و قال : " ان الدين عند الله الاسلام " 1 و قال : " و من يبتغ الاسلام دينا فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين " 2 و هو ملاك الاجر ، و مناط المثوبات الاخروية ، و الحصن الذي يلجأ اليه في التخلص من النار ، و هو عبارة عن لا قرار المتعاضد بالاعتقاد الجازم و الشهادة المقرونة بعقد القلب لا يفترق و لا يتخلف أحدهما عن الآخر ، و يزول الايمان بزوال كل واحد من الامرين ، سواء اعتقد بالقلب و لم يقر بذلك لسانا بل أنكره باللسان أو تظاهر بالدين و أقرت باللسان و لم يعتقد بقلبه فيعاقب على عدم اليقين ان لم يكن قاصرا اما لو كان قاصرا أو لم تسمح له الوسائل الكافلة للقطع و اليقين ، فيمكن ان لا يكون معاقبا و معذبا عند الله تعالى .و الحاصل ان هذا القسم لا يجامع الشك فضلا عن الانكار القلبي بخلاف القسم الاول الذي كان تمام المعيار فيه هو الاقرار باللسان حيث انه كان يجامع الانكار القلبي فضلا عن الشك .ثم ان بين ما مضى من كلام المحقق الهمداني و ما اتى به بعده نوع تهافت و تنافر حيث انه قال بعد العبارات التي نقلناها آنفا : و هل يكفى الاقرار و التدين الصوري في ترتيب اثر الاسلام من جواز المخالطة و المناكحة و التوارث ام يعتبر مطابقته للاعتقاد فلو علم نفاقه و عدم اعتقاده حكم بكفره و اما لو لم يعلم بذلك حكم بإسلامه نظرا إلى ظاهر القول ؟ وجهان لا يخلوا و لهما عن قوة كما يشهد بذلك معاشرة النبي مع المنافقين المظهرين للاسلام مع علمه بنفاقهم مضافا إلى جملة من الاخبار بكفاية اظهار الشهادتين في الاسلام الذي به يحقن الدماء و يجرى عليه المواريث من إناطته بكونه ناشئا من القلب و انما يعتبر ذلك في 1 .سورة آل عمران الآية 19 . 2 .سورة آل عمران الآية 85 .
(148)
الايمان الذي به يفوز الفائزون و هو اخص من الاسلام الذي عليه عامة الامة كما نطق بذلك الاخبار الكثيرة و شهد له قول الله عز و جل : " قالت الاعراب . " 1 و نحن نتسائل و نقول : ان الشاك الذي حكم قدس سره في أول بحثه بكفره لظاهر الشرع هل هو الشاك المقر بالشهادتين أو المقر .فان كان المراد هو الاول فكيف قوى في العبارة الاخيرة كفاية الاقرار و التدين الصور في ترتيب اثر الاسلام .و ان كان المراد هو الشاك المقر ففيه انه لا اثر لشكه لكفاية مجرد عدم الاقرار بالشهادتين في الحكم بكفره .و على الجملة فمع كفاية الشهادتين في الحكم بالاسلام الظاهرى لا مجال للبحث في الشك أصلا فينبغي ان يقال : ان من اقر بالشهادتين فهو مسلم ظاهري سواء كان معتقدا بهما في قلبه أو شاكا أو قاطعا بالخلاف و من لم يقربهما فليس بمسلم و ان علمنا انه معتقد واقعا .و يشهد لذلك قوله تعالى : " و جحدوا بها و استيقنتها أنفسهم ظلما و علوا " 2 حيث ان الله سبحانه عابهم و لامهم بذلك و لو كان الاعتقاد قلبا و مجردا عن الاقرار كافيا لما صح ان يعيبهم بهذه الكلمة الواردة في مقام اللوم و الذم .و مما يجدر بنا ان نذكره في هذا المقام ان ما ذكرنا من كفاية الاقرار بالشهادتين في الحكم بالاسلام مشروط بعدم إظهاره ما يخالف شهادته ، و ما يكذب إقراره ، و الا كان كافرا و لذا قال المحقق في الشرايع عند ذكر النجاسات وعدها : الكافر و ضابطه من خرج عن الاسلام أو من انتحله و جحد ما يعلم من الدين ضرورة انتهى . 1 .مصباح الفقية كتاب الطهارة ص 563 2 .سورة النمل الآية 14 .
(149)
و على هذا فالكافر قسمان : أحدهما : الخارج عن حد الاسلام من رأس .ثانيهما : من انتسب إلى الاسلام و أقر بالشهادتين لكن اتى بشيء يكذب انتحاله و هو إنكاره ما كان ضروريا في الدين فان إنكار ما كان من الدين بالضرورة تكذيب لشهادته بالرسالة و الا فمن شهد ان محمدا صلى الله عليه و آله خاتم النبيين ، و مرسل من الله تعالى إلى الخلق أجمعين ، و انه " ما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى " 1 فكيف ينكر شيئا ثبت انه مما جاء به قطعا - حيث انه من الضروريات - و هو عالم بذلك ؟ و اما الملاك و المعيار في كون شيء ضروريا فسنبحث فيه مستقلا انشاء الله تعالى كما ان البحث في كون الامامة التي هى من المسائل المهمة العريقة في الاسلام هل هى من الضروري ليكون إنكارها إنكارا للضروري و يلزم رد النصوص الواردة في أمير المؤمنين عليه السلام كما ذهب اليه صاحب الحدائق أو انها ليست من الضروريات بان يقال ان هذا البحث من الابحاث الحادثة بعد زمن النبي و النصوص الواردة فيها ليست متواترة فهذا البحث بحث موضوعى لا حكمى نظير البحث في انه لماذا اقتصر العلماء في مقام المثال للكافر على ذكر منكر التوحيد أو الرسالة و لم يذكروا المعاد مع ذكره في القرآن الكريم مرارا قرينا بالايمان بالله و هو ضروري من ضروريات الاسلام بل من ضروريات الاديان السماوية كلها فمنكره منكر لكل الاديان إلى ذلك من أمثال هذه المباحث فهي موكولة إلى مقام آخر و هو البحث في تعيين الموضوع و لعلنا نبحث فيها أو في بعضها انشاء الله تعالى .ثم ان في عبارة المحقق المذكورة آنفا نوع اجمال فانه عند بيان الضابط الكلى للكفر قال : ضابطه من خرج عن الاسلام الخ . 1 .سورة النجم الآية 3 و 4 .
(150)
كلمة اخرى حول الكفر
و المستفاد منها بلحاظ التعبير بالخروج لزوم كون الكفر مسبوقا بالايمان و هذا يقتضى كون الكافر الاصلى خارجا عن تحت التعريف لانه مسبوق بالاسلام و لا يصدق في حقه انه خرج عن الاسلام .و لعله لرفع هذا الاجمال أو الايهام و الاشكال فسر السيد صاحب المدارك قدس سره العبارة بقوله : المراد بمن خرج عن الاسلام من باينه كاليهود و النصارى و بمن انتحله و جحد ما يعلم من الدين ضرورة من انتمى اليه و أظهر التدين به لكن جحد بعض ضرورياته 1 انتهى كلامه رفع مقامه .و على ما بيناه فمعني العبارة ان الكافر قسمان .أحدهما : من لم يكن مسلما مقرا و داخلا في حوزة الاسلام و على هذا فالمراد بمن خرج عن الاسلام هو المسلم سواء كان مسبوقا بالاسلام ام لم يكن كذلك و لم يعهد منه الاسلام أصلا .ثانيهما : من كان منتحلا و مع ذلك كان منكرا للضروري .و لعل هذا المعنى و التفسير اقرب مما افاده سيد المدارك و كيف كان يصرف النظر عن ظاهر لفظ الخروج ، و قد تحقق ان الحكم بالكفر دائر مدار احد الامرين أحدهما تحقق نفس الكفر سواء كان مسبوقا بالاسلام ام لا و الآخر الانتحال إلى الاسلام مع إنكار الضروري .كلمة اخرى حول الكفر لا يخفى ان للكفر - في الآيات و الروايات و كلمات العلماء - إطلاقات مختلفة : 1 .مدارك الاحكام الطبع الجديد ج 2 ص 294 .
(151)
فتارة يطلق على منكر الصانع تعالى أو الرسالة مثلا .و اخرى يطلق على تارك فريضة من الفرائض قال الله تعالى : " و لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا و من كفر فان الله غنى عن العالمين " 1 فقد عد و اعتبر ترك الحج كفرا و تاركه كافرا .و ثالثة يطلق و يراد به ان المتصف به يحشر في القيامة مع الكافرين و فى زمرتهم .و لكن المقصد فيما نحن فيه هو الحكم بالنجاسة على المتصف به و هو تمام المراد و مطمح النظر و يؤل الامر إلى تفسير الكافر هنا بمن يحكم عليه بالنجاسة و هو يدور مدار واحد من الامرين المذكورين آنفا : أحدهما : كون الانسان خارجا عن حريم الاسلام و حوزة المسلمين بان لا يقر بالشهادتين كعباد الاصنام و اليهود و النصارى .ثانيهما : الانتحال مع الانكار و على ذلك يحكم بكفر الشاك الذي لا يقر و لا ينكر فهو بعدم إقراره بالشهادتين يكون كافرا .نعم في بعض الاخبار ما لا يساعد ذلك حيث ان الظاهر منه ان الملاك في الكفر هو الجحد ، و بما ان الشاك ليس بجاحد فليس هو كافرا .واهم هذه الاخبار و أظهرها روايتان : احديهما : رواية محمد بن مسلم قال : كنت عند ابى عبد الله عليه السلام جالسا عن يساره و زرارة عن يمينه فدخل عليه أبو بصير فقال يا ابا عبد الله ما تقول فيمن شك في الله ؟ فقال : كافر يا أبا محمد قال : فشك في رسول الله صلى الله عليه و آله ؟ فقال : كافر ، قال ثم التفت إلى زرارة فقال : انما يكفر إذا جحد .2 1 .سورة آل عمران الآية 97 . 2 .الكافى ج 2 ص 399 .
(152)
ثانيهما : رواية عن ابى عبد الله عليه السلام قال : لو ان العباد إذا جهلوا وقفوا و لم يجحدوا لم يكفروا .1 و حملهما المحقق الهمداني على المعروفين بالاسلام المعترفين بالشهادتين إذا طرء في قلوبهم الشكوك و الشبهات الناشئة عن جهالتهم فهم لا يخرجون بذلك عن الاسلام ما لم يجحدوا ما شكوا فيه و ليس المراد من لم يتدين بدين الاسلام أصلا فانه كافر نجس .فراجع ما نقلناه من كلامه آنفا .و قال المحدث الفيض الكاشاني رضوان الله عليه في ذيل الرواية الاولى مبينا لها : يعنى انه لا يكفر ما دام شاكا فإذا جحد كفر أو ان المراد بالشاك ، المقر تارة و الجاحد اخرى و انه كلما اقر فهو مؤمن و كلما جحد فهو كافر و الاول أظهر انتهى كلامه .توضيحه ان الشاك على الاحتمال الاول قسمان : أحدهما الشاك الجاحد ثانيهما الشاك الجاحد ، فان جحد فهو كافر نجس و الا فلا .و على الاحتمال الثاني فالشاك يختلف حاله فتارة يقر و اخرى ينكر .و يدور الاسلام و الكفر مدار الجحد و الاقرار فهو في حين الاقرار مسلم و فى حين الانكار كافر .لكنه رحمه الله استظهر الوجه الاول من الوجهين .و ذكر العلامة المجلسي قدس سره هنا وجوها و احتمالات فقال : قوله عليه السلام لزرارة انما يكفر إذا جحد يحتمل وجوها : الاول : ان غرضه الرد على زرارة فيما كان بينه و بينه من الواسطة بين الايمان و الكفر لئلا يتوهم زرارة من حكمه ( ع ) بكفر الشاك في الله و الرسول كفر الشاك في الامام ايضا ، بل ما لم يجحد الامام لا يكفر و يؤيده الخبر الاول من 1 .الكافى ج 2 ص 388 .
(153)
الباب الآتى .1 الثاني : ان يكون المراد ان الشك في أصول الدين مطلقا انما يصير سببا للكفر بعد البيان و اقامة الدليل و من لم تتم عليه الحجة ليس كذلك فالمستضعف الذي لا يمكنه التميز بين الحق و الباطل و لم تتم عليه الحجة ليس بكافر كما زعمه زرارة و قيل انما ذلك في الشك في الرسول و اما الشاك في الله فهو كافر لان 1 .مراده هو خبر هاشم صاحب البريد قال : كنت انا و محمد بن مسلم و أبو الخطاب مجتمعين فقال لنا أبو الخطاب ما تقولون فيمن لا يعرف هذا الامر ؟ فقلت : من لم يعرف هذا الامر فهو كافر فقال أبو الخطاب ليس بكافر حتى تقوم عليه الحجة فإذا قامت عليه الحجة فلم يعرف فهو كافر فقال له محمد بن مسلم : سبحان الله ما له إذا لم يعرف و لم يجحد يكفر ؟ ليس بكافر إذا لم يجحد قال : فلما حججت دخلت على ابى عبد الله عليه السلام فاخبرته بذلك فقال : انك قد حضرت و غابا و لكن موعدكم الليلة الجمرة الوسطى بمنى فلما كانت الليلة اجتمعنا عنده و أبو الخطاب و محمد بن مسلم فتناول وسادة فوضعها في صدره ثم قال لنا : ما تقولون في خدمكم و نساءكم و أهليكم أ ليس يشهدون ان لا اله الا الله ؟ قلت بلى قال : أ ليس يشهدون ان محمدا رسول الله صلى الله عليه و آله ؟ قلت بلى قال : أ ليس يصلون و يصومون و يحجون ؟ قلت بلى قال : فيعرفون ما أنتم عليه ؟ قلت لا قال فما هم عندكم ؟ قلت من لم يعرف هذا الامر فهو كافر قال : سبحان الله اما رأيت أهل الطريق واهل المياه ؟ قلت بلى قال : أ ليس يصلون و يصومون و يحجون ؟ أ ليس يشهدون ان الا اله الا الله و ان محمدا رسول الله قلت : بلى قال : فيعرفون ما أنتم عليه ؟ قلت : لا قال : فما هم عندكم ؟ قلت : من لم يعرف هذا الامر فهو كافر قال : سبحان الله اما رأيت الكعبة و الطواف واهل اليمن و تعلقهم بأستار الكعبة قلت : بلى قال : أ ليس يشهدون ان لا اله الا الله و ان محمدا رسول الله و يصلون و يصومون و يحجون ؟ قلت بلى قال : فيعرفون ما أنتم عليه ؟ قلت لا قال : فما تقولون فيهم ؟ قلت من لم يعرف فهو كافر قال : سبحان الله هذا قول الخوارج ثم قال : ان شئتم أخبرتكم فقلت انا : لا فقال : اما انه شر عليكم ان تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منا قال : فظننت انه يديرنا على قول محمد بن مسلم كافى .ج 2 ص 401 .و هذا الخبر و ان كان فيه هاشم و هو مجهول الا ان نقل على بن إبراهيم عن ابيه عن ابن ابى عمير يوجب توثيقه و قوله عليه السلام : هذا قول الخوارج .يعنى ان قولك : هذا كافر يوافق قول الخوارج المعتقدين ان من أنكر حكما من أحكام الله ضروريا كان أو غيره فهو كافر .و قد استشهد المجلسي بهذا الخبر على ان البحث في مسألة الامامة كانت دائرة و شايعة بين اصحاب الائمة و هم يبحثون حول من كان مسلما مقرا لكنه شك أو لم يعتقد أو أنكر واحدا من الاحكام و المقررات أو المعارف مثل الامامة لا في الشاك المسبوق بالاسلام .منه دام ظله العالي .