أثبت سمعا من المشهود عليه ، و منها ما تظاهرت به الاخبار مما لا يمكن في أكثره العيان و تثبت معرفته في القلوب فيشهد عليه بهذا الوجه و ما شهد به رجل على رجل أنه فعله أو أقر به لم يجز إلا أن يجمع أمرين أحدهما أن يكون يثبته بمعاينة و الآخر أن يكون يثبته سمعا مع إثبات بصر حين يكون الفعل و بهذا قلت لا تجوز شهادة الاعمى إلا أن يكون أثبت شيئا معاينة أو معاينة و سمعا ثم عمي فتجوز شهادته لان الشهادة إنما تكون يوم يكون الفعل الذي يراه الشاهد أو القول الذي أثبته سمعا و هو يعرف وجه صاحبه فإذا كان ذلك قبل يعمى ثم شهد عليه حافظا له بعد العمي جاز و إذا كان القول و الفعل و هو أعمى لم يجز من قبل أن الصوت يشبه الصوت و إذا كان هذا هكذا كان الكتاب أحرى أن لا يحل لاحد أن يشهد عليه و الشهادة في ملك الرجل الدار أو الثوب على تظاهر الاخبار بأنه مالك الدار و على أن لا يرى منازعا له في الدار و الثوب فيثبت ذلك في القلب فيسع الشهادة عليه و على النسب إذا سمعه ينتسب زمانا أو سمع غيره ينسبه إلى نسبه و لم يسمع دافعا و لم ير دلالة يرتاب بها و كذلك يشهد على عين المرأة و نسبها إذا تظاهرت له أخبار من يصدق بأنها فلانة و يراها مرة بعد مرة و هذا كله شهادة بعلم كما وصفت و كذلك يحلف الرجل على ما يعلم بأحد هذه الوجوه فيما أخذ به مع شاهد و فى رد اليمين و غير ذلك .
و الله تعالى الموفق .
باب الخلاف في شهادة الاعمى
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فخالفنا بعض الناس في شهادة الاعمى فقال لا تجوز حتى يكون بصيرا يوم شهد و يوم رأى و سمع أو رأى و إن لم يسمع إذا شهد على رؤية فسألناهم فهل من حجة كتاب أو سنة أو أثر يلزم فلم يذكروا من ذلك شيئا لنا و كانت حجتهم فيه أن قالوا إنا احتجنا إلى أن يكون يرى يوم شهد كما احتجنا إلى أن يكون يرى يوم عاين الفعل أو سمع القول من المشهود عليه و لم تكن واحدة من الحالين أولى به من الاخرى فقلت له أ رأيت الشهادة أ ليست بيوم يكون القول أو الفعل و إن يقم بها بعد ذلك بدهر ؟ قال بلى قلت فإذا كان القول و الفعل و هو بصير سميع مثبت ثم شهد به بعد عاقلا أعمى لم تجز شهادته قال فأقول بغير الاول لا يجوز إلا بأمرين قلت أ فيجوز أن يشهد على فعل رجل حى ثم يموت الرجل فيقوم بالشهادة و هو لا يرى الرجل و يقوم بالشهادة على آخر و هو غائب لا يراه ؟ قال نعم قلت فما علمتك تثبت لنفسك حجة إلا خالفتها و لو كنت لا تجيزها إذا أثبتها بصيرا و شهد بها أعمى لانه لا يعاين المشهود عليه لان ذلك حق عندك لزمك أن لا تجيزها بصيرا على ميت و لا غائب لانه لا يعاين واحدا منهما أما الميت فلا يعاينه في الدنيا و أما الغائب ببلد فأنت تجيزها و هو لا يراه قال فإن رجعت في الغائب فقلت لا أجيزها عليه فقلت أفترجع في الميت و هو أشد عليك من الغائب ؟ قال لا قال فإن من أصحابك من يجيز شهادة الاعمى بكل حال إذا أثبت كما يثبت أهله فقلت إن كان هذا صوابا فهو أبعد لك من الصواب قال فلم لم تقل به ؟ قلت ليس فيه أثر يلزم فأتبعه و معنا القرآن و المعقول بما وصفت من أن الشهادة فيما لا يكون إلا بعيان أو عيان و إثبات سمع و لا يجوز أن تجوز شهادة من لا يثبت بعيان لان الصوت يشبه الصوت قال و يخالفونك في الكتاب قلت و ذلك أبعد من أن تجوز الشهادة عليه و قولهم فيه متناقض و يزعمون أنه لا يحل لي لو عرفت كتابي و لم أذكر الشهادة أن أشهد إلا و أنا ذاكر و يزعمون أنى إن عرفت كتاب ميت حل لي أن أشهد عليه و كتابى كان