غيرها .و ما قيل من ان المراد من حل الطعام هو حل ذبائحهم فقط على المسلمين لانهم سئلوا عن ذلك و ليس المراد هو الحبوب لعدم كونها في معرض الحاجة و السؤال .ففيه ان الله تعالى بين و اوضح حكم الذبيحة الشرعية قبل نزول سورة المائدة المدنية في سورة الانعام التي هى مكية و صرح بكونها فسقا ، و نهى صريحا عن أكلها ، و حرم ذلك ، فقال : " فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ان كنتم بآياته مؤمنين و ما لكم الا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه و قد فصل لكم ما حرم عليكم . و لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه و انه لفسق ." 1 فكيف تكون آية الحل متعلقة بذبائحهم مع هذه التعابير القارعة التي نزلت قبل ذلك ؟ أللهم الا ان تكون آية الحل ناسخة لآيات الحرمة من سورة الانعام و هو بعيد غايته ، فان تلك الآيات الشريفة بلسانها الجازم و بيانها القاطع و تعابيرها الخاصة و الخصوصيات الملحوظة فيها آبية عن النسخ 2 فلا وجه لحملها عليه ، و لا لتفسير حل طعامهم بحل ذبائحهم ، و لا دليل على ذلك أصلا ، و ان قاله أكثر المفسرين 3 فانهم لم يأخذوه من عين صافية بل أخذوه من مثل قتادة و من 1 .سورة الانعام الآيات 121 - 118 2 .أقول : بل يظهر من بعض الاعاظم عكس ذلك اى نسخ آية الحل بآية الحل الحرمة فهذا هو السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي يقول : و طعام الكفار الذي باشروه بالرطوبة نجس يجب الاجتناب عنه مطلقا و ان عملوا بشرائط الذمة و كانوا في بلاد المسلمين و الآية الشريفة " و طعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم " منسوخة أو المراد من الطعام فيها كما يستفاد من الاخبار هو الحنطة و الشعير و الارز من الحبوب اليابسة .راجع السوأل و الجواب منه ص 125 3 .أقول : قال الاردبيلي في آيات الاحكام ص 361 : قيل المراد بالطعام ذبائحهم قال في ن قاله أكثر المفسرين و أكثر الفقهاء و جماعة من اصحبنا و لا يخفى بعده اذ ليس معنى الطعام الذبيحة لا لغة و لا عرفا و لا شرعا .
(78)
يحذو حذوه ، و اما لو كان المراد من الطعام مطلقه الشامل للذبيحة ايضا فليس الاطلاق بنحو يمنع عن جريان الشروط كلها بعد العلم باعتبارها حتى لا يلزم مثلا ذكر اسم الله عليها .و بعبارة اخرى إطلاق الحل لا يوجب إسقاط الشروط التي نعلم شرطيتها ، و الحكم بعدم لزوم ذكر اسم الله عليها مع العلم بكونه شرطا تمسكا بإطلاق الحل ، في غاية الفساد ، و بمكان من البطلان ، بلا اى خفاء فيه ، فهل ترى من نفسك إذا سمعت قول الله تعالى ( فكلوا مما امسكن . ) 1 ان تقول انه مطلق و إطلاقه يقتضى الاكل منه بلا اى شرط و قيد حتى يحكم بعدم لزوم التطهير بالنسبة إلى محل ملاقاة فم الكلب منه ؟ و هل ترى منافاة بين قوله تعالى : " أحلت لكم بهيمة الانعام " 2 و قوله تعالى : " و لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه " ؟ 3 كلا فلا يتفوه بذلك فقيه ، و لا يمكن المصير اليه ابدا ، فالأَمر فيما نحن فيه ايضا كذلك حيث انه دلت الادلة الشرعية على نجاسة سؤر الكافر اعنى الفضلة من شرابه أو البقيه من طعامه و ما لاقاه بيده أو بدنه رطبا و هذه الادلة هى ما ذكرناها فراجع .فحينئذ فإذا سمعنا ان الله حلل لنا طعام الكافر فلا بد و ان نشعر من هذا التحليل المستفاد من الآية الكريمة ، الحلية من حيث كونه طعاما و لا منافاة بينها و بين نجاستها لا جل كونه سؤرا له ، أو لمسه الطعام مع الرطوبة .فتحصل ان الآية الكريمة بصدد إثبات مطلب آخر ، حيث ان الله تعالى حرض المؤمنين و حثهم على ان يكونوا اشداء و اعزة قبال الكفار و شوقهم على ان ينقطعوا عنهم و لا يعتمدوا عليهم و لا يتخذهم أوليآء و بطانة فقال : 1 .سورة المائدة الآية 5 2 .سورة المائدة الآية 1 3 .سورة الانعام الآية 121
(79)
هل الطعام بمعنى الاطعام
" و لن ترضى عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع ملتهم " 1 و قال ايضا : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود و النصارى أوليآء بعضهم أوليآء بعض و من يتولهم منكم فانه منهم ان الله لا يهدى القوم الظالمين " 2 إلى غيرها من الآيات الشريفة ، فالمسلمون تخيلوا حرمة اى ارتباط و علقة بينهم و بين اليهود و النصارى حتى الاقتصادى منها و توهموا ان اشتراء أمتعتهم ايضا حرام ممنوع عنه بحيث لو حملت يهود خيبر مثلا الحنطة و الشعير و الحبوب إلى المدينة لكان يحرم عليهم شراؤها منهم و كذا استشعروا حرمة اى عنوان من عناوين المعاملات الرائجة الناقلة إذا حدث بينهم و بين اليهود و النصارى فلذا نبههم الله على خطأهم و أعلن إباحة هذه الوجوه بقوله الكريم : " و طعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم و طعامكم حل لهم " فاجاز التصرف فيما انتقل عنهم إلى المؤمنين بوجه شرعي و من المؤمنين إليهم كذلك و أحل المعاشرة معهم و لم يعلن اليأس البات منهم بل أبرز التسامح الاسلامي .هل الطعام بمعنى الاطعام ؟ بقي في المقام انه ذكر بعض ان الطعام في الآية الكريمة بمعنى الاطعام فمعناها ان إطعام أهل الكتاب لكم جائز و اطعامكم لهم جائز .و فيه انه و ان أمكن ذلك على حسب القواعد الادبية بل و له شواهد ايضا من الآيات الكريمة 3 الا انه خلاف الظاهر فان الظاهر من الطعام و المفهوم منه 1 .سورة البقرة الآية 120 2 .سورة المائدة الآية 51 3 .أقول : فمنها قوله تعالى في سورة البقرة الآية 180 و على الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ، و منها قوله تعالى في سورة الحاقة الآية 34 و سورة الماعون الآية 3 : و لا يحض على
(80)
الاخبار التي تمسك بها القائلون بالطهارة
لغة كونه اسما للشيء الذي يطعم و يؤكل لا لما هو عمل و فعل للانسان مثلا فارادة المعنى المصدري و عنوان كونه فعلا من الافعال خلاف الظاهر .هذا مضافا إلى انه تعالى يقول : " و طعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم " و معناه على ما ذكره هذا القائل ان إطعام أهل الكتاب لكم حلال و جائز لكم و يلزم من ذلك حلية فعل المسلمين - أهل الكتاب - للمسلمين فالفعل فعل أهل الكتاب و مع ذلك يحل و يباح للمؤمنين و هذا من البعد بمكان .و لو كان المراد هذا المعنى فالأَنسب بل اللازم ان يقول : يحل لكم ان تكونوا ضيوفا لاهل الكتاب أو : يجوز و يباح لكم الحضور في ضيافتهم ، و أمثال ذلك من التعابير الظاهرة في المعنى المزبور .هذا تمام الكلام في هذا المقام حول قول الملك العلام .وصفوة البحث انه لا دلالة لهذه الآية الكريمة على مراد من استدل بها على طهارة أهل الكتاب .الاخبار التي تمسك بها القائلون بالطهارة و استدل القائلون بطهارة أهل الكتاب ايضا باخبار نقلها الاعلام و اصحاب الحديث .منها رواية عيص بن القاسم الصحيحة قال : سألت ابا عبد الله عليه السلام عن مؤالكة اليهودي و النصراني فقال : لا بأس إذا كان من طعامك .و سألته عن مؤاكلة المجوسي فقال : إذا توضأ فلا بأس .1 وجه الاستدلال بها ان الامام عليه السلام جوز مؤاكلة اليهودي و النصراني طعام المسكين و منها قوله في سورة و الفجر الآية 19 : و لا تحاضون على طعام المسكين .1 .و سائل الشيعة ج 16 ب 53 من أبواب الا طعمة المحرمة ح 1 .
(81)
مطلقا بشرط كون الطعام من المسلم و إطلاق تجويز مؤاكلتهم يقتضى الطهارة ، و الكلام في المجوسي هو الكلام فيهما .و فيه ان المراد من مؤاكلتهم الجلوس معهم على المائدة و الا كل منها معا و نحن لا ننكر جواز ذلك ابدا لكنه لا يثبت به المطلوب و لا يدل هذا على طهارتهم أصلا .الا ترى انه ربما يجلس جماعة كثيرة على مائدة ، و خوان طعام ، و لا يدخل احد منهم يده في إناء الآخرين ، بل كل منهم يأكل من إنائه الخاص به ، و من بين يديه ، و لا يقرب يده من إناء سائر الضيوف و الجالسين على المائدة ، فضلا عن ان يمس طعامه بيده و بدنه ، فالرواية لا تدل على أكلهم من إناء واحد مشترك فيه و ان الكتابي مس الطعام بيده ، كى يكون تجويز الامام عليه السلام المؤاكلة الخاصة دليلا على طهارة أهل الكتاب .بل يمكن ان يقال : ان هذا الخبر ادل على النجاسة من الطهارة حيث ان الامام قيد الجواز بما إذا كان من طعامه لا من طعام الكتابي فان المفهوم من الجملة الشرطية المذكورة في كلام الامام عليه السلام البأس و الاشكال في المؤاكلة إذا كان الطعام منهم ، لا من المسلمين ، و عدم جواز مؤاكلتهم على هذا الطعام .و السر في ذلك و وجهه عدم كونه مأمونا عليه من النجاسة ، فهذا بنفسه قرينه على ان جواز مؤاكلة المسلم أهل الكتاب مشروط بعدم تنجيسهم للطعام و عدم تنجسه برطوبتهم مثلا ، و الا فلا يجوز مؤاكلتهم حتى على طعام المسلم .و على الجملة فألحق انه لو وضعنا هذه الرواية في جنب الروايات الناطقة بنجاسة اسئارهم لما رأينا بينهما معارضة أصلا ، فاى معارضة توجد بين حلية مؤاكلتهم و بين حرمة سؤرهم ؟ فهذا شيء و ذلك شيء لا تعلق لا حدهما بالآخر ، و بينهما كمال الملائمة و المساعدة .هذا بالنسبة إلى صدر الرواية الشريفة .و اما ذيلها اعنى قضية مؤاكلة المجوسي و تجويز الامام ذلك مشروطا بما
(82)
إذا توضأ ، - يعنى إذا غسل يده فلا اشكال بها - فلا دلالة فيه ايضا على مراد المستدل لان غاية ما يمكن ان يقرر هو ان قول الامام عليه السلام دليل على انه إذا غسل يده يأكل مع المسلم ، و غسل اليد لا جل ازالة النجاسة الظاهرية ، حيث ان النجاسة الذاتية قابلة للرفع بالماء و ازالته به .و فيه ان غسل اليد لم يكن لا زالة النجاسة بل لرفع الدرن و القذارة و زوال الاستقذار و الاستنفار النفساني خصوصا بلحاظ ان المجوسي لا يبالى بالاوساخ و القذارات ، و كون القذارة بمرأى الآكل يوجب ان لا يسيغ عليه الطعام و ربما يأكل - و الحال هذه - مع كره و ملال و نفرة ، بل ربما يتهوع منه ، فغسل المجوسي يده لا جل ان لا يستكره المسلم الطعام من قذارة يده ، و كما ان الانسان يأمر ابنه الصغير المبالى ان يغسل يده عند جلوسه على المائدة و الحال انه لا يأكل من إنائه - بل كل يأكل من إناءه الخاص به - هكذا يأمر المسلم المجوسي بغسل يده ، فيأكل من إنائه ، و لا ملازمة بين غسل يده و الاكل من إناء يأكل منه المسلم .و منها صحيحة إبراهيم بن ابى محمود قال : قلت للرضا عليه السلام : الجارية النصرانية تخدمك و أنت تعلم انها نصرانية لا تتوضأ و لا تغتسل من جنابة قال : لا بأس تغسل يديها .1 وجه الاستدلال انه يظهر منها ان غسل النصرانية يديها كاف في توليها امور البيت التي تتعلق بالخادمة كطبخ الطعام و غير ذلك و هذا يدل على ان نجاستها ليست ذاتية .و نحن نقول قبل الجواب عنه ان من المحتمل انه كانت للامام عليه السلام جارية نصرانية و كان إبراهيم بصدد الايراد و الاشكال عليه في القضيه الخارجية و خصوص الجارية المعينة التي كانت تخدم الرضا عليه السلام أو استفهام وجه 1 .و سائل الشيعة ج 3 ب 54 من أبواب النجاسات ح 2 .
(83)
ذلك فأجابه الامام بما اجابه به .و يحتمل كون السوأل عن القضيه الكلية الحقيقية و جريه على نحو الاسئلة الدائرة بين الناس حيث انهم عند السوأل عن حكم شيء يضربون المثل على أنفسهم أو على مخاطبهم أو على غائب على سبيل الفرض و التقدير ، و غرضهم هو تصوير المسألة و احضارها ، و ترسيم صورة السوأل و تجسيمها في نظر المخاطب ، لا انه وقعت هذه الواقعة للسائل أو للمخاطب أو غيرهما و ابتلى بها خارجا ، و بناءا على هذا لا يلزم كون الجارية المذكورة للامام عليه السلام وايا ما كان فلا يهمنا ذلك و انما تعرضنا له لانه نكتة لا يخلو التنبيه عليها عن الفائدة و انما المهم في المقام الجواب عنه فنقول : انه و ان كان من المحتمل كون السوأل عن وجه استخدام المسلم جارية نصرانية مبالية بالطهارة و النجاسة ، و هي تجنب و لا تغتسل - و لا يصح غسلها لو اغتسلت - و لازم هو تنجس اثاث البيت مثلا فأجاب الامام بجواز ذلك معللا بانها تغسل يديها اى لا تتنجس الاثاث لغسلها يديها ، و على هذا الاحتمال تكون الرواية دليلا لهم و ناطقة بما حاولوا إثباته و استدلوا بها عليه اعنى طهارة أهل الكتاب ذاتا .الا ان فيها احتمالا آخر أظهر و أقوى من الاحتمال المزبور و هو ان يكون السوأل عن أصل جواز الاستخدام و عدمه ، و كان السائل يستبعد جواز استخدام المسلم النصرانية خصوصا بملاحظة انها لا تغتسل و لا تتوضأ ، فذكر هذه الامور و الجهات لم يكن لاجل كونها مدارا للسؤال بل تمام المدار في السوأل هو استخدام النصرانية بلحاظ كونها نصرانية ، و كان ذكر الجهات المذكورة لاجل اظهار مزيد التنفر منها ، و استبعاد جواز ان تكون خادمة للمسلم ، و بعبارة اخرى كان لتقريب عدم الجواز ، و قد اجاب الامام بالجواز ، و عدم البأس لانها بغسل .