1 .أقول : و لا ينافى هذا ما ذكروه من ان الكفار مكلفون بالفروع كما انهم مكلفون بالاصول ، و ذلك لان ما افاده دام ظله متعلق بإجراء الحكم و تحقيقه و إنفاذه .
1 .قال الشهيد في الذكرى ص 157 - لا يجوز لاحد من المشركين دخول المساجد على الاطلاق و لا عبرة باذن مسلم له لان المانع نجاسته للآية ، فان قلت : لا تلويث هنا قلت : معرض له غالبا و جاز اختصاص هذا التغليظ بالكافر .انتهى .
نكتة شريفة
نكتة شريفة ثم ان في الآية الشريفة نكتة لطيفة ينبغى التعرض لها فنقول : انه يستظهر منها بدوا بحسب الفقاهة ان السر الوحيد و العلة التامة في منع المشركين عن دخول المسجد هو كونهم نجسا فيصطاد و يستفاد منها - بمقتضى كون العلة معممة - عموم و هو عدم جواز قرب اى نجس من النجاسات من المسجد مطلقا و لكن الظاهر من جملة ( فلا يقربوا المسجد الحرام ) بعد التأمل فيها انه حكم مختص بالمشركين و ان نجاستهم ليست علة حتى يعم الحكم جميع النجاسات بل هى حكمة لذلك .و ذلك لان النهى فيها عن قربهم من مسجد الحرام لا عن دخولهم فيه مع ان مجرد قرب النجاسة لا يوجب السراية و ليس هو سببا للنجاسة بل هى موقوفة على المماسة و الملاقاة و تأثر الملاقى بها فهذا التعبير حاك عن كمال اهتمام الشارع بعدم حصول اى صلة و ترابط بين المسلمين و الكفار و عزلهم عن اطار عيشهم و عشرتهم و على هذا فلا عموم أصلا .و بعبارة اخرى لما كان الناس يستبعدون عدم جواز قرب المشركين من المسجد و يكبر عليهم هذا الحكم لا سيما بلحاظ اناطة منافعهم بالتبادل التجارى معهم ، و اختلافهم ، و ترددهم إلى مكة المعظمة ، فلذا بين حكمة هذا الحكم اعنى لزوم طرد الكفار فقال : انما المشركون نجس .و هذه الحكمة تكشف عن عظمة تعاليم النبي الكريم و سمو دعوته ، و تقوى روح المؤمن و تشجعه و تجعله عزيزا شديدا على الكفار ، مكترث بهم في جنب الله ، لا يخاف في الله لومة لائم ، و تعلو في ظلها همته ، فلا يودهم و لا يتولاهم و لاما هو المراد من المسجد الحرام
اغناهم من فضله العميم و لطفه الجسيم ، و من أوفى بعهده من الله ؟ ما هو المراد من المسجد الحرام ؟ ثم ان هنا بحثا في تعيين المراد من المسجد الحرام المذكور في الآية ، فهل هو مجموع مساحة الحرم أو خصوص المسجد الشريف المحيط بالكعبة زاد ها الله شرفا و إجلالا ؟ أقول : المناسب لقوله تعالى : " و ان خفتم عيلة . " و المساعد لخوف الفقر و الحاجة ، و ضنك المعيشة ، و العوز المالي ، هو الاول فانه لا مجال لخوف المؤمنين من العسرة و العيلة إذا كان المشركون ممنوعين عن دخول المسجد فقط مع جواز دخولهم في مكة و عدم المانع لهم عن ذلك ، و انما يصح هذا الخوف و له مورد عرفا إذا كانوا ممنوعين عن دخول مكة مطلقا ، حيث انه بذلك تنقطع التجارات و يسد أبواب المعاملات .و يؤيد ذلك ما ورد في الروايات من انه فتحت للمؤمنين أبواب الارزاق بعد منعهم المشركين عن دخول مكة .1 هذا كله مضافا إلى ما ورد من ان الحرم كله مسجد .2 فتحصل مما ذكرناه حول الآية الكريمة انها تدل بالوضوح على المطلوب اى نجاسة مطلق الكفار حتى أهل الكتاب و من البعيد ان لا يكون تسالم الاصحاب و كذا عدة من أهل السنة على نجاسة أهل الكتاب من الكفار ، و1 .راجع تفسير الصافي ج 1 ص 693 2 .ففى الكشاف ج 2 ص 147 : و عن عطا : ان المراد بالمسجد الحرام الحرم ، و ان على المسلمين ان لا يمكنوهم من دخوله الخ و فى مجمع البيان ج 3 ص 20 عند شرح المسجد الحرام : قيل : المراد به منعهم عن دخول الحرم ، عن عطا قال : و الحرم كله مسجد و قبلة .
1 .المعتبر الطبع الجديد ج 1 ص 95 و عبارته كذا : و اما الكفار فقسمان يهود و نصارى و من عداهما اما القسم الثاني فالأَصحاب متفقون على نجاستهم . 2 .و فى التواريخ انه قد مر أبو موسى الاشعرى على عمر بحساب فدفعه إلى عمر فاعجبه فقال لابى موسى : اين كاتبك يقرء هذا الكتاب على الناس ؟ فقال : انه لا يدخل المسجد فقال : لم أجنب هو ؟ قال : انه نصرانى فانتهره و قال : لا تدنهم و قد أقصاهم الله و لا تكرمهم و قد اهانهم الله و لا تأمنهم و قد خونهم الله .أوثق عرى الايمان ص 92 .
حول معارضة آية الطعام
نعم خالف جمع منهم مستدلين بما رووه باسنادهم من استعمال النبي الاعظم صلى الله عليه و آله أوانى المشركين و الكفار و أجاب عنه القائلون بالنجاسة منهم بان هذا كان قبل نزول الآية الكريمة الناطقة بنجاستهم ، و الحاصل انه لا غبار على الاستدلال بالآية ، و إنكار ذلك ليس في مورده .حول معارضة آية الطعام نعم يوجد هنا اشكال و حاصله : سلمنا دلالة الآية على نجاسة الكفار حتى أهل الكتاب منهم ، الا انها معارضة بآية الطعام في مورد أهل الكتاب و هي قوله تعالى : " اليوم احل لكم الطيبات و طعام الذين اوتو الكتاب حل لكم و طعامكم حل لهم " 1 فان لازم حل طعام أهل الكتاب للمسلمين هو طهارة أبدانهم ، فإذا كان طعامهم الذي صنعوه و عالجوه بأيديهم حلالا للمسلمين فكيف يحكم بنجاستهم ؟ و على الجملة فمفاد الآية الاولى نجاسة مطلق الكفار حتى اليهود و النصارى ، و مفاد هذه الآية طهارة خصوص أهل الكتاب فتخصص الاولى بهذه لانها اعم و هذه اخص .و الجواب عن ذلك ان آية الطعام ليست في هذا المقام ، و ليس المراد منها ذلك ، بل لما امر الله تعالى المسلمين بالاجتناب عن الكفار و منع عن ترددهم إلى مكة ، و قربهم من المسجد الحرام ، و كان هذا معرضا لتوهم المؤمنين وجوب الانقطاع عن الكفار بكل وجه ، و حرمة البيع منهم ، و الاشتراء عنهم ، و مظنة لان يتخيلوا عدم جواز المعاشرة معهم ، و حظر طعام كل من الطائفتين على الاخرى على حسب ما تقرره آية النجاسة فلذا نص القرآن الكريم - دفعا1 .سورة المائدة الآية 7