وهنا اشكال و هو انه 1 : كيف لا دخل للنبي صلى الله عليه و آله في جعل الاحكام ، و هذه الروايات المنقولة في كتب الحديث و المجامع المعتبرة مثل الكافى صريحة في ان النبي اضاف الركعتين 2 على ركعتي الظهر و العصر لجهة مذكورة فيها و قد أمضاها الله تعالى و انفذها و لو لا ان الاحكام مفوضة من الله تعالى اليه لما كان يضيف الركعتين مثلا .
و الجواب عنه : ان هذه الاضافة كانت بعد استدعائه من الله تعالى و قبوله سبحانه لذلك و ليس ضم شيء بعد استدعاء ضمه من الله و قبوله و إمضائه ، من باب جعل الاحكام و تشريعه من عند نفسه ، و كون الامر مفوضا اليه ، و لو كانت هذه الاضافة من قبل التفويض الواقعي لما احتاجت إلى إمضاء الله تعالى و إنفاذه ، و الحال انه نص في بعض الروايات على اجازة الله لذلك .
كما ورد في الاخبار ان عبد المطلب خمس ما له في الجاهلية و لما بزغ فجر الاسلام أنفذ الله تعالى ذلك 3 و من هذا الباب تحريم الله ما حرم إسرائيل على
1 . أورده بعض تلامذه سيدنا الاستاد دام ظله العالي . 2 . من جملة هذه الروايات رواية فضيل بن يسار قال : سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول لبعض اصحاب قيس المعاصر : ان الله عز و جل ادب نبيه فأحسن أدبه فلما أكمل له الادب قال : انك لعلى خلق عظيم . ثم فوض اليه امر الدين و الامة ليسوس عباده . ثم ان الله عز و جل فرض الصلاة ركعتين ركعتين عشر ركعات فاضاف رسول الله صلى الله عليه و آله إلى الركعتين ركعتين و إلى المغرب ركعة فصارت عديل الفريضة لا يجوز تركهن الا في سفر و أفرد الركعة في المغرب فتركها قائمة في السفر و الحضر فاجاز الله عز و جل ذلك كله الخ . الكافى ج 1 ص 266 ، و سائل الشيعة ج 3 ص 31 . 3 . روى الصدوق . عن على بن ابى طالب عن النبي انه قال في وصية له : يا على ان عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن اجراها الله له في الاسلام : حرم نساء الآباء على الابناء فانزل الله عز و جل : و لا تنكحوا ما نكح آباء كم من النساء . و وجد كنزا فاخرج منه الخمس و تصدق به فانزل الله عز و جل : و اعلموا ان ما غنمتم من شيء فان لله خمسة الآية . و لما حضر زمزم سماها سقاية الحاج فانزل الله عز و جل ا جعلتم سقاية الحاج و عمارة المسجد نفسه ، 1 إلى ذلك من الموارد فانها لا تدل على التفويض أصلا . 2 و ما ورد في الاخبار من التعبير بتفويض امر الدين إلى النبي و الائمة عليهم السلام ، فمعناه انهم حافظون لشئون الدين و أمناء الله على حدود الله و حلاله و حرامه و أوامره و نواهيه ، و الا فهو مخالف لصريح قوله تعالى : " و ما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى " و على الجملة فالقول بالتفويض بانحاءه المذكورة باطل لا يصار اليه . قال الشيخ الصدوق في باب اعتقاد نفى الجبر و التفويض : عتقادنا في ذلك قول الصادق عليه السلام : لا جبر و لا تفويض بل امر بين الامرين . 3 و على هذا فالقول به مخالف لمذهب الامامية و اما مخالفته لضرورى الدين و إيجابه الكفر و النجاسة فهو موقوف باستلزامه تكذيب النبي و إنكار النبوة و القرآن ايضا . كما ان القسم الاول منه مستلزم لسلب القدرة و نقض التوحيد ، و فيه تكذيب النبي و القرآن لان الله تعالى يقول في اليهود : " قالت اليهود يد الله مغلولة الحرام كمن آمن بالله و اليوم الآخر ، الآية . وسن في القتل مأة من الابل فاجرى الله ذلك في الاسلام . و لم يكن للطواف عدد عند قريش فسن فيهم عبد المطلب سبعة اشواط فاجرى الله ذلك في الاسلام الخ الخصال أبواب الخمسة ح 90 1 . سورة آل عمران الآية 93 . 2 . يقول المقرر : هذا مضافا إلى عدم الوثوق و الاطمينان على أمثال هذه الرواية و ذلك لما ورد في الحديث ان رسول الله صلى الله عليه و آله لم يقترح على ربه في شيء يأمره به " مجمع البحرين مادة قرح ، و اقترحت عليه شيئا سئلته إياه من روية . " 3 . اعتقادات الصدوق المطبوع مع شرح باب حادى عشر ص 98 و مثله كلامه في الهداية ص 5 فراجع و راجع الكافى ج 1 ص 160 ح 13 . علت ايديه و لعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء " 1 و على هذا فهو كفر و ضلال و المعتقد به كافر نجس هذا . و اما ساير الاقسام فليس كفرهم بهذا الوضوح فكلما لزم منه تكذيب الرسالة مع العلم به و الالتفات اليه فهو ايضا كذلك و الا فمجرد القول بالتفويض لا يقتضيه و ان كان على خلاف ضروريات المذهب فان إنكار ضروري المذهب يوجب الخروج عن ربقة التشيع لا الاسلام ، بخلاف تكذيب النبي الذي يلزم من إنكار ضروري الدين فانه يوجب الخروج عن دائرة الاسلام ، و الدخول في حوزة الكفر . تذنيب يناسب المقام ثم ان بعضا ممن اعتنق تلك المبادي الفاسدة ، و المذاهب و المقالات الكاسدة - التي أمضينا الكلام فيها - و غيرها قد يتمسك بآيات أو روايات ، فيفسرها بحيث تطابق تلك المعتقدات الباطلة ، فهنا نقول : قد يكون التفسير و التوجيه واضح الفساد و البطلان و اقبح من طرح الآية أو الرواية ، و من هذا القبل قول بعض الفلاسفة ان المعاد روحاني و الجنة و النار ليستا جسمانيتين و ان المراد من الجنة و النعم المعدة في الآخرة هو النشاط الروحى و انبساط النفس و ابتهاجها في النشأة الآخرة و سرورها بالاعمال الصالحه التي قد تزود بها الانسان من دنياه ، و المراد من نار الجحيم و العذاب الاليم هو الآلام النفسانية ، إلى ذلك من الترهات و الاقاويل الكافرة . و على الجملة فهذا النوع من التفسير و التأويل واضح الفساد و موجب 1 . سورة المائدة الآية 64 . للكفر و النجاسه فانه خلاف الآيات الكريمة الناطقة بالمعاد البدني 1 الناصة في ذلك . اضف إلى ذلك ان من يفسر الآيات بهذا النحو و النسق وفقا لعقيدته الفاسدة فكانه يتخيل و يزعم ان احدا من الاكابر و الاصاغر لا يعرف و لا يفهم معناها و انما هو وحده قد فهمه ، و مآل ذلك نزول القرآن لا جله فقط ، كما انه يستلزم لغوية نزوله بالنسبة إلى غيره من الناس حيث انهم لا يفهمون معنى الآيات و لا يفقهون مغزى معارف الكتاب و مستلزم لا غراء الله تعالى عباده بالجهل . نعم الحكم بكفر القائل بالامور المزبورة موقوف على علمه و التفاته إلى تلك اللوازم . 1 . قال الله تعالى : " أو لم يرى الانسان انا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين و ضرب لنا مثلا و نسى خلقه قال من يحيى العظام و هي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة و هو بكل خلق عليم " سورة يس الآية 77 و 78 . و قال تعالى : " كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب " سورة النساء الآية 56 . و قال سبحانه : " و قالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا انطقنا الله الذي انطق كل شيء " سورة فصلت الآية 21 . و قال تعالى : " أ يحسب الانسان الن نجمع عظامه بلى قادرين على ان نسوى بنانه " سورة القيامة الآية 3 و 4 . إلى ذلك من عشرات آيات صريحة في ذلك . فانظر بعين الانصاف فهل يمكن توجيه هذه الآيات الشريفة و هل هى قابلة للتأويل ؟ و لذا قال بعض بعد ذكر آية أو لم ير الانسان ، إلى قوله : بكل خلق عليهم ، و نقل حكاية ابى بن خلف ، الواردة في شأن نزول الآية : و هذا مما يقطع عرق التأويل بالكلية . و قال العلامة المجلسي رضوان الله عليه : أعلم ان القول بالمعاد الجسمانى مما اتفق عليه جميع المليين و هو من ضروريات الدين و منكره خارج عن عداد المسلمين و الآيات الكريمة في ذلك ناصة لا يعقل تأويلها ، و الاخبار فيه متواترة لا يمكن ردها و لا الطعن فيها و قد نفاه أكثر ملاحدة الفلاسفة تمسكا بامتناع اعادة المعدوم و لم يقيموا دليلا عليه بل تمسكوا تارة بإدعاء البداهة و اخرى بشبهات واهية لا يخفى ضعفها على من نظر فيها بعين البصيرة و اليقين و ترك تقليد الملحدين من المتفلسفين انتهى . و قد لا يكون توجيهه و تأويله بهذه المثابة من وضح بطلانه بل هناك نوع خفاء يمكن عادة توجيهها كذلك ، وهنا لا يمكن الحكم بكفر من قال به تمسكا بالآيات و الروايات لا حتمالها ذلك عرفا . الكلام حول المخالفين من جملة المباحث التي وقعت موردا للنقض و الابرام و صارت معركة آراء الاعلام هو البحث في طهارة المخالفين و نجاستهم . فقال صاحب الجواهر قدس سره : الاقوى طهارتهم . وفاقا للمشهور ، انتهى و يستفاد منه ان المشهور قائلون بنجاستهم . و قال صاحب الحدائق : المشهور بين متأخري الاصحاب هو الحكم بإسلام المخالفين و طهارتهم ، و خصوا الكفر و النجاسة بالناصب ، ( إلى ان قال : ) المشهور في كلام اصحابنا المتقدمين هو الحكم بكفرهم و نصبهم و نجاستهم و هو المؤيد بالروايات الامامية . ثم انه رحمه الله ذكر اسماء عدة من الاعلام و الاكابر القائلين بالنجاسة 1 و 1 . و هم الشيخ ابن نوبخت من متقدمي الاصحاب و متكلميهم و المفيد و الشيخ الطوسى و ابن لكن ليس هؤلاء كلهم من المتقدمين بل فيهم من كان من المتوسطين و المتأخرين ، فالأَولى مراجعة كلمات القدماء ليعرف آرائهم و فتاويهم فانهم اعمدة الدين و وسائط بيننا و بين الائمة المعصومين ، صلوات الله عليهم أجمعين . و يظهر من كلامه قدس سره ان منشأ الخلاف في المسألة و اول من قال بالطهارة هو المحقق صاحب الشرايع و إليك نص كلام الحدائق : ان من جملة من صرح بطهارة المخالفين - بل ربما كان هو الاصل في الخلاف في هذه المسألة في القول بالاسلامهم و ما يترتب عليه - المحقق في المعتبر . أقول : و يرد عليه ان بعضا من الاركان قبل المحقق ايضا قد قال بطهارة أهل الخلاف و ليس هو المبتكر لهذا القول و البادى به قال المحقق في المعتبر : اسآر المسلمين طاهرة و ان اختلفت آرائهم عدا الخوارج و الغلاة ، و قال الشيخ في النهاية بنجاسة المجبرة و المجسمة ، و خرج بعض المتأخرين بنجاسة من لم يعتقد الحق عدد المستضعف . 1 و مراده من بعض المتأخرين هو ابن إدريس حيث قال : المخالف لاهل الحق كافر بلا خلاف بيننا . 2 ثم ان المحقق قدس سره قد استدل على ما ذهب اليه من طهارتهم بأمور : أحدها ما ذكره بقوله : لنا ان النبي صلى الله عليه و آله لم يكن يجتنب سؤر أحدهم و كان يشرب من الموضع الذي تشرب منه عائشة ، و بعده لم يجتنب على عليه السلام سؤر احد من الصحابة مع مباينتهم له و لا يقال : كان ذلك تقيه لانه لا إدريس و العلامة و ابن براج و السيد المرتضى و المولى محمد صالح المازندراني و المولى أبو الحسن الشريف ابن الشيخ محمد طاهر و غيرهم . 1 . المعتبر ، الطبع القديم ص 24 ، الطبع الحديد ج 1 ص 97 . 2 . السرائر ج 1 ص 356 بحث صلاة الميت و لفظه : و المخالف للحق كافر ، بلا خلاف بيننا .تذنيب مناسب المقام
الكلام حول المخالفين