أبعاد الحج فی فکر الإمام الخمینی (قدس سره)

ماجدة المؤمن

نسخه متنی -صفحه : 12/ 8
نمايش فراداده

البُعد الاجتماعي

الحج ذلك المؤتمر الكبير الذي يجتمع فيه الملايين من المسلمين في كلّ عام ، وأغلبهم حريصٌ على أن يكون على أتم أشكال الطهارة البدنية والروحية ، ولا شك أن هؤلاء الأفراد ـ بسبب شروط الحج في البلوغ والعقل ـ لديهم القابلية الفكرية والاستعداد الروحي والذاتي على استيعاب وتقبل شروط ومفردات التغير الاجتماعي . . .

يقول الامام الخميني(قدس سره) في هذا المجال: «اِعلموا أيها المسلمون ، أن هذا التجمع الكبير ، الذي ينعقد كلّ عام بأمر من الله تبارك وتعالى ، يفرض عليكم ـ بصفتكم أمة مؤمنة ذات عقيدة راسخة ـ أن تبذلوا جهودكم في سبيل تحقيق أهداف الاسلام السامية وشريعته الغراء ، وفي سبيل تقدم المسلمين وتضامنهم ووحدتهم الشاملة» 24 .

وهذا المؤتمر الالهي لا يعطي ثماره ولا يسمو الى الهدف الاسلامي المطلوب ، إلاّ إذا عرف الحاضرون فيه والمدعوون اليه كيف يتصرفون ويستخدمونه «لتبادل الآراء في حل مشاكلهم العامة أولا ، ومشاكل بلادهم الاسلامية ثانياً ، وليتعرفوا على ما يحلّ بإخوانهم المسلمين في بلادهم من أساليب المستعمر ، وماذا يجري عليهم من مصائب وآلام»25 و«الآن حيث يجتمع مسلمو العالم من البلاد المختلفة حول كعبة الآمال وحج بيت الله ; للقيام بهذه الفريضة الإلهية العظيمة ، وعقد هذا المؤتمر الاسلامي الكبير في هذه الأيام المباركة ، فإنّ على المسلمين الذين يتحملون رسالة الله تعالى ، أن يستفيدوا من المحتوى السياسي والاجتماعي للحج بالاضافة الى المحتوى العبادي منه ولا يكتفوا بالمظهر»26 .

وقد دعا الامامُ المسلمين في كافة قارات العالم المدعوين الى مؤتمر السماء وحثهم على الوحدة الاسلامية ووحدة الكلمة والتعاون والاعتصام بحبل الله المتين وعدم التفرقة قائلا: «أيها المسلمون في العالم ويا أتباع مبدإ التوحيد: إنّ سبب كلّ المشاكل في البلاد الاسلامية هو اختلاف الكلمة وعدم التعاون ، ورمز الانتصار هو وحدة الكلمة وايجاد التعاون . قال تعالى في جملة واحدة : { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}27 . . . الاعتصام بحبل الله بيان لتعاون المسلمين ، كونوا جميعاً للاسلام وتوجهوا الى الاسلام ولصالح المسلمين ، وابتعدوا عن التفرقة والخلاف الذي هو أساس مشاكلنا وتخلّفنا»28 .

وقال(قدس سره) أيضاً: «إنّ الحج يمثل أفضل مكان لتعارف الشعوب الاسلامية ، حيث يتعرف المسلمون على إخوانهم وأخواتهم في الدين من شتّى أنحاء العالم ، ويلتقون مع بعضهم في البيت الذي تتعلق به كلّ المجتمعات الاسلامية من أتباع إبراهيم الحنيف» 29 .

فالحج إذن محل اجتماع المسلمين أسودهم وأبيضهم ، عربيهم وأعجميهم ، غنيهم وفقيرهم ، رئيسهم ومرؤوسهم ، رجالهم ونسائهم ، كلّ ذلك يدلّ على أنّ من مقاصد الحج هو تقريب الأفراد من مختلف الأجناس والمواطن نحو بعضهم البعض ، حتى يتم تفاعلهم الاجتماعي وهم في أسمى درجات العبادة والتنسك والابتهال والدعاء في مجتمع التوحيد الاسلامي وبالقرب من بيت المعبود والمحبوب .

ولا شك أنّ هذا ينسجم تماماً مع أهداف الرسالة الاسلامية في إقامة دولة التوحيد العالمية المنسجمة على كلّ الأصعدة الحياتية .

يقول الامام الخميني(قدس سره) في بيانه الى حجاج بيت الله الحرام:

«ليعلم الاخوة أهل السُنة في جميع البلدان الاسلامية أنّ المأجورين المرتبطين بالقوى الشيطانية الكبرى لا يستهدفون خير الاسلام والمسلمين . وعلى المسلمين ان يتبرأوا منهم ويعرضوا عن اشاعاتهم المنافقة»30 .

ثم يضيف قائلا: «إنّي أمد يد الأخوة الى جميع المسلمين المتلزمين في العالم ، وأطلب منهم أن ينظروا الى الشيعة باعتبارهم أخوة اعزاء لهم ، وبذلك نشترك جميعاً في إحباط هذه المخططات المشؤومة» 31 .

وقال أيضاً: « . . . وتجنبوا التفرقة والتنازع : { ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم . . . }32 . . .» 33 .

وخاطب الكتّاب والخطباء المجتمعين مع إخوانهم في عرفات ومنى والمشعر وغيرها ، قائلا:

«أيها الكتّاب والخطباء: أُذكروا قضاياكم الاجتماعية والسياسية لاخوانكم المؤمنين أثناء الاجتماعات الكبيرة في عرفات ومشعر ومنى ومكة المعظمة والمدينة المنورة واطلبوا منهم العون» 34 .

وقد يعرّف الامام الحج بأنه نداء لايجاد وبناء المجتمع البعيد عن الرذائل المادية والمعنوية ، وأنّ مناسكه تجل عظيم لحياة كريمة ومجتمع متكامل في هذه الدنيا ، وانه يتواصل فيه مجتمع المسلمين من أي قومية كانوا ويصبحوا يداً واحدة ، وأنه كذلك ساحة عرض ومرآة صادقة للاستعدادات والقابليات المادية والمعنوية للمسلمين 35 .