فمقتضى الطائفة الأولى وجوب الإفراد ومقتضى الثانية التمتع، غير أن دلالتها على الوجوب التعيين من باب الإطلاق.
وحيث نعلم بعدم وجوبها معاً نرفع اليد من إطلاق كلهما ودلالتهما بالإطلاق على التعيين ونأخذ بما نصّ فيه وهو إجزاء كل منهما ونتيجة ذلك هو التخيير بينهما.
وفي هذا القول أيضاً ما في سابقه من منافاة هذا الجمع مع رواية ابن بزيع.
وأما الإستشهاد له برواية أبي بصير قال: «سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: في المرئة المتمتعة إذا أحرمت وهي طاهر ثم حاضت قبل أن تقضي متعتها سعت ولم تطف حتى تطهر ثم تقضي طوافها وقد تمت متعتها وإن هي اُحرمت وهي حائض لم تسع ولم تطف حتى تطهر»(1).
فمضافاً إلى ضعف سندها، ظاهرها أن السؤال فيها راجع إلى حكم إتمام عمرتها في سعة الوقت دون ما إذا ضاقت عليه الوقت ولم يكن من الجمع بين العمرة والحج.
1 ـ وسائل الشيعة: ب 84 من أبواب الطواف ح 5. وخامسها:إتمام العمرة بالإستنابة للطواف ثم الإتيان بالسعي والتقصير بنفسها، وما يمكن أن يكون وجهاً لذلك تساقط الروايتين بالتعارض فنبقي نحن واستصحاب بقاء التمتع عليها، بل وإطلاق ما يدل على وجوب التمتع على النائي كقوله تعالى: (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام). ولكن يرد على التمسك بالإستصحاب عدم اليقين بوجوب التمتع عليها، لجواز أن يكون الواجب عليها من أول الأمر حج الإفراد وعلى التمسك بالإطلاق أنه فرع تمكنها من الإتيان بالتمتع وهي لاتتمكن منه لعدم إمكان الجمع بين إتمام عمرة التمتع وحج التمتع إذا استمربها الدم إلى أن ضاق وقت الحج، وجواز الإستنابة محتاج إلى الدليل. اللهم إلا أن يقال: إن المستفاد من الأدلة وجوب الطواف وعدم سقوطه وعدم سقوط وجوب الحج بتعذره، بل يجب عليه الإتيان به بالمباشرة، وإلا فالإستنابة كما هو الحكم في مثل المريض العاجز عنه فإنه يستنيب للطواف. وفيه: أنه لم يعرف القائل به، مضافاً إلى اتفاق جميع هذه الأخبار على نفي ذلك. وقد ظهر من كل ما ذكرنا في وجوه الأقوال المذكورة أن الأقوى هو القول الأول لصحة مستنده وصراحة لفظه وعدم ما في المضمون الثاني من الضعف فيه ومطابقته لما دل على أن المتمتع إن ضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراك الحج يعدل إلى الإفراد سيما في بعض رواياته ما يدل على أنهما من باب واحد. فالباب في مسألة الذي ضاق وقته عام يشمل بعمومه مسألتنا هذه وفي مسألتنا خاص مختص بالحائض. وذلك مثل صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أهل بالحج والعمرة جميعاً ثم قدم مكة والناس بعرفات فخشي إن هو طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يفوته الموقف؟ قال (عليه السلام): يدع العمرة فإذا أتم حجه صنع كما صنعت عايشة ولاهدي عليه». (1)
مضافاً إلى فتوى المشهور بل دعوى الإجماع عليه من الشيخ في الخلاف والعلامة
1 ـ وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب أقسام الحج ح 6. في التذكرة والمنتهى، ومضافاً إلى أن ذلك جمع بين هذا القول والقول الثالث والرابع. وأما توهم ترجيح القول الثاني لموافقته للكتاب، فمردود بأن القول الأول ليس مخالفاً للكتاب، لأن المستفاد من قوله تعالى: (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) اختصاص التمتع بالنائي لا اختصاص النائي به وأنه لايجوز له غيره. هذا ولكن لاينبغي لمن تمكن من الاحتياط تركه وطريقه الاستنابة لطواف العمرة وصلاته رجاءاً واحتياطاً وتجديد الإحرام من مكة خارج المسجد لحج التمتع رجاءاً والإتيان بجميع أفعال الحج بقصد ما في الذمة وذبح الهدي وقضاء طواف العمرة والإتيان بعمرة مفردة فإنه ليس بناكب عن الصراط من سلك مسلك الاحتياط. الابتلاء بالحيض في اثناء الطواف
مسألة 8 ـ المشهور بين الأصحاب كما في الجواهر شهرة عظيمة أن المرأة اذا ابتلت بالحيض في ـ أثناء عمرة التمتع وقد طافت أربعا صحت متعتها وأتت بالسعي وبقية المناسك وقضت بعد طهرها ـ مابقي من طوافها وذلك لروايات يجبر ضعف إسنادها عمل المشهور بها؟
وظاهر النص والفتوى أنه لافرق بين من تمكنت من إتمام طوافها وأداء صلاتها ثم الإتيان بالحج بعده ومن لم تتمكن من ـ ذلك ولابدلها من الإحرام للحج والذهاب الى عرفات فإنها تأتي بقية طوافها وصلاتها بعد الرجوع ـ الى مكة قبل طواف الحج وصلاته معينا أو بعده كذلك أو تخيرت بين الإتيان بهما قبل طواف الحج أو ـ بعده وكذا لافرق في ذلك بين كون ذلك في أثناء طواف العمرة المفردة أو عمرة التمتع أو في أثناء ـ العمرة أو الحج سواء كان الحج أو العمرة مندوبا أو واجبا. والظاهرأن مقتضى الأصل عدم اشتراط صحة الطواف بكون أشواطها متتابعة يلي بعضها البعض بدون الفصل. اللهم إلا أن يتمسك بإطلاق: «الطواف بالبيت صلاة» فكما تبطل الصلاة بوقوع الحدث بينها والفصل الطويل يبطل الطواف أيضا بمثله فلابد من الحكم بصحته وعدم بطلانه إذا طافت أربعا من الدليل وقد عرفت أن
المشهور شهرة عظيمة عدم بطلانه بالحدث الواقع بينه إذا طافت أربعا. إذا فلابد من ملاحظة الفتاوى والنصوص والنظر فيها. فنقول: أما الفتاوى والأقوال فهم بين من يقول بالصحة مطلقا وبين من يقول بالبطلان مطلقا و من يقول بالتفصيل الذي أشرنا إليه وقلنا إنه المشهور وإليك ما عثرنا على كلماتهم وإن كنا لم نستقصها لقلة الفرصة والمجال. قال الصدوق (قدس سره) في المقنع: (واذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بالصفا و بالمروة وجاوزت النصف فلتعلم على الموضع الذي بلغت فإذا طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها من الموضع الذي أعلمته، وإن هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله، وروي أنها إن كانت طافت ثلاثة أشواط أو أقل ثم رأت الدم حفظت مكانها فاذا طهرت طافت واعتدت بما مضى).(1)
وظاهر كلامه بيان حكم الطامث في سعة الوقت وإمكان إتمام الطواف لها بعد الطهر كما أنه لم يرد مادل عليه المروي فلايشمل ضيق الوقت عن الإتيان بالبقية. نعم كلامه مطلق بالنسبة إلى سائر الصور وإن كان أعم ممن طاف أربعا أو أقل لأن التجاوز عن النصف يتحقق بالتجاوز عن ثلاثة أشواط ونصف ويأتي الكلام في ذلك انشاء الله تعالى. وقال في من لايحضره الفقيه: (وروى حريز عن محمد بن مسلم قال:«سألت أباعبدالله (عليه السلام) تحفظ مكانها فإذا طهرت طافت منه وأعتدت بما مضى» وروى العلاء عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) ـ مثله. قال مصنف هذا الكتاب (رضي الله عنه): وبهذا الحديث أفتي دون الحديث الّذي رواه ابن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق عمن سأل أباعبد الله(عليه السلام) «عن امرأة طافت أربعة أشواط و هي معتمرة ثم طمثت؟ قال: تتم طوافها وليس عليها غيره ومتعتها تامة، ولها أن تطوف بين الصفا و المروة لأنها زادت على النصف وقد قضت متعتها فلتستأنف بعد الحج وإن هي لم تطف إلا ثلاثه أشواط فلتستأنف بعد الحج فإن أقام بها جمالها بعد الحج فلتخرج
1 ـ المقنع: /264 . إلى الجُعرانة أو إلى التنعيم فلتعتمر». لأن هذا الحديث إسناده منقطع والحديث الأول رخصة ورحمة وإسناده متصل) (1) وعلى هذا قد استقر فتواه على عدم موضوعية العدد المذكور الأربعة وإن طوافها لايبطل بحدوث الطمث في أثنائه إلا أنها تحفظ مكان حدوثه وتأتي بالبقية منه بعد طهرها عنه. ويمكن أن يستظهر من كلامه في الفقيه عكس ما استظهرناه من كلامه في المقنع فإن كلامه في الأخير ظاهر في بيان حكم الحائض في ضيق الوقت. والله اعلم. وقال المفيد(رضي الله عنه) في المقنعة: (وإذا حاضت المرئة وهي في الطواف ـ قطعت و انصرفت فان كان ماطافته أكثر من النصف بنت عليه اذا طهرت، وإن كان أقل استأنفت). (2)
ودلالته على حكم صورة ضيق الوقت وعدم طهرها قبل الخروج إلى عرفات محل تأمل، إلا أن يقال باستفادة وحدة حكم الصورتين عنده من سكوته عن بيان حكم الصورة الثانية. وقال الشيخ رضوان الله عليه في النهاية: (فإن طافت بالبيت ثلاثة أشواط ثم حاضت كان حكمها حكم من لم يطف وإذا طافت أربعة أشواط ثم حاضت قطعت الطواف وسعت بين الصفا والمروة وقصرت ثم أحرمت بالحج وقدتمت متعتها فإذا فرغت من المناسك وطهرت تمت الطواف)(3). وظاهره وإن كان بيان حكم صورة ضيق الوقت عن إتمام العمرة إلا أنه يمكن استفادة حكم سائر الصور منه أيضا كما يدل عليه عبارته في الجمل والعقود قال: (فإن حاضت (في) خلال الطواف وقد طافت أكثر من النصف تركت بقية الطواف وقضتها بعد ذلك وتسعى وتقصر وقد تمت متعتها وإن كان أقل من ذلك جعلت حجتها مفردة).(4)
1 ـ من لا يحضره الفقيه: 2 باب احرام الحائض والمستحاضه ص 383 ح: 2767. 2 ـ المقنعة /440. 3 ـ النهايه /275. 4 ـ الينابيع 7/234. وقال الشيخ في الاقتصاد:(فإن حاضت في حال الطواف وكانت طافت أربعة أشواط تركت بقية الطواف وقضتها بعد ذلك وتسعى وتقصر وقد تم متعتها وان طافت ثلاثة أشواط أو أقل فقد بطلت متعتها فتجعلها حجة مفردة). (1)
وقال في المبسوط: (وإن طافت بالبيت ثلاثة أشواط ثم حاضت كان حكمها حكم من لم يطف وإذا طافت أربعة أشواط ثم حاضت قطعت الطواف وسعت وقصرت ثم أحرمت بالحج وقدتمت متعتها فإذا فرغت من المناسك وطهرت تمت الطواف).(2)
وقال الديلمي (رضي الله عنه): (وإن قطع الطواف قبل إتمامه ناسيا أو متعمدا فإنه لايخلو اما أن يكون قد جاوز نصفه أولم يبلغ النصف فإن كان جاوزه تمم من حيث قطع وإن لم يبلغه استأنف طوافه، وكذلك لوأتى امرأة الحيض في الطواف لكان حكمها وحكم القاطع طوافه سواء لأن المرئة تقضي كل المناسك وهي حائض إلا الطواف والصلوة فلاتقربهما حتى تطهر). (3)
وقال القاضي ابن البراج (قدس سره): (وأن تقطعه إذا كانت المرئة حاضت بعد جواز نصفه وتقضي الباقي بعد السعي والتقصير، وأن تجعل ماهي فيه حجة مفردة إذا حاضت في أقل من نصفه). (4)
وقال ابن حمزه (قدس سره) في الوسيلة: (فإن حاضت خلال الطواف وقد طافت أربعة أشواط أو أكثر قطعت وبنت عليه وخرجت من المسجد وسعت وقصرت وأحلت ثم أحرمت بالحج يوم التروية. . . فإن حاضت قبل أن تطوف أربعة أشواط بطلت متعتها ولزمتها الإقامة على إحرامها).(5)
وهذا كلام جمع من كبراء الفقهاء المتقدمين ونحوه كلام غيرهم من مقاربي
1 ـ الاقتصاد /311 . 2 ـ المبسوط: 1/331 . 3 ـ المراسم /123 . 4 ـ المهذب: 1/232 . 5 ـ الوسيلة: /192 . عصرهم ومن المتأخرين كالهذلي والعلامة والمحقق والشهيد وغيرهم والظاهر أنه لم يخالفهم فيما اتفقوا عليه وهو عدم بطلان طوافها بالحيض في الجملة، إلا ابن ادريس في السرائر فإنه بعد ما حكاه عن الشيخ قال: (والذي تقتضيه الأدلة أنه إذا جائها الحيض قبل جميع الطواف فلا متعة لها وإنما ورد بما قاله شيخنا خبران مرسلان فعمل عليهما وقد بينا أنه لايعمل بأخبار الاحاد وان كانت مسندة فكيف بالمراسيل) (1)
وتبعه سيد المدارك حيث قال: (وهذا القول لايخلو من قوة لامتناع اتمام العمرة المقتضي لعدم وقوع التحلل) (2) ثم تمسك باطلاق السؤال فى صحيحة ابن نريع قال: «سألت: أباالحسن (عليه السلام) عن المرئة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل أن تحل متى تذهب ـ متعتها»(الحديث)(3)
وعلى هذا يمكن دعوى اتفاق القدماء غير ابن ادريس على وجوب بنائها على ما طافت إذا تمت منه أربعة أشواط حتى الصدوق فإن وجوب الحفظ على ما طافت إذا طافت ـ الأربعة داخل في فتواه الأعم من ذلك. نعم مفهوم العدد وصراحة منطوق بعض كلماتهم يخالف إطلاق كلام الصدوق وجواز البناء على ماطافت مطلقا وإن كان ثلاثة أشواط أو أقلّ منها. ولكن إن بنينا على العمل بروايات الأربعة وصحة الاحتجاج بها يمكننا أن نقول بتقييد رواية محمد بن مسلم الدالة بالاطلاق على حكم الطواف الواجب والمندوب بهذه الروايات الواردة في الطواف الواجب الذي يؤتى به في ضمن الحج أو العمرة، سواء كانا واجبين أومندوبين وكان الوقت مضيقا او موسعا. وسيأتي الكلام بتمامه في ضمن البحث عن أحاديث الباب. ثم الظاهر أن مرادهم من التجاوز عن النصف وعدم الاكتفاء بالثلاثة ولزوم إتمام الأربعة هو الشوط الرابع الذي هو واقع بين ثلاثة أشواط الاولى والثلاثة الثانية
1 ـ السرائر: 1/623. 2 ـ المدارك 7/182. 3 ـ وسايل الشيعة: باب 21 من أبواب أقسام الحج ح 6. وليس مرادهم من النصف ثلاثة أشواط ونصف وعلى هذا لاحاجة إلى الإحتياط فيما بين الثلاثة والنصف وتمام الأربعة وإن قلنا به في المناسك. هذا تمام الكلام حسب فتاوى الفقهاء رضوان الله عليهم. وأما روايات الباب: فمنها ما رواه الكليني(قدس سره) عن محمد بن يحيى(1) عن سلمة بن الخطاب (2) عن علي بن الحسن (3) عن علي بن أبي حمزة (4) و محمد بن زياد(5) عن أبي بصير عن أبي عبدالله قال: «إذا حاضت المرأة وهي بالطواف بالبيت (أو) وبين الصفا والمروة فجاوزت النصف فعلمت ذلك الموضع فإذا طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها من الموضع الذي علمته فان هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله»(6) وهي ظاهرة الدلالة على صحة طوافها إذا جاوزت النصف وبطلانه في الأقل من النصفولكن ضعف سندها بأن فيه سلمة بن الخطاب لم تثبت وثاقته. ومنها مارواه الكليني أيضا عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد (7) عمن ذكره عن أحمد بن عمر الحلال (8) عن أبي الحسن ((عليه السلام)) قال:
«وسألته عن امرئة طافت خمسة أشواط ثم اعتلّت؟ قال: إذا حاضت المرئة وهي في الطواف بالبيت او بالصفا والمروة وجاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذى بلغت فاذا هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من
1 ـ العطار أبو جعفر القمي من الثامنة شيخ أصحابنا في زمانه ثقة عين . 2 ـ من السابعة الراوستاني الازدور قاني قرية من سواد الري وصف بالضعف ولكنه روى عنه المشايخ. 3 ـ الطاطري كأنه من السادسة واقفي وصف بأنه شديد العناد في مذهبه. 4 ـ من الخامسة متهم ملعون . 5 ـ من السادسة أو الخامسة ولعله هو ابن أبي عمير المشهور. 6 ـ وسائل الشيعة: ب 85 من أبواب الطواف ح 1. 7 ـ يحيى العطار القمي الظاهر أنه ثقه. 8 ـ له كتاب وصف بأنه ثقة روي الاصل. اوله».(1)
ودلالتها أيضا كسابقتها إلا أن سندها ضعيف بالإرسال. ومنها ما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم (2) عن صفوان بن يحيى(3)عن إبن مسكان (4) عن أبي إسحاق صاحب اللؤلؤ (5) قال: «حدثني من سمع ـ أبا عبدالله(عليه السلام) يقول في المرئة المتمتعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ـ تخرج إلى منى قبل أن تطوف الطواف الاخر»(6) ورواها الكليني بسنده عن إسحاق بياع اللؤلؤ إلى قوله: «فمتعتها تامه». ودلالتها أيضا ظاهرة وإن قيل بأنّ موردها من لا تتمكن من الطواف قبل الحج فلادلالة لها على فساد الأشواط الثلاثة مطلقا. وفيه: أن الظاهر أن هذا حكم طبيعة الطواف لابعض أقسامه، مضافا إلى أنه لاقائل بهذا التفصيل
وبعد ذلك أورد على سنده بضعفه بأبي إسحاق أو إسحاق وبالارسال. ويمكن أن يقال: إن كل ذلك لايضر إذا كان السند إلى إبن مسكان الّذي هو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم. ومنها ما رواه الصدوق عليه الرحمة بإسناده عن إبن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق(7) عمن سأل أبا عبدالله(عليه السلام) «عن أمرئة طافت أربعة أشواط وهي معتمرة ثم طمثت؟ قال: تتم طوافها وليس عليها غيره ومتعتها تامة ولها أن تطوف بين الصفا والمروة لأنها زادت على النصف وقد قضت متعتها فلتستأنف بعد الحج،
1 ـ وسائل الشيعة: ب 55 من أبواب الطواف ح 2. 2 ـ من السابعة كوفي ثقة جليل القدر واضح الحديث له ثلثون كتابا. 3 ـ ثقة ثقة عين له مقامات حسنة من أعاظم السادسة. 4 ـ عبدالله بن مسكان من الخامسة. 5 ـ لعله هو اسحاق بياع اللؤلؤ كما في الكافي لم تثبت وثاقته. 6 ـ وسائل الشيعة: ب 86 من أبواب الطواف ح 2. 7 ـ الحارثي الظاهر أنه من الخامسة أو الرابعة. وإن هي لم تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستانف الحج (بعد الحج) فإن أقام بها جمالها بعد الحج فلتخرج إلى الجعرانة أو إلى التنعيم فلتعتمر»(1) ورواه الشيخ في التهذيب باسناده عن الحسين بن سعيد(2) عن محمد بن سنان (3) عن إبن مسكان عن إبراهيم بن أبي إسحاق(4) عن سعيد الأعرج(5) قال: «سئل (سألت أبا) أبو عبدالله(عليه السلام)عن إمرئة طافت بالبيت أربعة أشواط وهي معتمرة ثم طمثت؟ فقال: تتم طوافها فليس عليها غيره ومتعتها تامة فلها أن تطوف بين الصفا والمروة وذلك لأنها زادت على النصف وقد مضت متعتها ولتسأنف بعد الحج»(6) ورواه في الإستبصار بالإسناد عن إبراهيم بن أبي إسحاق عمن سأل أبا عبدالله(عليه السلام). أقول: ما في الفقيه وفي النسخة المطبوعة الأخيرة من التهذيب إبراهيم بن إسحاق وفي المطبوعة من التهذيب في النجف والوسائل الطبعة الأخيرة إبراهيم بن أبي إسحاق وفي الإستبصار أيضا (أبو إسحاق). قال المحقق الاردبيلي في جامع الرواة في إبراهيم بن إسحاق: (ق) أبوإسحاق الحارثي ] قى [ (مح) وبعد ما روى الخبر عن إبن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق عن سعيد الأعرج قال: (روى هذا الخبر بعينه إبن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق عن سعيد الأعرج عن أبي عبدالله(عليه السلام) (يب) في باب الزيادات في فقه الحج روى هذا الخبر بعينه إبن مسكان عن إبراهيم بن أبي إسحاق عمن سئل أباعبدالله(عليه السلام) في (بص) في باب المرئة الحائض متى تفوت متعتها(7)فالظاهر أن لفظ (أبي) فيه زيادة من النساخ بقرينة اتحاد الخبر. والله أعلم
1 ـ وسائل الشيعة: باب 85 من ابواب الطواف ح 14. 2 ـ من كبار السابعة الاهوازي ثقة جليل القدر كثير التصانيف. 3 ـ من السادسة قيل فيه بعض المطاعن. 4 ـ كأنه من الخامسة. 5 ـ هو عبدالرحمن او عبدالله كوفي ثقة له اصل ومن الخامسة او الرابعة. 6 ـ تهذيب الاحكام: 5/393. 7 ـ جامع الرواة 1/19. ثم إنه قد أورد على سند الحديث أولا بإبراهيم بن إسحاق فقيل: إنه إن كان هو النهاوندي فهو ضعيف وإن كان غيره فمجهول وثانيا بأن الطريق الأول فيه إرسال والثاني فيه محمد بن سنان.(1)
وفيه: أما احتمال كونه هو النهاوندي فمردود لأن إبن مسكان الراوي عنه من الخامسة وهو من الطبقة السابعة ولايمكن رواية من في الطبقة المتقدمة عمن هو متاخر عنه بطبقتين. وأما إبراهيم بن إسحاق الحارثي فيكفي في الاعتماد عليه رواية إبن مسكان الذي هو من أصحاب الإجماع عنه. وأما الإرسال في الطريق الأول فالمظنون أنه يرتفع بالثاني وإن كان هو ضعيف بمحمد بن سنان مضافا إلى أن ضعف الأسناد ينجبر بعمل الأصحاب واحتمال كون مستند المشهور غير هذه الأخبار في غاية الضعف إذاً فالإعتماد في الفتوى على هذه الأحاديث. ثم إنه اُورد على دلالته بأن الحديث لاتدل على بطلان الأشواط الثلاثة وعدم جواز اتمامها بأربعة أشواط بعد الطهر فيما إذا تمكنت من ذلك بل يدل على وجوب العدول إلى الحج وموردها من لايتمكن من الطواف قبل الحج وهو خارج عن محل الكلام كما هو المفروض في الرواية فيمن حاضت بعد أربعة أشواط.(2)
وفيه: كأن المستشكل بنائه على صحة الطواف مطلقا وإتمام مابقي منه بعد الطهر وأن هذه الروايات صدرت خلافا لهذا البناء قصرا للصحة على أربعة أشواط وعلى ذلك يقتصر على موردها الخاص مع أن الأمر بالعكس ومقتضى كون الطواف كالصلاة بطلانه بالحيض وهذه الروايات تدل على عدم بطلانه به اذا أتمت أربعة أشواط. نعم لو بنينا على ما رواه الصدوق قدس سره في الصحيح عن حريز عن محمد بن مسلم قال: «سألت أباعبدالله (عليه السلام) عن إمرئة طافت ثلاثة أطواف أو أقل من ذلك
1 ـ معتمد العروة: 2/322. 2 ـ الاستبصار 2/317 ح 1121. ثم رأت ـ دما فقال: تحفظ مكانها فإذا طهرت طافت منه واعتدت بمامضى» (1)ورواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن حريز عن محمد بن مسلم وقال بدل (أطواف) (أشواط) (2) وفي الاستبصار(3) وقد أفتى به الصدوق فبناءاً عليه القدر المتيقن من صورة البطلان ما إذا لم تتمكن من الطواف قبل الحج دون ما إذا كانت متمكنة منه فتأتي بالأربعة بعد الطهر وقبل الحج ولكن الخبر محمول على الطواف المندوب ويقيد إطلاقه بهذه الروايات المنجبرة فبعضها على فرض قبول ذلك بعمل الأصحاب
وبذلك كله يرد ما إختاره ابن إدريس من البطلان مطلقا واختاره الصدوق من الصحة كذلك ومن أراد الإحتياط عن مختار الصدوق (قدس سره) إن رأت الدم قبل أربعة أشواط في سعة الوقت تأتي بعد الطهر بطواف كامل بقصد الأعم من الاتمام والتمام، وأما في ضيق الوقت فالاحتياط التام مشكل فلا بدلها من العدول إلى الإفراد وعلى مختار ابن إدريس رحمه الله أيضاً في سعة الوقت يمكن له الإحتياط دون ضيق الوقت. وبعد كل ذلك نقول: الذي يقتضيه النظر الدقيق في الجمع بين الروايات أن الروايات التي في سندها ابن مسكان تختص بما إذا لم تتمكن من إتمام طوافها فهي تعدل إلى الإفراد ان لم تبلغ الأربعة وإن بلغتها وتبنى على تمامية متعتها والسعي والتقصير والإحرام لحج التمتع ويقيد بها صحيح محمد بن مسلم إذا لم تتمكن من إتمام طوافها ولم تبلغ الأربعة فلا وجه لتقييده بالطواف الواجب مطلقا وإن كان متمكنا من إتمامه بعد الطهر. وبعد ذلك تكون النسبة بين صحيح محمد بن مسلم وخبري أبي بصير وأحمد بن عمر الحلال نسبة المطلق إلى المقيد فإنهما قد دلا على أنها إذا لم تبلغ النصف لاتعتد بطوافه ومقتضى صحيح محمد بن مسلم بعد تقييده بروايات ابن مسكان الاعتداد به إذا كانت متمكنة من إتمامه فيقيد به
1 ـ من لا يحضره الفقيه: 2/24 ب 122. 2 ـ تهذيب الاحكام: 5 / 397 ح 138. 3 ـ الاستبصار: 2/317 ح 1121 . إطلاق خبري أبي بصير والحلاَّل الدَّال على عدم الإعتداد به مطلقا وتكون النتيجة عدم الاعتداد به إذا لم تتمكن من الإتمام دون صورة تمكنها منه . فيتحصّل من جميع ذلك انها تعتد بطوافها إذا تجاوزت عن النصف، سواء كانت متمكنة من إتمامه بعد الطهر وقبل الذهاب إلى عرفات أو لم تتمكن منه ولاتعتد به إذا لم تبلغ الأربعة ولم تكن متمكنة من اتمامه فتعدل إلى الإفراد وتعتد به إذا كانت متمكنة من إتمامه وإن لم تبلغ الأربعة ولكن مع ذلك لايترك الإحتياط في هذه الصورة بإعادة الطواف بقصد مافي ذمتها من التمام والإتمام. ولايخفى عليك قوة احتمال وحدة روايتي الصدوق والشيخ عن إبن مسكان عن إبراهيم وروايتي الكليني والشيخ الأول عن إسحاق بيَّاع اللؤلؤ والثاني عن أبي إسحاق صاحب اللؤلؤ فليست هذه الأربعد إلا واحدة وإن أبيت عن الحكم بوحدتها فهذا الإحتمال مانع عن الحكم بتعدد ها إذا فتنحصر الروايات في الأربعة رواية أبي بصير والحلال ومافي سنده إبن مسكان وصحيح محمد بن مسلم والله هو العالم. فروع
الأوّل: قد أشرنا أن المشهور بين الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم أن المرئة إذا طافت أربعة أشواط تبنى عليها وتتمّ طوافها بعد طهرها وهذا هو مدلول بعض أخبار الباب وقلنا: إن في بعض الروايات كالفتاوى أنها تبني على ما أتت به إذا بلغ طوافها إلى النصف أو تجاوز عنه واستظهرنا من الروايات والفتاوى أن مرادهم من النصف الشوط الرابع فإذا هي أتمت هذا الشوط تبني عليه
ويمكن أن يقال: إن النصوص والفتاوى في الدلالة على جواز البناء على أربعة أشواط ظاهرة بل صريحة وفي الاقل منها فيما بين ثلاثة أشواط والنصف إلى أربعة أشواط دلالتها لاتخلو من الإجمال وعلى هذا مقتضى اعتبار التوالي بين الأشواط وبطلان الطواف بالحدث كاعتبار هما في الصلاة اعتبارهما فيما دون الأربعة.
[299]
[300]
الابتلاء بالحيض في اثناء الطواف
[301]
[302]
[303]
[304]
[305]
[306]
[307]
[308]
[309]
[310]
فروع