فرعان يكثر الابتلاء بهما الاول : انه قد يتفق ان أطفال اليهود أو النصارى أو غيرهما من الكفار يدرسون في مدارس المسلمين و يتوجهون في خلال ذلك إلى الدين و يعتقدون بما اعتقده المسلمون و يعتنقون الاسلام ، بما يتلقونه من معلميهم المتدينين أو من منظم المدرسة أو مديرها أو من أطفال المسلمين و شركاء درسهم الذين يجتمعون معهم في ساحة المدرسة و حلقات الدرس ، و لما يسمعون من المعارف العالية الالهية و الحقائق الخالدة الاسلامية و يشعرون بان الاسلام ضامن لسعادة الانسان و متكفل لحل مشكلاتهم فيتنور قلوبهم بمعالم الدين و يؤمنون بالله و الرسول فحينئذ هل يخرجون بذلك عن تبعية آبائهم الكافرين ام لا ؟ الثاني : عكس هذا فقد يتفق انه يدرس أطفال المسلمين في مدارس الكفار و المعاهد الثقافية أو التعليمة التي أسسها الاروبيون ، و يعلمهم معلم ضال مضل ، ينشر بين جدران تلك المدارس افكاره و يبث سمومه ضد القرآن ، فيشكك في مناهج الاسلام و عقائد المسلمين ، و يكثر من الايحائات الباطلة اغواءا لهم ، فيؤثر ذلك في هؤلاء التلاميذ الصغار 1 إلى ان ترى ان بعضا منهم قد انحرف و ترك الاسلام و رغب عنه مقبلا بقلبه إلى تلك المعتقدات الواهية و الاوهام الباطلة الكافرة التي اشرب في قلبه بها و على الجملة فان هذا المعلم 1 .أقول قد شاع هذا البلاء في عصرنا هذا بل المدارس من أقوى اجهزة الاستعمار الكافر الهدامة التي تبث روح الاستهتار و الانحراف و السفور في نفوس النشء الجديد من الطلاب و الطالبات .و الحق هو ما قاله الكاتب السوري الغيور : محمد سعيد العرفي : و فى الحقيقة ان المدارس الاجنبية قضت على كل آمال المسلمين لانها موضوعة لنشر التربية الاروبية النصرانية التي يقصد منها اضمحلال الاسلام انتهى .
(127)
المضل و عميل الاجانب قد اضله و اغواه ، فهل يحكم بنجاسته حينئذ أو هو بعد طاهر تبعا لابويه المسلمين ؟ .أقول : اما الفرض الاول : فالظاهر شمول الادلة الشارحة لحقيقة الاسلام له ، فان مفادها ان كل إنسان اعلن الشهادتين : الشهادة لله تعالى بالتوحيد و للنبي محمد صلى الله عليه و آله بالرسالة - و اعتقد بالله ، و بالنبوات ، و المعاد ، و غيرها من المعتقدات الاسلامية ، فهو مسلم ، و ليس البلوغ شرطا في الاسلام ، و ربما يكون البالغ أكثر تميزا و أشد اعتقادا و أقوى ايمانا من كثير من البالغين و قد يكون الصبي رشيدا كامل العقل متمكنا من الاستدلال على مبادئه و معتقداته بنحو لا يتمكن منه الا الخواص .و يدل على عدم اشتراط الاسلام بالبلوغ اسلام الامام على عليه السلام فانه كان اقدم الصحابة اسلاما ، و اسبقهم ايمانا ، و كان له من العمر حين نزول الوحي على النبي صلى الله عليه و آله احد عشر سنة أو اثنا عشر أو ثلائه عشر سنة فاسلم و لم يبلغ الحلم على ما قيل - و ان كان ذلك لا يخلو عن المناقشة - و بالجملة فهذا الصبي قد اقر بالشهادتين ، و اعتنق الاسلام ، و اتخذه دينا له و نبراسا لحياته ، فلماذا لم يحكم عليه بحكم الاسلام بعد عدم اشتراط البلوغ ، و اى نقص يتصور في اسلامه ؟ و اما الفرض الثاني : اعنى ولد المسلم الذي انحرف و تأثر بعقائد أهل الضلال ، و نفذت فيه الافكار العليلة ، التي ركزها فيه تزريق السفسطيين أو الملحدين ، حتى أنكر وجود الصانع تعالى ، أو وحدانيته ، أو رسالة محمد رسول الاسلام صلى الله عليه و آله ، أو المعاد ، و أشباه ذلك ، من ضروريات الاسلام ، عن عقل و ادراك ، و شعور و تميز ، فهذا يصدق عليه انه كافر ، ويحكم عليه بالنجاسة .
(128)
و ما ورد من ان أولاد المسلمين مسلمون ، و ان أولاد الكفار كفار 1 فهو مختص بما إذا لم يكونوا مستقلين في العقيدة و الاعتقاد ، اما الطفل المستقل في ذلك فهو لا يتبع والديه لا في الاسلام و لا في الكفر و كذا ما ورد من الروايات في أولاد المشركين من انهم يدخلون مداخل آبائهم 2 فهو ايضا لا يشمل المستقل في الاعتماد المنقطع عن أبويه و عن أهل نحلته هذا .مضافا إلى ما ذكرناه سابقا من كون هذا الامر اخرويا و لا مساس له بالدنيا .و ربما يقال : ان مقتضى رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم 3 عدم اعتبار اسلام الصبي أو كفره إلى ان يبلغ الحلم ، و على هذا فلا يحكم بإسلام الطفل في الفرض الاول و لا يحكم عليه بالكفر في الفرض الثاني .و الجواب : ان الظاهر من رفع القلم عنه هو رفع قلم المؤاخذة لا عدم ترتب حكم عليه أصلا و لذا لو أجنب الصبي وجب عليه الغسل بعد البلوغ فدليل رفع القلم لا يرفع هذا و أمثاله من الاحكام و ان أمكن للشارع رفعها الا ان لسان الدليل لا يقتضى ذلك و الحاصل ان مقتضاه رفع المؤاخذة فقط و عدم جريانه في الاحكام الوضعية .نعم مقتضى إطلاق رواية حفص المذكورة سابقا الواردة في رجل اسلم في دار الحرب ، و قول الامام عليه السلام : اسلامه اسلام لنفسه و لولده الصغار هو التبعية مطلقا سواء كان الطفل سالكا سبيل أبويه أو سبيلا يخالفه و يضاده أو لم يتخذ سبيلا أصلا و على هذا فمجرد اسلام المرء يكفى في اسلام الولد ، و كفره 1 .راجع البحار ج 5 ص 292 ح 9 وص 294 ح 21 . 2 .من لا يحضره الفقية ج 3 ص 491 و هو صحيح عبد اله بن سنان .3 . . عن ابن ظبيان قال : اتى عمر بإمرأة مجنونة قد زنت فامر برجمها فقال على عليه السلام : اما علمت ان القلم يرفع عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم و عن المجنون حتى يفيق و عن النائم حتى يستيقظ و سائل الشيعة ج 1 الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات ح 11 .
(129)
ايضا كاف في كفره .و لا يخفى ان هذا يتم لو كان الصغر عنوانا اصطلاحا لما قبل البلوغ و معرفا له فانه على هذا تدل الرواية على ان ولد المسلم الذي لم يبلغ الحلم يكون مسلما ، اى يترتب عليه آثار الاسلام و احكامه ، و ولد الكافر كذلك يكون كافرا ، اى يترتب عليه أحكام الكفر ، اما لو لم يكن الامر كذلك بل كان للفظ الصغير معنى عرفي و لغوى ، و هو الطفل المستقل و الولد التابع ( لا عنوانا لعدم البلوغ أو عبارة اخرى عن تعبير بعض الروايات اعنى الذي لم يبلغ الحلم ) فعلى هذا يكون الصغير منصرفا عن الطفل الذي استقل في الرأي و العقيدة ، و الظاهر هو الوجه الثاني لا الاول و لذا افتى كثير من العلماء بمشروعية عبادات الصبي و صحتها .نعم ربما يخطر ببالى و يبدو في نظرى في هذا المقام وجه لم اجد من تمسك به و هو ان العلماء رضوان الله عليهم أجمعين يتمسكون لا ثبات عدم اثر على بيع الصبي بما ورد من ان عمد الصبي خطأ 1 و الاخذ بظاهر هذا الدليل في المقام يقتضى عدم الاعتناء بإسلام الصبي أو كفره ، و عدم ترتيب آثارهما أصلا فان اسلامه أو كفره الذي نشأ عن عمد فهو كالخطأ و يكون هذا الصبي كمن اسلم بلا اختيار ، أو كفر بلا إرادة و كما انهم قالوا لا يعبأ ببيعه و سائر عقوده و افتوا بان الصبي لو و كل في انشاء العقد لا يكون عقده منشأ للآثار ، بل عمده في اجراء العقد كالخطأ ، و كأنه فعله بلا اختيار ، و هكذا يقولون في سائر الامور و الموارد ، فليكن ما نحن فيه ايضا كذلك . و سائل الشيعة الجزء 19 الباب 11 من أبواب العاقلة ح 2 عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه السلام قال : عمد الصبي و خطأه واحد .و الباب 36 من أبواب القصاص في النفس ح 2 عن على عليه السلام انه كان يقول في المجنون و المعتوه الذي لا يفيق و الصبي الذي لم يبلغ : عمدهما خطأ تحمله العاقلة .
(130)
الا انه يرد عليه ان الظاهر من ( عمد الصبي خطأ ) كونه في مقام الامتنان و مقتضاه رفع خصوص ما كان في رفعه امتنان دون ما لا يكون كذلك ، فكل ما كان في رفعه منة فهو مرفوع فاخذ الصبي بقوله و بيعه ، و إلزامه على ذلك ، خلاف الامتنان ، و يأتي في تلك الموارد عمد الصبي خطأ ، ويحكم مثلا بعدم صحة عقده ، و يقال ان قول الصبي : ( بعت ) كقول الساهى ، فان هذا هو مقتضى الارفاق و الامتنان من الله تعالى عليه ، حيث ان نوع أفعاله و تصرفاته على خلاف المصلحة ، و هكذا لا تترتب عليه أحكام الحدود ، و القصاص ، فلا تكليف و لا إلزام عليه ، لان لسان رفع القلم رفع المؤاخذة امتنانا .و هذا هو السبب في انصرافه عما إذا اقر بالشهادتين ، فانه يترتب عليه الاحكام و يؤثر إقراره و اعترافه ، و يخرج به عن تبعية الابوين الكافرين و يكون طاهرا .نعم قصارى ما يكن ان يقال هنا انه يشمل ما إذا اقر بالكفر ، أو قال بكلمة الردة ، فيقال ان عمده في ذلك كالخطأ فيه ، فلا يعبأ بقوله هذا ، و هو بعد باق على تبعيته للوالد المسلم على ما هو مقتضى الامتنان .و اما عدم قبول الاقرار بالشهادتين من الصبي فلا يقتضيه الامتنان بل هو خلافه .لوضوح البحث نمثل مثالا فنقول : لو شتمنا صبي فمقتضى الامتنان و ان عمد الصبي خطأ هو عدم الاعتناء بشتمه ، و ان لا نرتب عليه اثرا ، و اما لو سلم علينا فلا يصح ان يقال انه لا يجب رد سلامه ، تمسكا بعمد الصبي خطأ ، بل يجب علينا بمقتضى قول الله تعالى : ( و إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) 1 رد سلامه ، فهو كغيره و ان لم يكن عليه التسليم بل و لا يجب عليه رد السلام إذا 1 .سورة النساء الآية 86
(131)
تنبيه
سلم غيره عليه ، الا انه لو سلم يجب رد سلامه عليه .و على ذلك فلا بعد أصلا في كون الصبي المتميز المقر بالشهادتين و سائر اللوازم محكوما عليه بالاسلام و الطهارة ، و خارجا بذلك عن تبعية والديه في الكفر .اما طفل المسلم و الصبي المتولد منه فلو قال بالردة فيمكن التمسك هناك بعمد الصبي خطأ ، و القول بعدم ترتب الاثر عليه ، و انه باق على تبعية المسلم فتكون ردته نظير ردة من قال بها بمجرد لقلقة اللسان فهي مؤثرة ، كما انه لو قتل احدا لا يقتل به و على الجملة فالآثار الوضعية مترتبة ما لم تكن خلاف الامتنان .تنبيه : ثم انه لا يتوهم مما ذكرنا مثالا - من تعلم أولاد الكفار في مدارس المسلمين و معاهدهم العلمية - عدم جواز ذلك ، فانه جائز قطعا و بلا اشكال ، و كان الامام أمير المؤمنين عليه السلام ينهى 1 عن ان يكون لاهل الكتاب مدارس مستقلة في البلاد الاسلامية ، و يمنع عن تأسيسها فيها لا نفسهم ، و كان أولاد أهل الكتاب يتعلمون و يدرسون في مدارس المسلمين مع اطفالهم .و كان هذا لاجل نكتة شريفة اجتماعية و هي انهم إذا كانوا في مدارس المسلمين - مع ان مناهجها التعليمية و برامجها و نظاماتها بيد المسلمين و تحت مديريتهم و ان هذه الاطفال يعاشرون المسلمين و أطفالهم - فمن الممكن جدا ان يتسرب إليهم شيء من سيرتهم الحسنة أو قبس من أقوالهم القيمة المضيئة و يهتدوا إلى الله و يتوجهون إلى الاسلام في ظلال معاشرتهم هذه ، و ببركة 1 .كلما تفحصت لم أعثر على مصدر المطلب .
(132)
كلمة اخرى حول التبعية
مساورتهم لاطفال المسلمين ، فان المجالسة مؤثرة ، و العقائد و الصفات تتغير بالمعاشرة و المخالطة .كلمة اخرى حول التبعية و لما كان الدليل على نجاسة أولاد الكفار و عمدة ما يعتمد عليه في الحكم بالتبعية ، الاجماع فاللازم في الحكم المزبور الاقتصار على القدر المتيقن ، و هو ما إذا كانت التبعية محققه عرفا .فلو استدل الولد و خرج عن عنوانها ، قبل ان يبلغ فلا دليل على تبعيته و نجاسته سواء كان استقلاله بنحو ما ذكرناه آنفا و هو اختياره الاسلام ، و اعتناقه العقائد الاسلامية المقدسة ، أو بنحو ذكره الفقية الهمداني رضوان الله عليه بقوله : فلو استقل الولد و انفرد و لحق بدار الاسلام و خالط المسلمين و خرج عن حد التبعية العرفية خصوصا مع تدينه في الظاهر بدين الاسلام و لا سيما على القول بشرعية عبادة الصبي فلا ينبغى الاشكال في طهارته انتهى .1 غاية الامر ان مثالنا مشمول للادلة الشارحة لمفهوم الاسلام ، و ما ورد من انه يتحقق بالاقرار بالشهادتين ، فالطفل المزبور طاهر بالدليل بخلاف المثال الذي فرضه قدس سره ، فانه لا تشمله هذه الادلة لان مجرد لحوقه بدار الاسلام و مخالطته للمسلمين لا يوجب صيرورته مسلما ما لم يقر بالشهادتين فالدليل على طهارته - على ما يستفاد من كلامه - ان المتيقن من نجاسة أولاد الكفار هو ما إذا لم يستقلوا و المفروض ان هذا قد خرج عن دار الكفر و استقل بنفسه .و حيث انه ليس تابعا لا بويه فلذا لا يحكم عليه بالنجاسة . 1 .كتاب الطهارة مصباح الفقية ص 563 .