مع الرکب الحسینی من المدینة الی المدینة

نجم الدین طبسی

جلد 2 -صفحه : 31/ 30
نمايش فراداده

1) ـ الملتحقون به(عليه السلام) في مكّة من أهل المدينة

2) ـ الملتحقون به(عليه السلام) في مكّة ولم تحدد التواريخ والتراجم أمكنة انطلاقهم.

3) ـ الملتحقون به(عليه السلام) في مكّة من أهل الكوفة.

4) ـ الملتحقون به(عليه السلام) في مكّة من أهل البصرة.

[374]

1) ـ الملتحقون به(عليه السلام) في مكّة من أهل المدينة: روى ابن عساكر قائلاً: «وبعث الحسين إلى المدينة فقدم عليه من خفَّ معه من بني عبدالمطلّب وهم تسعة عشر رجلاً، ونساء وصبيان من إخوانه وبناته ونسائهم..».(1) ولايخفى أنّ متن هذه الرواية لا يحدّد لنا أسماء هؤلاء الملتحقين من بني هاشم! كما أنّه «لم يرد في الكتب التاريخية ذكر تفصيليٌّ لأسماء الهاشميين في الركب الحسينيّ القاصد من المدينة الى مكّة المكرّمة، بل ورد في أغلب هذه الكتب ذكر إجمالي لمن خرج من الهاشميين مع الإمام(عليه السلام) من المدينة..»،(2) ولذا فقد يعسر تماماً على المتتبّع أن يحدّد بدقّة كاملة أسماء جميع بني هاشم الذين خرجوا مع الإمام(عليه السلام) من المدينة، فيعرف على ضوء هذا أسماء من التحقوا به(عليه السلام) في مكّة. ولذا فالمسألة بهذا الصدد تبقى على إجمالها وإبهامها! نعم، تشير مجموعة من الدلائل التأريخية(3) إلى أنّ الإمام(عليه السلام) كان قد خرج من المدينة المنوّرة بجميع أبنائه، وجميع أبناء أخيه الإمام الحسن(عليه السلام)، وجميع بقيّة إخوته لأبيه عدا محمّد بن الحنفيّة (رض)، وعدا عمر الأطراف كما هو الظاهر من سيرته.(4)

(1) تاريخ ابن عساكر (ترجمة الامام الحسين(عليه السلام) / تحقيق المحمودي): 298 رقم 256; وانظر: البداية والنهاية 8:178. (2) راجع: الجزء الأول من (الركب الحسيني من المدينة الى المدينة): 404 - 406. (3) راجع: الإرشاد: 201 والأخبار الطوال: 228 والفتوح 5:21 وتاريخ الطبري 3:271. (4) راجع: قاموس الرجال 8:214 وانظر: تنقيح المقال 2:346.

[375]

وتشير هذه الدلائل(1) أيضاً إلى أنّ مسلم بن عقيل(عليه السلام) كان معه أيضاً في خروجه من المدينة. ومع هذا فإنّ ذلك لايُخرج القضية من الإجمال الى التفصيل التام، ذلك لأننا مثلاً لانستطيع القول ـ على ضوء ما عندنا من وثائق تأريخية ـ بالنسبة إلى آل عقيل الذين كانوا مع الإمام(عليه السلام) في مكّة: مَن منهم التحق به في مكّة، ومَن منهم جاء معه من المدينة. نعم، تفيد بعض المصادر التاريخية أنّ ولدي عبدالله بن جعفر: عوناً ومحمّداً كانا مع أبيهما في القدوم الى مكّة للقاء الإمام(عليه السلام)، ثمّ التحقا بالركب الحسيني أوائل خروجه من مكّة المكرّمة،(2) وتفيد مصادر أخرى أنّ أباهما أرسلهما من المدينة الى مكّة بكتاب الى الامام(عليه السلام)، وفي مكّة إلتحقا بالإمام(عليه السلام).(3)

هذا غاية ما اتّضح لنا حول من التحق بالإمام(عليه السلام) في مكّة المكرّمة من بني هاشم، أمّا من غير بني هاشم فلا نعلم أنّ أحداً إلتحق بالإمام(عليه السلام) في مكّة قادماً إليه من المدينة المنوّرة سوى مانظنّه ظنّاً بالنسبة إلى جُنادة بن كعب بن الحرث الأنصاري الخزرجي (رض)، الذي التحق مع عائلته بالإمام(عليه السلام) في مكّة المكرّمة، ذلك لأننا لم نعثر في التواريخ على أنّه كان من سكنة مكّة أو الكوفة أو البصرة أو حاضرة أخرى من حواضر العالم الإسلامي آنذاك، وربّما كان مع عائلته من المعتمرين، أو ممّن أراد الحجّ سنة ستين للهجرة، فالتحق بالإمام(عليه السلام) في مكّة وصحبه إلى كربلاء، وكذلك الأمر بالنسبة إلى عبدالرحمن بن عبدربّ الأنصاري الخزرجي (رض)، لكننا صنّفناهما مع عمّار بن حسّان الطائي (رض) تحت

(1) راجع: الارشاد: 202 / محاورته(عليه السلام) مع مسلم في إصراره(عليه السلام) على سلوك الطريق الأعظم. (2) راجع: الارشاد: 219 وتأريخ الطبري 3:297 (3) راجع: الفتوح: 5:75 ومقتل الحسين(عليه السلام) للخوارزمي 1:311.

[376]

العنوان التالي، مع أننا نظنّ ظنّاً قوّياً أيضاً أنّ عمّار بن حسّان الطائي (رض) كان من سكنة الكوفة.

2) ـ الملتحقون به(عليه السلام) في مكّة ولم تحدّد التواريخ والتراجم أمكنة إنطلاقهم

: جنادة بن كعب بن الحرث الأنصاريّ الخزرجي (رض):

قال المحقّق السماوي (ره): «كان جنادة ممّن صحب الحسين(عليه السلام) من مكّة، وجاء معه هو وأهله، فلمّا كان يوم الطفّ تقدّم الى القتال فقُتل في الحملة الأولى.».(1) وذكرته بعض المصادر التأريخية بإسم (جنادة بن الحارث الأنصاري)،(2) كما ذكرت ابنه الذي استشهد بعده في الطفّ بإسم (عمرو بن جنادة)، أما السماويّ (ره) فقد ذكر ابنه بإسم (عمر بن جنادة).(3) لكنّ السماوي (ره) لمّا ذكر أسماء أنصار الإمام(عليه السلام) الذين التحقوا بالإمام(عليه السلام) مع عوائلهم، ذكر جنادة هذا باسم (جنادة بن الحرث السلماني).(4) ويرى النمازي إتحاد جنادة بن الحرث الأنصاري مع جنادة بن كعب بن الحارث الأنصاري، ويراه غير جنادة بن الحارث السلماني الأزدي الذي عدّه المامقاني، من أصحاب الرسول(صلى الله عليه وآله) وأميرالمؤمنين(عليه السلام)، ولم يجد النمازي في زيارة الناحية المقدسة أو في الرجبية ذكراً لإسم جنادة ـ خلافاً لما قال المامقانيّ(5) ـ

(1) إبصار العين:158. (2) مقتل الحسين(عليه السلام) للخوارزمي 2:25 ومناقب آل أبي طالب 4:104. (3) إبصار العين: 159. (4) ابصار العين: 220 / (الفائدة الثالثة). (5) قال المامقاني: «وسلّم الحجّة(عليه السلام) عليه بقوله: السلام على جنادة بن كعب بن الحارث الأنصاري وابنه عمرو بن جنادة». (تنقيح المقال 1:

234).

[377]

بل وجد في الموضعين: السلام على حيّان بن الحارث السلماني الأزدي،(1) وهذا هو الوارد في متن الزيارتين بالفعل.(2) وروي في بعض الكتب أنّ جُنادة (رض) قُتل بين يدي الإمام(عليه السلام) في الحملة الأولى،(3) كما روي في بعض كتب المقاتل هكذا: «ثُمّ خرج من بعده ـ أي بعد نافع بن هلال (رض) ـ جنادة بن الحرث الأنصاري وهو يقول:


  • أنا جنادة، أنا ابن الحارث عن بيعتي حتى يقوم وارثي من فوق شلو في الصعيد ماكثِ

  • لستُ بخوّار ولا بناكثِ من فوق شلو في الصعيد ماكثِ من فوق شلو في الصعيد ماكثِ

فحمل ولم يزل يُقاتل حتى قُتل.

ثمّ خرج من بعده عمرو بن جنادة وهو يُنشد ويقول:


  • أضق الخناق من ابن هند وارمه ومهاجرين مخضّبين رماحهم خضبت على عهد النبيّ محمّد واليوم تُخضب من دماء معاشر طلبوا بثأرهم ببدر وانثنوا واللّه ربّي لا أزال مضارباً هذا عليَّ اليوم حقٌّ واجب في كلّ يوم تعانق وحوارِ

  • في عقره بفوارس الأنصار تحت العجاجة من دم الكفّار فاليوم تُخضب من دم الفجّار رفضوا القُران لنصرة الأشرار بالمرهفات وبالقنا الخطّار للفاسقين بمرهف بتّار في كلّ يوم تعانق وحوارِ في كلّ يوم تعانق وحوارِ

(1) راجع: مستدركات علم الرجال 2:239. (2) راجع: الإقبال 3:79 وعنه البحار 98:273. (3) إبصار العين: 158.

[378]

ثُمَّ حمل فقاتل حتى قُتل.».(1) وقال السيد المقرّم (ره): «وجاء عمرو بن جنادة الأنصاري بعد أن قُتل أبوه، وهو ابن إحدى عشرة سنة، يستأذن الحسين فأبى وقال: هذا غلامٌ قُتل ابوه في الحملة الأولى، ولعلّ أمّه تكره ذلك. قال الغلام: إنّ أمّي أمرتني!. فأذن له، فما اسرع أن قُتل ورمي برأسه إلى جهة الحسين(عليه السلام)، فأخذته أمّه ومسحت الدم عنه وضربت به رجلاً قريباً منها فمات! وعادت الى المخيّم فأخذت عموداً وقيل سيفاً وأنشأت:


  • أنا عجوز في النسا ضعيفه أضربكم بضربة عنيفه دون بني فاطمة الشريفه

  • خاوية بالية نحيفه دون بني فاطمة الشريفه دون بني فاطمة الشريفه

فردّها الحسين الى الخيمة بعد أن أصابت بالعمود رجلين.».(2) ولعلّ عمرو بن جنادة هو الشاب المقصود في الرواية التالية ـ لمشتركاتها الكثيرة مع الرواية السابقة ـ تقول هذه الرواية: «ثمّ خرج شاب قُتل أبوه في المعركة، وكانت أمّه معه، فقالت له أمّه: أخرج يا بُنيَّ وقاتل بين يدي ابن رسول الله! فخرج، فقال الحسين(عليه السلام): هذا شابٌ قُتل أبوه ولعلَّ أمّه تكره خروجه. فقال الشاب: أمّي أمرتني بذلك!. فبرز وهو يقول:


  • أميري حسينٌ ونِعم الأمير عليٌّ وفاطمةٌ والداه له طلعةٌ مثل شمس الضحى له غرّة مثل بدر منير

  • سرور فؤاد البشير النذير فهل تعلمون له من نظير له غرّة مثل بدر منير له غرّة مثل بدر منير

وقاتل حتّى قُتل، وجُزَّ رأسه ورُمي به إلى عسكر الحسين(عليه السلام)، فحملت أمّه رأسه وقالت: أحسنتَ يا بُنيَّ يا سرور قلبي ويا قُرّة عيني. ثُمَّ رمت برأس ابنها

(1) مقتل الحسين(عليه السلام) للخوارزمي 2:25 وانظر البحار 45:28 عن مناقب آل آبي طالب 4:104. (2) مقتل الحسين(عليه السلام) للمقرّم:253.

[379]

رجُلاً فقتلته، وأخذت عمود خيمة، وحملت عليهم وهي تقول:


  • أنا عجوزٌ سيّدي ضعيفه أضربكم بضربة عنيفه دون بني فاطمة الشريفه

  • خاوية بالية نحيفه دون بني فاطمة الشريفه دون بني فاطمة الشريفه

وضربت رجلين فقتلتهما! فأمر الحسين(عليه السلام) بصرفها، ودعا لها.».(1)

: عبدالرحمن بن عبد ربّ الأنصاري الخزرجي (رض):

قال المحقّق السماوي (ره): «كان صحابياً، له ترجمة ورواية، وكان من مخلصي أصحاب أمير المؤمنين(عليه السلام). قال ابن عقدة: حدّثنا محمد بن إسماعيل بن إسحق الراشدي، عن محمّد بن جعفر النميري، عن عليّ بن الحسن العبدي، عن الأصبغ بن نباتة قال: نشد عليٌّ(عليه السلام) الناس في الرحبة: من سمع النبيّ(صلى الله عليه وآله) قال يوم غدير خمٍّ ما قال إلاّ قام ولايقوم إلاّ من سمع رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) يقول. فقام بضعة عشر رجلاً فيهم أبوأيّوب الأنصاري، وأبو عمرة بن عمرو بن محصن، وأبو زينب، وسهل بن حنيف، وخزيمة بن ثابت، وعبدالله بن ثابت، وحبشي بن جنادة السلولي، وعبيد بن عازب، والنعمان بن عجلان الأنصاري، وثابت بن وديعة الأنصاري، وأبو فضالة الأنصاري، وعبدالرحمن بن عبدربّ الأنصاري، فقالوا: نشهد أنّا سمعنا رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: «ألا إنّ اللّه عزّ وجلّ ولييّ، وأنا وليّ المؤمنين، ألا فمن كنت مولاه فعليٌّّ مولاه، أللّهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه، وأحبّ من أحبّه وابغض من أبغضه، وأعِنْ من أعانه».(2) وقال صاحب الحدائق: وكان عليُّ بن أبي طالب(عليه السلام) هو الذي علّم

(1) البحار 45:27 ـ 28، وانظر: مقتل الحسين(عليه السلام) للخوارزمي 2:25 ـ 26 ومناقب آل أبي طالب 4:104. (2) إبصار العين: 157 ـ 158.

[380]

عبدالرحمن هذا القرآن وربّاه.(1) وكان عبدالرحمن جاء مع الإمام الحسين(عليه السلام) فيمن جاء معه من مكّة، وقُتل بين يديه في الحملة الأولى.(2)

: عمّار بن حسّان الطائي (رض):

قال المامقاني (ره): «هو عمّار بن حسّان بن شريح، قال علماء السير إنّه كان من الشيعة المخلصين في الولاء، ومن الشجعان المعروفين، صحب الحسين(عليه السلام)من مكّة ولازمه حتى أتى كربلاء، فلمّا شبّ القيام بوم الطفّ تقدّم واستشهد بين يديه رضوان الله عليه، ومع شرف الشهادة نال شرف تخصيصه بالسلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة».(3) وقال المحقّق السماويّ (ره): «كان عمّار من الشيعة المخلصين في الولاء، ومن الشجعان المعروفين، وكان أبوه حسّان ممن صحب أميرالمؤمنين(عليه السلام) وقاتل بين يديه في حرب الجمل، وصفين، فقُتل بها، وكان عمّار صحب الحسين(عليه السلام)من مكّة ولازمه حتى قُتل بين يديه. قال السروي: قُتل في الحملة الأولى.(4) وورد السلام على عمّار في زيارة الناحية المقدّسة هكذا: «السلام على عمّار

(1) راجع: الحدائق الورديّة: 122، وانظر: تنقيح المقال 2:145 ومستدركات علم الرجال 4:404 وقاموس الرجال: 6:119، والإصابة 3:307. (2) إبصار العين: 158 / وقال السماوي(ره): ومن أحفّاد عمّار: عبدالله بن أحمد بن عامر بن سليمان بن صالح بن وهب بن عمّار هذا، أحد علمائنا ورائنا وراتنا، صاحب كتاب قضايا أمير المؤمنين(عليه السلام)، يرويها عن أبيه عن الرضا(عليه السلام). (إبصار العين: 197 -

198). (3) تنقيح المقال 2:317. (4) مناقب آل أبي طالب 4:113.

[381]

بن حسّان بن شريح الطائي»،(1) وكذلك في الزيارة الرجبيّة وقد احتمل التستري(2)إتحاد عمار بن حسّان الطائي (رض) مع عمّار بن أبي سلامة الدالاني (رض)، لكنّ هذا الإحتمال غير وارد، لأنّ السلام قد ورد في زيارة الناحية المقدسة على كلٍّ منهما بإسمه.(3)

2) ـ الملتحقون به(عليه السلام) في مكّة من أهل الكوفة:

: بُريرُ بن خُضير الهمداني المشرقي (رض):

كان برير شيخاً تابعياً ناسكاً، قارئاً للقرآن، من شيوخ القُرّاء، ومن أصحاب أمير المومنين(عليه السلام)، وكان من أشراف أهل الكوفة من الهمدانيين، وقال أهل السير: إنّه لمّا بلغه خبر الحسين(عليه السلام) سار من الكوفة إلى مكّة ليجتمع بالحسين(عليه السلام)، فجاء معه حتى استشهد. وروى الطبريّ عن السرويّ أنّ الحرّ لمّا ضيّق على الإمام الحسين(عليه السلام) جمع الإمام(عليه السلام) أصحابه فخطبهم بخطبته التي قال فيها «أمّا بعدُ، فإنّ الدنيا قد تغيّرت...»، فقام إليه جماعة من أنصاره فتكلموا وأظهروا استعدادهم وإصرارهم على الموت دونه، وكان برير من هؤلاء المتكلّمين حيث قام فقال: «واللّه يا ابن رسول الله لقد منّ اللّه بك علينا أن نقاتل بين يديك، تُقطّعُ فيك أعضاؤنا، حتى يكون جدّك يوم القيامة بين أيدينا شفيعاً لنا، فلا أفلح قوم ضيّعوا ابن بنت نبيّهم، وويل لهم ماذا يلقون به الله!؟ وأُفٍّ لهم يوم ينادون بالويل والثبور في نار جهنّم! وقال أبو مخنف: أمر الحسين(عليه السلام) في اليوم التاسع من المحرّم بفسطاط فضُرب، ثمّ أمر بمسك فميث في جفنة عظيمة، فأطلى بالنورة، وعبدالرحمن بن

(1) الإقبال 3:79 و346 وعنه البحار 45:72. (2) راجع: قاموس الرجال 8:7. (3) راجع: الإقبال 3:79 وعنه البحار 45:72 و73.

[382]

عبد ربّه، وبرير على باب الفسطاط تختلف مناكبهما، فازدحما أيّهما يُطلي على أثر الحسين(عليه السلام)، فجعل بُرير يُهازل عبدالرحمن ويضاحكه. فقال عبدالرحمن: دعنا، فواللّه ما هذه ساعة باطل! فقال بُرير: والله، لقد علم قومي أنّي ما أحببت الباطل شاباً ولاكهلاً، ولكنّي والله لمستبشرٌ بما نحن لاقون، واللّه إنَّ بيننا وبين الحور العين إلاّ أن نحمل على هؤلاء فيميلون علينا بأسيافهم، ولوددتُ أن مالوا بها الساعة!(1)

: عابس بن أبي شبيب الشاكري (رض):

وورد إسمه في زيارة الناحية المقدّسة والزيارة الرجبية هكذا: عابس بن شبيب الشاكريّ.(2) «كان عابس من رجال الشيعة، رئيساً شجاعاً خطيباً ناسكاً متهجّداً، وكانت بنو شاكر من المخلصين بولاء أميرالمؤمنين(عليه السلام)، وفيهم يقول(عليه السلام) يوم صفين: لو تمّت عدّتهم ألفاً لعُبد اللّه حقّ عبادته! وكانوا من شجعان العرب وحماتهم، وكانوا يُلقّبون فتيان الصباح.».(3) ولمّا كتب مسلمٌ(عليه السلام) إلى الإمام(عليه السلام) من الكوفة يطلب إليه التعجيل بالقدوم، أرسل كتابه مع عابس (رض) وصحبه شوذب مولاه (رض)، ثمّ بقيا مع الإمام(عليه السلام)في مكّة، وصحباه في مسيره الى كربلاء، واستشهدا بين يديه. وروى أبو مخنف أنه لما التحم القتال في يوم عاشوراء، وقُتل بعض أصحاب الحسين(عليه السلام) جاء عابس الشاكري ومعه شوذب.

(1) راجع: إبصار العين: 121 ـ 122 وتأريخ الطبري 3:307 و318. (2) راجع: الإقبال 3:79 و345 والبحار:98:273 و340. (3) إبصار العين: 126 ـ 127.

[383]

فقال لشوذب: «يا شوذب، ما في نفسك أن تصنع؟ قال: ما أصنع!؟ أقاتل معك دون ابن بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) حتّى أُقتل! فقال: ذلك الظنّ بك، أمّا الآن فتقدّم بين يدي أبي عبداللّه حتّى يحتسبك كما احتسب غيرك من أصحابه، وحتّى أحتسبك أنا، فإنّه لو كان معي الساعة أحدٌ أنا أولى به منّي بك لسرّني أن يتقدّم بين يدي حتى أحتسبه، فإنّ هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب الأجر فيه بكلّ ما نقدر عليه، فإنه لاعمل بعد اليوم، وإنّما هو الحساب!».(1) ولمّا تقدّم عابس (رض) إلى الإمام(عليه السلام) يستأذنه في القتال قال: «يا أبا عبداللّه، أما واللّه ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولابعيد أعزّ عليَّ ولا أحبّ إليَّ منك، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعزّ عليَّ من نفسي ودمي لفعلته،

السلام عليك يا أبا عبداللّه، أشهد أنيّ على هداك وهدى أبيك. ثمّ مشى بالسيف مصلتاً نحو القوم وبه ضربة على جبينه».(2) وروى أبومخنف عن ربيع بن تميم الهمداني أنه قال: «لمّا رأيتُ عابساً مقبلاً عرفته، وكنت قد شاهدته في المغازي والحروب وكان أشجع النّاس فصحت: أيها الناس، هذا أسدُ الأُسود! هذا ابن أبي شبيب! لايخرجنّ إليه أحدٌ منكم!. فأخذ عابس ينادي: ألا رجلٌ لرجل!؟ فقال عمر بن سعد: إرضخوه بالحجارة!، قال: فرمي بالحجارة من كلّ جانب، فلمّا رأى ذلك ألقى درعه ومغفره! ثمّ شدَّ على الناس، فوالله لرأيته يكردُ(3) أكثر من مائتين من الناس! ثمّ إنّهم تعطّفوا عليه من كلّ جانب فقُتل. قال: فرأيت رأسه في

(1) تأريخ الطبري 3:329. (2) تاريخ الطبري 3:329. (3) كَرَدَ القوم: أي صرفهم وردّهم/ مجمع البحرين 3:136.

[384]

أيدي رجال ذوي عدّة! هذا يقول أنا قتلته، وهذا يقول أنا قتلته! فأتوا عمر بن سعد فقال: لاتختصموا، هذا لم يقتله سنان واحد! ففرّق بينهم.».(1)

: شوذب بن عبداللّه الهمداني الشاكري (رض):

وهو مولى لشاكر،(2) «وكان شوذب من رجال الشيعة ووجوهها، ومن الفرسان المعدودين، وكان حافظاًللحديث حاملاً له عن أمير المؤمنين(عليه السلام)، قال صاحب الحدائق الوردية: وكان شوذب يجلس للشيعة فيأتونه للحديث وكان متقدّماً في الشيعة (وجهاً فيهم).».(3) وقد صحب شوذب عابس بن أبي شبيب الشاكري مولاه من الكوفة إلى مكّة بعد قدوم مسلم الكوفة بكتاب لمسلم ووفادة على الحسين(عليه السلام) عن أهل الكوفة، وبقي معه حتى جاء إلى كربلاء،(4) ولمّا التحم القتال حارب أوّلاً، ثم دعاه عابس، فاستخبره عمّا في نفسه، فأجاب بحقيقتها ـ كما مرَّ ـ فتقدّم الى القتال، وقاتل قتال الأبطال، ثمّ قُتل رضوان الله تعالى عليه.(5)

: قيس بن مسهّر الصيداوي (رض):

هو قيس بن مُسَهَّر بن خالد بن جندب... بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة، الأسدي الصيداوي، وصيدا بطنٌ من أسد، كان قيس رجلاً شريفاً في بني الصيدا شجاعاً مخلصاً في محبّة أهل البيت(عليهم السلام)،

(1) تأريخ الطبري 3:329. (2) تأريخ الطبري 3:329. (3) راجع: إبصار العين: 126 ـ 130 والحداق الوردية: 122. (4) ولايصحّ هنا ما قاله النمازي في (مستدركات علم الرجال 4:

221)، إنه ذهب الى مكّة ـ بعد خذلان مسلم ـ ولحق بالحسين(عليه السلام) حتى استشهد بين يديه، وذلك لأن الإمام(عليه السلام) كان آنذاك قد خرج عن مكّة، وكان في الطريق. (5) راجع: إبصار العين: 129 ـ 130.

[385]

وكان رسول أهل الكوفة مع الأرحبي والسلولي الى الإمام(عليه السلام) في مكّة في الدفعة الثانية من رسائلهم إليه، وقد فصّلنا القول في قصته وترجمته في الفصل الأوّل.(1)

: عبدالرحمن بن عبدالله الأرحبي (رض):

هو عبدالرحمن بن عبدالله بن الكدن بن أرحب... وبنو أرحب بطنٌ من همدان، كان عبدالرحمن وجهاً تابعياً شجاعاً مقداماً. قال أهل السير: أوفده أهل الكوفة إلى الحسين(عليه السلام) في مكّة مع قيس بن مسهّر ومعهما كتب نحو من ثلاث وخمسين صحيفة.. وكانت وفادته ثانية الوفادات، فإنّ وفادة عبدالله بن سبع وعبدالله بن وال الأولى، ووفادة قيس وعبدالرحمن الثانية، ووفادة سعيد بن عبدالله الحنفي وهاني بن هاني السبعي الثالثة، وقال أبومخنف: ولمّا دعا الحسين مسلماً وسرّحه قبله إلى الكوفة سرّح معه قيساً وعبدالرحمن وعمارة بن عبيد السلولي، وكان من جملة الوفود، ثمَّ عاد عبدالرحمن إليه فكان من جملة أصحابه.(2) وقال المامقاني: «وهو أحد النفر الذين وجههم الحسين(عليه السلام) مع مسلم، فلمّا خذلوا أهل الكوفة وقُتل مسلم ردَّ عبدالرحمن هذا إلى الحسين(عليه السلام)من الكوفة ولازمه حتى نال شرفي الشهادة وتسليم الإمام(عليه السلام) في زيارتي الناحية المقدّسة والرجبية رضوان الله عليه.».(3) وعلى هذا يكون لعبدالرحمن الأرحبي (رض) إلتحاقان بالإمام(عليه السلام)، الأوّل

(1) راجع: الصفحات: 69 - 73. (2) راجع: إبصار العين: 131 - 132. (3) تنقيح المقال 2:145 / ولكنّ التستري ذكر أنه لم يقف على تاريخ رجوع عبدالرحمن الأرحبي (رض) إلى الإمام(عليه السلام) في كونه قبل أو بعد قتل مسلم(عليه السلام)، راجع: (قاموس الرجال 6:

123).

[386]

في مكّة، والثاني بعد خروجه(عليه السلام) من مكّة، لأنّ مقتل مسلم(عليه السلام) كان عند أوائل خروج الإمام(عليه السلام) منها الى العراق. «حتى إذا كان اليوم العاشر، ورأى الحال، استأذن في القتال، فأذن له الحسين(عليه السلام)، فتقدّم يضرب بسيفه في القوم وهو يقول:

  • صبراً على الأسياف والأسنّه صبراً عليها لدخول الجنّه

  • صبراً عليها لدخول الجنّه صبراً عليها لدخول الجنّه

ولم يزل يُقاتل حتى قُتل رضوان الله عليه.».(1) وقد ورد في زيارة الناحية المقدّسة: «السلام على عبدالرحمن بن عبدالله بن الكدر الأرحبي.»،(2) أما في الزيارة الرجبية فقد ورد السلام هكذا: «السلام على عبدالرحمن بن عبدالله الأزدي.»،(3) والظاهر إتحادهما لأنه ليس في شهداء الطفّ إلاّ رجل واحدٌ اسمه عبدالرحمن بن عبدالله. فتأمل. هذا وقد تفرّد الشيخ المفيد (ره) في ذكر أنّ الذين بعثهم أهل الكوفة الى الإمام الحسين(عليه السلام) في ثاني وفادة هم: قيس بن مسهّر الصيداوي، وعبدالله وعبدالرحمن ابنا شدّاد الأرحبي، (بدلاً من عبدالرحمن بن عبدالله الأرحبي)، وعمارة بن عبدالله السلولي، كما قال الشيخ المفيد (ره) إنّ الإمام(عليه السلام) دعا مسلماً(عليه السلام) فسرّحه إلى الكوفه مع هؤلاء أيضاً.(4) وهو خلاف ما ورد في سائر التواريخ وخلاف الوارد في زيارتي الناحية والرجبية.

(1) إبصار العين: 132. (2) الإقبال 3:79. (3) البحار 98:340. (4) راجع: الإرشاد: 203.

[387]

: الحجّاج بن مسرو