و أنت خبير بان هذا النقل لا يصلح لاثبات حجية اصالة الصحة لعدم ثبوت إجماع أو شهرة به و قد عرفت حال بناء العقلاء و السيرة مع ان حجية هذا النحو من المثبتات كانها مقطوعة الفساد ، و هذا نظير إثبات دخول الوقت بأصالة الصحة إذا شك في صحة صلوته لاجل الشك في دخوله .
نعم استدل المحقق المذكور في مورد آخر على وجوب حمل فعل المسلم على السائغ بقوله تعالى في قضية الافك : و لو لا اذ سمعتموه ظن المؤمنون و المؤمنات بأنفسهم خيرا " و قالوا هذا فك مبين ( 1 ) قال رحمه الله : و الضمير في سمعتموه راجع إلى ما عبر عنه بما ليس لكم به علم في الآية اللاحقة دل بمقتضى كلمة لو لا الدالة على التنديم و التوبيخ على ان المسألة التي تنسب إلى الغير مما ليس للمخاطب به علم يجب الحكم بكونه افكا و كذبا ، و فيه دلالة على كون اصالة الصحة في فعل المسلم من باب الظن النوعى و بقوله : فاذ لم يأتوا بالشهداء فاولئك عند الله هم الكاذبون ( 2 ) دل على ان المدعين محكومون بالكذب ما لم يعلم صدقهم بإقامة الشهود و بقوله : لو لا اذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا ان نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم ( 3 ) و الضمير في اذ سمعتموه ايضا راجع إلى المرجع في الآية السابقة فيقتضى الحكم بكون ما ليس للانسان به علم مما ينسب إلى غيره بهتانا ( انتهى ) .
و أنت خبير بان الآيات الشريفة مربوطة بحمل فعل المسلم على الصحة بناء على ما هو المعروف : من انها واردة في عائشة ، فان مورد اصالة الصحة ما إذا وقع فعل من فاعل و لم يعلم انه وقع على وجه الصحيح أو الفاسد ، و فى المقام لم يقع فعل مردد بينهما بل كان الانتساب افكا و كذبا و كان السامع شاكا في صدور الفعل منها لافي صحة فعلها بعد صدوره ، فالتعيير و التوبيخ انما هو على انتساب فاحشة إلى الغير بلا علم بل لعل مجرد انتساب قبيح إلى الغير بلا علم داخل في الافتراء و الافك أو ملحق به .
1 - سورة النور الاية 12 . 2 - سورة النور الاية 13 . 3 - سورة النور الاية 16 .