البحث حول المجسمة
البحث حول المجسمة من جملة الفرق التي حكموا بكفرها المجسمة اى القائل بتجسمه تعالى بعد الاعتراف بالمفهوم من لفظ الجلالة ، و لا يخفى ان المجسمة على قسمين : أحدهما : القائلون بالتجسم بالحقيقة و هو القول بان الله تعالى جسم حقيقة كسائر الاجسام فكما ان الانسان جسم و له ابعاد ثلاثة فكذلك الله تعالى لفظا بلفظ 1 و هذا القول مستلزم لحدوثه تعالى و تركيبه و تحيزه و تحديده و حاجته و لا محالة يحكم على المعتقد به بالكفر و النجاسة .لا يقال يمكن ان يقول مع ذلك بانه تعالى قديم فالقول بالتجسم مستلزم للكفر .1 .أقول : قال ابن ابى الحديد في شرح نهج البلاغة ج 1 ص 119 : و كان في العرب مشبهه و مجسمة منهم أمية بن ابى الصلت و هو القائل : من فوق عرش جالس قد حط رجليه إلى كرسيه المنصوب .
1 .سئل أبو جعفر عليه السلام أ يجوز ان يقال : ان الله عز و جل شيء ؟ فقال نعم يخرجه عن الحدين حد التعطيل وحد التشبيه .و عن هشام بن الحكم عن ابى عبد الله انه قال للزنديق حين سأله ما هو ؟ قال : هو شيء بخلاف الاشياء . توحيد الصدوق الطبع الحديث ص 104 باب انه تبارك و تعالى شيء ح 1 و 2 . 2 .شيخ مشايخنا العظام و آية الله الملك العلام ، مشيد أركان الحوزة العلمية ، صاحب النفس الطاهرة القدسية ، المتصف بمكارم الاخلاق و محاسن الصفات ، و الحائز أعالي مراتب العلم و الكمال ، حضرة الشيخ عبد الكريم اليزدي الحائرى اعلى الله في الخلد مقامه و رفع الله في روض
القدس اعلامه .اصله من مهرجرد ، قرية من قرى يزد و قد ولد بها في سنة 1276 .ه والده محمد جعفر المهر جردى و هو و ان لم يكن من العلماء لكنه كان من الصلحاء الاتقياء ، بل و ممن يعد مثلا لاهل التقوي .و قد شرع في تحصيل العلوم الدينية المتداولة في قريته ثم في يزد ، إلى ان هاجر إلى كربلاء ، و على رأس حوزته المحقق النحرير الصمد انى ، الفاضل الاردكانى رضوان الله عليه ، و قد أرشده و شوقه في المهاجرة إلى سامراء التي كانت آنذاك مركز الثقافة الاسلامية و الحوزة العلمية العظيمة و مجمع رجالات العلم و الفقاهة و كانت تشد إليها الرحال و تأوى إليها النزال ، كل كذلك في ظلال الزعيم العالمي الذي طار صيته السامية في إرجاء العالم الاسلامي آية الله العظمى المجدد السيد ميرزا محمد حسن الشيرازي قدس الله نفسه الطاهرة ، و كتب الفاضل الاردكانى إلى السيد المجدد كتابا عرف فيه الشيخ عبد الكريم و اطراه فيه بالثناء الجميل و المدح البالغ و اوصاه به ، و كانه كان قد قرء في صفحة جبينه المضي خطوط الرشد و الجلالة و رآى منه انه ينبثق استعداداته المكنونة قواه المكمونة و انه تنمو مواهبه في جو حار علمي مثل حوزة سامراء السامية و تحت اشراف السيد المجدد ، و على الجملة فهاجر إليها و أخذه المجدد الشيرازي تحت ظلال أنعامه و إحسانه و تتلمذ هناك على فحول العلماء و أساطين الدين و أكابر الاساتذة من الفقهاء و الاصوليين ، كالشيخ فضل الله النوري الشهيد قدس سره ، و الميرزا إبراهيم المحلاتي الشيرازي ، و الميرزا محمد تقى الشيرازي ، و السيد محمد الفشاركي ، بل و حضر برهة من الزمان في مجلس درس المجدد الشيرازي - على ما حكاه لي نجله المرتضى قدس سره الشريف ، و لكن كان عمدة استفادته من محضر السيد الفشاركي فقد تعلق به كثيرا و اتصل به شديدا و حكى من شدة تعلقه و كمال اتصاله به ما يبهر لديه العقول و لم يقرع الاسماع من احد كان كذلك بالنسبة إلى أستاذه فكان يؤثره على نفسه و جعل نفسه منه موضع الخادم من مخدومه ، و قد نقلنا نبذا من القضايا العجيبة المنقولة عنه في هذا الموضوع ، في كتاب الفناه في ترجمته و شرح أحواله ، و حق القول أيها القاري الكريم انه من أعجب الاعاجيب .ثم انه كان مصرا على التحصيل و التحقيق و مجدا في الاخذ و الاستفادة منه و الاستضائة من أنواره و عاكفا على بابه إلى ان نعى الاسلام بوفاة السيد المجدد سنة 1312 ه و نعق غراب البين فتفرق الاعلام و الاساطين ، و الاساتذة و الفطاحل فبعض قد بقى في سامرا و بعض - و هو أكثرهم ) قد راح إلى نجف أو غيره من البلدان و منهم السيد الفشاركي فقد خرج إلى نجف و صحبه تلميذه اليزدي الحائرى و لا يزال كان يستضئ من نور علمه إلى ان وافي السيد الاجل في سنة 1316 و بعد ذلك فقد اتصل الحائرى قدس سره بالمحقق الفريد الآخوند الخراساني ) صاحب الكفاية - قدس سره .ترى انه يعبر في الدرر عن السيد الفشاركي بسيدنا الاستاد طاب ثراه .و عن الخراساني بشيخنا الاستاد دام بقاه .و عن المجدد بسيد مشيخنا الميرزا الشيرازي .ثم لما جرى بعض الجريانات
السياسية و كان لا يحب ان يكون فيها بل كان يرجح ان لا يكون في نجف كى يكون بمعزل عنها ، فلذا خرج إلى كربلاء ، و اشتغل هناك بالتدريس و التحقيق إلى ان هاجر من كربلاء إلى اراك - من بلاد ايران - بدعوة بعض الاثرياء من رجال العلم و استقر هناك و شرع في التدريس و تربية الطلاب و اجتمع حوله رواد العلم و عشاق الفضيلة و الكمال من كل صقع و ناحية ، و ممن كان في طليعتهم تلميذه الجليل القدر سيدنا الاستاذ الاكبر آية الله العظمى السيد الكلبايكانى مد ظله العالي فقد خرج في اوان شبابه من مولده متوجها إلى اراك و لسان حاله : انى ذاهب إلى ربي سيهدين ، و لما نزل اراك و التقى بالشيخ عبد الكريم الحائرى وجد ما كان يطلبه و عكف عليه إلى نهاية مدة اقامة أستاذه في اراك .ثم انه قدس الله نفسه هاجر سنة 1340 إلى قم و أحيي في هذه البلدة الطيبة ما درس من آثار السابقين ، و اقام الحوزة العلمية هذه الحوزة العظيمة القيمة ، و كان على ما ينقل من حاله مشوقا لاهل الفضل خصوصا بالنسبة إلى من كان يحس منه نبوغا و يحدس فيه شأنا رفيعا .و بعد ان هبط مدينة قم و عزم على الاقامة فيها أرسل كتابا إلى تلميذه المحبوب لديه السيد الكلبايكانى دام ظله العالي و كان هو بعد في اراك و دعاه إلى ان يهاجر من اراك إلى قم و يلحق به و يكون في صحبته فهاجر مد ظله على اثر ذلك إلى قم و لحق به .و لا يزال مؤسس هذه الحوزة السامية آية العظمى الحائرى قدس سره يجد بتمام سعيه في تحكيم أساس الدين و حفظ حوزة المسلمين .و مما اتحف الله سبحانه و تعالى هذا الرجل العظيم به ان وفق لتربية عدة يسيرة من العلماء الاعلام و الفقهاء الكرام ، و قد قيض الله تعالى له ان صار جمع من تلامذته من مراجع الامة الاسلامية ، منهم حسنة الدهر و سيد فقهاء العصر ، المرجع الا على آية الله العظمى الكلبايكانى دام ظله العالي .و على الاجمال فقد خص الله تعالى آية الله المؤسس الحائرى هذا الرجل المخلص و العبد الصالح بمواهب عظيمة و اختاره لتلك المواقف الكريمة من أهمها تأسيس الحوزة العلمية بقم ، و منها حدة نظره و بصيرته النافذه و خطه السياسي العريق و هو اغفال العدو السفاك عن قدرته و نفوذه البالغ في اعماق نفوس الامة الاسلامية ، و حفظ كيان المسلمين و دفع ما كان يهدد أساس الدين من حملات الحكومة الاجنبية و عميلها الطاغوت الخائن ( البهلوى ) الفاجر ، خذله الله و اخزاه .و منها تلك الاخلاق الفاضلة و الشيم الطاهرة ، و وصوله إلى مقام كريم لم ير للدنيا و ما فيها ثمنا ، إلى ذلك مما خصه الله تعالى به و اختاره الله له ، و حقيق ان يقال فيه : هنيئا لا رباب النعيم نعيمهم .و قد افل هذا النجم اللامع عن سماء الفقاهة و التقوى في 17 ذي القعدة سنة 1355 في قم و ارتحل عن دار الغرور إلى مستقر رحمة الله الواسعة في دار السرور ملبيا دعوة ربه الكريم و خسر
هنالك المسلمون و افتقدوا مرجعا دينيا عظيما و الحوزة العلمية ابا شريفا و والدا بارا كريما و قائدا روحيا و زعيما كبيرا ، و ذلك بعد ان تجرع من حكومة عصره الملعونة غصصا عظيمة و ثلم في الاسلام بموته ثلمة لا يسدها شيء ، فرحمة الله و رضوانه على روحه الطاهرة و افكاره العالية و أنزله الله تعالى اعلى درجات القدس و ارفع غرف الفردوس مع النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا .و هو و ان مات على ما هو السنة الجارية الحاكمة على كل الموجودات و لكن ما ماتت معالمه السنية ، فكل سطر من حياته الطيبة درس عميق للباقين .و السلام .1 .سورة التحريم الآية 3 . 2 .سورة البقرة الآية 115 .3 .شرح مأة كلمة ، لا بن ميثم ص 52 ، إرشاد القلوب للديلمي الباب 37 ، أنوار الولاية ص 406 .