(فصل فيما ورد فى الطيب من الاثار)
كان النبى (ص) كثير التطيب بالمسك و بغيره من اصناف الطيب.
و جاء الخبر الصحيح عنه: (حبب الى من دنياكم ثلاث: الطيب، و النساء، و قره عينى فى الصلاه).
و قد رويت لفظه اميرالمومنين (ع) عنه مرفوعه.
و نحوها: (لا تردوا الطيب فانه طيب الريح، خفيف المحمل).
سرق اعرابى نافجه مسك، فقيل له: (و من يغلل يات بما غل يوم القيامه)، قال: اذن احملها طيبه الريح، خفيفه المحمل.
و فى الحديث المرفوع انه (ع) بايع قوما كان بيد رجل منهم ردع خلوق، فبايعه باطراف اصابعه، و قال: (خير طيب الرجال ما ظهر ريحه و خفى لونه، و خير طيب النساء ما ظهر لونه و خفى ريحه).
و عنه (ع) فى صفه اهل الجنه: (و مجامرهم الالوه)، و هى العود الهندى.
و روى سهل بن سعد عنه (ع): (ان فى الجنه لمراغا من مسك مثل مراغ دوابكم هذه).
و روى عنه (ع) ايضا فى صفه الكوثر: جاله المسك اى جانبه و رضراضه التوم، و حصباوه اللولو.
و قالت عائشه كانى انظر الى و بيص المسك فى مفارق رسول الله (ص) و هو محرم.
و كان ابن عمر يستجمر بعود غير مطرى و يجعل معه الكافور، و يقول: هكذا رايت رسول الله (ص) يصنع.
و روى انس بن مالك قال: دخل علينا رسول الله (ص) فقال عندنا و الوقت صيف، فعرق، فجائت امى بقاروره فجعلت تسلت عرقه، فاستيقظ و قال: يا ام سليم، ما تصنعين؟ قالت: هذا عرقك نجعله فى طيبنا، فانه من اطيب الطيب، و نرجو به بركه صبياننا، فقال: اصبت.
و من كلام عمر: لو كنت تاجرا ما اخترت غير العطر، ان فاتنى ربحه لم يفتنى ريحه.
ناول المتوكل احمد بن ابى فنن فاره مسك، فانشده: لئن كان هذا طيبنا و هو طيب لقد طيبته من يديك الانامل قالوا: سميت الغاليه غاليه، لان عبدالله بن جعفر اهدى لمعاويه قاروره منها، فساله، كم انفق عليها، فذكر مالا، فقال: هذه غاليه فسميت غاليه.
شم مالك بن اسماء بن خارجه الفزارى من اخته هند بنت اسماء ريح غاليه، و كانت تحت الحجاج، فقال علمينى طيبك، قالت: لا افعل اتريد ان تعلمه جواريك! هو لك عندى ما اردته، ثم ضحكت و قالت: و الله ما تعلمته الا من شعرك حيث قلت: اطيب الطيب طيب ام ابان فار مسك بعنبر مسحوق خلطته بعودها و ببان فهو احوى على اليدين شريق و روى ابوقلابه قال: كان ابن مسعود اذا خرج من بيته الى المسجد عرف من فى الطريق انه قد مر من طيب ريحه.
و روى الحسن بن زيد عن ابيه، قال: رايت ابن عباس حين احرم و الغاليه على صلعته كانها الرب.
اولم ال متوكل فى طهر بنيه، فلما كثر اللعب قال ليحيى بن اكثم: انصرف ايها القاضى، قال: و لم؟ قال: لانهم يريدون ان يخلطوا، قال: احوج ما يكونون الى قاض اذا خلطوا، فاستظرفه و امر ان تغلف لحيته، ففعل، فقال يحيى: انا لله! ضاعت الغاليه، كانت هذه تكفينى دهرا لو دفعت الى، فامر له بزورق لطيف من ذهب مملوء من غاليه و درج بخور، فاخذهما و انصرف.
و روى عكرمه ان ابن عباس كان يطلى جسده بالمسك، فاذا مر بالطريق قال الناس: امر ابن عباس ام المسك؟ و قال ابوالضحى: رايت على راس ابن الزبير من المسك ما لو كان لى لكان راس مالى.
لما بنى عمر بن عبدالعزيز على فاطمه بنت عبدالملك اسرج فى مسارجه تلك الليله الغاليه الى ان طلعت الشمس.
كانت لابن عمر بندقه من مسك يبوكها بين راحتيه فتفوح رائحتها.
كان عمر بن عبدالعزيز فى امارته المدينه يجعل المسك بين قدميه و نعله، فقال فيه الشاعر يمدحه: له نعل لا تطبى الكلب ريحها و ان وضعت فى مجلس القوم شمت سمع عمر قول سحيم عبد بنى الحسحاس: وهبت شمال آخر الليل قره و لا ثوب الا درعها و ردائيا فما زال بردى طيبا من ثيابها مدى الحول حتى انهج البرد باليا فقال له: ويحك! انك مقتول، فلم تمض عليه ايام حتى قتل.
قال الشع بى: الرائحه الطيبه تزيد فى العقل.
كان عبدالله بن زيد يتخلق بالخلوق، ثم يجلس فى المجلس.
و كانوا يستحبون اذا قاموا من الليل ان يمسحوا مقاديم لحاهم بالطيب.
و اشترى تميم الدارى حله بثمانمائه درهم، وهيا طيبا، فكان اذا قام من الليل تطيب و لبس حلته، و قام فى المحراب.
و قال انس: يا جميله، هيئى لنا طيبا امسح به يدى، فان ابن ام ثابت اذا جاء قبل يدى يعنى ثابتا البنانى.
و قال سلم بن قتيبه: لقد شممت من فلان رائحه اطيب من مشطه العروس الحسناء فى انف العاشق الشبق.
و من كلام بعض الصالحين: الفاسق رجس و لو تضمخ بالغاليه.
عرضت مدنيه لكثير فقالت له انت القائل: فما روضه بالحزن طيبه الثرى يمج الندى جثجاثها و عرارها باطيب من اردان عزه موهنا و قد اوقدت بالمندل الرطب نارها لو كانت هذه الصفه لزنجيه تجتلى الحله لطابت، هلا قلت كما قال سيدك امرو القيس: الم تريانى كلما جئت طارقا وجدت بها طيبا و ان لم تطيب و قال الزمخشرى: ان النوى المنقع بالمدينه ينتاب اشرافها المواضع التى يكون فيها التماسا لطيب ريحه، و اذا وجدوا ريحه بالعراق هربوا منها لخبثها، قال: و من اختلف فى طرقات المدينه وجد رائحه طيبه و بنه عجيبه، و لذلك سميت طيبه، و الز نجيه بها تجعل فى راسها شيئا من بلح و ما لا قيمه له، فتجد له خمره لا يعدلها بيت عروس من ذوات الاقدار.
قال: و لو دخلت كل غاليه و عطر قصبه الاهواز و قصبه انطاكيه لوجدتها قد تغيرت و فسدت فى مده يسيره.
اراد الرشيد المقام فى انطاكيه، فقال له شيخ منها: انها ليست من بلادك، فان الطيب الفاخر يتغير فيها حتى لاينتفع منه بشى ء، و السلاح يصدا فيها.
سيراف: من بلاد فارس، لها فغمه طيبه.
فاره المسك دويبه شبيهه بالخشف تكون فى ناحيه تبت تصاد لاجل سرتها، فاذا صادها الصائد عصب سرتها بعصاب شديد و هى مدلاه، فيجتمع فيها دمها، ثم يذبحها، و ما اكثر من ياكلها، ثم ياخذ السره فيدفنها فى الشعر حتى يستحيل الدم المحتقن فيها مسكا ذكيا بعد ان كان لا يرام نتنا، و قد يوجد فى البيوت جرذان سود يقال لها: فار المسك ليس عندها الا رائحه لازمه لها.
و ذكر شيخنا ابوعثمان الجاحظ قال: سالت بعض اصحابنا المعتزله عن شان المسك فقال: لو لا ان رسول الله (ص) تطيب بالمسك لما تطيبت به، لانه دم، فاما الزباد فليس مما يقرب ثيابى، فقلت له: قد يرتضع الجدى من لبن خنزيره فلايحرم لحمه، لان ذلك اللبن استحال لحما، و خرج من تلك الطبيعه، و عن تلك الصوره، و عن ذلك الاسم، و كذا لحم الجلاله، فالمسك غير الدم، و الخل غير الخمر، و الجوهر لا يحرم لذاته و عينه، و انما يحرم للاعراض و العلل فلا تقزز منه عند ذكرك الدم، فليس به باس.
قال الزمخشرى: و الزباده هره.
و يقال للزيلع، و هم الذين يجتلبون الزباد يا زيلع الزباده ماتت، فيغضب.
و قال ابن جزله الطبيب فى المنهاج: الزباد طيب يوخذ من حيوان كالسنور يقال: انه وسخ فى رحمها.
و قال الزمخشرى: العنبر ياتى طفاوه على الماء لايدرى احد معدنه، يقذفه البحر الى البر فلا ياكل منه شى ء الا مات، و لا ينقره طائر الا بقى منقاره فيه، و لايقع عليه الا نصلت اظفاره، و البحريون و العطارون ربما وجدوا فيه المنقار و الظفر.
قال: و البال، و هو سمكه طولها خمسون ذراعا، يوكل منه اليسير فيموت.
قال: و سمعت ناسا من اهل مكه يقولون: هو ضفع ثور فى بحر الهند، و قيل: هو من زبد بحر سرنديب، و اجوده الاشهب، ثم الازرق، و ادونه الاسود.
و فى حديث ابن عباس: ليس فى العنبر زكاه، انما هو شى ء يدسره البحر، اى يدفعه.
فاما صاحب المنهاج فى الطب فقال: العنبر من عين فى البحر، و يكون جماجم اكبرها وزنه الف مثقال، و الاسود اردا اصنافه، و كثيرا ما يوجد فى اجواف السمك التى تاكله و تموت.
و توجد فيه سهوكه .
و قال فى المسك: انه سره دابه كالظبى، له نابان ابيضان معققان الى الجانب الانسى كقرنين.
جاء فى الحديث المرفوع: (لاتمنعوا اماء الله مساجد الله، و ليخرجن اذا خرجن ثفلات)، اى غير متطيبات.
و فى الحديث ايضا: (اذا شهدت احدا كن العشاء فلا تمس طيبا)، و المراد من ذلك الا تهيج عليهن شهوه الرجال.
قال الشاعر: و المسك بينا تراه ممتهنا بفهر عطاره و ساحقه حتى تراه فى عارضى ملك او موضع التاج من مفارقه الصنوبرى فى استهداء المسك: المسك اشبه شى ء بالشباب فهب بعض الشباب لبعض العصبه الشيب يقال: ان رجلا وجد قرطاسا فيه اسم الله تعالى، فرفعه، و كان عنده دينار، فاشترى به مسكا، فطيبه، فراى فى المنام قائلا يقول له كما طيبت اسمى لاطيبن ذكرك.
قال خالد بن صفوان ليزيد بن المهلب: ما رايت صدا المغفر، و لا عبق العنبر باحد اليق منه بك، فقال: حاجتك، قال: ابن اخ لى فى حبسك، فقال: يسبقك الى المنزل.
شاعر: كان دخان الند ما بين جمره بقايا ضباب فى رياض شقيق قالوا: خير العود المندلى، و هو منسوب الى مندل: قريه من قرى الهند، و اجوده اصلبه، و امتحان رطبه ان ينطبع فيه نقش الخاتم، و اليابس تفصح عنه النار، و من خاصيه المندلى ان رائحته تثبت فى الثواب اسبوعا، و انه لايقمل مادامت فيه.
قال صاحب المنهاج: العود عروق اشجار تقلع و تدفن فى الارض حتى تتعفن، منها الخشبيه و القشريه، و يبقى العود الخالص، و اجوده المندلى، و يجلب من وسط بلاد الهند، ثم العود الهندى، و هو يفضل على المندلى بانه لا يولد القمل، و هو اعبق بالثياب.
قال: و افضل العود ارسبه فى الماء و الطافى ردى ء.
قال ابوالعباس الاعمى: ليت شعرى من اين رائحه المس ك و ما ان اخال بالخيف انسى حين غابت بنو اميه عنه و البهاليل من بنى عبد شمس خطباء على المنابر فرسا ن على الخيل قاله غير خرس بحلوم مثل الجبال رزان و وجوه مثل الدنانير ملس المسيب بن علس.
تبيت الملوك على عتبها و شيبان ان غضبت تعتب و كالشهد بالراح الفاظهم و اخلاقهم منهما اعذب و كالمسك ترب مقاماتهم و ترب قبورهم اطيب اخذه العباس بن الاحنف فقال: و انت اذا ما وطئت الترا ب كان ترابك للناس طيبا و هجا بعض الشعراء العمال فى ايام عمر، و وقع عليهم، فقال فى بعض شعره: نئوب اذا آبوا و نغزو اذا غزوا فانى لهم وفر و لسنا ذوى وفر اذا التاجر الدارى جاء بفاره من المسك راحت فى مفارقهم تجرى فقبض عمر على العمال و صادرهم.
قالوا فى الكافور: انه ماء فى شجر مكفور فيه يغرزونه بالحديد، فاذا خرج الى ظاهر ذلك الشجر ضربه الهواء فانعقد كالصموغ الجامده على الاشجار.
و قال صاحب المنهاج: هو اصناف: منها الفنصورى، و الرباحى، و الازاد، و الاسفرك الازرق، و هو المختط بخشبه، و قيل ان شجرته عظيمه تظل اكثر من مائه فارس، و هى بحريه، و خشب الكافور ابيض الى الحمره خفيف، و الرباحى يوجد فى بدن شجرته قطع كالثلج، فاذا شققت الشجره تناثر منها الكافور.
الند: هو الغاليه، و هو العود المطرى بالمسك و العنبر و دهن البان، و من الناس من لايضيف اليه دهن البان، و يجعل عوضه الكافور، و منهم من لايضيف اليه الكافور ايضا، و من الناس من يركب الغاليه من المسك و العنبر و الكافور و دهن النيلوفر.
قال الاصمعى: قلت لابى المهديه الاعرابى: كيف تقول، ليس الطيب الا المسك؟ فلم يحفل الاعرابى، و ذهب الى مذهب آخر، فقال: فاين انت عن العنبر؟ فقلت: كيف تقول: ليس الطيب الا المسك و العنبر؟ قال: فاين انت عن البان، قلت: فكيف تقول: ليس الطيب الا المسك و العنبر و البان؟ قال: فاين انت عن ادهان بحجر يعنى اليمامه، قلت: فكيف تقول ليس الطيب الا المسك و العنبر و البان و ادهان بحجر؟ قال: فاين انت عن فاره ا لابل صادره؟ فرايت انى قد اكثرت عليه، فتركته قال: و فاره الابل ريحها حين تصدر عن الماء.
و قد اكلت العشب الطيب.
و فى فاره الابل يقول الشاعر: كان فاره مسك فى مبائتها اذا بدا من ضياء الصبح تنتشر كان لابى ايوب المرزبانى وزير المنصور دهن طيب يدهن به اذا ركب الى المنصور فلما راى الناس غلبته على المنصور و طاعته له فيما يريده، حتى انه ربما كان يستحضره ليوقع به، فاذا رآه تبسم اليه و طابت نفسه قالوا: دهن ابى ايوب من عمل السحره، و ضربوا به المثل، فقالوا لمن يغلب على الانسان: معه دهن ابى ايوب.
اعرابى: فيها مدر كف و مشم انف.
و قال عيينه بن اسماء بن خارجه الفزارى: لو كنت احمل خمرا حين زرتكم لم ينكر الكلب انى صاحب الدار لكن اتيت و ريح المسك يقدمنى و العنبر الورد مشبوبا على النار فانكر الكلب ريحى حين خالطنى و كان يالف ريح الزق و القار قال الاصمعى: ذكر لابى ايوب هولاء الذين يتقشفون، فقال: ما علمت ان القذر و الذفر من الدين.
ريح الكلب مثل فى النتن قال الشاعر: ريحها ريح كلاب هارشت فى يوم طل و قال آخر: يزداد لوما على المديح كما يزداد نتن الكلاب فى المطر و قالت امراه امرى ء القيس له و كان مفركا عند النساء: اذا عرقت عرقت بريح كلب.
قال: صدقت: ان اهلى ارضعونى مره بلبن كلبه.
قال سلمه بن عياش، يقول لجعفر بن سليمان: فما شم انفى ريح كف رايتها من الناس الا ريح كفك اطيب فامر له بالف دينار و مائه مثقال من المسك و مائه مثقال من العنبر.
وجه عمر الى ملك الروم بريدا فاشترت ام كلثوم امراه عمر طيبا بدنانير و جعلته فى قارورتين و اهدتهما الى امراه ملك الروم، فرجع البريد اليها و معه مل ء القارورتين جواهر، فدخل عليها عمر، و قد صبت الجواهر فى حجرها، فقال: من اين لك هذا؟ فاخبرته، فقبض عليه، و قال: هذا للمسلمين، قالت: كيف و هو عوض هديتى! قال: بينى و بينك ابوك، فقال على (ع): لك منه بقيمه دينارك، و الباقى للمسلمين جمله لان بريد المسلمين حمله.
قيل لخديجه بنت الرشيد: رسل العباس بن محمد على الباب، معهم زنبيل يحمله رجلان.
فقالت: تراه بعث الى باقلائ؟ فكشف الزنبيل عن جره مملوئه غاليه فيها مسحاه من ذهب، و اذا برقعه: هذه جره اصيبت هى و اختها فى خزائن بنى اميه، فاما اختها فغلب عليها الخلفاء، و اما هذه فلم ار احدا احق بها منك.
قد تقدم القول فى العجب و الكبر و الفخر.
نبذ مما قيل فى التيه و الفخر فى الحديث المرفوع: (ان الله قد اذهب عنكم عبيه الجاهليه و فخرها بالاباء، الناس لادم، و آدم من تراب مومن تقى، و فاجر شقى، لينتهين اقوام يتفاخرون برجال انما هم فحم من فحم جهنم او ليكونن اهون على الله من جعلات تدفع النتن بانفها).
و من وصيته (ص) الى على (ع): (لا فقر اشد من الجهل، و لا وحشه افحش من العجب).
اتى وائل بن حجر النبى (ص) فاقطعه ارضا، و امر معاويه ان يمضى معه فيريه الارض و يعرضها عليه، و يكتبها له، فخرج مع وائل فى هاجره شاويه، و مشى خلف ناقته فاحرقته الرمضاء، فقال: اردفنى: قال: لست من ارداف الملوك، قال: فادفع الى نعليك، قال: ما بخل يمنعنى يا بن ابى سفيان، و لكن اكره ان يبلغ اقيال اليمن انك لبست نعلى، و لكن امش فى ظل ناقتى فحسبك بذاك شرفا، و يقال: انه عاش حتى ادرك زمن معاويه فاجلسه معه على سريره.
قيل لحكيم: ما الشى ء الذى لايحسن ان يقال و ان كان حقا؟ فقال: الفخر.
حبس هشام بن عبدالملك الفرزدق فى سجن خالد بن عبدالله القسرى، فوفد جرير الى خالد ليشفع فيه، فقال له خالد: الا يسرك ان الله قد اخزى الفرزدق؟ فقال: ايها ا لامير، و الله ما احب ان يخزيه الله الا بشعرى، و انما قدمت لاشفع فيه.
قال: فاشفع فيه فى ملا ليكون اخزى له، فشفع فيه، فدعا به فقال: انى مطلقك بشفاعه جرير، فقال: اسير قسرى، و طليق كلبى، فباى وجه افاخر العرب بعدها! ردنى الى السجن.
ذكر اعرابى قوما فقال: ما نالوا باناملهم شيئا الا و قد وطئناه باخامص اقدامنا، و ان اقصى مناهم لادنى فعالنا.
نظر رجل الى بعض ولد ابى موسى يختال فى مشيته، فقال: الا ترون مشيته؟ كان اباه خدع عمرو بن العاص.
و سمع الفرزدق ابا برده يقول: كيف لااتبختر و انا ابن احد الحكمين، فقال: احدهما مائق، و الاخر فاسق، فكن ابن ايهما شئت.
نظر رسول الله (ص) الى ابى دجانه و هو يتبختر بين الصفين، فقال: (ان هذه مشيه يبغضها الله الا فى هذا الموطن).
لما بلغ الحسن بن على (ع) قول معاويه: اذا لم يكن الهاشمى جوادا و الاموى حليما و العوامى شجاعا و المخزومى تياها لم يشبهوا آبائهم، فقال: انه و الله ما اراد بها النصيحه، و لكن اراد ان يفنى بنوهاشم ما فى ايديهم فيحتاجوا اليه، و ان يشجع بنوالعوام فيقتلوا، و ان يتيه بنو مخزوم فيمقتوا، و ان يحلم بنواميه فيحبهم الناس.
كان قاضى القضاه محمد بن ابى الشوارب الاموى تائها، فهجاه عبد الاعلى البصرى فقال: انى رايت محمدا متشاوسا مستصغرا لجميع هذى الناس و يقول لما ان تنفس خاليا نفسا له يعلو على الانفاس ويح الخلافه فى جوانب لحيتى تستن دون لحى بنى العباس! بعض الامويه: اذا تائه من عبد شمس رايته يتيه فرشحه لكل عظيم و ان تاه تياه سواه فانه يتيه لحمق او يتيه للوم لبعض الامويه ايضا: السنا بنى مروان كيف تبدلت بنا الحال او دارت علينا الدوائر! اذا ولد المولود منا تهللت له الارض و اهتزت اليه المنابر بعض التياهين: اتيه على انس البلاد و جنها و لو لم اجد خلقا اتيه على نفسى اتيه فلا ادرى من التيه من انا سوى ما يقول الناس فى و فى جنسى فان زعموا انى من الانس مثلهم فما لى عيب غير انى من الانس بعض العلويه: لقد نازعتنا من قريش عصابه يمط خدود و امتداد اصابع فلما تنازعنا الفخار قضى لنا عليهم بما نهوى نداء الصوامع ترانا سكوتا و الشهيد بفضلنا عليهم اذان الناس فى كل جامع بان رسول الله لا شك جدنا و ان بنيه كالنجوم الطوالع كان عماره بن حمزه بن ميمون مولى بنى العباس مثلا فى التيه، حق قيل: اتيه من عماره.
و كان يتولى دواوين السفاح و المنصور، و كان اذا اخطا مضى على خ طئه تكبرا عن الرجوع، و يقول: نقض و ابرام فى حاله واحده، الاصرار على الخطا اهون من ذلك.
و افتخرت ام سلمه المخزوميه امراه السفاح ذات ليله بقومها على السفاح، و بنومخزوم يضرب بهم المثل فى الكبر و التيه، فقال: انا احضرك الساعه على غير اهبه مولى من موالى ليس فى اهلك مثله، فارسل الى عماره، و امر الرسول ان يعجله عن تغيير زيه، فجاء على الحال التى وجده عليها الرسول فى ثياب ممسكه مزرره بالذهب، و قد غلف لحيته بالغاليه حتى قامت، فرمى اليه السفاح بمدهن ذهب مملوء غاليه، فلم يلتفت اليه، و قال: هل ترى لها فى لحيته موضعا؟ فاخرجت ام سلمه عقدا لها ثمينا، و امرت خادما ان يضعه بين يديه، فقام و تركه، فامرت الخادم ان يتبعه به، و يقول: انها تسالك قبوله، فقال للخادم: هو لك، فانصرف بالعقد اليها، فاعطت الخادم فكاكه عشره آلاف دينار، و استرجعته، و عجبت من نفس عماره، و كان عماره لا يذل للخلفاء و هم مواليه و يتيه عليهم.
نظر رجل الى المهدى و يده فى يد عماره، و هما يمشيان، فقال: يا اميرالمومنين من هذا؟ قال: هذا اخى، و ابن عمى عماره بن حمزه، فلما ولى الرجل ذكر المهدى الكلمه كالممازح لعماره، فقال عماره: و الله لقد انتظرت ان تقول: مولاى فانفض ي دى من يدك، فتبسم المهدى.
و كان ابوالربيع الغنوى اعرابيا جافيا تياها شديد الكبر، قال ابوالعباس المبرد فى الكامل: فذكر الجاحظ انه اتاه و معه رجل هاشمى، قال: فناديت ابوالربيع هنا؟ فخرج الى و هو يقول: خرج اليك رجل اكرم الناس، فلما راى الهاشمى استحيا و قال: اكرم الناس رديفا، و اشرفهم حليفا- اراد بذلك ابا مرثد الغنوى، لانه كان رديف رسول الله (ص) و حليف ابى بكر- قال: حدثنا ساعه ثم نهض الهاشمى فقلت له: من خير الخلق؟ قال: الناس و الله، قلت: من خير الناس؟ قال: العرب و الله، قلت: فمن خير العرب؟ قال: مضر و الله، قلت: فمن خير مضر؟ قال: قيس و الله، قلت: فمن خير قيس؟ قال: يعصر و الله، قلت: فمن خير يعصر، قال: غنى و الله، قلت: فمن خير غنى؟ قال: المخاطب لك و الله، قلت: فانت خير الناس؟ قال: اى و الله، قلت: ايسرك ان تكون تحتك ابنه يزيد بن المهلب؟ قال: لا و الله، قلت: و لك الف دينار، قال لا و الله، قلت: فالفا دينار، قال: لا و الله قلت: و لك الجنه، قال: فاطرق ثم قال: على الا تلد منى، ثم انشد: تابى ليعصر اعراق مهذبه من ان تناسب قوما غير اكفاء فان يكن ذاك حتما لا مرد له فاذكر حذيف فانى غير اباء اراد حذيفه بن بدر الفزارى، و كان سيد قيس فى زمانه.
راى عمر رجلا يمشى مرخيا يديه، طارحا رجليه، يتبختر، فقال له: دع هذه المشيه، فقال: ما اطيق فجلده ثم خلاه فترك التبختر فقال عمر اذا لم اجلد فى هذا ففيم اجلد، فجائه الرجل بعد ذلك فقال: جزاك الله يا اميرالمومنين خيرا، ان كان الا شيطانا سلط على فاذهبه الله بك.
كان يقال: اجعل الدنيا كغريم السوء حصل منه ما يرضخ لك به، و لا تاس على ما دفعك عنه، ثم قال (ع): فان لم تفعل فاجمل فى الطلب، و هى من الالفاظ النبويه: (لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاجملوا فى الطلب).
قيل لبعض الحكماء: ما الغنى؟ فقال: قله تمنيك، و رضاك بما يكفيك.
قد قيل هذا المعنى كثيرا فمنه قولهم: و القول ينفذ ما لا تنفذ الابر و من ذلك: القول لاتملكه اذا نما، كالسهم لاتملكه اذا رمى، و قال الشاعر: و قافيه مثل حد السنا ن تبقى و يذهب من قالها تخيرتها ثم ارسلتها و لم يطق الناس ارسالها و قال محمود الوراق: اتانى منك ما ليس على مكروهه صبر فاغضيت على عمد و كم يغضى الفتى الحر و ادبتك بالهجر فما ادبك الهجر و لا ردك عما كا ن منك الصفح و البر فلما اضطرنى المكرو ه و اشتد بى الامر تناولتك من شعرى بما ليس له قدر فحركت جناح الضر لما مسك الضر اذا لم يصلح الخير ام را اصلحه الشر و قال الرضى رحمه الله: سامضغ بالاقوال اعراض قومكم و للقول انياب لدى حداد يرى للقوافى و السماء جليه عليكم بروق جمه و رعاد و قال ايضا: كعمت لسانى ان يقول و ان يقل فقل فى الجراز العضب ان فارق الغمدا و ان برودا للمخازى معده فمن شاء من ذا الحى اسحبته بردا قلائد فى الاعناق بالعار لا تهى على مر ايام الزمان و لا تصدا اذا صلصلت بين القنا قضت القنا و ان زفرت فى السر قطعت السردا
هذا من باب القناعه، و ان من اقتصر على شى ء و قنعت به نفسه فقد كفاه، و قام مقام الفضول التى يرغب فيها المترفون، و قد تقدم القول فى ذلك.
قد تقدم من كلامنا فى هذا الباب شى ء كثير، و قال الشاعر: اقسم بالله لمص النوى و شرب ماء القلب المالحه احسن بالانسان من ذله و من سوال الاوجه الكالحه فاستغن بالله تكن ذا غنى مغتبطا بالصفقه الرابحه فالزهد عز و التقى سودد و ذله النفس لها فاضحه كم سالم صحيح به بغته و قائل عهدى به البارحه امسى و امست عنده قينه و اصبحت تندبه نائحه طوبى لمن كانت موازينه يوم يلاقى ربه راجحه و قال ايضا: لمص الثماد و خرط القتاد و شرب الاجاج اوان الظما على المرء اهون من ان يرى ذليلا لخلق اذا اعدما و خير لعينيك من منظر الى ما بايدى اللئام العمى قلت: لحاه الله، هلا قال: بايدى الرجال!
مراده ان الرزق قد قسمه الله تعالى، فمن لم يرزقه قاعدا لم يجب (ع) القيام و الحركه.
و قد جاء فى الحديث: انه (ص) ناول اعرابيا تمره، و قال له: (خذها فلو لم تاتها لاتتك).
و قال الشاعر: جرى قلم القضاء بما يكون فسيان التحرك و السكون جنون منك ان تسعى لرزق و يرزق فى غشاوته الجنين
قديما قيل هذا المعنى: الدهر يومان: يوم بلاء، و يوم رخاء.
و الدهر: ضربان: حبره و عبره.
و الدهر وقتان: و قت سرور، و وقت ثبور.
و قال ابوسفيان يوم احد: يوم بيوم بدر، و الدنيا دول.
قال (ع): فاذا كان لك فلا تبطر، و اذا كان عليك فاصبر.
قد تقدم القول فى ذم البطر و مدح الصبر، و يحمل ذم البطر هاهنا على محملين.
احدهما البطر بمعنى الاشر، و شده المرح، بطر الرجل بالكسر يبطر، و قد ابطره المال، و قالوا: بطر فلان معيشته، كما قالوا: رشد فلان امره.
و الثانى البطر بمعنى الحيره و الدهش، اى اذا كان الوقت لك فلاتقطعن زمانك بالحيره و الدهش عن شكر الله و مكافاه النعمه بالطاعه و العباده و المحمل الاول اوضح.
اما صدر الكلام فمن قول الله سبحانه: (ان اشكر لى و لوالديك الى المصير و ان جاهداك على ان تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعمها).
(طرائف حول الاسماء و الكنى) و اما تعليم الوالد الولد القرآن و الادب فمامور به، و كذلك القول فى تسميته باسم حسن، و قد جاء فى الحديث: (تسموا باسماء الانبياء، و احب الاسماء الى الله عبدالله و عبدالرحمن.
و اصدقها حارث و همام.
و اقبحها حرب و مره).
و روى ابوالدرداء عن النبى (ص): (انكم تدعون يوم القيامه باسمائكم و اسماء آبائكم، فاحسنوا اسمائكم).
و قال (ع): (اذا سميتم فعبدوا) اى سموا بينكم عبدالله و نحوه من اسماء الاضافه اليه عز اسمه.
و كان رسول الله (ص) يغير- بعض الاسماء، سمى ابابكر عبدالله، و كان اسمه فى الجاهليه عبد الكعبه، و سمى ابن عوف عبدالرحمن، و كان اسمه عبدالحارث، و سمى شعب الضلاله شعب الهدى، و سمى يثرب طيبه، و سمى بنى الريبه بنى الرشده، و بنى معاويه بنى مرشده.
كان سعيد بن المسيب بن حزن المخزومى احد الفقهاء المشهورين، اتى جده رسول الله (ص) فقال له: ما اسمك؟ قال: حزن، قال: لا، بل انت سهل، فقال: لا، بل انا حزن، عاوده فيها ثلاثا، ثم قال: لا احب هذا الاسم، السه ل يوطا و يمتهن، فقال: فانت حزن، فكان سعيد يقول: فما زلت اعرف تلك الحزونه فينا.
و روى جابر عنه (ع): (ما من بيت فيه احد اسمه محمد الا وسع الله عليه الرزق فاذا سميتموهم به فلاتضربوهم و لاتشتموهم، و من ولد له ثلاثه ذكور و لم يسم احدهم احمد او محمدا فقد جفانى).
ابوهريره عنه (ع)، انه نهى ان يجمع بين اسمه و كنيته لاحد.
و روى انه اذن لعلى بن ابى طالب (ع) فى ذلك، فسمى ابنه محمد بن الحنفيه محمدا، و كناه اباالقاسم.
و قد روى ان جماعه من ابناء الصحابه جمع لهم بين الاسم و الكنيه.
و قال الزمخشرى: قد قدم الخلفاء و غيرهم من الملوك رجالا بحسن اسمائهم، و اقصوا قوما لشناعه اسمائهم، و تعلق المدح و الذم بذلك فى كثير من الامور.
و فى رساله الجاحظ الى ابى الفرج نجاح بن سلمه: قد اظهر الله فى اسمائكم و اسماء آبائكم و كناكم و كنى اجدادكم من برهان الفال الحسن، و نفى طيره السوء، ما جمع لكم صنوف الامل، و صرف اليكم وجوه الطلب، فاسماوكم و كناكم بين فرج و نجاح، و سلامه و فضل، و وجوهكم و اخلاقكم و وفق اعراقكم و افعالكم، فلم يضرب التفاوت فيكم بنصيب.
اراد عمر الاستعانه برجل! فساله عن اسمه و اسم ابيه، فقال: سراق بن ظالم، فقال: تسرق انت و يظلم اب وك! فلم يستعن به.
سال رجل رجلا: ما اسمك؟ فقال: بحر؟ قال: ابو من؟ قال: ابوالفيض، قال: ابن من؟ قال: ابن الفرات، قال: ما ينبغى لصديقك ان يلقاك الا فى زورق.
و كان بعض الاعراب اسمه وثاب، و له كلب اسمه عمرو، فهجاه اعرابى آخر فقال: و لو هيا له الله من التوفيق اسبابا لسمى نفسه عمرا و سمى الكلب وثابا قالوا: و كلما كان الاسم غريبا كان اشهر لصاحبه و امنع من تعلق النبز به قال روبه: قد رفع العجاج ذكرى فادعنى باسمى اذا الاسماء طالت تكفنى و من هاهنا اخذ المعرى قوله يمدح الرضى و المرتضى رحمهما الله: انتم ذوو النسب القصير فطولكم باد على الكبراء و الاشراف و الراح ان قيل ابنه العنب اكتفت باب عن الاسماء و الاوصاف و سال النسابه البكرى روبه عن نسبه و لم يكن يعرفه، قال: انا ابن العجاج، قال: قصرت و عرفت.
صاح اعرابى بعبدالله بن جعفر: يا اباالفضل! قيل: ليست كنيته، قال: و ان لم تكن كنيته فانها صفته.
نظر عمر الى جاريه له سوداء تبكى فقال: ما شانك؟ قالت: ضربنى ابنك ابوعيسى، قال: او قد تكنى بابى عيسى! على به، فاحضروه، فقال: ويحك! اكان لعيسى اب فتكنى به! اتدرى ما كنى العرب! ابوسلمه، ابوعرفطه، ابوطلحه، ابوحنظله، ثم ادبه.
لما اقبل قحطبه بن شبيب نحو ابن هبيره اراد ابن هبيره ان يكتب الى مروان بخبره، و كره ان يسميه، فقال: اقلبوا اسمه، فوجدوه هبط حق، فقال: دعوه على هيئته.
قال برصوما الزامر لامه: ويحك! اما وجدت لى اسما تسمينى به غير هذا! قالت: لو علمت انك تجالس الخلفاء و الملوك سميتك يزيد بن مزيد.
قيل لبعض صبيان الاعراب: ما اسمك؟ قال: قراد، قيل: لقد ضيق ابوك عليك الاسم، قال: ان ضيق الاسم لقد اوسع الكنيه، قال: ما كنيتك؟ قال: ابوالصحارى.
نظر المامون الى غلام حسن الوجه فى الموكب، فقال له: يا غلام، ما اسمك؟ قال: لا ادرى، قال: او يكون احد لايعرف اسمه؟ فقال: يا اميرالمومنين، اسمى الذى اعرف به (لا ادرى)، فقال المامون: و سميت لا ادرى لانك لا تدرى بما فعل الحب المبرح فى صدرى ولد لعبدالله بن جعفر بن ابى طالب ولد ذكر، فبشر به و هو عند معاويه ابن ابى سفيان، فقال له معاويه، سمه باسمى و لك خمسمائه الف درهم، فسماه معاويه، فدفعها اليه، و قال اشتر بها لسميى ضيعه.
و من حديث على (ع) عن النبى (ص): (اذا سميتم الولد محمدا فاكرموه، و اوسعوا له فى المجلس، و لا تقبحوا له وجها).
و عنه (ص): (ما من قوم كانت لهم مشوره فحضر معهم عليها من اسمه محمدا او احمد فادخلوه فى مشورتهم الا خير لهم، و ما من مائده وضعت فحضر عليها من اسمه محمدا او احمد الا قدس ذلك المنزل فى كل يوم مرتين).
من ابيات المعانى: و حللت من مضر بامنع ذروه منعت بحد الشوك و الاحجار قالوا: يريد بالشوك اخواله، و هم: قتاده و طلحه و عوسجه، و بالاحجار اعمامه، و هم صفوان و فهر و جندل و صخر و جرول.
سمى عبدالملك ابنا له الحجاج لحبه الحجاج بن يوسف و قال فيه: سميته الحجاج بالحجاج الناصح المكاشف المداجى استاذن الجاحظ و الشكاك- و هو من المتكلمين- على رئيس، فقال الخادم لمولاه: الجاحد و الشكاك، فقال: هذان من الزنادقه لا محاله! فصاح الجاحظ: ويحك! ارجع قل: الحدقى بالباب- و به كان يعرف- فقال الخادم: الحلقى بالباب، فصاح الجاحظ ويلك! ارجع الى الجاحد.
جمع ابن دريد ثمانيه اسماء فى بيت واحد فقال: فنعم اخو الجلى و مستنبط الندى و ملجا مكروب و مفزع لاهث عياذ بن عمرو بن الجليس بن جابر بن زيد بن منظور بن زيد بن وارث.
قال محمد بن صدقه المقرى ء ليموت بن المزرع: صدق الله فيك اسمك! فقال له: احوجك الله الى اسم ابيك.
سال رجل اباعبيده عن اسم رجل من العرب، فلم يعرفه، فقال: كيسان غلامه: انا اعرف الناس به، هو خراش او خداش او رياش او شى ء آخر، فقال ابوعبيده ما احسن ما عرفته يا كيسان! قال: اى و الله، و هو قرشى ايضا، قال: و ما يدريك به؟ قال: اما ترى كيف احتوشته الشينات من كل جانب! قال الفرزدق: و قد تلتقى الاسماء فى الناس و الكنى كثيرا و لكن ميزوا فى الخلائق راى الاسكندر فى عسكره رجلا لا يزال ينهزم فى الحرب، فساله عن اسمه؟ فقال: اسمى الاسكندر، فقال: يا هذا، اما ان تغير اسمك، و اما ان تغير فعلك.
قال شيخنا ابوعثمان: لو لا ان القدماء من الشعراء سمت الملوك و كنتها فى اشعارها، و اجازت و اصطلحت عليه ما كان جزاء من فعل ذلك الا العقوبه، على ان ملوك بنى سامان لم يكنها احد من رعاياها قط، و لا سماها فى شعر و لا خطبه، و انما حدث هذا فى ملوك الحيره، و كانت الجفاه من العرب لسوء ادبها و غلظ تركيبها اذا اتوا النبى (ص) خاطبوه باسمه و كنيته، فاما اصحابه فكانت مخاطبتهم له: يا رسول الله، و هكذا يجب ان يقال للملك فى المخاطبه: يا خليفه الله، و يا اميرالمومنين.
و ينبغى للداخل على الملك ان يتلطف فى مراعاه الادب، كما حكى سعيد بن مره الكندى، دخل على معاويه فقال: انت سعيد؟ فقال: اميرالمومنين السعيد، و انا ابن مره.
و قال المامون للسيد بن انس الازدى: انت الس يد؟ فقال: انت السيد يا امير المومنين، و انا ابن انس.
شاعر: لعمرك ما الاسماء الا علامه منار و من خير المنار ارتفاعها كان قوم من الصحابه يخاطبون رسول الله (ص): (يا نبى ء الله) بالهمزه، فانكر ذلك و قال: (لست بنبى ء الله، و لكنى نبى الله).
و كان البحترى اذا ذكر الخثعمى الشاعر يقول: ذاك الغث العمى.
و كان صاحب ربيع يتشيع، فارتفع اليه خصمان: اسم احدهما على، و الاخر معاويه، فانحنى على معاويه فضربه مائه سوط من غير ان اتجهت عليه حجه، ففطن من اين اتى! فقال: اصلحك الله! سل خصمى عن كنيته، فاذا هو ابوعبدالرحمن- و كانت كنيه معاويه بن ابى سفيان- فبطحه و ضربه مائه سوط، فقال لصاحبه: ما اخذته منى بالاسم استرجعته منك بالكنيه.
و يروى: (و الغسل نشره) بالغين المعجمه، اى التطهير بالماء.
(اقوال فى العين و السحر و الفال و العدوى و الطيره) و قد جاء فى الحديث المرفوع: (العين حق، و لو كان شى ء يسبق القدر لسبقته العين، و اذا استغسلتم فاغسلوا)، قالوا فى تفسيره: انهم كانوا يطلبون من العائن ان يتوضا بماء ثم يسقى منه المعين و يغتسل بسائره.
و فى حديث عائشه: (العين حق كما ان محمدا حق).
و للحكماء فى تعليل ذلك قول لا باس به، قالوا: هذا عائد الى نفس العائن، و ذلك لان الهيولى مطيعه للانفس، متاثره بها، الا ترى ان نفوس الافلاك توثر فيها بتعاقب الصور عليها! و النفوس البشريه من جوهر نفوس الافلاك، و شديده الشبه بها، الا ان نسبتها اليها نسبه السراج الى الشمس، فليست عامه التاثير، بل تاثيرها فى اغلب الامر فى بدنها خاصه، و لهذا يحمى مزاج الانسان عند الغضب، يستعد للجماع عند تصور النفس صوره المعشوق، فاذن قد صار تصور النفس موثرا فيما هو خارج عنها، لانها ليست حاله فى البدن، فلايستبعد وجود نفس لها جوهر مخصوص مخالف لغيره من جواهر النفوس توثر فى غير بدنها، و لهذا يقال: ان قوما من الهند يقتلون بالوهم، و الاصابه بالعين من هذا الباب، و هو ان تستحسن النفس صوره مخصوصه و تتعجب منها، و تكون تلك النفس خبيثه جدا، فينفعل جسم تلك الصوره مطيعا لتلك النفس كما ينفعل البدن للسم.
و فى حديث ام سلمه ان رسول الله (ص) راى فى وجه جاريه لها سعفه، فقال: (ان بها نظره فاسترقوا لها).
و قال عوف بن مالك الاشجعى: كنا نرقى فى الجاهليه، فقلت: يا رسول الله، ما ترى فى ذلك؟ فقال: (اعرضوا على رقاكم فلا باس بالرقى ما لم يكن فيها شرك).
كان ناس من اصحاب رسول الله (ص) فى سفر، فمروا بحى من احياء العرب، فاستضافوهم فلم يضيفوهم و قالوا لهم: هل فيكم من راق، فان سيد الحى لديغ؟ فقال رجل منهم: نعم، فاتاه فرقاه بفاتحه الكتاب فبرى ء، فاعطى قطيعا من الغنم، فابى ان يقبلها حتى ياتى رسول الله (ص)، فذكر ذلك لرسول الله (ص)، و قال: و عيشك ما رقيته الا بفاتحه الكتاب، فقال: (ما ادراكم انها رقيه! خذوا منهم، و اضربوا لى معكم بسهم).
و روى بريده، قال: قال رسول الله (ص) و قد ذكرت عنده الطيره: (من عرض له من هذه الطيره شى ء فليقل: اللهم لا طير الا طيرك و لا خير الا خيرك، و لا اله غيرك، و لا حول و لا قوه الا بالله).
و عنه (ع): (ليس منا من تطير او تطير له، او تكهن او تكهن له).
انس بن مالك يرفعه: (لا عدوى و ل ا طيره، و يعجبنى الفال الصالح)، قالوا: فما الفال الصالح؟ قال: الكلمه الطيبه.
و عنه (ع): (تفائلوا و لاتطيروا).
و روى عبدالله بن بريده، عن ابيه، ان رسول الله (ص) كان لايتطير من شى ء، و كان اذا بعث عاملا سال عن اسمه، فاذا اعجبه سر به، و رئى بشر ذلك فى وجهه، و ان كره اسمه رئيت الكراهه على وجهه، و اذا دخل قريه سال عن اسمها فان اعجبه ظهر على وجهه.
بنى عبيدالله بن زياد بالبصره دارا عظيمه، فمر بها بعض الاعراب، فراى فى دهليزها صوره اسد و كلب و كبش، فقال: اسد كالح، و كبش ناطح، و كلب نابح، و الله لايمتع بها، فلم يلبث عبيدالله فيها الا اياما يسيره.
ابوهريره يرفعه: (اذا ظننتم فلاتحققوا، و اذا تطيرتم فامضوا، و على الله فتوكلوا).
و قال (ع): (احسنها الفال، و لايرد قدرا، و لكن اذا راى احدكم ما يكره فليقل: اللهم لا ياتى بالحسنات الا انت، و لايدفع السيئات الا انت، و لا حول و لا قوه الا بك).
و قال بعض الشعراء: لايعلم المرء ليلا ما يصبحه الا كواذب ما يجرى به الفال و الفال و الزجر و الكهان كلهم مضللون و دون الغيب اقفال و عن النبى (ص): (القيافه و الطرق و الطيره من الخبث).
ابن عباس يرفعه: (من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبه من السحر).
ابوهريره يرفعه: (من اتى كاهنا فصدقه فيما يقول فقد برى ء مما انزل الله على ابى القاسم).
شاعر: لعمرك ما تدرى الطوارق بالحصى و لا زاجرت الطير ما الله صانع و قال آخر: لايقعدنك عن بغا ء الخير تعقاد العزائم فلقد غدوت و كنت لا اغدو على راق و حائم فاذا الاشائم كالايا من و الايامن كالاشائم و كذاك لا خير و لا شر على احد بدائم تفائل هشام بن عبدالملك بنصر بن سيار فقلده خراسان، فبقى فيها عشر سنين.
و تفائل عامر بن اسمعيل قاتل مروان بن محمد باسم رجل لقيه، فساله عن اسمه، فقال: منصور بن سعد، قال: من اى العرب؟ قال: من سعد العشيره، فاستصحبه و طلب مروان فظفر به و قتله.
و تفائل المامون بمنصور بن بسام فكان سبب مكانته عنده.
قالوا: انما اصل اليد اليسرى العسرى، الا انهم ابدلوا اليسرى من اليسر تفاولا.
مزرد بن ضرار: و انى امرو لاتقشعر ذوابتى من الذئب يعوى و الغراب المحجل الكميت: و لا انا ممن يزجر الطير همه اصاح غراب ام تعرض ثعلب و قال بعض العرب: خرجت فى طلب ناقه ضلت لى، فسمعت قائلا يقول: و لئن بعثت لها بغا ه فما البغاه بواجدينا فلم اتطير و مضيت لوجهى، فلقينى رجل قبيح الوجه به ما شئت من عاهه، فلم اتطير و تقدمت فلاحت لى اكمه فسمعت منها صائحا: و الشر يلقى مطالع الاكم فلم اكترث و لا انثنيت و علوتها، فوجدت ناقتى قد تفاجت للولاده فنتجتها، وعدت الى منزلى بها و معها ولدها.
و قيل لعلى (ع): لاتحاربهم اليوم فان القمر فى العقرب، فقال: قمرنا ام قمرهم! و روى عنه (ع) انه كان يكره ان يسافر او يتزوج فى محاق الشهر، و اذا كان القمر فى العقرب.
و روى ان ابن عباس قال على منبر البصره: ان الكلاب من الحن و ان الحن من ضعفاء الجن، فاذ غشيكم منهم شى ء فالقوا اليه شيئا او اطردوه، فان لها انفس سوء.
و قال ابوعثمان الجاحظ: كان علماء الفرس و الهند و اطباء اليونانيين و دهاه العرب و اهل التجربه من نازله الامصار و حذاق المتكلمين يكرهون الاكل بين يدى السباع يخافون عيونها للذى فيها من النهم و الشره، و لما ينحل عند ذلك من اجوافها من البخار الردى ء، و ينفصل من عيونها مما اذا خالط الانسان نقض بنيه قلبه و افسده.
و كانوا يكرهون قيام الخدم بالمذاب و الاشربه على رئوسهم خوفا من اعينهم و شده ملاحظتهم اياهم، و كانوا يامرون باشباعهم قبل ان ياكلوا، و كانوا يقولون فى الكلب و السنور اما ان يطرد او يشغل بما يطرح له.
و قالت الحكماء: نفوس السباع ارد ا النفوس و اخبثها لفرط شرهها و شرها.
قالوا: و قد وجدنا الرجل يضرب الحيه بعصا فيموت الضارب و الحيه، لان سم الحيه فصل منها حتى خالط احشاء الضارب و قلبه و نفذ فى مسام جسده.
و قد يديم الانسان النظر الى العين المحمره فتعترى عينه حمره، و التثاوب يعدى اعداء ظاهرا، و يكره دنو الطامث من اللبن لتسوطه، لان لها رائحه و بخارا يفسد اللبن المسوط.
و قال الاصمعى: رايت رجلا عيونا كان يذكر عن نفسه انه اذا اعجبه الشى ء وجد حراره تخرج من عينه.
و قال ايضا: كان عندنا عيونان فمر احدهما بحوض من حجاره، فقال: تالله ما رايت كاليوم حوضا! فانصدع فلقتين، فمر عليه الثانى، فقال: و ابيك لقلما ضررت اهلك فيك! فتطاير اربع فلق.
و سمع آخر صوت بول من وراء جدار حائط، فقال: انك كثير الشخب، فقالوا: هو ابنك، فقال: اوه انقطع ظهره! فقيل: لا باس عليه ان شاءالله، فقال: و الله لا يبول بعدها ابدا، فما بال حتى مات.
و سمع آخر صوت شخب ناقه بقوه فاعجبه، فقال: ايتهن هذه؟ فوروا باخرى عنها، فهلكتا جميعا، المورى بها و المورى عنها.
قال رجل من خاصه المنصور له قبل ان يقتل ابامسلم بيوم واحد: انى رايت اليوم لابى مسلم ثلاثا تطيرت له منها.
قال: ما هى؟ قال: ركب فوقعت قلنسوت ه عن راسه، فقال المنصور: الله اكبر! تبعها و الله راسه، فقال: و كبا به فرسه، فقال: الله اكبر! كبا و الله جده، و اصلد زنده، فما الثالثه؟ قال: انه قال لاصحابه: انا مقتول، و انما اخادع نفسى، و اذا رجل ينادى آخر من الصحراء: اليوم آخر الاجل يا فلان.
فقال: الله اكبر! انقضى اجله ان شاءالله، و انقطع من الدنيا اثره.
فقتل فى غد ذلك اليوم.
تجهز النابغه الذبيانى للغزو- و اسمه زياد بن عمرو- مع زبان بن سيار الفزارى- فلما اراد الرحيل سقطت عليه جراده فتطير، و قال: ذات لونين تجرد، غرى من خرج، فاقام و لم يلتفت زبان الى طيرته، فذهب و رجع غانما فقال: تطير طيره يوما زياد لتخبره و ما فيها خبير اقام كان لقمان بن عاد اشار له بحكمته مشير تعلم انه لا طير الا على متطير و هو الثبور بلى شى ء يوافق بعض شى ء احايينا و باطله كثير حضر عمر بن الخطاب الموسم، فصاح به صائح: يا خليفه رسول الله، فقال رجل من بنى لهب، و هم اهل عيافه و زجر: دعاه باسم ميت: مات و الله اميرالمومنين (ع)، فلما وقف الناس للجمار اذا حصاه صكت صلعه عمر، فادمى منها، فقال ذلك القائل: اشعر و الله اميرالمومنين، لا و الله ما يقف هذا الموقف ابدا، فقتل عمر قبل ان يحو ل الحول، و قال كثير بن عبدالرحمن: تيممت لهبا ابتغى العلم عندها و قد صار علم العائفين الى لهب كان للعرب كاهنان اسم احدهما شق، و كان نصف انسان، و اسم الاخر سطيح، و كان يطوى طى الحصير، و يتكلمان بكل اعجوبه فى الكهانه، فقال ابن الرومى: لك راى كانه راى شق و سطيح قريعى الكهان يستشف الغيوب عما توارى بعيون جليه الانسان و قال ابوعثمان الجاحظ: كان مسيلمه قبل ان يتنبا يدور فى الاسواق التى كانت بين دور العرب و العجم كسوق الابله و سوق بقه و سوق الانبار و سوق الحيره يلتمس تعلم الحيل و النيرنجيات و احتيالات اصحاب الرقى و العزائم و النجوم، و قد كان احكم علم الحزاه و اصحاب الزجر و الخط، فعمد الى بيضه فصب اليها خلا حاذقا قاطعا، فلانت، حتى اذا مدها الانسان استطالت و دقت كالعلك، ثم ادخلها قاروره ضيقه الراس و تركها حتى انضمت و استدارت و جمدت، فعادت كهيئتها الاولى، فاخرجها الى قوم و هم اعراب و استغواهم بها، و فيه قيل: ببيضه قارور و رايه شادن و توصيل مقطوع من الطير حاذق قالوا: اراد برايه الشادن التى يعملها الصبى من القرطاس الرقيق، و يجعل لها ذنبا و جناحين و يرسلها يوم الريح بخيط طويل.
كان مسيلمه يعمل رايات من هذا ا لجنس، و يعلق فيها الجلاجل، و يرسلها ليلا فى شده الريح، و يقول: هذه الملائكه تنزل على، و هذه خشخشه الملائكه و زجلها، و كان يصل جناح الطير المقصوص بريش معه فيطير و يستغوى به الاعراب.
شاعر فى الطيره: و امنع الياسمين الغض من حذرى عليك اذ قيل لى نصف اسمه ياس و قال آخر: اهدت اليه سفرجلا فتطيرا منه و ظل مفكرا مستعبرا خوف الفراق لان شطر هجائه سفر و حق له بان يتطيرا و قال آخر: يا ذا الذى اهدى لنا سوسنا ما كنت فى اهدائه محسنا نصف اسمه سو فقد سائنى يا ليت انى لم ار السوسنا و مثله: لا ترانى طوال ده رى اهوى الشقائقا ان يكن يشبه الخدو د فنصف اسمه شقا و كانوا يتفائلون بالاس لدوامه، و يتطيرون من النرجس لسرعه انقضائه، و يسمونه الغدار.
و قال العباس بن الاحنف: ان الذى سماك يا منيتى بالنرجس الغدار ما انصفا لو انه سماك بالاسه وفيت ان الاس اهل الوفا خرج كثير يريد عزه و معه صاحب له من نهد، فراى غرابا ساقطا فوق بانه ينتف ريشه، فقال له النهدى: ان صدق الطير فقد ماتت عزه، فوافى اهلها و قد اخرجوا جنازتها، فقال: و ما اعيف النهدى لا در دره و ازجره للطير لا عز ناصره رايت غرابا ساقطا فوق بانه ينتف اعلى ريشه و يطايره فقال غراب لاغتراب و بانه لبين و فقد من حبيب تعاشره و قال الشاعر: و سميته يحيى ليحيا و لم يكن الى رد حكم الله فيه سبيل تيممت فيه الفال حين رزقته و لم ادر ان الفال فيه يفيل فاما القول فى السحر فان الفقهاء يثبتونه و يقولون: فيه القود، و قد جاء فى الخبر ان رسول الله (ص) سحره لبيد بن اعصم اليهودى حتى كان يخيل اليه انه عمل الشى ء و لم يعمله.
و روى ان امراه من يهود سحرته بشعر و قصاص ظفر و جعلت السحر فى بئر، و ان الله تعالى دله على ذلك، فبعث عليا (ع) فاستخرجه و قتل المراه.
و قوم من المتكلمين ينفون هذا عنه (ع)، و يقولون: انه معصوم من مثله.
و الفلاسفه تزعم ان السحر من آثار النفس الناطقه، و انه لايبعد ان يكون فى النفوس نفس توثر فى غير بدنها المرض و الحب و البغض و نحو ذلك، و اصحاب الكواكب يجعلون للكواكب فى ذلك تاثيرا، و اصحاب خواص الاحجار و النبات و غيرها يسندون ذلك الى الخواص، و كلام اميرالمومنين (ع) دال على تصحيح ما يدعى من السحر.
و اما العدوى فقد قال رسول الله (ص): (لا عدوى فى الاسلام).
و قال لمن قال: اعدى بعضها بعضا- يعنى الابل: فمن اعدى الاول؟ (و قال: (لا عدوى و لا هامه و لا صفر)، فا لعدوى معروفه، و الهامه: ما كانت العرب تزعمه فى المقتول لا يوخذ بثاره، و الصفر: ما كانت العرب تزعمه من الحيه فى البطن تعض عند الجوع.
(نكت فى مذاهب العرب و تخيلاتها) و سنذكر هاهنا نكتا ممتعه من مذاهب العرب و تخيلاتها، لان الموضع قد ساقنا اليه، انشد هشام بن الكلبى لاميه بن ابى الصلت: سنه ازمه تبرح بالنا س ترى للعضاه فيها صريرا لا على كوكب تنوء و لا ري ح جنوب و لاترى طحرورا و يسقون باقر السهل للطو د مهازيل خشيه ان تبورا عاقدين النيران فى ثكن الاذ ناب منها لكى تهيج البحورا سلع ما و مثله عشر ما عامل ما و عالت البيقورا يروى ان عيسى بن عمر قال: ما ادرى معنى هذا البيت! و يقال: ان الاصمعى صحف فيه، فقال: (و غالت البيقورا) بالغين المعجمه، و فسره غيره فقال: عالت بمعنى اثقلت البقر بما حملتها من السلع و العشر، و البيقور: البقر.
و عائل: غالب، او مثقل.
و كانت العرب اذا اجدبت و امسكت السماء عنهم و ارادوا ان يستمطروا عمدوا الى السلع و العشر فحزموهما و عقدوهما فى اذناب البقر، و اضرموا فيها النيران، و اصعدوها فى جبل وعر، و اتبوها يدعون الله و يستسقونه، و انما يضرمون النيران فى اذناب البقر تفاولا للبرق بال نار، و كانوا يسوقونها نحو المغرب من دون الجهات.
و قال اعرابى: شفعنا ببيقور الى هاطل الحيا فلم يغن عنا ذاك بل زادنا جدبا فعدنا الى رب الحيا فاجارنا و صير جدب الارض من عنده خصبا و قال آخر: قل لبنى نهشل اصحاب الحور اتطلبون الغيث جهلا بالبقر و سلع من بعد ذاك و عشر ليس بذا يجلل الارض المطر و يمكن ان يحمل تفسير الاصمعى على محمل صحيح، فيقال: غالت بمعنى اهلكت، يقال: غاله كذا و اغتاله اى اهلكه، و غالتهم غول، يعنى المنيه، و منه الغضب غول الحلم.
و قال آخر: لما كسونا الارض اذناب البقر بالسلع المعقود فيها و العشر و قال آخر: يا كحل قد اثقلت اذناب البقر بسلع يعقد فيها و عشر فهل تجودين ببرق و مطر و قال آخر يعيب العرب بفعلهم هذا: لادر در رجال خاب سعيهم يستمطرون لدى الاعسار بالعشر اجاعل انت بيقورا مسلعه ذريعه لك بين الله و المطر و قال بعض الاذكياء: كل امه قد تحذو فى مذاهبها مذاهب مله اخرى، و قد كانت الهند تزعم ان البقر ملائكه، سخط الله عليها فجعلها فى الارض، و ان لها عنده حرمه، و كانوا يلطخون الابدان باخثائها، و يغسلون الوجوه ببولها و يجعلونها مهور نسائهم، و يتبركون بها فى جميع احوالهم، فلعل اوائل العرب حذوا هذا الحذو، و انتهجوا هذا المسلك.
و للعرب فى البقر خيال آخر، و ذلك انهم اذا اوردوها فلم ترد، ضربوا الثور ليقتحم الماء، فتقتحم البقر بعده، و يقولون: ان الجن تصد البقر عن الماء، و ان الشيطان يركب قرنى الثور، و قال قائلهم: انى و قتلى سليكا حين اعقله كالثور يضرب لما عافت البقر و قال نهشل بن حرى: كذاك الثور يضرب بالهراوى اذا ما عافت البقر الظماء و قال آخر: كالثور يضرب للورو د اذا تمنعت البقر فان كان ليس الا هذا فليس ذاك بعجيب من البقر و لا بمذهب من مذاهب العرب: لانه قد يجوز ان تمتنع البقر من الورود حتى يرد الثور كما تمتنع الغنم من سلوك الطرق او دخول الدور و الاخبيه حتى يتقدمها الكبش او التيس، و كالنحل تتبع اليعسوب، و الكراكى تتبع اميرها، و لكن الذى تدل عليه اشعارها ان الثور يرد و يشرب و لايمتنع، و لكن البقر تمتنع و تعاف الماء و قد رات الثور يشرب، فحينئذ يضرب الثور مع اجابته الى الورود فتشرب البقر عند شربه، و هذا هو العجب، قال الشاعر: فانى اذن كالثور يضرب جنبه اذا لم يعف شربا و عافت صواحبه و قال آخر: فلاتجعلونى كالبقير و فحلها يكسر ضربا و هو للورد طائع و ما ذنبه ان لم يرد بقرات ه و قد فاجاتها عند ذاك الشرائع و قال الاعشى: لكالثور و الجنى يضرب وجهه و ما ذنبه ان عافت الماء مشربا! و ما ذنبه ان عافت الماء باقر و ما ان يعاف الماء الا ليضربا قالوا فى تفسيره: لما كان امتناعها يتعقبه الضرب، حسن ان يقال: عافت الماء لتضرب، و هذه اللام هى لام العاقبه، كقوله: (لدوا للموت)، و على هذا فسر اصحابنا قوله سبحانه: (و لقد ذرانا لجهنم كثيرا من الجن و الانس) و من مذاهب العرب ايضا تعليق الحلى و الجلاجل على اللديغ يرون انه يفيق بذلك، و يقال: انه انما يعلق عليه لانهم يرون (انه) ان نام يسرى السم فيه فيهلك، فشغلوه بالحلى و الجلاجل و اصواتها عن النوم، و هذا قول النضر بن شميل، و بعضهم يقول: انه اذا علق عليه حلى الذهب برا، و ان علق الرصاص او حلى الرصاص مات.
و قيل لبعض الاعراب: اتريدون شهره؟ فقال: ان الحلى لاتشهر، و لكنها سنه ورثناها.
و قال النابغه: فبت كانى ساورتنى ضئيله من الرقش فى انيابها السم ناقع يسهد من ليل التمام سليمها لحلى النساء فى يديه قعاقع و قال بعض بنى عذره: كانى سليم ناله كلم حيه ترى حوله حلى النساء مرصعا و قال آخر: و قد عللوا بالبطل فى كل موضع و غروا كما غر السليم الجلا جل و قال جميل و ظرف فى قوله و لو قاله العباس بن الاحنف لكان ظريفا: اذا ما لديغ ابرا الحلى دائه فحليك امسى يا بثينه دائيا و قال عويمر النبهانى و هو يوكد قول النضر بن شميل: فبت معنى بالهموم كاننى سليم نفى عنه الرقاد الجلاجل و مثله قول الاخر: كانى سليم سهد الحلى عينه فراقب من ليل التمام الكواكبا و يشبه مذهبهم فى ضرب الثور مذهبهم فى العر يصيب الابل فيكوى الصحيح ليبرا السقيم.
و قال النابغه: و كلفتنى ذنب امرى ء و تركته كذى العر يكوى غيره و هو راتع و قال بعض الاعراب: كمن يكوى الصحاح يروم برئا به من كل جرباء الاهاب و هذا البيت يبطل روايه من روى بيت النابغه (كذى العر) بضم العين، لان العر بالضم: قرح فى مشافر الابل غير الجرب، و العر بالفتح: الجرب نفسه، فاذا دل الشعر على انه يكوى الصحيح ليبرا الاجرب، فالواجب ان يكون بيت النابغه (كذى العر) بالفتح.
و مثل هذا البيت قول الاخر: فالزمتنى ذنبا و غيرى جره حنانيك لا يكوى الصحيح باجربا الا ان يكون اطلاق لفظ الجرب على هذا المرض المخصوص من باب المجاز لمشابهته له.
و من تخيلات العرب و مذاهبها انهم كانوا يفقئون عين الفحل من الابل اذا بلغت الفا، كانهم يدفعون ال عين عنها، قال الشاعر: فقانا عيونا من فحول بهازر و انتم برعى البهم اولى و اجدر و قال آخر: وهبتها و كنت ذا امتنان تفقا فيها اعين البعران و قال الاخر: اعطيتها الفا و لم تبخل بها ففقات عين فحيلها معتافا و قد ظن قوم ان بيت الفرزدق و هو: غلبتك بالمفقى ء و المعنى و بيت المحتبى و الخافقات من هذا الباب، و ليس الامر على ذلك، و انما اراد بالفق ء قوله لجرير: و لست و لو فقات عينيك واجدا اخا كلقيط او ابا مثل دارم و اراد بالمعنى قوله لجرير ايضا: و انك اذ تسعى لتدرك دارما لانت المعنى يا جرير المكلف و اراد بقوله: (بيت المحتبى) قوله: بيت زراره محتب بفنائه و مجاشع و ابوالفوارس نهشل و بيت الخافقات، قوله: و معصب بالتاج يخفق فوقه خرق الملوك له خميس جحفل فاما مذهبهم فى البليه، و هى ناقه تعقل عند القبر حتى تموت، فمذهب مشهور، و البليه انهم اذا مات منهم كريم بلوا ناقته او بعيره، فعكسوا عنقها، و اداروا راسها الى موخرها، و تركوها فى حفيره لاتطعم و لاتسقى حتى تموت، و ربما احرقت بعد موتها، و ربما سلخت و ملى ء جلدها ثماما.
و كانوا يزعمون ان من مات و لم يبل عليه حشر ماشيا، و من كانت له بليه حشر راكبا على ب ليته، قال جريبه بن الاشيم الفقعسى لابنه: يا سعد اما اهلكن فاننى اوصيك ان اخا الوصاه الاقرب لا اعرفن اباك يحشر خلفكم تعبا يجر على اليدين و ينكب و احمل اباك على بعير صالح و تق الخطيئه انه هو اصوب و لعل لى مما جمعت مطيه فى الحشر اركبها اذا قيل اركبوا و قال جريبه ايضا: اذا مت فادفنى بجداء ما بها سوى الاصرخين او يفوز راكب فان انت لم تعقر على مطيتى فلا قام فى مال لك الدهر جالب و لا تدفننى فى صوى و ادفنننى بديمومه تنزو عليها الجنادب و قد ذكرت فى مجموعى المسمى (بالعبقرى الحسان) ان اباعبدالله الحسين بن محمد ابن جعفر الخالع رحمه الله ذكر فى كتابه فى آراء العرب و اديانها هذه الابيات، و استشهد بها على ما كانوا يعتقدون فى البليه، و قلت: انه وهم فى ذلك، و انه ليس فى هذه الابيات دلاله على هذا المعنى، و لا لها به تعلق، و انما هى وصيه لولده ان يعقر مطيته بعد موته، اما لكيلا يركبها غيره بعده، او على هيئه القربان كالهدى المعقور بمكه، او كما كانوا يعقرون عند القبور، و مذهبهم فى العقر على القبور، كقول زياد الاعجم فى المغيره بن المهلب: ان السماحه و المروئه ضمنا قبرا بمرو على الطريق الواضح فاذا مرر ت بقبره فاعقر به كوم الهجان و كل طرف سابح و قال الاخر: نفرت قلوصى عن حجاره حره بنيت على طلق اليدين وهوب لا تنفرى يا ناق منه فانه شريب خمر مسعر لحروب لو لا السفار و بعد خرق مهمه لتركتها تحبو على العرقوب و مذهبهم فى العقر على القبور مشهور، و ليس فى هذا الشعر ما يدل على مذهبهم فى البليه، فان ظن ظان ان قوله: (او يفوز راكب)، فيه ايماء الى ذلك، فليس الامر كما ظنه.
و معنى البيت ادفنى بفلاه جداء مقطوعه عن الانس، ليس بها الا الذئب و الغراب، او ان يعتسف راكبها المفازه و هى المهلكه، سموها مفازه على طريق الفال.
و قيل: انها تسمى مفازه، من فوز اى هلك، فليس فى هذا البيت ذكر البليه، و لكن الخالع اخطا فى ايراده فى هذا الباب، كما اخطا فى هذا الباب ايضا فى ايراده قول مالك بن الريب: و عطل قلوصى فى الركاب فانها ستبرد اكبادا و تبكى بواكيا فظن ان ذلك من هذا الباب الذى نحن فيه، و لم يرد الشاعر ذلك، و انما اراد لاتركبوا راحلتى بعدى، و عطلوها بحيث لايشاهدها اعادى و اصادقى ذاهبه جائيه تحت راكبها، فيشمت العدو و يساء الصديق، و قد اخطا الخالع فى مواضع عده من هذا الكتاب، و اورد اشعارا فى غير موضعها، و ظنها مناسبه لما هو فيه، فمنها ما ذكرناه، و منها انه ذكر مذهب العرب فى الحلى و وضعه على اللديغ، و استشهد عليه بقول الشاعر: يلاقى من تذكر آل ليلى كما يلقى السليم من العداد و لا وجه لايراد هذا البيت فى هذا الموضع، فالعداد معاوده السم الملسوع فى كل سنه فى الوقت الذى لدغ فيه، و ليس هذا من باب الحلى بسبيل.
و من ذلك ايراده قول الفرزدق (غلبتك بالمفقى ء) فى باب فق ء عيون الفحول، اذا بلغت الابل الفا، و قد تقدم شرحنا لموضع الوهم فى ذلك.
و سنذكر هاهنا كثيرا من المواضع التى وهم فيها ان شاءالله.
و مما ورد عن العرب فى البليه قول بعضهم: ابنى زودنى اذا فارقتنى فى القبر راحله برحل فاتر للبعث اركبها اذا قيل اركبوا مستوثقين معا لحشر الحاشر و قال عويم النبهانى: ابنى لا تنسى البليه انها لابيك يوم نشوره مركوب و من تخيلات العرب و مذاهبها ما حكاه ابن الاعرابى، قال: كانت العرب اذا نفرت الناقه فسميت لها امها سكنت من النفار، قال الراجز: اقول و الوجناء بى تقحم ويلك قل ما اسم امها يا علكم علكم: اسم عبد له، و انما سال عبده ترفعا ان يعرف اسم امها، لان العبيد بالابل اعرف، و هم رعاتها.
و انشد السكرى: فقلت له ما اسم امها هات فادعها تجبك و يسكن روعها و نفارها و مما كانت العرب كالمجتمعه عليه الهامه، و ذلك انهم كانوا يقولون: ليس من ميت يموت و لايقتل، الا و يخرج من راسه هامه، فان كان قتل و لم يوخذ بثاره نادت الهامه على قبره: اسقونى، فانى صديه، و عن هذا قال النبى (ص): (لا هامه).
و حكى ان ابازيد كان يقول: الهامه مشدده الميم احدى هوام الارض، و انها هى المتلونه المذكوره.
و قيل: ان اباعبيد قال: ما ارى ابازيد حفظ هذا، و قد يسمونها الصدى و الجمع اصداء، قال: و كيف حياه اصداء و هام.
و قال ابوداود الايادى: سلط الموت و المنون عليهم فلهم فى صدى المقابر هام و قال بعضهم لابنه: و لا تزقون لى هامه فوق مرقب فان زقاء الهام للمرء عائب تنادى الا اسقونى و كل صدى به و تلك التى تبيض منها الذوائب يقول له: لاتترك ثارى ان قتلت، فانك ان تركته صاحت هامتى: اسقونى، فان كل صدى- و هو هاهنا العطش- بابيك، و تلك التى تبيض منها الذوائب، لصعوبتها و شدتها، كما يقال: امر يشيب راس الوليد، و يحتمل ان يريد به صعوبه الامر عليه، و هو مقبور اذا لم يثار به، و يحتمل ان يريد به صعوبه الامر على ابنه، يعنى ان ذلك عار عليك، و قال ذو الاصبع: يا عمرو الا تدع شتمى و منقصتى اضربك حيث تقول الهامه اسقونى و قال آخر: فيا رب ان اهلك و لم ترو هامتى بليلى امت لا قبر اعطش من قبرى و يحتمل هذا البيت ان يكون خارجا عن هذا المعنى الذى نحن فيه، و ان يكون رى هامته الذى طلبه من ربه هو وصال ليلى و هما فى الدنيا.
و هم يكنون عما يشفيهم بانه يروى هامهتم.
و قال مغلس الفقسى: و ان اخاكم قد علمت مكانه بسفح قبا تسفى عليه الاعاصر له هامه تدعو اذا الليل جنها بنى عامر هل للهلالى ثائر و قال توبه بن الحمير: و لو ان ليلى الاخيليه سلمت على و دونى جندل و صفائح لسلمت تسليم البشاشه اوزقا اليها صدى من جانب القبر صائح و قال قيس بن الملوح و هو المجنون: و لو تلتقى اصداونا بعد موتنا و من دوننا رمس من الارض انكب لظل صدى رمسى و ان كنت رمه لصوت صدى ليلى يهش و يطرب و قال حميد بن ثور: الا هل صدى ام الوليد مكلم صداى اذا ما كنت رمسا و اعظما و مما ابطله الاسلام قول العرب بالصفر، زعموا ان فى البطن حيه اذا جاع الانسان عضت على شرسوفه و كبده، و قيل: هو الجوع بعينه، ليس انها تعض بعد حصول الجوع، فاما لفظ الحديث: (لا عدوى و لا هامه و لا صفر و لا غول)، فان اباعبيده معمر بن المثنى قال: هو صفر الشهر الذى بعد الم حرم، قال: نهى (ع) عن تاخيرهم المحرم الى صفر، يعنى ما كانوا يفعلونه من النسى ء، و لم يوافق احد من العلماء اباعبيده على هذا التفسير، و قال الشاعر: لا يتارى لما فى القدر يرقبه و لا يعض على شرسوفه الصفر و قال بعض شعراء بنى عبس يذكر قيس بن زهير لما هجر الناس و سكن الفيافى و انس بالوحش، ثم راى ليله نارا فعشا اليها، فشم عندها قتار اللحم، فنازعته شهوته، فغلبها و قهرها، و مال الى شجره سلم فلم يزل يكدمها و ياكل من خبطها الى ان مات: ان قيسا كان ميتته كرم و الحى منطلق شام نارا بالهوى فهوى و شجاع البطن يختفق فى دريس ليس يستره رب حر ثوبه خلق و قوله: (بالهوى) اسم موضع بعينه.
و قال ابوالنجم العجلى: انك يا خير فتى نستعدى على زمان مسنت بجهد عضا كعض صفر بكبد و قال آخر: ارد شجاع البطن قد تعلمينه و اوثر غيرى من عيالك بالطعم و من خرافات العرب ان الرجل منهم كان اذا اراد دخول قريه فخاف وبائها او جنها، وقف على بابها، قبل ان يدخلها فنهق نهيق الحمار، ثم علق عليه كعب ارنب، كان ذلك عوذه له و رقيه من الوباء و الجن، و يسمون هذا النهيق التعشير، قال شاعرهم: و لاينفع التعشير ان حم واقع و لازعزع و لا كعب ارنب و ق ال الهيثم بن عدى: خرج عروه بن الورد الى خيبر فى رفقه ليمتاروا، فلما قربوا منها عشروا، و عاف عروه ان يفعل فعلهم، و قال: لعمرى لئن عشرت من خيفه الردى نهاق حمير اننى لجزوع فلا والت تلك النفوس و لا اتت قفولا الى الاوطان و هى جميع و قالوا الا انهق لاتضرك خيبر و ذلك من فعل اليهود ولوع الولوع بالضم: الكذب، ولع الرجل اذا كذب، فيقال ان رفقته مرضوا و مات بعضهم، و نجا عروه من الموت و المرض.
و قال آخر: لاينجينك من حمام واقع كعب تعلقه و لاتعشير و يشابه هذا ان الرجل منهم كان اذا ضل فى فلاه قلب قميصه، و صفق بيديه كانه يومى ء بهما الى انسان فيهتدى، قال اعرابى: قلبت ثيابى و الظنون تجول بى و ترمى برحلى نحو كل سبيل فلايا بلاى ما عرفت جليتى و ابصرت قصدا لم يصب بدليل و قال ابوالعملس الطائى: فلو ابصرتنى بلوى بطان اصفق بالبنان على البنان فاقبلت تاره خوفا ردائى و اصرخ تاره بابى فلان لقلت ابوالعملس قد دهاه من الجنان خالعه العنان و الاصل فى قلب الثياب التفاول بقلب الحال، و قد جاء فى الشريعه الاسلاميه نحو ذلك فى الاستسقاء.
و من مذاهب العرب ان الرجل منهم كان اذا سافر عمد الى خيط فعقده فى غصن شجره او فى ساقها، فاذا عاد نظر الى ذلك الخيط، فان وجده بحاله علم ان زوجته لم تخنه، و ان لم يجده او وجده محلولا، قال: قد خانتنى، و ذلك العقد يسمى الرتم، و يقال: بل كانوا يعقدون طرفا من غصن الشجره بطرف غصن آخر، و قال الراجز: هل ينفعنك اليوم ان همت بهم كثره ما توصى و تعقاد الرتم و قال آخر: خانته لما رات شيبا بمفرقه و غره حلفها و العقد للرتم و قال آخر: لا تحسبن رتائما عقدتها تنبيك عنها باليقين الصادق و قال آخر: يعلل عمرو بالرتائم قلبه و فى الحى ظبى قد احلت محارمه فما نفعت تلك الوصايا و لا جنت عليه سوى ما لا يحب رتائمه و قال آخر: ماذا الذى تنفعك الرتائم اذ اصبحت و عشقها ملازم و هى على لذاتها تداوم يزورها طب الفواد عارم بكل ادواء النساء عالم و قد كانوا يعقدون الرتم للحمى، و يرون ان من حلها انتقلت الحمى اليه، و قال الشاعر: حللت رتيمه فمكثت شهرا اكابد كل مكروه الدواء و قال ابن السكيت: ان العرب كانت تقول: ان المراه المقلات و هى التى لايعيش لها ولد، اذا وطئت القتيل الشريف عاش ولدها، قال بشر بن ابى خازم: تظل مقاليت النساء تطانه يقلن الا يلقى على المرء مئزر و قال ابوعبيده: تتخطاه المقلات سب ع مرات، فذلك و طوها له.
و قال ابن الاعرابى: يمرون به و يطئون حوله و قيل: انما كانوا يفعلون ذلك بالشريف يقتل غدرا او قودا.
و قال الكميت: و تطيل المرزآت المقالي ت اليه القعود بعد القيام و قال الاخر: تركنا الشعثمين برمل خبت تزورهما مقاليت النساء و قال الاخر: بنفسى التى تمشى المقاليت حوله يطاف له كشحا هضيما مهشما و قال آخر: تباشرت المقالت حين قالوا ثوى عمرو بن مره بالحفير و من تخيلات العرب و خرافاتها، ان الغلام منهم كان اذا سقطت له سن اخذها بين السبابه و الابهام و استقبل الشمس اذا طلعت و قذف بها، و قال: يا شمس ابدلينى بسن احسن منها، و ليجر فى ظلمها اياتك، او تقول: (اياوك)، و هما جميعا شعاع الشمس، قال طرفه: سقته اياه الشمس و الى هذا الخيال اشار شاعرهم بقوله: شادن يجلو اذا ما ابتسمت عن اقاح كاقاح الرمل غر بدلته الشمس من منبته بردا ابيض مصقول الاشر و قال آخر: و اشنب واضح عذب الثنايا كان رضابه صافى المدام كسته الشمس لونا من سناها فلاح كانه برق الغمام و قال آخر: بذى اشر عذب المذاق تفردت به الشمس حتى عاد ابيض ناصعا و الناس اليوم فى صبيانهم على هذا المذهب.
و كانت العرب تعتقد ان دم ال رئيس يشفى من عضه الكلب الكلب، و قال الشاعر: بناه مكارم و اساه جرح دماوهم من الكلب الشفاء و قال عبدالله بن الزبير الاسدى: من خير بيت علمناه و اكرمه كانت دماوهم تشفى من الكلب و قال الكميت: احلامكم لسقام الجهل شافيه كما دماوكم تشفى من الكلب و من تخيلات العرب انهم كانوا اذا خافوا على الرجل الجنون و تعرض الارواح الخبيثه له نجسوه بتعليق الاقذار عليه، كخرقه الحيض و عظام الموتى، قالوا: و انفع من ذلك ان تعلق عليه طامث عظام موتى، ثم لا يراها يومه ذلك، و انشدوا للمزق العبدى: فلو ان عندى جارتين و راقيا و علق انجاسا على المعلق قالوا: و التنجيس يشفى الا من العشق، قال اعرابى: يقولون علق يا لك الخير رمه و هل ينفع التنجيس من كان عاشقا! و قالت امراه- و قد نجست ولدها فلم ينفعه و مات: نجسته لو ينفع التنجيس و الموت لا تفوته النفوس و كان ابومهديه يعلق فى عنقه العظام و الصوف حذر الموت، و انشدوا: اتونى بانجاس لهم و منجس فقلت لهم ما قدر الله كائن و من مذاهبهم ان الرجل منهم كان اذا خدرت رجله ذكر من يحب او دعاه فيذهب خدرها.
و روى ان عبدالله بن عمر خدرت رجله، فقيل له: ادع احب الناس اليك، فقال: يا رسول الله.
و قال الشاعر: على ان رجلى لا يزال امذلالها مقيما بها حتى اجيلك فى فكرى و قال كثير: اذا مذلت رجلى ذكرتك اشتفى بدعواك من مذل بها فيهون و قال جميل: و انت لعينى قره حين نلتقى و ذكرك يشفينى اذا خدرت رجلى و قالت امراه: اذا خدرت رجلى دعوت ابن مصعب فان قلت عبدالله اجلى فتورها و قال آخر: صب محب اذا ما رجله خدرت نادى كبيشه حتى يذهب الخدر و قال المومل: و الله ما خدرت رجل و لا عثرت الا ذكرتك حتى يذهب الخدر و قال الوليد بن يزيد: اثيبى هائما كلفا معنى اذا خدرت له رجل دعاك و نظير هذا الوهم ان الرجل منهم كان اذا اختلجت عينه قال: ارى من احبه، فان كان غائبا توقع قدومه، و ان كان بعيدا توقع قربه.
و قال بشر: اذا اختلجت عينى اقول لعلها فتاه بنى عمرو بها العين تلمع و قال آخر: اذا اختلجت عينى تيقنت اننى اراك و ان كان المزار بعيدا و قال آخر: اذا اختلجت عينى اقول لعلها لرويتها تهتاج عينى و تطرف و هذا الوهم باق فى الناس اليوم.
و من مذاهبهم ان الرجل منهم كان اذا عشق و لم يسل و افرط عليه العشق حمله رجل على ظهره كما يحمل الصبى، و قام آخر فاحمى حديده او ميلا، و كوى به بين اليتيه فيذهب عشقه فيما يزع مون.
و قال اعرابى: كويتم بين رانفتى جهلا و نار القلب يضرمها الغرام و قال آخر: شكوت الى رفيقى اشتياقى فجائانى و قد جمعا دواء و جائا بالطبيب ليكويانى و لاابغى عدمتهما اكتواء و و لو اتيا بسلمى حين جائا لعاضانى من السقم الشفاء و استشهد الخالع على هذا المعنى بقول كثير: اغاضر لو شهدت غداه بنتم حنو العائدات على وسادى اويت لعاشق لم ترحميه بواقده تلذع بالزناد هذا البيت ليس بصريح فى هذا الباب، و يحتمل ان يكون مراده فيه المعنى المشهور المطروق بين الشعراء من ذكر حراره الوجد و لذعه، و تشبيهه بالنار، الا انه قد روى فى كتابه خبرا يوكد المقصد الذى عزاه و ادعاه، و هو عن محمد بن سليمان ابن فليح، عن ابيه، عن جده، قال: كنت عند عبدالله بن جعفر، فدخل عليه كثير و عليه اثر عله، فقال عبدالله: ما هذا بك؟ قال: هذا ما فعلت بى ام الحويرث، ثم كشف عن ثوبه و هو مكوى، و انشد: عفا الله عن ام الحويرث ذنبها علام تعنينى و تكمى دوائيا! و لو آذنونى قبل ان يرقموا بها لقلت لهم ام الحويرث دائيا و من اوهامهم و تخيلاتهم انهم كانوا يزعمون ان الرجل اذا احب امراه و احبته فشق برقعها، و شقت ردائه، صلح حبهما و دام، فان لم يفع لا ذلك فسد حبهما، قال سحيم عبد بنى الحسحاس: و كم قد شفقنا من رداء محبر و من برقع عن طفله غير عابس اذا شق برد شق بالبرد برقع دواليك حتى كلنا غير لابس نروم بهذا الفعل بقيا على الهوى و الف الهوى يغرى بهذى الوساوس و قال آخر: شققت ردائى يوم برقه عالج و امكننى من شق برقعك السحقا فما بال هذا الود يفسد بيننا و يمحق حبل الوصل ما بيننا محقا! و من مذاهبهم انهم كانوا يرون ان اكل لحوم السباع تزيد فى الشجاعه و القوه، و هذا مذهب طبى، و الاطباء يعتقدونه، قال بعضهم: ابا المعارك لاتتعب باكلك ما تظن انك تلفى منه كرارا فلو اكلت سباع الارض قاطبه ما كنت الا جبان القلب خوارا و قال بعض الاعراب- و اكل فواد الاسد ليكون شجاعا- فعدا عليه نمر فجرحه: اكلت من الليث الهصور فواده لاصبح اجرى منه قلبا و اقدما فادرك منى ثاره بابن اخته فيا لك ثارا ما اشد و اعظما! و قال آخر: اذا لم يكن قلب الفتى غدوه الوغى اصم فقلب الليث ليس بنافع و ما نفع قلب الليث فى حومه الوغى اذا كان سيف المرء ليس بقاطع! و من مذاهبهم ان صاحب الفرس المهقوع اذا ركبه فعرق تحته اغتلمت امراته و طمحت الى غيره، و الهقعه: دائره تكون بالفرس ، و ربما كانت على الكتف فى الاكثر، و هى مستقبحه عندهم، قال بعضهم لصاحبه: اذا عرق المهقوع بالمرء انعظت حليلته و ازداد حر عجانها فاجابه صاحبه: قد يركب المهقوع من ليس مثله و قد يركب المهقوع زوج حصان و من مذاهبهم انهم كانوا يوقدون النار خلف المسافر الذى لايحبون رجوعه، يقولون فى دعائهم: ابعده الله و اسحقه، و اوقد نارا اثره! قال بعضهم: صحوت و اوقدت للجهل نارا و رد عليك الصبا ما استعارا و كانوا اذا خرجوا الى الاسفار اوقدوا نارا بينهم و بين المنزل الذى يريدونه، و لم يوقدوها بينهم و بين المنزل الذى خرجوا منه تفاولا بالرجوع اليه.
و من مذاهبهم المشهوره تعليق كعب الارنب، قال ابن الاعرابى: قلت لزيد بن كثوه: اتقولون: ان من علق عليه كعب ارنب لم تقربه جنان الدار، و لا عمار الحى؟ قال: اى و الله، و لا شيطان الخماطه و لا جار العشيره، و لا غول القفر.
و قال امرو القيس: ايا هند لاتنكحى بوهه عليه عقيقته احسبا مرسعه بين ادباقه به عسم يبتغى ارنبا ليجعل فى رجله كعبها حذار المنيه ان يعطبا و الخماطه: شجره، و العشيره: تصغير العشره، و هى شجره ايضا.
و قال ابومحلم: كانت العرب تعلق على الصبى سن ثعلب و سن هره خوفا من الخطفه و النظره، و يقولون: ان جنيه ارادت صبى قوم فلم تقدر عليه، فلامها قومها من الجن فى ذلك، فقالت تعتذر اليهم: كان عليه نفره ثعالب و هرره و الحيض حيض السمره و السمره شى ء يسيل من السمر كدم الغزال، و كانت العرب اذا ولدت المراه اخذوا من دم السمر- و هو صمغه الذى يسيل منه- ينقطونه بين عينى النفساء، و خطوا على وجه الصبى خطا، و يسمى هذا الصمغ السائل من السمر الدودم، و يقال بالذال المعجمه ايضا، و تسمى هذه الاشياء التى تعلق على الصبى: النفرات.
قال عبدالرحمن بن اخى الاصمعى: ان بعض العرب قال لابى: اذا ولد لك ولد فنفر عنه، فقال له: ابى، و ما التنفير؟ قال: غرب اسمه، فولد له ولد فسماه قنفذا، و كناه اباالعداء، قال: و انشد ابى: كالخمر مزج دوائها منها بها تشفى الصداع و تبرى ء المنجودا قال: يريد ان القنفذ من مراكب الجن، فداوى منهم ولده بمراكبهم.
و من مذاهبهم ان الرجل منهم كان اذا ركب مفازه و خاف على نفسه من طوارق الليل عمد الى وادى شجر فاناخ راحلته فى قرارته، و عقلها و خط عليها خطا ثم قال: اعوذ بصاحب هذا الوادى، و ربما قال: بعظيم هذا الوادى، و عن هذا قال الله سبحانه فى القرآن: (و انه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا).
و استعاذ رجل منهم و معه ولد فاكله الاسد، فقال: قد استعذنا بعظيم الوادى من شر ما فيه من الاعادى فلم يجرنا من هزبر عاد و قال آخر: اعوذ من شر البلاد البيد بسيد معظم مجيد اصبح ياوى بلوى زرد ذى عزه و كاهل شديد و قال آخر: يا جن اجراع اللوى من عالج عاذ بكم سارى الظلام الدالج لا ترهقوه بغوى هائج و قال آخر: قد بت ضيفا لعظيم الوادى المانعى من سطوه الاعادى راحلتى فى جاره و زادى و قال آخر: هيا صاحب الشجراء هل انت مانعى فانى ضيف نازل بفنائكا و انك للجنان فى الارض سيد و مثلك آوى فى الظلام الصعالكا و من مذاهبهم ان المسافر اذا خرج من بلده الى آخر فلاينبغى له ان يلتفت، فانه اذا التفت عاد، فلذلك لايلتفت الا العاشق الذى يريد العود، قال بعضهم: دع التلفت يا مسعود و ارم بها وجه الهواجر تامن رجعه البلد و قال آخر انشده الخالع: عيل صيرى بالثعلبيه لما طال ليلى و ملنى قرنائى كلما سارت المطايا بنامي لا تنفست و التفت ورائى هذان البيتان ذكرهما الخالع فى هذا الباب، و عندى انه لا دلاله فيهما على ما اراد، لان التلفت فى اشعارهم كثير، و مرادهم به الابانه و الاعراب عن كثره ال شوق، و التاسف على المفارقه، و كون الراحل عن المنزل حيث لم يمكنه المقام فيه بجثمانه يتبعه بصره، و يتزود من رويته، كقول الرضى رحمه الله: و لقد مررت على طلولهم و رسومهم بيد البلى نهب فوقفت حتى ضج من لغب نضوى و لج بعذلى الركب و تلفتت عينى فمذ خفيت عنى الطلول تلفت القلب و ليس يقصد بالتلفت هاهنا التفاول بالرجوع اليها، لان رسومها قد صارت نهبا ليد البلى، فاى فائده فى الرجوع اليها! و انما يريد ما قدمنا ذكره من الحنين و التذكر لما مضى من ايامه فيها، و كذلك قول الاول: تلفت نحو الحى حتى وجدتنى وجعت من الاصغاء ليتا و اخدعا و مثل ذلك كثير، و قال بعضهم فى المذهب الاول: تلفت ارجو رجعه بعد نيه فكان التفاتى زائدا فى بلائيا اارجو رجوعا بعد ما حال بيننا و بينكم حزن الفلا و الفيافيا! و قال آخر، و قد طلق امراته فتلفتت اليه: تلفت ترجو رجعه بعد فرقه و هيهات مما ترتجى ام مازن! الم تعلمى انى جموح عنانه اذا كان من اهواه غير ملاين و من مذاهبهم، اذا بثرت شفه الصبى حمل منخلا على راسه، و نادى بين بيوت الحى: الحلا الحلا، الطعام الطعام، فتلقى له النساء كسر الخبز و اقطاع التمر و اللحم فى المنخل، ثم يلقى ذلك لل كلاب فتاكله فيبرا من المرض، فان اكل صبى من الصبيان من ذلك الذى القاه للكلاب تمره او لقمه او لحمه اصبح و قد بثرت شفته.
و انشد لامراه: الا حلا فى شفه مشقوقه فقد قضى منخلنا حقوقه و من مذاهبهم ان الرجل منهم كان اذا طرفت عينه بثوب آخر مسح الطارف عين المطروف سبع مرات، يقول: فى الاولى: باحدى جائت من المدينه، و فى الثانيه: باثنتين جائتا من المدينه، و فى الثالثه بثلاث جئن من المدينه، الى ان يقول فى السابعه: بسبع جئن من المدينه، فتبرا عين المطروف.
و فيهم من يقول: باحدى من سبع جئن من المدينه، باثنتين من سبع الى ان يقول بسبع من سبع.
و من مذاهبهم ان المراه منهم كان اذا عسر عليها خاطب النكاح نشرت جانبا من شعرها، و كحلت احدى عينيها مخالفه للشعر المنشور، و حجلت على احدى رجليها و يكون ذلك ليلا، و تقول: يا لكاح، ابغى النكاح، قبل الصباح، فيسهل امرها و تتزوج عن قرب، قال رجل لصديقه و قد راى امراه تفعل ذلك: اما ترى امك تبغى بعلا قد نشرت من شعرها الاقلا و لم توف مقلتيها كحلا ترفع رجلا و تحط رجلا هذا و قد شاب بنوها اصلا و اصبح الاصغر منهم كهلا خذ القطيع ثم سمها الذلا ضربا به تترك هذا الفعلا و قال آخر: قد كحلت ع ينا و اعفت عينا و حجلت و نشرت قرينا تظن زينا ما تراه شينا و قال آخر: تصنعى ما شئت ان تصنعى و كحلى عينيك او لا فدعى ثم احجلى فى البيت او فى المجمع ما لك فى بعل ارى من مطمع و من مذاهبهم كانوا اذا رحل الضيف او غيره عنهم و احبوا الا يعود كسروا شيئا من الاوانى ورائه، و هذا مما تعمله الناس اليوم ايضا، قال بعضهم: كسرنا القدر بعد ابى سواح فعاد و قدرنا ذهبت ضياعا و قال آخر: و لا نكسر الكيزان فى اثر ضيفنا و لكننا نقفيه زادا ليرجعا و قال آخر: اما و الله ان بنى نفيل لحلالون بالشرف اليفاع اناس ليس تكسر خلف ضيف اوانيهم و لا شعب القصاع و من مذاهبهم قولهم: ان من ولد فى القمراء تقلصت غرلته، فكان كالمختون.
و يجوز عندنا ان يكون ذلك من خواص القمر، كما ان من خواصه ابلاء الكتان، و انتان اللحم، و قد روى عن اميرالمومنين (ع): اذا رايت الغلام طويل الغرله فاقرب به من السودد، و اذا رايته قصير الغرله كانما ختنه القمر فابعد به.
و قال امرو القيس لقيصر، و قد دخل معه الحمام فرآه اقلف: انى حلفت يمينا غير كاذبه لانت اغلف الا ما جنى القمر و من مذاهبهم التشاوم بالعطاس قال امرو القيس: و قد اغتدى قبل العطاس بهيكل و قال آخر: و خرق اذا وجهت فيه لغزوه مضيت و لم يحبسك عنه العواطس و من مذاهبهم قولهم فى الدعاء: لا عشت الا عيش القراد! يضربونه مثلا فى الشده و الصبر على المشقه، و يزعمون ان القراد يعيش ببطنه عاما و بظهره عاما، و يقولون: انه يترك فى طينه و يرمى بها الحائط فيبقى سنه على بطنه، و سنه على ظهره و لايموت قال بعضهم: فلا عشت الا كعيش القرا د عاما ببطن و عاما بظهر و من مذاهبهم، كانت النساء اذا غاب عنهن من يحببنه اخذن ترابا من موضع رجله كانت العرب تزعم ان ذلك اسرع لرجوعه.
و قالت امراه من العرب- و اقتبضت من اثره: يا رب انت جاره فى سفره و جار خصييه و جار ذكره و قالت امراه: اخذت ترابا من مواطى ء رجله غداه غدا كيما يووب مسلما و من مذاهبهم، انهم كانوا يسمون العشا فى العين الهدبد، و اصل الهدبد، اللبن الخاثر، فاذا اصاب احدهم ذلك عمد الى سنام فقطع منه قطعه و من الكبد قطعه، و قلاهما، و قال عند كل لقمه ياكلها بعد ان يمسح جفنه الاعلى بسبابته: فيا سناما و كبد الا اذهبا بالهدبد ليس شفاء الهدبد الا السنام و الكبد قال: فيذهب العشا بذلك.
و من مذاهبهم اعتقادهم ان الورل و القنفذ و الارنب و الظبى و اليربوع و النعا م مراكب الجن يمتطونها، و لهم فى ذلك اشعار مشهوره، و يزعمون انهم يرون الجن و يظاهرونهم و يخاطبونهم، و يشاهدون الغول، و ربما جامعوها و تزوجوها، و قالوا: ان عمرو بن يربوع تزوج الغول و اولدها بنين، و مكثت عنده دهرا، فكانت تقول له: اذا لاح البرق من جهه بلادى- و هى جهه كذا- فاستره عنى، فانى ان لم تستره عنى تركت ولدك عليك، و طرت الى بلاد قومى، فكان عمرو بن يربوع كلما برق البرق غطى وجهها بردائه فلا تبصره، و الى هذا المعنى اشار ابوالعلاء المعرى فى قوله يذكر الابل و حنينها الى البرق: طربن لضوء البارق المتعالى ببغداد وهنا ما لهن و ما لى سمت نحوه الابصار حتى كانها بناريه من هنا و ثم صوالى اذا طال عنها سرها لو رئوسها تمد اليه فى صدور عوالى تمنت قويقا و الصراه امامها تراب لها من اينق و جمال اذا لاح ايماض سترت وجوهها كانى عمرو و المطى سعالى و كم هم نضو ان يطير مع الصبا الى الشام لو لا حبسه بعقالى قالوا: فغفل عمرو بن يربوع عنها ليله و قد لمع البرق فلم يستر وجهها، فطارت و قالت له و هى تطير: امسك بنيك عمرو انى آبق برق على ارض السعالى آلق و منهم من يقول: ركبت بعيرا و طارت عليه- اى اسرعت- فلم يدركها.
و عن هذا قال الشاعر: راى برقا فاوضع فوق بكر فلا بك ما اسال و لا اغاما قال: فبنو عمرو بن يربوع الى اليوم يدعون بنى السعلاه، و لذلك قال الشاعر يهجوهم: يا قبح الله بنى السعلاه عمرو بن يربوع شرار النات ليسوا بابطال و لا اكيات فابدل السين تاء، و هى لغه قوم من العرب.
و من مذاهبهم فى الغول قولهم: انها اذا ضربت ضربه واحده بالسيف هلكت، فان ضربت ثانيه عاشت، و الى هذا المعنى اشار الشاعر بقوله: فقالت ثن قلت لها رويدا مكانك اننى ثبت الجنان و كانت العرب تسمى اصوات الجن العزيف و تقول: ان الرجل اذا قتل قنفذا او ورلا لم يامن الجن على فحل ابله، و اذا اصاب ابله خطب او بلاء حمله على ذلك، و يزعمون انهم يسمعون الهاتف بذلك، و يقولون مثله فى الجان من الحيات، و قتله عندهم عظيم.
و راى رجل منهم جانا فى قعر بئر لايستطيع الخروج منها، فنزل و اخرجه منها على خطر عظيم، و غمض عينيه لئلا يرى اين يدخل، كانه يريد بذلك التقرب الى الجن.
و قال ابوعثمان الجاحظ: و كانوا يسمون من يجاور منهم الناس عامرا، و الجمع عمار، فان تعرض للصبيان فهو روح، فان خبث و تعرم فهو شيطان، فان زاد على ذلك فهو مارد، فان زاد على ذلك فى القوه فهو عفريت، فان طهر و لطف و صار خيرا كله فهو ملك، و يفاضلون بينهم، و يعتقدون مع كل شاعر شيطانا، و يسمونهم باسماء مختلفه قال ابوعثمان: و فى النهار ساعات يرى فيها الصغير كبيرا و يوجد لاوساط الفيافى و الرمال و الحرار مثل الدوى، و هو طبع ذلك الوقت، قال ذو الرمه: اذا قال حادينا لترنيم نباه صه لم يكن الا دوى المسامع و قال ابوعثمان ايضا فى الذين يذكرون عزيف الجن و تغول الغيلان: ان اثر هذا الامر و ابتداء هذا الخيال ان القوم لما نزلوا بلاد الوحش عملت فيهم الوحشه، و من انفرد و طال مقامه فى البلاد الخلاء استوحش، و لا سيما مع قله الاشغال و فقد المذاكرين، و الوحده لاتقطع ايامها الا بالتمنى و الافكار، و ذلك احد اسباب الوسواس.
و من عجائب اعتقادات العرب و مذاهبها اعتقادهم فى الديك و الغراب و الحمامه و ساق حر- و هو الهديل- و الحيه، فمنهم من يعتقد ان للجن بهذه الحيوانات تعلقات، و منهم من يزعم انها نوع من الجن، و يعتقدون ان سهيلا و الزهره الضب و الذئب و الضبع مسوخ، و من اشعارهم فى مراكب الجن قول بعضهم فى قنفذ رآه ليلا: فما يعجب الجنان منك عدمتهم و فى الاسد افراس لهم و نجائب ايسرج يربوع و يلجم قنفذ لقد اعوزتكم ما علمت النجائب! فان كان ت الجنان جنت فبالحرى لا ذنب للاقوام و الله غالب و من الشعر المنسوب الى الجن: و كل المطايا قد ركبنا فلم نجد الذ و اشهى من ركوب الارانب و من عضر فوط عن لى فركبته ابادر سربا من عطاء قوارب و قال اعرابى يكذب بذلك: ايستمع الاسرار راكب قنفذ لقد ضاع سر الله يا ام معبد! و من اشعارهم و احاديثهم فى روايه الجن و خطابهم و هتافهم ما رواه ابوعثمان الجاحظ لسمير بن الحارث الضبى: و نار قد حضات بعيد وهن بدار لااريد بها مقاما سوى تحليل راحله و عين اكالئها مخافه ان تناما اتوا نارى فقلت منون انتم؟ فقالوا الجن قلت عموا ظلاما و يزعمون ان عمير بن ضبيعه راى غلمانا ثلاثه يلعبون نهارا، فوثب غلام منهم فقام على عاتقى صاحبه، و وثب الاخر، فقام على عاتقى الاعلى منهما، فلما رآهم كذلك حمل عليهم فصدمهم فوقعوا على ظهورهم و هم يضحكون، فقال عمير بن ضبيعه: فما مررت يومئذ بشجره الا و سمعت من تحتها ضحكا، فلما رجع الى منزله مرض اربعه اشهر.
و حكى الاصمعى عن بعضهم انه خرج هو و صاحب له يسيران، فاذا غلام على الطريق، فقالا له: من انت؟ قال: انا مسكين قد قطع بى فقال احدهما لصاحبه: اردفه خلفك، فاردفه، فالتفت الاخر اليه فراى فمه يتا جج نارا، فشد عليه بالسيف فذهبت النار فرجع عنه، ثم التفت فراى فمه يتاجج نارا فشد عليه فذهبت النار، ففعل ذلك مرارا، فقال ذلك الغلام: قاتلكما الله! ما اجلدكما! و الله ما فعلتها بادمى الا و انخلع فواده، ثم غاب عنهما فلم يعلما خبره.
و قال ابوالبلاد الطهوى- و يروى لتابط شرا: لهان على جهينه ما الاقى من الروعات يوم رحا بطان لقيت الغول تسرى فى ظلام بسهب كالعبائه صحصحان فقلت لها: كلانا نقض ارض اخو سفر فخلى لى مكانى فشدت شده نحوى فاهوى لها كفى بمصقول يمانى فقالت: زد فقلت: رويد انى على امثالها ثبت الجنان و الذين يروون هذا الشعر لتابط شرا يروون اوله: الا من مبلغ فتيات جهم بما لاقيت عند رحا بطان بانى قد لقيت الغول تلوى بمرت كالصحيفه صحصحان فصدت فانتحيت لها بعضب حسام غير موتشب يمانى فقد سراتها و البرك منها فخرت لليدين و للجران فقالت: ثن قلت: لها رويدا مكانك اننى ثبت الجنان و لم انفك مضطجعا لديها لانظر مصبحا ماذا دهانى اذا عينان فى راس دقيق كراس الهر مشقوق اللسان و ساقا مخدج و لسان كلب وثوب من عباء او شنان و قال البهرانى: و تزوجت فى الشبيبه غولا بغزال و صدقتى زق خمر و قال الجاحظ: اصدقها الخمر لطيب ريحها، و الغزال لانه من مراكب الجن.
و قال ابوعبيد بن ايوب العنبرى احد لصوص العرب: تقول- و قد الممت بالانس لمه مخضبه الاطراف خرس الخلاخل اهذا خدين الغول و الذئب و الذى يهيم بربات الحجال الهراكل! رات خلق الدرسين اسود شاحبا من القوم بساما كريم الشمائل تعود من آبائه فتكاتهم و اطعامهم فى كل غبراء شامل اذا صاد صيدا لفه بضرامه وشيكا و لم ينظر لغلى المراجل و نهسا كنهس الصقر ثم مراسه بكفيه راس الشيخه المتمائل و من هذه الابيات: اذا ما اراد الله ذل قبيله رماها بتشتيت الهوى و التخاذل و اول عجز القوم عما ينوبهم تقاعدهم عنه و طول التواكل و اول خبث الماء خبث ترابه و اول لوم القوم لوم الحلائل و هذا الشعر من جيد شعر العرب، و انما كان غرضنا منه متعلقا باوله، و ذكرنا سائره لما فيه من الادب.
و قال عبيد بن ايوب ايضا فى المعنى الذى نحن بصدده: و صار خليل الغول بعد عداوه صفيا و ربته القفار البسابس و قال ايضا: فلله در الغول اى رفيقه لصاحب قفر فى المهامه يذعر ارنت بلحن بعد لحن و اوقدت حوالى نيرانا تلوح و تزهر و قال ايضا: و غولا قفره: ذكر و انثى كان عليهم ا قطع البجاد و قال ايضا: فقد لاقت الغزلان منى بليه و قد لاقت الغيلان منى الدواهيا و قال البهرانى فى قتل الغول: ضربت ضربه فصارت هباء فى محاق القمراء آخر شهر و قال ايضا، يزعم انه لما ثنى عليها الضرب عاشت: فثنيت و المقدار يحرس اهله فليت يمينى يوم ذلك شلت! و قال تابط شرا يصف الغول و يذكر انه راودها عن نفسها فامتنعت عليه فقتلها: فاصبحت و الغول لى جاره فيا جاره انت ما اغولا و طالبتها بضعها فالتوت فكان من الراى ان تقتلا فجللتها مرهفا صارما ابان المرافق و المفصلا فطار بقحف ابنه الجن ذا شقاشق قد اخلق المحملا فمن يك يسال عن جارتى فان لها باللوى منزلا عظائه ارض لها حلتا ن من ورق الطلح لم تغزلا و كنت اذا ما هممت ابتهلت و احرى اذا قلت ان افعلا و من اعاجيبهم انهم كانوا اذا طالت عله الواحد منهم و ظنوا ان به مسا من الجن، لانه قتل حيه او يربوعا او قنفذا، عملوا جمالا من طين، و جعلوا عليها جوالق، و ملئوها حنطه و شعيرا و تمرا، و جعلوا تلك الجمال فى باب جحر الى جهه المغرب وقت غروب الشمس، و باتوا ليلتهم تلك، فاذا اصبحوا نظروا الى تلك الجمال الطين، فان راوا انها بحالها قالوا: لم تقبل الديه، فزادوا فيها، و ان راوها قد تساقطت و تبدد ما عليها من الميره قالوا: قد قبلت الديه، و استدلوا على شفاء المريض و ضربوا بالدف، قال بعضهم: قالوا و قد طال عنائى و السقم احمل الى الجن جمالات و ضم فقد فعلت و السقام لم يرم فبالذى يملك برئى اعتصم و قال آخر: فيا ليت ان الجن جازوا جمالتى و زحزح عنى ما عنانى من السقم و يا ليتهم قالوا انطنا كل ما حوت يمينك فى حرب عماس و فى سلم اعلل قلبى بالذى يزعمونه فيا ليتنى عوفيت فى ذلك الزعم و قال آخر: ارى ان جنان النويره اصبحوا و هم بين غضبان على و آسف حملت و لم اقبل اليهم حماله تسكن عن قلب من السقم تالف و لو انصفوا لم يطلبوا غير حقهم و من لى من امثالهم بالتناصف! تغطوا بثوب الارض عنى و لو بدوا لاصبحت منهم آمنا غير خائف و كانوا اذا غم عليهم امر الغائب و لم يعرفوا له خبرا جائوا الى بئر عاديه او حفر قديم و نادوا فيه: يا فلان، او يا ابا فلان، ثلاث مرات، و يزعمون انه ان كان ميتا لم يسمعوا صوتا، و ان كان حيا سمعوا صوتا ربما توهموه وهما، او سمعوه من الصدى، فبنوا عليه عقيدتهم، قال بعضهم: دعوت ابا المغوار فى الجفر دعوه فما آض صوتى بالذى كنت داعيا اظن ا با المغوار فى قعر مظلم تجر عليه الذاريات السوافيا و قال: و كم ناديته و الليل ساج بعادى البئار فما اجابا و قال آخر: غاب فلم ارج له ايابا و الجفر لايرجع لى جوابا و ما قرات مذ ناى كتابا حتى متى استنشد الركابا عنه و كل يمنع الخطابا و قال آخر: الم تعلمى انى دعوت مجاشعا من الجفر و الظلماء باد كسورها فجاوبنى حتى ظننت بانه سيطلع من جوفاء صعب خدورها لقد سكنت نفسى و ايقنت انه سيقدم و الدنيا عجاب امورها و قال آخر: دعوناه من عاديه نضب ماوها و هدم جاليها اختلاف عصور فرد جوابا ما شككت بانه قريب الينا بالاياب يصير اقوى فى البيت الثانى، و سكن (نضب) ضروره كما قال: لو عصر منه البان و المسك انعصر و من اعاجيبهم انهم كانوا فى الحرب ربما اخرجوا النساء فيبلن بين الصفين، يرون ان ذلك يطفى ء نار الحرب و يقودهم الى السلم.
قال بعضهم: لقونا بابوال النساء جهاله و نحن نلاقيهم ببيض قواضب و قال آخر: بالت نساء بنى خراشه خيفه منا و ادبرت الرجال شلالا و قال آخر: بالت نساوهم و البيض قد اخذت منهم ماخذ يستشفى بها الكلب و هذان البيتان يمكن ان يراد بهما ان النساء يبلن خيفه و ذعرا، لا على المعنى الذى نحن فى ذكره، فاذن لايكون فيهما دلاله على المراد.
و قال الاخر: هيهات رد الخيل بالابوال اذا غدت فى صور السعالى و قال آخر: جعلوا السيوف المشرفيه منهم بول النساء و قل ذاك غناء فاما ذكرهم عزيف الجن فى المفاوز و السباسب فكثير مشهور، كقول بعضهم: و خرق تحدث غيطانه حديث العذارى باسرارها و قال آخر: و دويه سبسب سملق من البيد تعزف جنانها و قال الاعشى: و بهماء تعزف جناتها مناهلها آجنات سدم و قال: و بلده مثل ظهر الترس موحشه للجن بالليل فى حافاتها زجل و قال آخر: ببيداء فى ارجائها الجن تعزف و قال الشرقى بن القطامى: كان رجل من كلب- يقال له عبيد بن الحمارس- شجاعا، و كان نازلا بالسماوه ايام الربيع، فلما حسر الربيع، و قل ماوه، و اقلعت انواوه، تحمل الى وادى تبل، فراى روضه و غديرا، فقال: روضه و غدير، و خطب يسير، و انا لما حويت مجير، فنزل هناك، و له امراتان: اسم احداهما الرباب، و الاخرى خوله، فقالت له خوله: ارى بلده قفرا قليلا انيسها و انا لنخشى ان دجا الليل اهلها و قالت له الرباب: ارتك برايى فاستمع عنك قولها و لا تامنن جن العزيف و جهلها فقال مجيبا لهما: الست كميا فى الحروب مجربا شجاعا اذا شبت له الحرب محربا سريعا الى الهيجا اذا حمس الوغى فاقسم لا اعدو الغدير منكبا ثم صعد الى جبل تبل فراى شيهمه- و هى الانثى من القنافذ- فرماها فاقعصها و معها ولدها، فارتبطه، فلما كان الليل هتف به هاتف من الجن: يا بن الحمارس قد اسات جوارنا و ركبت صاحبنا بامر مفظع و عقرت لقحته و قدت فصيلها قودا عنيفا فى المنيع الارفع و نزلت مرعى شائنا و ظلمتنا و الظلم فاعله وخيم المرتع فلنطرقنك بالذى اوليتنا شر يجيئك ما له من مدفع فاجابه ابن الحمارس: يا مدعى ظلمى و لست بظالم اسمع لديك مقالتى و تسمع ان كنتم جنا ظلمتم قنفذا عقرت فشر عقيره فى مصرع لاتطمعوا فيما لدى فما لكم فيما حويت و حزته من مطمع فاجابه الجنى: يا ضارب اللقحه بالعضب الافل قد جائك الموت و اوفاك الاجل و ساقك الحين الى جن تبل فاليوم اقويت و اعيتك الحيل فاجابه ابن الحمارس: يا صاحب اللقحه هل انت بجل مستمع منى فقد قلت الخطل و كثره المنطق فى الحرب فشل هيجت قمقاما من القوم بطل ليث ليوث و اذا هم فعل لايرهب الجن و لا الانس اجل من كان بالعقوه من جن تبل قال: فسمعهما شيخ من الجن، فقال: لا و الله لانرى قتل انسان مثل هذا ثابت القلب ماضى العزيمه، فقام ذلك الشيخ و حمد الله تعالى ثم انشد: يابن الحمارس قد نزلت بلادنا فاصبت منها مشربا و مناما فبداتنا ظلما بعقر لقوحنا و اسات لما ان نطقت كلاما فاعمد لامر الرشد و اجتنب الردى انا نرى لك حرمه و ذماما و اغرم لصاحبنا لقوحا متبعا فلقد اصبت بما فعلت اثاما فاجابه ابن الحمارس: الله يعلم حيث يرفع عرشه انى لاكره ان اصيب اثاما اما ادعاوك ما ادعيت فاننى جئت البلاد و لااريد مقاما فاسمت فيها مالنا و نزلتها لاريح فيها ظهرنا اياما فليغد صاحبكم علينا نعطه ما قد سالت و لانراه غراما ثم غرم للجن لقوحا متبعا للقنفذ و ولدها.
و هذه الحكايه و ان كانت كذبا الا انها تتضمن ادبا، و هى من طرائف احاديث العرب فذكرناها لادبها و امتاعها، و يقال: ان الشرقى بن القطامى كان يصنع اشعارا و ينحلها غيره.
فاما مذهب العرب فى ان لكل شاعر شيطانا يلقى اليه الشعر فمذهب مشهور، و الشعراء كافه عليه، قال بعضهم: انى و ان كنت صغير السن و كان فى العين نبو عنى فان شيطانى امير الجن يذهب بى فى الشعر كل فن و قال حسان بن ثابت: اذا ما ترعرع فينا الغلام فما ان يقال له: من هوه؟ اذا لم يسد قبل شد الازار فذلك فينا الذى لا هوه و لى صاحب من بنى الشيصبان فطورا اقول و طوار هوه و كانوا يزعمون ان اسم شيطان الاعشى مسحل، و اسم شيطان المخبل عمرو، و قال الاعشى: دعوت خليلى مسحلا و دعوا له جهنام جدعا للهجين المذمم و قال آخر: لقد كان جنى الفرزدق قدوه و ما كان فينا مثل فحل المخبل و لا فى القوافى مثل عمرو و شيخه و لا بعد عمرو شاعر مثل مسحل و قال الفرزدق يصف قصيدته: كانها الذهب العقيان حبرها لسان اشعر خلق الله شيطانا و قال ابوالنجم: انى و كل شاعر من البشر شيطانه انثى و شيطانى ذكر و انشد الخالع فيما نحن فيه لبعض الرجاز: ان الشياطين اتونى اربعه فى غلس الليل و فيهم زوبعه و هذا لايدل على ما نحن بصدده من امر الشعر و القائه الى الانسان، فلا وجه لادخاله فى هذا الموضع.
و من مذاهبهم انهم كانوا اذا قتلوا الثعبان خافوا من الجن ان ياخذوا بثاره، فياخذون روثه و يفتونها على راسه، و يقولون: روثه راث ثائرك.
و قال بعضهم: طرحنا عليه الروث و الزجر صادق فراث علينا ثاره و الطوائل و قد يذر على الحيه المقتوله يسير رماد، و يقال لها: قتلك العين فلا ثار لك، و فى امثالهم لمن ذهب دمه هدرا: و هو قتيل العين، قال الشاعر: و لا اكن كقتيل العين وسطكم و لا ذبيحه تشريق و تنحار فاما مذهبهم فى الخرزات و الاحجار و الرقى و العزائم فمشهور، فمنها السلوانه- و يقال السلوه- و هى خرزه يسقى العاشق منها فيسلو فى زعمهم، و هى بيضاء شفافه، قال الراجز: لو اشرب السلوان ما سليت ما بى غنى عنكم و ان غنيت السلوان: جمع سلوانه.
و قال اللحيانى: السلوانه تراب من قبر يسقى منه العاشق فيسلو، و قال عروه ابن حزام: جعلت لعراف اليمامه حكمه و عراف نجد ان هما شفيانى فقالا نعم: نشفى من الداء كله و قاما مع العواد يبتدران فما تركا من رقيه يعرفانها و لا سلوه الا و قد سقيانى و قال آخر: سقونى سلوه فسلوت عنها سقى الله المنيه من سقانى اى سلوت عن السلوه و اشتد بى العشق و دام.
و قال الشمردل: و لقد سقيت بسلوه فكانما قال المداوى للخيال بها ازدد و من خرزاتهم الهنمه تجتلب بها الرجال و تعطف بها قلوبهم، و رقيتها: اخذته بالهنمه، بالليل زوج و بالنهار امه.
و منها الفطسه و القبله و الدردبيس، كلها لاجتلاب قلوب الرجال، قال الشاعر: جمعن من قبل لهن و فطسه و الدردبيس تمائما فى منظم فانقاد كل مشذب مرس القوى لحبالهن و كل جلد شيظم و قيل: الدردبيس خرزه سوداء يتح بب بها النساء الى بعولتهن، توجد فى القبور العاديه، و رقيتها: اخذته بالدردبيس، تدر العرق اليبيس، و تذر الجديد كالدريس، و انشد: قطعت القيد و الخرزات عنى فمن لى من علاج الدردبيس! و اصل الدردبيس الداهيه، و نقل الى هذه لقوه تاثيرها.
و من خرزاتهم القرزحله، انشد ابن الاعرابى: لاتنفع القرزحله العجائزا اذا قطعن دونها المفاوزا و هى من خرز الضرائر، اذا لبستها المراه مال اليها بعلها دون ضرتها.
و منها خرزه العقره تشدها المراه على حقويها فتمنع الحبل، ذكر ذلك ابن السكيت فى اصلاح المنطق.
و منها الينجلب، و رقيتها: اخذته بالينجلب، فلا يرم و لايغب، و لايزل عند الطنب.
و منها كرار، مبنيه على الكسر، و رقيتها: يا كرار كريه، ان اقبل فسريه، و ان ادبر فضريه، من فرجه الى فيه.
و منها الهمره و رقيتها: يا همره اهمريه، من استه الى فيه، و ماله و بنيه.
و منها الخصمه، خرزه للدخول على السلطان و الخصومه، تجعل تحت فص الخاتم او فى زر القميص او فى حمائل السيف، قال بعضهم: يعلق غيرى خصمه فى لقائهم و ما لى عليكم خصمه غير منطقى و منها الوجيهه، و هى كالخصمه حمراء كالعقيق.
و منها العطفه، خرزه العطف، و الكحله، خرزه سوداء تجعل على الصبيان لدف ع العين عنهم، و القبله خرزه بيضاء تجعل فى عنق الفرس من العين، و الفطسه خرزه يمرض بها العدو و يقتل، و رقيتها: اخذته بالفطسه، بالثوباء و العطسه، فلا يزال فى تعسه، من امره و نكسه، حتى يزور رمسه.
و من رقاهم للحب: هوابه هوابه، البرق و السحابه، اخذته بمركن، فحبه تمكن.
اخذته بابره، فلا يزل فى عبره.
خليته باشفى، فقلبه لا يهدا.
خليته بمبرد، فقلبه لا يبرد.
و ترقى الفارك زوجها اذا سافر عنها فتقول: بافول القمر، و ظل الشجر، شمال تشمله، و دبور تدبره، و نكباء تنكبه، شيك فلا انتعش، ثم ترمى فى اثره بحصاه و نواه و روثه و بعره، و تقول: حصاه حصت اثره، نواه انات داره، روثه راث خبره لقعته ببعره.
و قالت فارك فى زوجها: اتبعته اذ رحل العيس ضحى بعد النواه روثه حيث انتوى الروث للرثى و للناى النوى.
و قال آخر: رمت خلفه لما رات وشك بينه نواه تلتها روثه و حصاه و قالت: نات منك الديار فلا دنت و راثت بك الاخبار و الرجعات و حصت لك الاثار بعد ظهورها و لا فارق الترحال منك شتات و قال آخر يخاطب امراته: لاتقذفى خلفى اذا الركب اغتدى روثه عير و حصاه و نوى لن يدفع المقدار اسباب الرقى و لا التهاويل على جن الفلا هذا الرجز اورد ه الخالع فى هذا المعرض، و هو بان يدل على عكس هذا المعنى اولى، لان قوله: (لن يدفع المقدار بالرقى، و لا بالتهاويل على الجن) كلام يشعر بان قذف الحصاه و النواه خلفه كالعوذه له، لا كما تفعله الفارك التى تتمنى الفراق.
فاما مذهبهم فى القيافه و الزجر و الكهانه و اختلافهم فى السانح و البارح، و تشاتمهم باللفظه و الكلمه و تاويلهم لها و تيمنهم بكلمه اخرى، و ما كانوا يفعلونه من البحيره و السائبه و الوصيله و الحامى فكله مشهور معروف لا حاجه لنا الى ذكره هاهنا.
فاما لفظ اميرالمومنين (ع) فى قوله: (نشره)، فان النشره فى اللغه كالعوذه و الرقيه، قالوا: نشرت فلانا تنشيرا، اى رقيته و عوذته.
و قال الكلابى: اذا نشر المسفوع فكانما انشط من عقال، اى يذهب عنه ما به سريعا.
و فى الحديث انه قال: (فلعل طبا اصابه) يعنى سحرا، ثم عوذه ب (قل اعوذ برب الناس)، اى رقاه، و كذلك اذا كتب له النشره.
و قد عد اميرالمومنين (ع) امورا اربعه ذكر منها النشره، و لم يكن (ع) ليقول ذلك الا عن توقيف من رسول الله (ص).
الى هذا نظر المتنبى فى قوله: و خله فى جليس اتقيه بها كيما يرى اننا مثلان فى الوهن و كلمه فى طريق خفت اعربها فيهتدى لى فلم اقدر على اللحن و قال الشاعر: و ما انا الا كالزمان اذا صحا صحوت و ان ماق الزمان اموق و كان يقال: اذا نزلت على قوم فتشبه باخلاقهم، فان الانسان من حيث يوجد، لا من حيث يولد.
و فى الامثال القديمه: من دخل ظفار حمر.
شاعر: احامقه حتى يقال سجيه و لو كان ذا عقل لكنت اعاقله
قال: الشكير هاهنا: اول ما ينبت من ريش الطائر قبل ان يقوى و يستحصف.
و السقب: الصغير من الابل، و لا يهدر الا بعد ان يستفحل.
هذا مثل قولهم: قد زبب قبل ان يحصرم.
و من امثال العامه: يقرا بالشواذ، و ما حفظ بعد جزء المفصل.