و الاول : هو من كان احد أبويه مسلما حال انعقاد نطفته ثم أظهر الاسلام بعد بلوغه ثم ارتد و خرج عن الاسلام .و الثاني : هو من كان أبواه كافرين حين انعقاد نطفته ثم أظهر الكفر بعد بلوغه فصار كافرا ثم اسلم عاد إلى الكفر .ثم ان المرتد لو كان فطريا يجب قتله و يقسم أمواله التي كانت له حين ارتداده بين ورثته المسلمين و اما الاموال التي يكتسبها بعد ذلك اى في حين كفره ففى دخولها في ملكه و كذلك تبين منه زوجته في الحال و ينفسخ نكاحها بلا حاجة إلى طلاق و عليها ان تعتد عدة الوفاة ، و لو تاب فالتوبة و ان كانت مقبولة عنه ، الا انها لا تنفع لرفع حكم القتل ، و لا في رجوع ماله اليه ، و لا في رجوع زوجته اليه .و هل يجوز له نكاحها بعقد جديد ام لا ؟ اختلف الاعلام في ذلك فبين قائل بالجواز و بين قائل بالمنع ، و الظاهر انه يجوز ذلك ، هذا في الرجل .و اما المرأة فلو ارتدت بقيت أموالها على ملكها و لا تنقل عنها إلى ورثتها الا بالموت و ينفسخ نكاحها بانقضاء العدة سواء كانت فطرية أو ملية كما انها لا تقتل مطلقا بل تحبس و تضرب أوقات الصلاة و يدام عليها السجن حتى تتوب أو تموت .و اما المرتد عن ملة فلا تنتقل أمواله إلى ورثته الا بالموت كما انه لا يقتل الا إذا تكررت منه الردة ، و اما زوجته فان فسخ نكاحها موقوف على انقضاء العدة بلا توبة الا ان يكون الارتداد قبل الدخول فانه يقع الانفساخ في الحال ، هذا .و قد علمت مما ذكرنا ان للمرتد أحكاما خاصة في نفسه و ماله و زوجته كما ان لمطلق الكافر ايضا أحكاما مثل نجاسة بدنه و كونه مهدور الدم الا ان
(183)
كلمة في ولد المرتد
يكون كتابيا في ذمة الاسلام مواظبا على آدابها و شرائطها - فان ماله محترم و دمه محقون - و كذا الكتابي الذي اجاره المسلم .كلمة في ولد المرتد ثم انا قد ذكرنا سابقا ان ولد الكافر ملحق به الا في موارد تعرضنا لها فحينئذ تصل النوبة إلى البحث في ان ولد المرتد هل يلحق بالمرتد في احكامه ايضا ام لا ؟ أقول : من الواضح ان ولد المرتد من حيث هو ليس بمرتد لان المرتد هو من كان مسبوقا بالاسلام ثم ارتد و خرج بالردة قولا أو فعلا و هذا التعريف لا يصدق عليه الا انه لو انعقدت نطفته في حال ارتداد الابوين فانه لا محالة يكون الولد - على ما ذكرنا من ادلة التبعية - نجسا و يترتب عليه أحكام الكفر ، اما لو كان علوق الولد و انعقاد نطفته قبل ارتدادهما اى في حال اسلامها ، ثم بعد ذلك حصل لهما الارتداد ، فلا يلحق بالكفار إجماعا لا قتضاء شرف الاسلام و علوه و سموه لحوقه بالمسلمين فهو وارث مسلم لهما سواء كان تولده في حال الارتداد أو عرض الارتداد بعد ذلك ايضا و هذا كله في ارتداد كليهما و اما لو ارتد أحدهما فالولد ملحق بالمسلم منهما و ان كان العلوق حال الارتداد - لشرف الاسلام فانه يقتضى الحاقه به كما ذكرنا ذلك سابقا .1 1 .أقول ان سيدنا الاستاد الاكبر دام ظله قد تعرض لاحكام المرتد في هذا المقام عابرا لكنه دام بقاه قد تعرض لاستدلالاتها تفصيلا عند البحث عن المرتد في الحدود و قد قررناها تفصيلا في كتابنا : الدر المنضود في أحكام الحدود و قد طبع المجلد الاول منه بحمد الله و منه .
(184)
تنبيهات : ثم ان ههنا أمورا ينبغى التعرض لها : أحدها ان الفقية الهمداني رضوان الله عليه ادعى انصراف الاجماعات القائمة على نجاسة الكافر إلى المرتد منهم ، فانه عند البحث عن كفر النواصب قال : فمتى حكمنا بكفرهم هل يثبت بذلك نجاستهم ام لا ؟ فيه تردد نظرا إلى ان عمدة مستنده الاجماع ، و ربما يتأمل في تحققه على نجاسة كل كافر نظرا إلى انصراف معاقد الاجماعات المحكية و كلمات المجمعين إلى المرتد انتهى كلامه رفع مقامه .و هذا عندنا وجيه فان الانصراف الذي ادعاه انصراف بدوي يزول بأدنى تأمل و أقل توجه و التفات .و هذا نظير انصراف طهارة الملح إلى الملح المتداول المتعارف الذي كان من بدو الامر و من حين نشأه ملحا ، و انصرافها عما إذا كان كلبا فصار ملحا في المملحة فان هذا الانصراف إبتدائي و يزول بالتوجه و الالتفات إلى إمكان تبدل الكلب في المملحة ملحا و هناك يقطع بعدم الفرق بين القسمين من الملح ، و الحاصل انه لا فرق في الحكم بنجاسة الكافر بين ما إذا كان كافرا اصليا مسبوق بالاسلام و بين ما إذا كان كفره مسبوقا به اعنى المرتد .ثانيها : في ميزان ثبوت الردة فنقول انها تثبت بالشاهدين أو الاقرار و لا تثبت بغير ذلك و تفصيل هذه المطالب موكول إلى كتاب الشهادات و الحدود .ثالثها : انه لو علم احد ، ارتداد شخص بان سمع منه كلمة الردة مثلا يجوز له قتله ان لم يخف على نفسه ، و يعامله معاملة النجس و مع ذلك فلو قتله فعليه إثبات ارتداده بطريق شرعي و ان قتله له كان بذلك السبب لا لجهة اخرى و لو قتله و لم يتمكن من إثبات ذلك يقتل لانه قتل من لم يثبت كونه مهدور الدم .لا يقال : ان النبي مع علمه بارتداد بعض الناس لم يقتلهم .
(185)
كلمة حول المنافقين
لانا نقول ان الملاك هو العلم بالطريق العادي لا المستفاد من طرق جلية كالوحى مثلا .كلمة حول المنافقين ثم انك قد علمت مما ذكرنا مرارا ان المعيار في الحكم بإسلام احد هو الاقرار بالشهادتين و انهما تمام حقيقة الاسلام مشروطا بعدم إبراز ما يخالف الاسلام و الا فهو محكوم بالكفر و الارتداد و امضينا ايضا ان المنافقين كانوا محكومين عليهم بحكم الاسلام و كان النبي يعاملهم معاملة المسلمين لانهم أظهروا الشهادتين و اقروا بكلمة الاسلام و ان كانوا مضمرين للكفر .و قد أورد علينا بعض شركاء مجلس الدرس بأنهم و ان اقروا بالشهادتين لكنهم أبرزوا مخالفتهم للاسلام و انهم بصدد استهزاء المؤمنين كما نص على ذلك القرآن الكريم حيث يقول : " و إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا و إذا خلوا إلى شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزءون . " 1 فان قولهم لزملاءهم و شياطينهم : ( انا معكم ) و كذا قولهم : ( انما نحن مستهزءون ) مخالف لا قرارهم بالشهادة ، و رجوع عن الاسلام ، و كان اللازم على ما ذكر من المبني و المعيار في الارتداد ان يحكم النبي بارتداد هم و كفرهم ، مع انه لم يحكم بذلك بل كان يعاشرهم و يجالسهم .و فيه ان الحكم بالارتداد أو القتل و أمثال ذلك - نظير باب القضاء - تابع لموازين خاصة و قواعد و معائير مضبوطة لا يتجاوزها بل يدور مدارها نفيا و إثباتا فترى ان النبي الاعظم صلى الله عليه و آله يقول : ( انما السراد بينكم 1 .سورة البقرة الآية 14 .
(186)
بالبينات و الايمان ) 1 و كان يقضى بين الناس على حسب هذه الموازين العادلة اى بمقتضى بينة المدعى ، و الا فيمين المدعى عليه ، مع انه كان عالما بحقيقة الامر و متن الواقع ، لكنه كان لا يعمل بعلمه المأخوذ من الغيب و لم يكن مأمورا ان يعامل المترافعين معاملة الواقعيات و الحكم بين الناس بحكم داود على نبينا و آله و عليه السلام و الامر فيما نحن فيه ايضا كذلك فان الملاك في الحكم بالارتداد و الكفر هو اظهار الردة و إتيان كلمة الكفر عيانا أو بمثبت شرعي و اما إتيانها خفاءا و العلم بذلك بطريق الوحي فلو يعتبر ذلك سببا للحكم بالكفر و الارتداد .و ما نحن فيه كان من هذا القبيل فان المنافقين قد اقروا بتوحيد الله و رسالة محمد صلى الله عليه و آله ، و هم و ان خالفوا ذلك لكن مخالفتهم كانت في الخفاء و عند شياطينهم و فى أندية زملائهم مع احتفاظهم جدا على ظاهر الامر فكانوا على ظاهرهم مسلمين و مقرين في مجامع أهل الايمان بالشهادتين و انما علم النبي صلى الله عليه و آله بما اتوا في الخفاء بعلمه الخاص الذي اشرق و افيض عليه من افق الغيب ، و ليس هو الملاك و المعيار في الحكم بالكفر ، فلذا كان يعاملهم على حسب ظاهرهم الذي هو الاسلام .و هذا الحكم بعد ايضا كذلك فلو اقر شخص بالاسلام ، ثم انه قال بكلمة الردة في الخفاء ، و لم يبرز منه الا الاسلام و الاعتناق به ، و لم يتفوه بشيء يخالفه ، فهو مسلم عندنا .و يؤيد ما ذكرنا انه في عصر النبي صلى الله عليه و آله ربما كان واحد منهم يقول بشيء يخالف الاسلام و بعد ما يؤاخذه النبي على ذلك ينكره 1 .و سائل الشيعة ج 18 ص 169 ب 2 من أبواب كيفية الحكم ح 1 و باقى الحديث ايضا شاهد للبحث فراجع .
(187)
اشد الانكار و كان النبي يقبل منه هذا الاعتذار و الانكار ، و لاجل هذا و أشباهه سموه اذنا قال الله تعالى : يقولون هو اذن قل اذن خير لكم .1 1 .سورة التوبة الآية 61 : أقول ولي في الاستشهاد بالآية الكريمة على ما افاده سيدنا الاستاد الاكبر دام ظله العالي نظر و تأمل حيث انه تعالى يقول : بعد ذلك : يومن بالله و يومن للمؤمنين و رحمة للذين آمنوا منكم .