لهذا التوهم و إبطالا لهذا الخيال - على ان طعام أهل الكتاب حل لكم ، و طعامكم أيها المسلمون حل لهم ، فلا تعطل الاسواق لنجاسة الكفار و لا تسد أبواب المعاملات و المبادلات لذلك على حسب ما تشير اليه آية الطعام .إذا تلونا عليك هذا فاعلم انه قد فسر الطعام في كلام بعض اللغويين بالبر ، اى الحنظة ، و فى كلام بعض آخر منهم بالحبوب ، فقال الفيومي في مصباحه : إذا أطلق أهل الحجاز لفظ الطعام عنوابه البر خاصة انتهى .و عن المغرب : ان الطعام اسم لما يؤكل و قد غلب على البر و حكى عن ابن الاثير عن الخليل ان الغالب في كلام العرب انه البر خاصة .و قال الطريحي في مجمع البحرين : الطعام ما يؤكل و ربما خص بالبر .إلى ذلك ما كلمات اللغويين و قد وردت روايات ايضا تفسر الطعام المذكور في الآية بالبر أو الحبوب مطلقا و فسرها المفسرون ايضا كذلك ، و معلوم ان البرو الحبوب يا بسة لا تتجنس بملاقاة أبدانهم ، فاجاز الشارع بيع الحبوب لهم و اشترائه منهم لا لخصوصية فيها ، بل لكونها يا بسة لم تتجنس ، و يترتب عليه بالطبع انه لو كان لهم شيء نجس مما يؤكل فهو ايضا يجوز شرائه منهم و اكله ، و على ذلك فلا دلالة فيها على طهارة أهل الكتاب أصلا .بل يمكن ان يقال - بلحاظ ما ورد في التفاسير مؤيدا بقول أهل اللغة و مستندا إلى روايات أهل البيت عليهم السلام من كون الطعام بمعنى البر أو الحبوب - ان في الآية اشعارا بنجاسة الكفار من أهل الكتاب أو الدلالة على ذلك .ثم لو فرض عموم الطعام و شموله لكل ما يطعم ، فلا دلالة ايضا في آية الطعام على مراد الخصم ، و لا معارضة بينها و بين الآية الاولى أصلا ، لان إطلاق هذه الآية الكريمة حيثى ، فهي في مقام بيان حكم طعام أهل الكتاب بعنوان كونه طعاما لهم و بلحاظ هذه الحيثية فقط و لا إطلاق لها حتى يكون طعامهم حلا
(36)
للمؤمنين كيفما كان و فى اى شرط من الشرائط و حال من الحالات ، و لا يشمل العناوين المتعددة و الحيثيات المتكثرة فإذا قيل : لحم الغنم حلال .فهل ترى من نفسك ان معناه هو حلية لحم الغنم مطقا و ان كان مغصوبا أو مأخوذا بالسرقة و بغير رضا صاحبه ؟ و كذا لو كان جلالا و غير مذكى ؟ أو تقول ان معناه ان لحم الغنم في نفسه و فى حد ذاته مباح و هذا لا ينافى ان يكون حراما من الجهات الطارئة و بالعناوين العارضة .و لهذا لا يرى العرف تعارضا أصلا بين قولنا لحم الغنم حلال ، و بين قولنا اللحم المغصوب حرام ، و ليس الا لعدم إطلاق للاول يشمل الحيثيات و التطورات الحادثة .فطعام أهل الكتاب في اطار كونه طعاما لهم حل للمؤمنين و ليس محرما من المحرمات ، أو نجسا من النجاسات ، نعم يمكن ان يحرم بالطوارى و العوارض كما إذا لاقاه صاحبه مع الرطوبة و كما إذا لاقى هذا الطعام نجسا آخر معها .هذا بالنسبة إلى حل طعام أهل الكتاب للمؤمنين المستفاد من قوله تعالى : " و طعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم ." و اما بالنسبة إلى حل طعام المؤمنين لهم المستفاد من قوله تعالى " و طعامكم حل لهم " فلا اشكال فيه أصلا مضافا إلى انه ايضا حيثى .و الحاصل : انه ليس في هذه الآية اقل مرتبة من الدلالة على الطهارة فضلا عن ظهور أو صراحة فيها و ان اغمضنا النظر عن تفسير الطعام بالبر و الحبوب ، و قلنا بشموله لهما و لغيرهما مما يساغ و يؤكل ، و لا مخالفة و لا تهافت بين هذه الآية و الآية المبحوث عنها الدالة على النجاسة ، و سيوافيك الكلام في هذا الموضوع عند الجواب عن استدلال القائلين بالطهارة انشاء الله تعالى .فالإِنصاف ان الآية الكريمة تدل على نجاسة الكفار مطلقا بلا اى نقص
(37)
الاستدلال بآية الرجس
في دلالتها أو معارض يعارضها و بلا فرق بين أقسام الكفار بل ليس هنا إيضاح ابلغ من هذا الايضاح .الاستدلال بآية الرجس و من الآيات التي قد يستدل بها لا ثبات نجاسة الكفار قوله تعالى : " كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون " .1 فنقول في تقريب الاستدلال بها : ان مفادها : ان كل من لا يؤمن بالله - سواء كان مشركا اصطلاحيا أو كان منكرا لله تعالى أو غيرهما من أصناف الكفار فقد كتب الله و جعل عليه الرجس .و الرجس هو النجاسة .2 و لكن الانصاف ان هذه الآية ليست كالسابقة في - نهوضها لا ثبات ما 1 .سورة الانعام الآية 125 .أقول : و قد استدل بها العلامة اعلى الله مقامه في التذكرة ج 1 ص 8 و في نهاية الاحكام ج 1 ص 273 و الشهيد في الدروس ص 13 و فى الذكرى ص 13 على نجاسة الكافر مطلقا و المحقق في المعتبر ص 24 على نجاسة من عدا اليهود و النصارى من الكفار ، و ابن إدريس على نجاسة كل من لم يعتقد الحق الا المتسضعف ، على ما حكاه العلامة . 2 . قال السيد أبو المكارم بن زهرة في الغنية : معنى الرجز و الرجس و النجس واحد بدلالة قوله تعالى : " و الرجز فاهجر " " فاجتنبوا الرجس من الاوثان " انتهى .و قال الشيخ في التهذيب الطبع الجديد ج 1 ص 278 : ان الرجس هو النجس بلا خلاف .و فى مجمع البحرين بعد نقل هذا : و ظاهره انه لا خلاف بين علمائنا في انه في الآية بمعنى النجس انتهى .و قال في المختلف ص 58 في ضمن البحث عن نجاسة الخمر و التعرض لآية " انما الخمر و الميسر و الانصاب و الازلام رجس " الخ - : ان الرجس هو النجس .و قال الشيخ البهائي قدس سره في الحبل المتين ص 102 في ذيل آية الخمر : و الرجس و ان كان يطلق على النجس ايضا الا ان الشيخ في التهذيب نقل الاجماع على انه هنا بمعنى النجس . و حينئذ فاما ان يكون خبر بقية المتعاطفات في الآية محذوفا أو يكون رجس هو الخبر عن الكلام من قبيل عموم المشترك أو عموم المجاز و مثله عزيز في الكلام انتهى كلامه .
(38)
نحن بصدده اى نجاسة الكفار - فان كلمة ( نجس ) في الآية الاولى كانت ظاهرة في النجاسة الشرعية قطعا ، بخلاف لفظ ( الرجس ) فانه و ان أمكن ان يكون المراد منه النجس ، الا انه لا يكون ظاهرا فيه 1 كما ترى انه أريد به النجاسة المصطلحة في قول الله تعالى : " انما الخمر و الميسر و الانصاب و الازلام رجس ." 2 فان الرجس هنا بقرينة المتعاطفات هو الخبيث و العمل القبيح .و على الجملة فان ثبت ان المراد من الرجس في الآية المبحوث عنها هى النجاسة الشرعية فهي ايضا من ادلة المطلب و الا فهي أجنبية عن المقام ، و لا يصح الاستدلال بها في إثبات المطلوب . 1 .أقول : خصوصا بلحاظ صدر الآية و هو قوله تعالى " فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام و من يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كانما يصعد في السماء كذلك . " 2 .سورة المائدة الآية 92 .
(39)
الاخبار الدالة على نجاسة الكفار
الاخبار الدالة على نجاسة الكفار و قد استدل القائلون بالنجاسة ايضا بالاخبار المروية عن الائمة عليهم السلام و نحن نورد منها ما يلى : منها : موثقة سعيد الاعرج فعلى نقل التهذيب و الكافي قال : سئلت ابا عبد الله عليه السلام عن سؤر اليهودي و النصراني فقال : لا .و على نقل الفقية : سئل الصادق ( ع ) سعيد الاعرج عن سؤر اليهودي و النصراني أ يؤكل أو يشرب ؟ فقال لا .1 وجه الاستدلال ان ظاهر السوأل فيها هو السوأل عن الاكل أو الشرب من حيث الطهارة و النجاسة ، و قد علمت ان الامام عليه السلام نهاه عن أكل سؤره و 1 .جامع أحاديث الشيعة الطبع القديم ج 1 ص 21 ، و فى مرآت العقول ج 13 ص 40 : حسن ، و في المستمسك ج 1 ص 369 مصحح سعيد الاعرج .
(40)
شربة ، و ظاهر النهى الحرمة .و القول بان نهيه عليه السلام و حكمه بالتحريم تعبد محض و لا يستلزم نجاسة سؤرهما فكانه قد حرم الاكل و الشرب من سورهما مع طهارته توهم لان الظاهر ان تحريمه كان للنجاسة و ليس هذا الظهور في مورد الانكار .و منها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال : سألته عن رجل صافح مجوسيا قال : يغسل يده و لا يتوضأ .هكذا نقل في التهذيب ، و لكن في الكافى عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السلام في رجل صافح موجسيا . 1 وجه الاستدلال بها ان الامام عليه السلام قال في شأن من صافح مجوسيا : يغسل يده .و هذه الجملة خبر يفيد الانشاء ، بل هو آكد منه حيث ان المتكلم إذا أخبر في مقام الانشاء فهو يرى الامر واقعا محققا مفروغا عنه ، و لا يفرض و لا يحتمل صورة عدمه بل يرى تركه محقق ، و على هذا فقد أوجب عليه السلام غسل اليد على هذا المصافح لاجل مصافحته المجوسي و من العيان المغني عن البيان ان وجوب الغسل دليل النجاسة و كاشف عنها .نعم يمكن المناقشة فيها بان ملاقاة النجس مطلقا لا تكون سببا للنجاسة و وجوب الغسل بل هى مشروطة بالرطوبة المتعدية بحيث يتأثر الملاقى بالنجاسة ، و معلوم ان مجرد مصافحة المجوسي لا يوجب سراية النجاسة من يده إلى يد المسلم ، و انما تسرى إذا كانت يد أحدهما اعنى يد المجوسي أو يد المسلم المصافح رطبة و الحال ان مقتضى هذه الرواية وجوب غسل يده مطلقا بلا تقييد بما إذا كانت المصافحة و تلاقى اليدين مع رطوبة سارية في احديهما .و يمكن الجواب عنها و التخلص منها بوجوه : 1 .جامع أحاديث الشيعة الطبع القديم ج 1 ص 43 ، و الطبع الجديد ج 2 ص 113
(41)
الاول : ان الغالب في البلاد الحارة و - منها الحجاز التي هى ارض النبوة و مهبط الوحي و محل صدور تلك الرواية الشريفة - و هو عدم خلو يد واحد من المصافحين عن الرطوبة السارية ، كما ان هذا امر مجرب محسوس فيها بل و في غيرها من البلدان ايضا عند اشتداد الحر ، فلذا اكتفى الامام عليه السلام بالغلبة التي هى قرينة واضحة مغنية عن ذكر الرطوبة .و الثاني : ان مراد الامام عليه السلام هو المصافحة المقيدة برطوبة في يد أحدهما ، الا ان القيد مذكور في الاخبار الاخر ، أو هو معلوم محتاج إلى ذكره ، و على الجملة فلا يلزم ذكر المقيد عند إلقاء المطلق و ذكره مطلقا و لا يستلزم ترك ذكره الاغراء بالجهل كما انه لا بأس بذكر المطلق بلا قيد مع إرادة المقيد اعتمادا على كون القيد معلوما .الا ترى ان المولى إذا طلب من عبده الماء و امره بإتيانه بلا تقييد بكونه باردا مع كون الهواء حارا جدا فان العبد يعلم بمقتضى الحال ان المولى لم يطلب و لم يرد منه الا الماء البارد أو المثلج ، و ان كان امره مطلقا ، فانه قد اعتمد على علم العبد بذلك و لم ير حاجة إلى ذكره .وهنا وجه ثالث في الجواب عن المناقشة المذكورة ، و دفعها عن الرواية ، الا انه على ذلك لا دلالة لها على النجاسة ، و هو ان يقال : انه ليس ظاهر الامر - الذي هو الوجوب - مرادا هنا بل المراد منه الاستحباب لكن هذا الاحتمال خلاف الظاهر ، و الظاهر حملها على احد الاحتمالين الاولين .بقي الكلام هنا في قوله عليه السلام : و لا يتوضأ .فنقول : المراد منه ان مصافحة المجوسي مع الرطوبة في اليد و ان كانت موجبة لتنجس يد المسلم الذي صافحه الا انها لا توجب الحدث كى يحتاج في رفعه إلى الوضوء .و ربما يشعر هذا أو يظهر منه ان المؤمنين و أصحاب الائمة عليهم السلام