا صبور، فافادنى الصبر صفتى بالحلم.

و سئل على (ع): اى شى ء اقرب الى الكفر؟ قال: ذو فاقه لا صبر له.

و من كلامه (ع): الصبر يناضل الحدثان و الجزع من اعوان الزمان.

و قال اعشى همدان: ان نلت لم افرح بشى ء نلته و اذا سبقت به فلا اتلهف و متى تصبك من الحوادث نكبه فاصبر فكل غيابه تتكشف و الامر يذكر بالامر، و هذا البيت هو الذى قاله له الحجاج يوم قتله، ذكر ذلك ابوبكر محمد بن القاسم بن بشار الانبارى فى "الامالى" قال: لما اتى الحجاج باعشى همدان اسيرا، و قد كان خرج مع ابن الاشعث، قال له: يا بن اللخناء! انت القائل لعدو الرحمن- يعنى عبدالرحمن بن محمد بن الاشعث: يا بن الاشج قريع كن ده لا ابالى فيك عتبا انت الرئيس ابن الرئي س، و انت اعلى الناس كعبا نبئت حجاج بن يوس ف خر من زلق فتبا فانهض هديت لعله يجلو بك الرحمن كربا و ابعث عطيه فى الحرو ب يكبهن عليه كبا ثم قال: عبدالرحمن خر من زلق فتب، و خسر و انكب، و ما لقى ما احب.

و رفع بها صوته، و اهتز منكباه، و در ودجاه، و احمرت عيناه، و لم يبق فى المجلس الا من هابه، فقال: ايها الامير، و انا القائل: ابى الله الا ان يتمم نوره و يطفى ء نار الكافرين فتخمدا و ينزل ذلا بالعراق و اهله كما نقضوا العهد الوثيق الموكدا و ما لبث الحجاج ان سل سيفه علينا فولى جمعنا و تبددا فالتفت الحجاج الى من حضر، فقال: ما تقولون؟ قالوا: لقد احسن ايها الامير، و محا باخر قوله اوله، فليسعه حلمك.

فقال: لاها الله! انه لم يرد ما ظننتم، و انما اراد تحريض اصحابه، ثم قال له: ويلك! الست القائل: ان نلت لم افرح بشى ء نلته و اذا سبقت به فلا اتلهف و متى تصبك من الحوادث نكبه فاصبر فكل غيابه تتكشف اما و الله لتظلمن عليك غيابه لاتنكشف ابدا، الست القائل فى عبدالرحمن: و اذا سالت المجد اين محله فالمجد بين محمد و سعيد بين الاشج و بين قيس نازل بخ بخ لوالده و للمولود و الله لا يبخبخ بعدها ابدا: يا حرسى اضرب عنقه.

و مما جاء فى الصبر قيل للاحنف: انك شيخ ضعيف، و ان الصيام يهدك.

فقال: انى اعده لشر يوم طويل، و ان الصبر على طاعه الله اهون من الصبر على عذاب الله.

و من كلامه: من لم يصبر على كلمه سمع كلمات.

رب غيظ قد تجرعته مخافه ما هو اشد منه.

يونس بن عبيد: لو امرنا بالجزع لصبرنا.

ابن السماك: المصيبه واحده، فان جزع صاحبها منها صارت اثنتين.

يعنى: فقد المصاب و فقد الثواب.

الحارث بن اسد المحاسبى: لكل شى ء جوهر، و جوهر الانسان العقل، و جوهر العقل الصبر.

جابر بن عبدالله: سئل رسول الله (ص) عن الايمان، فقال: (الصبر و السماحه).

و قال العتابى: اصبر اذا بدهتك نائبه ما عال منقطع الى الصبر الصبر اولى ما اعتصمت به و لنعم حشو جوانح الصدر و من كلام على (ع): الصبر مفتاح الظفر، و التوكل على الله رسول الفرج.

و من كلامه (ع): انتظار الفرج بالصبر عباده.

اكثم بن صيفى: الصبر على جرع الحمام اعذب من جنا الندم.

و من كلام بعض الزهاد: و اصبر على عمل لا غناء بك عن ثوابه، و اصبر عن عمل لا صبر على عقابك به.

و كتب ابى العميد: اقرا فى الصبر سورا، و لا اقرا فى الجزع آيه.

و احفظ فى التماسك و التجلد قصائد، و لااح