کتاب الأم

ابی عبد الله الشافعی

جلد 7 -صفحه : 387/ 301
نمايش فراداده

الاختلاف في هذا الموضع قلت قد زعمت أن في اختلاف كل واحد من المختلفين حكمين و تركت قولك ليس الاختلاف إلا حكما واحدا قال ما تقول أنت ؟ قلت الاختلاف وجهان فما كان لله فيه نص حكم أو لرسوله سنة أو للمسلمين فيه إجماع لم يسع أحدا علم من هذا واحدا أن يخالفه و ما لم يكن فيه من هذا واحد كان لاهل العلم الاجتهاد فيه بطلب الشبهة بأحد هذه الوجوه الثلاثة فإذا اجتهد من له أن يجتهد وسعه أن يقول بما وجد الدلالة عليه بأن يكون في معنى كتاب أو سنة أو إجماع فإن ورد امر مشتبه يحتمل حكمين مختلفين فاجتهد فخالف اجتهاده اجتهاد غيره وسعه أن يقول بشيء و غيره بخلافه و هذا قليل إذا نظر فيه قال فما حجتك فيما قلت ؟ قلت له الاستدلال بالكتاب و السنة و الاجماع قال فاذكر الفرق بين حكم الاختلاف قلت له قال الله عز و جل ( و لا تكونوا كالذين تفرقوا و اختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ) و قال ( و ما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ) فإنما رأيت الله ذم الاختلاف في الموضع الذي أقام عليهم الحجة و لم يأذن لهم فيه قال قد عرفت هذا فما الوجه الذي دلك على أن ما ليس فيه نص حكم وسع فيه الاختلاف ؟ فقلت له فرض الله على الناس التوجه في القبلة إلى المسجد الحرام فقال ( و من حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام و إنه للحق من ربك و ما الله بغافل عما تعملون و من حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام و حيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ) أ فرأيت إذا سافرنا و اختلفنا في القبلة فكان الاغلب على أنها في جهة و الاغلب على غيري في جهة ما الفرض علينا ؟ فإن قلت الكعبة فهي و إن كانت ظاهرة في موضعها فهي مغيبة عمن نأوا عنها فعليهم أن يطلبوا التوجه لها غاية جهدهم على ما أمكنهم و غلب بالدلالات في قلوبهم فإذا فعلوا وسعهم الاختلاف و كان كل مؤديا للفرض عليه بالاجتهاد في طلب الحق المغيب عنه و قلت قال الله ( ممن ترضون من الشهداء ) و قال ( ذوي عدل منك ) أ فرأيت حاكمين شهد عندهما شاهدان بأعيانهما فكانا عند أحد الحاكمين عدلين و عند الآخر عدلين قال فعلى الذي هما عنده عدلان أن يجيزهما و على الآخر الذي هما عنده عدلين أن يردهما قلت له فهذا الاختلاف قال نعم فقلت له أراك إذن جعلت الاختلاف حكمين فقال لا يوجد في المغيب إلا هذا و كل و إن اختلف فعله و حكمه فقد أدى ما عليه قلت فهكذا قلنا و قلت له قال الله عز و جل ( ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة ) فإن حكم عدلان في موضع بشيء و آخر ان في موضع بأكثر أو أقل منه فكل قد اجتهد وادي ما عليه و إن اختلفا و قال ( و الآتي تخافون نشوزهن فعظوهن و اهجروهن في المضاجع و أضربوهن فإن أطعنكم ) الآية و قال عز و جل ( فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) أ رأيت إذا فعلت إمرأتان فعلا واحدا و كان زوج احداهما يخاف نشوزها و زوج الاخرى لا يخاف به نشوزها ؟ قال يسع الذي يخاف به النشوز العظة و الهجر و الضرب و لا يسع الآخر الضرب و قلت و هكذا يسع الذي يخاف أن لا تقيم زوجته حدود الله الاخذ منها و لا يسع الآخر و إن استوى فعلاهما قال نعم قال : قال و إن قلت هذا فلعل غيري يخالفني و إياك و لا يقبل هذا منا فأين السنة التي دلت على سعة الاختلاف قلت أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن بسر بن سعيد عن أبى قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران و إذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر ) قال يزيد بن الهاد فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم فقال هكذا حدثني أبو سلمة عن أبى هريرة قال و ما ذا : قلت ما وصفنا من أن الحكام و المفتيين إلى اليوم قد اختلفوا في بعض ما حكموا