أبعاد الحج فی فکر الإمام الخمینی (قدس سره)

ماجدة المؤمن

نسخه متنی -صفحه : 12/ 7
نمايش فراداده

البُعد السياسي

إنّ أغلب خطابات الامام(رضي الله عنه) السنوية لحجاج بيت الله الحرام كانت تتناول البُعد السياسي بالخصوص بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران . . . كان يعرض فيها قضايا الأمة الكبرى ومشاكلها ، مستنهضاً المسلمين الى وجوب التحرك الشامل للتصدي بها ، داعياً إياهم الى الوحدة في العمل والصف والأهداف تحت راية الاسلام للتخلص من الظلم والاستضعاف والتخلف والتبعية للاستكبار العالمي ، والسعي الى تحقيق ما من شأنه تعزيز ونشر قيم الله وأحكامه في الأرض16 .

يقول الامام الخميني(قدس سره): «هناك عوامل سياسية عديدة وراء عقد الاجتماعات والمجامع وخاصة اجتماع الحج القيم ، والتي منها التعرف على المشاكل الأساسية والقضايا السياسية للاسلام والمسلمين ، ولا يمكن ذلك إلاّ باجتماع رجال الدين والمفكرين والملتزمين الزائرين لبيت الله الحرام ، وذلك بعرض وبتبادل الآراء لإيجاد الحلول ، وفي العودة الى البلدان الاسلامية يعرضونها في المجامع العامة ويسعون في رفع وحل مشاكلهم» 17 .

كان موسم الحج فرصة نادرة; ليوصل الامام(قدس سره) فكره النهضوي لجميع مسلمي العالم ، فكان يناشد المسلمين في موسم الحج قائلا:

«ماذا دهاكم يا مسلمي العالم ، أنتم الذين استطعتم أن تحطموا القوى العظمى في صدر الاسلام مع قلة عددكم ، وأوجدتُم الأمة الاسلامية الكبرى ، واليوم مع ما يقارب من مليار نسمة وامتلاككم للثروات الكبيرة ، التي هي أكبر حربة أمام الأعداء ، أصبحتم هكذا أذلاء ضعفاء! هل تعلمون أنّ جميع مصائبكم ناشئة من الاختلاف والتفرقة بين رُؤساء بلادكم وبالتالي بينكم أنفسكم .

قوموا من أماكنكم واحملوا القرآن الكريم بأيديكم واخضعوا لأمر الله تعالى; لكي تعيدوا مجد الإسلام العزيز وعظمته . تعالوا واستمعوا الى موعظة واحدة من الله عندما يقول: {قل إنّما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى}18 .

قوموا جميعاً لله قياماً فردياً لمواجهة جنود الشيطان في باطنكم وقياماً جماعياً أمام القوى الشيطانية ; لذا كان القيام إلهياً وكانت النهضة لله وهي منتصرة 19 .

يا زوار بيت الله: اتحدوا معاً في المواقف والمشاعر الإلهية ، واطلبوا من الله تعالى غلبة الاسلام والمسلمين ومستضعفي العالم .

أيها المسلمون وأيها المستضعفون في العالم; تعاضدوا وتوجهوا الى الله العظيم والجأوا الى الاسلام وانتفضوا ضد المستكبرين ومنتهكي حقوق الشعوب20 .

ولا نستغرب من الامام(رضي الله عنه) بصفته مرجعاً دينياً أن يتجه هذا الاتجاه في مفهوم الحج وواقعه العملي ، فإنه كما قال د . سمير سليمان: «إنّ هذه الطروحات التي رأى الامام موسم الحج من خلالها هي ـ من غير شك ـ انعطاف مفهومي كبير في اتجاه العودة الى الينابيع والاصول الاسلامية التي لم تكن عبادة الحج فيها إلاّ مصادر طروحات الامام ومرجعها ، فلم يكن الحج أيام النبي(صلى الله عليه وآله) إلاّ في الإطار الذي أعاد الامام رسمه وربطه بالمتغيرات الزمنية والاجتماعية والسياسية المستجدة ، فكان له في رسول الله(صلى الله عليه وآله) أسوة حسنة عندما قام بمفرده ليرفع لواء التوحيد لصالح المستضعفين ، في وجه عبدة الاصنام والمستكبرين» 21 .

وقد كان الامام(رضي الله عنه) جاداً ومخلصاً في توجيه المسلمين كافة وتحويل الحج الى مؤتمر اسلامي عام ، تعرض فيه المشاكل الصعبة التي يعانيها العالم الاسلامي في كل بقاع العالم ، كقضية فلسطين وغيرها ، ومعالجة كل القضايا بصدق وإخلاص ووفاء . . .

ولكن كانت الظروف أقوى من أن تأخذ هذه الخطوة مجراها الطبيعي ، فقد قوبلت بالضغط والتعتيم والتشويه والتضيق من قبل الاستكبار العالمي .

«ولو رجع المسلمون الى الماضي قليلا ، الى ما عانى النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأئمة الهدى من الغربة لأجل دين الحق وازهاق الباطل ، لقد استقاموا ووقفوا ولم يهابوا أو يجزعوا على كثرة التهم والإهانات التي كالتها ألسنة أمثال أبي لهب وأبي جهل وأبي سفيان . وفي نفس الوقت استمروا وأكملوا طريقهم مع وجود الحصار الاقتصادي في شعب أبي طالب ، ولم يستسلموا ولم يهنوا ، ومن بعدها تحمّلوا الهجرة والغربة ومراراتها وآلامها في سبيل دعوة الحق ، وتبليغ رسالة الله وتواجدوا في الحروب المتتالية وغير المتكافئة ، رغم المؤامرات وكثرة المنافقين ، قاموا بهداية وإرشاد الناس بهمة عالية وصلبة حيث شهدت صخور وحصى مكّة والمدينة وصحاريها وجبالها وأزقتها وأسواقها آثار تبليغ رسالتهم . وإذا ما رفعنا الستار وكشفنا النقاب عن سرّ ورمز تحقق {فاستقم كما أمرت}22 لعرف وعلم زوّار بيت الله الحرام كم سعى رسول الله(صلى الله عليه وآله) لأجل هدايتنا وحصول المسلمين على الجنّة» 23 .