يصار اليه الا مع الدلالة .ثانيها ما افاده بقوله : و عن علي عليه السلام انه سئل أ يتوضأ من فضل جماعة المسلمين احب إليك أو يتوضأ من ركو ابيض مخمر ؟ فقال : بل من فضل وضوء جماعة المسلمين فان احب دينكم إلى الله تعالى الحنيفية السهلة السمحة و ذكره أبو جعفر بن بابويه في كتابه .1 أقول : بيان هذه الرواية ان عدم استعمال سؤرهم امر مشكل ، و فى اجتنابه صعوبة و زحمة على العباد ، و من المعلوم ان الاسلام هو الشريعة السهلة السمحة و دين فيه من اليسر و السهولة ما لا يخفى ، فلذا لا يجب الاجتناب و لا يلزم تحمل هذا الامر الشاق .و الايراد عليه في استدلاله هذا بشموله للخوارج و النواصب ايضا مع انهم كفار بلا كلام و يجب الاجتناب عنهم قطعا ، في محله .و ذلك لان غرضه هو إثبات طهارتهم في الجملة ، و هذا لا ينافى استثناء افراد خاصة بالدليل المخصص .ثالثها : رواية عيص بن القاسم عن ابى عبد الله عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه و آله كان يغتسل هو و عائشة من إناء واحد .2 رابعها قوله : و لان النجاسة حكم مستفاد من الشرع فيقف على الدلالة ثم قال : اما الخوارج فيقدحون في على عليه السلام و قد علم من الدين تحريم ذلك فهم الاعتبار داخلون في الكفر لخروجهم عن الاجماع و هم المعنيون بالنصاب و اما الغلاة فخارجون عن الاسلام و ان انتحلوه انتهى .و حيث ان صاحب الحدائق كان قائلا بنجاسة المخالفين فقد اجاب عن 1 .من لا يحضره الفقية ج 1 باب المياه ح 16 . 2 .و سائل الشيعة ج 1 ص 168 ب 7 من أبواب الاسئار ح 1 .
(232)
تلك الوجوه .اما عن حديث السؤر و حكاية عائشة فبان الولاية التي هى معيار الكفر و الايمان انما نزلت في آخر عمره صلى الله عليه و آله في غدير خم و المخالفة فيها المستلزمة لكفر المخالف انما وقعت بعد موته فلا يتوجه الايراد بحديث عائشة و الغسل معها من إناء واحد و مساورتها كما لا يخفى و ذلك لانها في حياته على ظاهر الايمان و ان ارتدت بعد موته كما ارتد ذلك الجم الغفير المجزوم بايمانهم في حياته صلى الله عليه و آله .ثم نقض على المحقق بما حاصله انه يعترف بكفر من أنكر ضروريا من ضروريات الدين و ان لم يعلم ان ذلك منه عن اعتقاد و يقين و لا يحكم بنجاسة من يسب أمير المؤمنين عليه السلام و أخرجه قهرا مقادا يساق بين جملة العالمين . و نحن نقول : بالنسبة إلى قصة عائشة : ان ولاية أمير المؤمنين عليه السلام و وصايته كانت امرا مسلما من أوائل امر الدعوة و ظهور الاسلام خصوصا بالنسبة إلى من كان في بيت رسول الله كما يدل على ذلك حديث يوم الدار 1 ، و عداوة عائشة لا مير المؤمنين عليه السلام ايضا لم تكن منحصرة بما بعد وفاة النبي 1 .و هو انه لما نزلت قوله تعالى : " و أنذر عشيرتك الا قر بين " ( سوره الشعراء الآية 214 ) صنع رسول الله صلى عليه و آله طعاما و جمع بين عبد المطلب و هم يومئذ أربعون رجلا فاكلوا جميعا . و فعل ذلك في يوم بعده و بعد ان أكلوا - من الطعام القليل - حتى ما لهم بشيء حاجة . تكلم رسول الله صلى الله عليه و آله فقال : يا بني عبد المطلب انى و الله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به انى قد جئتكم بخير الدنيا و الآخرة و قد أمرني الله تعالى ان ادعوكم اليه فايكم يوازرنى على هذا الامر على ان يكون اخى و وصيي و خليفتي فيكم ؟ قال على عليه السلام : فاحجم القوم عنها جميعا و قلت : وانى لا حدثهم سنا و ارمصهم عينا . أنا يا نبى الله أكون وزيرك عليه فاخذ برقبتي ثم قال : ان هذا اخى و وصيي و خليفتي فيكم فاسمعوا له و أطيعوا قال : فقام القوم يضحكون لابى طالب : قد امرك ان تسمع لا بنك و تطيع ، راجع الغدير ج 2 ص 278 و قد نقله عن تاريخ الطبري ج 2 ص 216 و عن جماعة من أهل السنة .
(233)
الاعظم صلى الله عليه و آله و ارتحاله بل هى لا تزال كذلك في حياته و بعد وفاته .1 و يرد على ما أورده من النقض بان كل ما يؤتى به بالنسبة إلى أمير المؤمنين من الهتك و الظلم فليس من باب إنكار الضروري للدين و لا من باب الانكار بل ربما يكون منشأ ذلك هو غلبة الهوى . و أجاب عن حديث الوضوء من فضل وضوء جماعة المسلمين بوجهين : أحدهما : انه مصادرة بالمطلوب .ثانيهما : انا لا نسلم ان المراد بالاسلام في الرواية معناه الاعم ، بل المراد منه هو المعنى المرادف للايمان . 1 .كما يفصح عن ذلك ما ورد في حديث الطير من ان عليا عليه السلام قد طرق الباب ليدخل على رسول الله ثلاث مرات و لم تأذن له ان يدخل حتى قال لها رسول الله صلى الله عليه و آله في الثالثة : يا عائشة افتحى له الباب . و ورد في آخر هذا الخبر ان النبي قال لها : ما هو باول ضغن بينك و بين على و قد وقفت على ما في قلبك لعلى انك لتقاتلينه . راجع البحار ج 38 ص 348 .و أيضا ما رواه عن كشف اليقين عن على بن ابى طالب عليه السلام قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه و آله قبل ان يضرب الحجاب و هو في منزل عائشة فجلست بينه و بينها فقالت : يا ابن ابى طالب ما وجدت مكانا لاستك فخذى ؟ امطه عني فضرب رسول الله صلى الله عليه و آله بين كتفيها ثم قال لها : ويك ما تريد من أمير المؤمنين و سيد الوصيين و قائد الغر المحجلين .راجع البحار ج 22 ص 244 .و ما حكاه ابن ابى الحديد عن شيخه اللمعانى في علة ضغنها - بعد كلام طويل له - : ثم كان بينها و بين على عليه السلام في حياة رسول الله صلى عليه و آله أحوال و أقوال كلها تقتضي تهييج النفوس نحو قولها له و قد استدناه رسول الله فجاء حتى قعد بينه و بينها و هما متلاصقان : اما وجدت مقعدا لكذا - لا تكنى عنه - الا فخذى و نحو ما روى انه سايره يوما و أطال مناجاته فجاءت و هي سائرة خلفها حتى دخلت بينهما و قالت : فيم انتما فقد اطلتما .فيقال ان رسول الله صلى الله عليه و آله غضب ذلك اليوم . راجع شرح ابن ابى الحديد ج 9 ص 194 و قال في ص 199 : هذه خلاصة كلام الشيخ ابى يعقوب رحمه الله و لم يكن يتشيع و كان شديدا في الاعتزال و فى نهج البلاغة خطبة 155 : . و اما فلانة فأدركها رأى النساء و ضغن غلا في صدرها كمرجل القين و لو دعيت لتنال من غيري ما أنت إلى لم تفعل الخ .
(234)
توضيحه انا لو كنا نعلم ان المراد التوضئ من سؤر المخالفين لكان هذا دليلا على المطلوب و لكن الرواية لم تدل على ازيد من جواز الوضوء من فضل جماعة المسلمين ، و من الممكن فرض كونهم من موالى أمير المؤمنين و محبيه و أشياعه لامن المخالفين ، و استشهد لذلك بقول بعض العلماء الاعيان فراجع .ثم أورد على المحقق - فيما قاله في الخوارج من انهم المعنيون بالنصاب - بالخروج عن مقتضى النصوص المستفيضة في الباب و عدم موافق له في ذلك لا قبله و لا بعده من الاصحاب .و المستفاد من إيراده هذا هو ان النواصب مطلق المخالفين لا طائفة خاصة منهم على ما افاده المحقق من تفسير الخوارج بهم .و فى هذا المطلب و ما ذكره قبل ذلك ما لا يخفى .ثم انه رحمة الله عليه ذكر إخبارا دالة - عنده و بزعمه - على كفر المخالفين و نجاستهم - دفعا لما أورده المحقق في الوجه الرابع من ان النجاسة حكم مستفاد من الشرع فيقف على الدلالة - و نحن نذكر تلك الاخبار و نتعرض لما فيها .قال : فمنها ما رواه في الكافى بسنده عن مولانا الباقر عليه السلام قال : ان الله عز و جل ، نصب عليا ( عليه السلام ) علما بينه و بين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا ، و من أنكره كان كافرا ، و من جهله كان ضالا .1 و فيه ان الظاهر منها بقرينة قوله : و من جهله كان ضالا ، هو إنكار الولاية عن علم و فهم ، لان الجهل به عليه السلام هو الجهل بشامخ مقامه و ان عرف شخصه فمن جهل امر الولاية فهو ضال ، و فى قباله من أنكر عالما بعلو شأنه و رفعة مقامه و سمو مكانته و انه المنصوص بالخلافة قطعا ، و لا إطلاق لقوله : و من أنكره كان كافرا ، حتى يشمل الجاهل ايضا حيث ان الجملة الاخيرة متعرضة 1 .أصول الكافى ج 1 ص 437 .
(235)
للجاهل بالخصوص .فحاصل الرواية ان العارف بشأنه مؤمن ، و المنكر الجاهل ضال ، و المنك العالم كافر ، فلم يثبت الكفر الا للمنكر العالم و لا نتضائق عن ذلك فانه امر مسلم مفروغ عنه ، فان الانكار مع العلم و اليقين يستلزم تكذيب النبي صلى الله عليه و آله و سلم ، لكن اين هنا و مدعى صاحب الحدائق من كفر مطلق المخالفين مع ان أكثر هم ليسوا من المنكرين عن علم و يقين بل منشأ إنكار أكثر هم هو الجهل و الشبهة فالرواية على خلاف مدعاه ادل مما استدل له بها .و ان شئت مزيد توضيح للمقام نقول : ان الانكار على ثلاثة أقسام : 1 - الانكار مع العلم . 2 - الانكار مع الشك و هذا لا يتحقق الا بمعنى انه لو كان في الواقع فهو ينكره ، و الا فالشك لا يجامع الانكار لان معنى الشك هو احتمال الصحة كاحتمال البطلان و الدوران بينهما فكيف يمكن إنكار شيء مع احتمال صحته ؟ 3 - الانكار مع الجهل المركب و هذا في الحقيقة ليس إنكارا بل هو الجهل المحض و ان كان إنكارا بالنسبة إلى معتقدنا ، و الرواية متعرضة للاول و الثالث و ان المنكر بالنحو الاول كافر ، و بالنحو الاخير ضال ، لكن لا يخفى ان الانكار بالنحو الاخير ايضا قسمان : فتارة لا ينافى التصديق الاجمالى بما قاله النبي صلى الله عليه و آله نظير قطع الفقية و افتاءه بشيء فهو ينكر ما يخالفه لكنه بحيث لو علم ان الحق هو ما يخالف قوله لاقر بذلك و اعترف بخطأه .و اخرى ينافيه بحيث ينكر شيئا مصرا عليه حتى و لو علم بخطأه كمن يقول : انى لا اقبل امر كذا و ان كان حقا في الواقع ، فانكار هذا الشخص ينافى التصديق الا جمالي و يرجع امره إلى القسم الاول من الاقسام الثلاثة ، و على اى
(236)
حال فلا يصح التمسك بهذه الرواية في إثبات دخل الولاية في تحقق الاسلام مضافا إلى الاقرار بالشهادتين .و منها : عن ابى إبراهيم عليه السلام قال : ان عليا ( عليه السلام ) باب من أبواب الجنة فمن دخل بابه كان مؤمنا و من خرج من بابه كان كافرا و من لم يدخل فيه و لم يخرج منه كان في الطبقة الذين لله عز و جل فيهم المشيئة .1 أقول : الظاهر ان المراد من قوله فمن دخل بابه الخ هو لمصدق للولاية المعترف بالوصاية فهو المؤمن حقا ، و من قوله ( ع ) : و من خرج من بابه الخ هو المنكر لها عن علم و عرفان ، فهو الكافر ، و من قوله : من لم يدخل و لم يخرج الخ هو المستضعف اما لضعف عقله و دركه أو لعدم مساعدة الوسائل و التوفيق للعلم و ان كان بحيث لو ساعدته الوسائل لعلمها بهو في الطبقة الذين لله عز و جل فيهم المشيئة و امره موكول إلى الله يحكم فيه ما يريد .و هذه ايضا لا تدل على مدعاه حيث انها تدل على كفر الخارج عن باب الولاية عالما عارفا ، و نحن ايضا نقر و نعترف بذلك ، و انما النزاع في كفر مطلق المخالف و لم يثبت ذلك .و منها : عن الصادق عليه السلام قال : من عرفنا كان مؤمنا و من أنكرنا كان كافرا ، و من لم يعرفنا و لم ينكرنا كان ضالا حتى يرجع إلى الهدى الذي افترضه الله عليه من طاعتنا الواجبة فان مات على ضلالته يفعل الله به ما يشاء .2 أقول : ان معنى قوله عليه السلام : يفعل الله به ما يشاء ، هو انه يمكن مساعدة و سائل المغفرة كما انه يمكن عدم مساعدتها له فقد ورد في بعض الروايات شفاعة أمير المؤمنين عليه السلام للمخالف إذا لم يكن معاندا 1 .أصول الكافى ج 2 ص 389 . 2 .أصول الكافى ج 1 ص 187 .
(237)
له عليه السلام .و معنى قوله : لم يعرفنا و لم ينكرنا ، هو الساكت عن امر الولاية كمن يقول عند ذكر هذه الامور : مالنا و الغور فيها ذروها بحالها حقا كانت أو باطلا .و هذه الرواية ايضا لا تدل على مدعاه بل هى صريحة في ان مجرد عدم قبول الولاية لا يوجب الكفر بل يوجب الضلالة .نعم نقل بعد هذه الاخبار روايات تدل بإطلاقها على كفر المخالفين .و منها ما رواه الصدوق عن ابى عبد الله عليه السلام : ان الله تبارك تعالى جعل عليا عليه السلام علما بينه و بين خلقه ليس بينهم و بينه علم غيره فمن تبعه كان مؤمنا و من جحده كان كافرا و من شك فيه كان مشركا .1 فان قوله عليه السلام : و من جحده كان كافرا ، و ان كان ظاهرا في الجحد عن علم و يقين الا انه عليه السلام صرح بعد ذلك بشرك الشاك ايضا و عندئذ يقع التعارض بينها و بين ما مضى من الاخبار الدالة على ضلالة من لم يعرفهم و لم ينكرهم ، و عدم شركه .و يمكن ان يجمع بينهما بأحد وجهين : أحدهما : بالاطلاق و التقييد فان قوله عليه السلام : من لم يعرفنا و لم ينكرنا مطلق يشمل الشاك و غيره .و اما قول ابى جعفر عليه السلام في هذه الرواية : و من شك فيه كان مشركا خاص بحال الشك ، و النتيجة اختصاص الضلالة و عدم الكفر بمن لم يعرفهم لا مع الشك بل لعدم انقداح الاحتمال فيه حتى يحقق و تتم عليه الحجة ، فلو انقدح فيه الاحتمال و لم يعتن به و ترك الفحص و التحقيق و التنقيب و بقى على ما كان عليه من الشك يكون مشركا فكانه لا يريد التصديق الا جمالي للنبي صلى الله عليه 1 .ثواب الاعمال و عقاب الاعمال ص 249 .