و آله حيث ان الشاك في التكليف الاعتقادي المحتلم له يجب عليه الفحص و النظر ، و معنى عدم نظره و تحقيقه هو عدم قبوله و تسليمه له لو كان في الواقع كذلك و لا يجرى اصالة البرائة أو الاستصحاب في الامور الاعتقادية - بخلاف احتمال التكليف في الاعتقادات من الامور التكليفية - بل الواجب هو الاجتهاد و الفحص بمجرد الاحتمال و الشك ، كما انه يجب النظر في المعجزة لتبين صدق مدعى النبوة و كذبه فربما يكون صادقا و مرسلا من الله ، فلو ترك النظر فيها فلم يصدقه يكون كافرا .
لا يقال : ان مقتضى وجوب دفع الضرر المحتمل في الصورة الاولى ايضا هو وجوب الفحص فمع تركه يكون كالثاني فلا فرق بينهما أصلا .
لا نا نقول : ليس هناك احتمال الضرر حتى يجب دفعه حيث ان المفروض عدم انقداح الاحتمال أصلا و هذا امر جار في مطلق الامور الاعتقادية حتى بالنسبة إلى الاعتقاد بمبدأ الوجود ، فلو كان قاصرا لم ينقدح فيه احتمال وجود المبدأ من رأس و لم ينظر في الادلة و الشواهد حتى يوحد الله تعالى و يؤمن به ، فهو لا يستحق العقاب و يكون امره إلى الله و معه قال الله تعالى : " و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " 1 و ليس المقصود من البعث مجرده حتى و لو بلا وصول أو بلا انقداح الاحتمال .
ثانيهما : ان يقال : ان المراد من الشك في على عليه السلام الموجب للكفر هو ما يلازم الشك في النبوة كان يحتمل انه اصطفاه النبي صلى الله عليه و آله ، و نصبه وصيا لكونه صهرا له و انه من أسرته ، و بعبارة اخرى قد انتخبه للوصاية من عند نفسه و ارضاء ا لهواه ، نعوذ بالله من ذلك .
و يؤيد ذلك ما نطقت به التواريخ من سؤال بعض انه هل كان نصب على
1 . سورة الاسراء ، الآية 15 . للخلافة من عند نفسه صلى الله عليه و آله أو بامر الله تعالى ؟ فهذا الشك ملازم للشك في النبوة و لذا يوجب الكفر ، بل ربما يوجب رد امر الله تعالى كما يشهد بذلك ما نقل في ذيل آية : " سئل سائل بعذاب واقع ، للكافرين ليس له دافع " من ان واحدا منهم قال : أللهم ان كان هذا من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء . 1 و من جملة تلك الروايات ما عن الصادق عليه السلام قال : ان عليا عليه السلام باب هدى من عرفه كان مؤمنا و من خالفه كان كافرا و من أنكره دخل النار . 2 و منها ما عن الصادق عليه السلام ايضا قال : الامام علم بين الله عز و جل و بين خلقه ، من عرفه كان مؤمنا و من أنكره كان كافرا . 3 تقريب الاستدلال ان الانكار و ان كان بحسب ما ذكر سابقا ظاهر في الانكار عن علم و يقين الا انه يمكن شموله هنا للانكار عن جهل ايضا حيث لا تعرض هنا لصورة الجهل بالخصوص كى يختص الانكار بصورة العلم ، بخلاف الروايات المذكورة سابقا فانها متعرضة لحال الجهل ايضا نظير قوله عليه السلام : و من جهله كان ضالا . 1 . فعن جعفر بن محمد الصادق عن آبائه عليهم السلام قال : لما نصب رسول الله صلى الله عليه و آله عليا و قال : من كنت مولاه فعلى مولاه طار ذلك في البلاد فقدم على النبي صلى الله عليه و آله النعمان بن الحارث الفهرى فقال : أمرتنا عن الله ان نشهد ان لا اله الا الله وانك رسول الله ، و أمرتنا بالجهاد و الحج و الصوم و الصلاة و الزكاة فقبلناها ثم لم ترض حتى نصبت هذا الغلام فقلت من كنت مولاه فعلى مولاه فهذا شيء منك أو امر من عند الله ؟ فقال : و الله الذي لا اله الا هو ان هذا من عند الله ، فولى النعمان بن الحارث و هو يقول : أللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء فرماه الله بحجر على رأسه فقتله ، و أنزل الله تعالى : سأل سائل بعذاب واقع . راجع مجمع البيان ج 5 ص 352 . 2 . ثواب الاعمال و عقاب الاعمال ص 248 و لفظه هكذا : عن محمد بن جعفر عن ابيه عليه السلام قال : على عليه السلام باب الهدى من خالفه كان كافرا و من أنكره دخل النار . 3 . كمال الدين و تمام النعمة ص 412 ب 39 و حكاه في البحار ج 23 ص 88 . و فى الامالي بسنده عن النبي صلى الله عليه و آله انه قال لحذيفة اليماني : يا حذيفة ان حجة الله عليكم بعدي على بن ابى طالب عليه السلام ، الكفر به كفر بالله سبحانه ، و الشرك به شرك بالله سبحانه ، و الشك فيه شك في الله سبحانه ، و الالحاد فيه إلحاد في الله سبحانه و الانكار له إنكار الله سبحانه و الايمان به ايمان بالله تعالى ، لانه اخو رسول الله صلى الله عليه و آله و وصيه و امام أمته و مولاهم و هو حبل الله المتين و عروته الوثقى التي لا انفصام لها . 1 أقول : يمكن الخدشة في دلالة هذه الرواية فان ظاهر قوله عليه السلام : الكفر به الخ هو الكفر مع العلم بان الله جعله علما و حجة و كذا الشك فيه مع العلم بنص النبي صلى الله عليه و آله شك في الله لان معناه الشك في صحة النص المزبور فكانه شك في كلام الله تعالى ، و على هذا فلا دلالة ظاهرة لهذه الرواية على ما كان بصدده . و منها ما رواه الصحاف قال : سألت ابا عبد الله عليه السلام عن قوله تعالى : ( فمنكم كافر و منكم مؤمن ) فقال : عرف الله تعالى ايمانهم بموالاتنا و كفرهم بها يوم اخذ عليهم الميثاق و هم ذر في صلب آدم . 2 إلى ذلك من الروايات التي تمسك بها صحاب الحدائق رضوان الله عليه على كفر المخالفين المنحر فين عن ولاية أمير المؤمنين و اولاده الطيبين فراجع . و هي معارضة لما تقدم سابقا من الروايات الشارحة لمفهوم الاسلام الدالة على عدم كون الولاية شرطا في الاسلام و انها شرط الايمان و انما ملاك الاسلام و تمام حقيقته هو الاقرار بالشهادتين . 1 . امالى الصدوق ، م 36 ص 119 . 2 . أصول الكافى ج 1 ص 426 و آلاية : سروة التغابن الآية 2 . و قد جمع بينها بنحوين : أحدهما : ان الكفر الذي أطلق عليهم في هذه الاخبار هو الكفر الحقيقي و ان كانوا مسلمين في الظاهر بحسب الروايات المتقدمة فتجرى عليهم أحكام الاسلام من طهارة البدن و جواز المناكحة و صيانة المال و حقن الدم و الموارثة فهم مخلدون في النار لما ذكر من انهم كفار حقيقة و واقعا . ثانيهما : حمل كفرهم على بعض معانيه و مرتبة من مراتبه و هو كفر الترك حيث انهم تركوا و أضاعوا ما امر الله تعالى به فالكفر هنا نظير كفر من ترك الحج الذي نص عليه في القرآن الكريم بقوله تعالى : " و لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا و من كفر فان الله غنى عن العالمين " 1 و أيضا نظير ما ورد من ان تارك الصلاة كافر 2 و تارك الزكاة كافر . 3 و أورد في الحدائق على الوجه الاول من انهم مسلمون ظاهرا و كفار حقيقة بانه لم يقم دليل على ذلك في المنافقين في وقته صلى الله عليه و آله و سلم . و المتبادر من إطلاق الكفر حيث يذكر انما هو ما يكون مباينا للاسلام و مضادا له في الاحكام اذ هو المعنى الحقيقي للفظ . لكن الانصاف عدم ورود اشكاله و ذلك لعدم المناص عن الجمع بين الاخبار فإذا كان بعض الروايات ناطقة بكفر المخالفين ، و بعضها ناطقة بخلاف ذلك صريحة في اسلام المقر بالشهادتين فما يصنع هناك لو لم يجمع بينهما كذلك . و لكنه رضوان الله عليه لم يتعرض للاخبار المعارضة و لم يذكرها أصلا 1 . سورة آل عمران الآية 97 . 2 . و سائل الشيعة ج 3 ص 28 ب 11 من اعداد الفرائض ح 4 . 3 . و سائل الشيعة ج 6 ب 4 من أبواب ما تجب فيه الزكاة باختلاف يسير لفظا . مع صراحتها في كون الولاية شرطا في الايمان لا في الاسلام ، و ان المعيار الاصيل في الاسلام هو شهادة التوحيد و الرسالة . ثم ان له رحمة الله عليه استدلالا آخر على كفر المخالفين و نجاستهم و هو مركب من صغرى و كبرى مستظهرا لهما من الاخبار ، و محصل هذا البرهان ان كل من كان مخالفا لعلى عليه السلام فهو ناصبى ، و كل ناصبى كافر نجس ، و نتيجة هاتين المقدمتين نجاسة مطلق المخالف و كفره . و استدل على الصغرى بروايات منها رواية معلى بن خنيس قال : سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول : ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت لانك لا تجد احدا يقول : أنا ابغض آل محمد و لكن الناصب من نصب لكم و هو يعلم انكم تتولونا و تتبرأون من أعدائنا . 1 و منها ما عن مستطرفات السرائر من كتاب مسائل الرجال و مكاتباتهم لمولانا ابى الحسن على بن محمد الهادي عليه السلام في جملة مسائل محمد بن على بن عيسى قال : كتبت اليه اسأله عن الناصب هل احتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت و الطاغوت و اعتقاد امامتهما ؟ فرجع الجواب : من كان على هذا فهو ناصب . 2 و اما الروايات الدالة على نجاسة الناصب فمنها ما رواه في الكافى بسنده عن عبد الله بن ابى يعفور عن الصادق عليه السلام قال : لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمام فان فيها غسالة ولد الزنا و هو لا يطهر إلى سبعة آباء و فيها غسالة الناصب و هو شرهما ، ان الله لم يخلق خلقا شرا من الكلب و ان 1 . معاني الاخبار ص 365 . 2 . السرائر ج 3 ص 583 . الناصب أهون على الله تعالى من الكلب 1 إلى ذلك مما تمسك به من الروايات . و فيه انه و ان كان قد ورد إطلاق الناصبي على المخالف و ورد ايضا نجاسة الناصب و كفره ، الا ان ورود الروايات الصريحة في كفاية الشهادتين في تحقق الاسلام و ان الاقرار بهما هو الملاك و الميزان ، ايضا قابل للانكار و عندئذ فلا بد من الجمع بينهما بنحو يرتفع التنافي فنقول : النصب المذكور في الروايات التي تمسك بها صاحب الحدائق هو مجرد العداوة و المراد من الكفر هنا هو بعض مراتبه أو معانيه ، و اما الحكم بعدم حرمة ماله و نفسه فهو مترتب على النصب بمعناه المصطلح المعروف . و كيف يمكن الحكم بكفر مطلق من قدمهما و ان كان مقرا بخلافة أمير المؤمنين لكنه يراه رابع خلفاء الرسول صلى الله عليه و آله ؟ و على الجملة فهم ايضا يحبون و يقرون بفضائله و يعترفون بمناقبه الضاحية . و قد وقعت - في المرة الاولى من تشر فى بحج بيت الله الحرام - قضية لطيفه يناسب ذكرها في المقام و هي انه : عندما تشر فنا بالمدينة الطيبة لزيارة قبر النبي الاقدس و قبور الائمة عليهم السلام فقد سمحت بنا الظروف و ساعدنا الامر فكنا نصلى بالناس جماعة في مسجد النبي صلى الله عليه و آله و اذن مؤذننا و أجهر بشهادة الولاية فافضى المخبر الدولي هذه القضيه إلى قاضى القضاة و أخبره ان موذن جماعة الشيعة قال في اذانه : اشهد ان عليا ولي الله ، و لكن القاضي اجابه : و انا ايضا أقول : اشهد ان عليا ول يا لله ا فهل أنت تقول اشهد ان عليا عدو الله ؟ فأجابه بقوله : لا و الله و انا ايضا أقول : انه ولي الله و على الجملة فقاضيهم ايضا قد صرح باننا نقول انه ولي الله غاية الامر انا لا نقول به في الاذان ، و بذلك 1 . و سائل الشيعة ج 1 ص 159 ب 11 من الماء المضاف ح 4 . قضى على الامر و اطفئت نائرة الفتنة . و يؤيد ما ذكرناه - في الجمع بين الاخبار - من ترتب أحكام الكفر على النصب المصطلح لا مطلق الانحراف عن أمير المؤمنين عليه السلام ان في بعض الروايات يقول : و فيهم ناصبى ، فهذه الجملة ظاهرة بل صريحة في عدم كون مطلق المخالف ناصبيا و ان بعضهم كذلك . ثم ان له رضوان الله عليه كلاما آخر في هذا المقام افاده تتميما للبحث و هذا لفظه : لا يخفى انه على تقدير القول بالنجاسة كما اخترناه فلو ألجأت ضرورة التقية إلى المخالطة جازت المباشرة دفعا للضرر كما أو جبته شرعية التقية في مقام من الاحكام الا انه يتقدر بقدر الضرورة فيتحرى المندوحة مهما أمكن . ثم قال : بقي الكلام في انه لو زالت التقية بعد المخالطة و المباشرة بالبدن و الثياب فهل يجب تطهيرها ام لا ، اشكال ينشأ من حيث الحكم بالنجاسة و انما سوغنا مباشرتها للتقية و حيث زالت التقية فحكم النجاسة باق على حاله فيجب ازالتها اذ لا مانع من ذلك ، و من حيث تسويغ الشارع المباشرة و تجويزه لها أولا فما اتى به من ذلك امر جائز شرعا و هو حكم الله تعالى في حقه في تلك الحال و عود الحكم بالنجاسة على وجه يوجب التطهير بعد ذلك يحتاج إلى دليل . إلى آخر كلامه . أقول : يستفاد من ملاحظة كلامه هنا ان النزاع بينه و بين المشهور في الحقيقة لفظى لانه قد ثبت معاشرة الائمة الطاهرين سلام الله عليهم ، و أصحابهم و لا يزال المؤمنون من بعدهم كذلك في مختلف الاعصار و الامصار إلى زماننا هذا ، فإذا لم يلزم التطهير مع ثبوت المباشرة و المزاولة معهم من أول الامر إلى هذا الزمان طوال إعصار طويله و ان كانت المعاشرة تقية فهذا عين القول