تقتضي خروجهم عن المشركين و الكفار ، كما تقدمت الاشارة إلى ذلك ايضا .
ان قلت : ان في بعض الآيات الكريمة اشعارا بالاختصاص ، و ان المشركين هم عبدة الاصنام و الاوثان مثلا ، و لا يعم غيرهم .
منها قوله تعالى : " ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب و لا المشركين ان ينزل عليكم من خير من ربكم " .
1 و منها قوله تعالى : " و لتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم و من الذين اشركوا اذى كثيرا " .
2 و منها قوله تعالى : " و لتجدن اشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود و الذين اشركوا . . " .
3 و منها قوله سبحانه : " ان الذين آمنوا و الذين هادوا و الصابئين و النصارى و المجوس و الذين اشركوا " .
4 و منها قوله عز و جل : " لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين منفكين حتى تأتيهم البينة " .
5 فان عطف المشركين على أهل الكتاب بالواو في الآية الاولى و الخامسة ، و عطف " الذين اشركوا " على " الذين اوتوا الكتاب " في الثانية ، و " على اليهود " في الثالثة ، و " على الذين هادوا في الرابعة مشعر بالتغاير و التقابل .
نقول : انه كلما ذكرا معا فهو كذلك الا ان الكلام في ذكر المشرك وحده فان المراد منه حينئذ مطلق الكافر .
6
1 . سورة البقرة الآية 105 2 . سورة آل عمران الآية 186 3 . سورة المائدة الآية 82 4 . سورة الحج الآية 17 5 . سورة البينة الآية 1 6 . قال السيد في المدارك الطبع الجديد ج 2 ص 296 : و ربما كان في الآيات المتضمنة ثم ان كلمة ( انما ) الدالة على الحصر ، المذكورة في صدر الآية لا تضر بالاستدلال بالآية فان الحصر هنا اضافى بالنسبة إلى الطهارة ، و من باب قصر الموصوف على الصفة مثل : انما زيد قائم حيث يفيد ان القيام فقط ثابت لزيد لا القعود و نحوه فهو لا ثبات خصوص القيام لزيد و نفى ما سواه عنه ، و هذا بخلاف قولنا : انما القائم زيد حيث يثبت القيام لزيد ، و ينفى عمن سواه ، كعمرو و بكر ، فمفاد الآية ان المشركين نجس فقط لا طاهر ، فلا يكون لهم من الصفتين الا النجاسة . و العجب من الفخر الرازي حيث انه فسرها بعكس ذلك و ان النجس من أصناف الانسان هو المشرك وحده ، و غير المشرك منه يكون طاهرا ، و بما ان ابا حنيفة كان يقول بطهارة المشركين و يفتى بنجاسة اعضاء المحدث و عليه بني نجاسة الماء المستعمل في الحدث الاكبر و الاصغر فقد طعن عليه الفخر في تفسيره بان كلامه في الموضعين مخالف للآية الكريمة 1 حيث ان المستفاد منها ان المشرك نجس ، و المؤمن لا ينجس ، و الحال ان ابا حنيفة و من سلك مسلكه يقولون : المشرك طاهر و المؤمن في حال الحدث نجس فقلبوا الامر . و الحاصل ان الرازي قال : معنى الآية ان المشرك وحده نجس لا غيره . لعطف المشركين على أهل الكتاب و بالعكس بالواو اشعار بالمغايرة . 1 . أقول هذه عبارته في تفسيره ج 4 ص 614 : المسألة الرابعة قال أبو حنيفة و أصحابه : اعضاء المحدث نجسة نجاسة حكمية و بنوا عليه ان الماء المستعمل في الوضوء و الجنابة نجس ثم روى أبو يوسف انه نجس نجاسة خفيفة و روى الحسن بن زياد انه نجس نجاسة غليظة و روى محمد بن الحسن ان ذلك الماء طاهر . و اعلم ان قوله تعالى : " انما المشركون نجس " يدل على فساد هذا القول لان كلمة انما للحصر و هذا يقتضى ان لا نجس الا المشرك فالقول بان اعضاء المحدث نجسة مخالف لهذا النص و العجب ان هذا النص صريح في ان المشرك نجس و في ان المؤمن ليس ينجس ثم ان قوما قلبوا القضيه و قالوا : المشرك طاهر و المؤمن حال كونه محدثا أو جنبا نجس و زعموا ان المياه التي استعملها المشركون في أعضائهم بقيت طاهرة مطهرة و المياه التي يستعملها أكابر الانبياء في أعضائهم نجاسة غليظة و هذا من العجائب . و لكن قد اشتبه عليه الامر ، و استفاد من الآية خلاف ما كانت الآية بصدده ، فانها تفيد عدم حصول الطهارة لهم في آن من الآنات ما دام الوصف العنواني ثابتا لهم ، اى ما داموا مشركين و متصفين بهذا الوصف ، و كلامه صحيح لو كانت العبارة : انما النجس المشركون ، فكم فرق بين قولنا : انما زيد شاعر و بين قولنا : انما الشاعر زيد ، فالأَول يقال لمن أراد مثلا تعلم الفقة أو الاصول من زيد فيقال له : انما زيد شاعر يعنى انه ليس فقيها و لا اصوليا كى تتعلم منه ذلك ، فليس هو الا شاعرا و اما الثاني فانه يقال لمن أراد استماع الشعر و تعلمه من زيد و عمرو و بكر فيقال له : انما الشاعر زيد ، اى ان زيد ليس شاعرا بل الشاعر زيد فقط . و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل بل هو من قبيل الاول لانه قال : " انما المشركون نجس " و لم يقل : انما النجس المشركون ، و الحاصل انه لا اشكال أصلا من ناحية الحصر . ما هو المراد من النجس ؟ النجس و النجاسة بحسب اللغة مطلق القذارة ، و بحسب الشرع قذارة خاصة تترتب عيها أحكام معينه ، و هذا لا كلام فيه ، و انما الكلام في ان إطلاق النجاسة على هذا المعنى هل هو بعنوان الحقيقة الشرعية و انه كان يتبادر منه المعنى المزبور عند نزول الآية الكريمة ، أو لم يكن كذلك بل الشارع افاد هذا المعنى بمعونة القرائن و لا يزال هو كذلك ، كى لا يمكن الحمل على هذا المعنى الا مع ثبوت القرينة . ادعى كثير من الاعلام ان استعمال النجاسة في هذا المعنى كان منذ زمن النبي الاعظم صلى الله عليه و آله و سلم بنحو الحقائق الشرعية ، كما ان الطهارة ايضا كذلك فمتى ورد حكم من الاحكام المربوطة بها استفيد منها هذا المعنى اعنى الطهارة الشرعية و هي احدى الطهارات الثلاث : الوضوء ، و الغسل ، و التيمم ، أو الحالة الحاصلة للمتطهر عقيب احدى تلك الثلاث مثلا ، فكان المسلمون عند سماع قول الله تعالى : " و أنزلنا من السماء ماءا طهورا " 1 أو قوله تعالى : " و ان كنتم جنبا فاطهروا " يستفيدون - باعمال الشارع و تصرفه من أول الامر - الطهارة الشرعية من الحدث أو الخبث و كما ان الصحابة كانوا يتبعون نبيهم الموحى اليه في أحكام الكتاب و السنة و غيرها ، كذلك كانوا يتبعونه في حقائق هذه الالفاظ ، و ممن ادعى الحقيقة الشرعية و بالغ عليه كثيرا هو صاحب الحدائق قدس سره . 3 و أورد بعضهم بان دلالة الآية على نجاسة الكفار و ان كانت تامة قابلة للانكار الا ان المراد من النجاسة هو القذارة اى المعنى اللغوي فلا حقيقة شرعية في البين . و فيه ان الظاهر منها هو النجاسة المصطلحة اى العينية الذاتية . هذا مضافا إلى انه منقوض أولا في خصوص بعض بل و كثير من الكفار حيث انه في غاية النظافة الظاهرية بحيث لا يرى في ظاهره قذارة أصلا . و ثانيا بان بعض المسلمين ايضا نظيف و بالجملة فالنجاسة اللغوية و العرفية لا تختص بالمشركين بل يشاركهم فيها غيرهم من المسلمين . 4 و قد ظهر مما ذكرنا ان ما اصر عليه الفقية الهمداني قدس سره من الايراد على صاحب الحدائق مدعيا ان المراد من النجاسة هو المعنى اللغوي ، في 1 . سورة الفرقان الآية 48 2 . سورة المائدة الآية 6 3 . راجع الحدائق الناضرة ج 5 ص 165 4 . يقول المقرر : وهنا وجه آخر في الجواب عنه و هو ان بيان النجس العرفي اى القذارة خلاف وظيفة الشارع أو انه ليس من وظيفته . محله . و التحقيق ان يقال : انه لا حاجة في إثبات المطلوب إلى إثبات الحقيقة الشرعية ، فان ظهور النجس في النجاسة الشرعية مما لا يقبل الانكار ، و هذا يكفينا في إثبات ما نحن بصدده سواء كان ذلك من باب المجاز الشايع أو من قبيل استعمال المشترك المعنوي في احد افراده . و يمكن ان يقال هنا ايضا تثبيتا للمرام و تتميما للكلام انه رتب النهى عن قربهم من المسجد الحرام - في الآية الكريمة - على نجاستهم حيث قال : " انما المشركون نجس فلا يقربوا . . " و النهى في الحقيقة متوجه إلى المؤمنين و هم مأمورون بمنع المشركين عن قربهم من المسجد ، و العلة في ذلك بمقتضى فاء التفريع هو شركهم فنضم هذا إلى الاجماع القائم على عدم جواز إدخال النجس في المسجد و ننتج منهما ان المشرك نجس بالمعني المصطلح حيث انه هو الذي منع عن إدخاله في المسجد . ان قلت : ان كلمة ( نجس ) مصدر و لا يمكن حمل المصدر على الذات و لا يصح وصف الجثة بالمصدر فحينئذ لابد من ان يقدر معه ( ذو ) تصحيحا للحمل و فرارا عن الاشكال فالتقدير انما المشركون ذو نجس و قد صرح الزمخشري بذلك قائلا : نجس مصدر . و معناه ذوو نجس لان معهم الشرك الذي هو بمنزلة النجس و لانهم لا يتطهرون الخ 1 و هذا يساعد النجاسة العرضية و يناسبها و من المعلوم انهم لا يجتنبون عن النجاسات كالخمر و الخنزير و غير ذلك و أين هذا من إثبات نجاستهم بذواتهم و أعيانهم التي هى المدعى ؟ نقول : ان بلاغة الكلام و لطافة التعبير في المقام تقتضي كونه مصدرا محمولا على الذات من تقدير و لا تأويل ، نظرا إلى المبالغة المطلوبة ، فهم 1 . الكشاف ج 2 ص 146 متجسمون بالنجاسة كما في كل مورد أريد المبالغة من المصدر المحمول على الذات نظير زيد عدل ، فلو قدر ( ذو ) في تركيب زيد عدل مثلا ، فهناك لا تأكيد و لا مبالغة أصلا و هو خلاف المقصود و نقض للغرض المسوق له الكلام ، و على الجملة فعلى تقدير كون النجس مصدرا فهو دال على المقصود جدا بلا حاجة إلى تأويل أو تقدير شيء أصلا هذا . مضافا إلى إمكان كون النجس صفة مشبهة 1 و على هذا فهي كسائر الصفات تحمل على الذوات بلا حاجة إلى تقدير أو اعمال نكتة ، و لا مجال للاشكال المذكور آنفا . نعم يرد اشكال آخر و هو انه كيف أخبر عن الجمع بالمفرد ؟ فالموضوع اى المشركون جمع ، و المحمول اعنى لفظ نجس مفرد ، و لا يصح حمل المفرد على الجمع . و يدفع بإرادة الجنس من الجنس و الجنس يساعد معنى الجمع فهو و ان كان مفردا بحسب اللفظ لكنه جمع بحسب المعنى 2 . و الانصاف انه لا حاجة أصلا إلى التمسك بتلك الوجوه فان المقام شبيه قولهم : الكلب نجس و الخنزير نجس ، و هو من اصرح التعبيرات عن النجاسة يعنى انه من الاعيان النجسة و عليه فالمشركون ذوات نجسة و أعيان كذلك . و قد يقال : ان حكم القرآن الشريف بنجاستهم و عدم جواز دخولهم 1 . أقول : فان فعل على وزن حسن من اوزانها قال في القاموس : النجس بالفتح و بالكسر و بالتحريك و ككتف و عضد ضد الطاهر . انتهى . 2 . قال علم التحقيق و التقى الشيخ المرتضى في طهارته : النجس بفتح الجيم اما مصدر . و اما صفة مرادفة للنجس بالكسر . . . و يكون افراد الخبر مع كونه وصفا على تأويل انهم نوع أو صنف نجس انتهى أقول : و يمكن ان يكون من قبيل الوصف الذي يستوى فيه الافراد و الجمع و الذكورة و الانوثة كما نقل ذلك في اللغة ايضا فراجع و يستفاد من عبارة المجمع انه يحمل عليه مع كونه وصفا باعتبار اصله الذي هو المصدر . المسجد كان لا جل جنابتهم و عدم اغتسالهم منها ، فان الجنب ممنوع عن الدخول فيه 1 . و فيه : أولا : ان هذا تساعده نسبة النجاسة إليهم الظاهرة في كونهم كذلك بالذات . و ثانيا : لو كان المراد عدم دخولهم المسجد للجنابة فهذا مختص بالكفار . و ثالثا : انه ربما يفرض كافر لا يكون جنبا كمن كان قد بلغ بالانبات أو السن ، حد التكليف جديدا و لم يمض من بلوغه كثير زمان و تأخر احتلامه مع انه في هذه الفترة ايضا لا يجوز له دخول المسجد و لم يصدر منه لا قبل التكليف و لا بعده ما يوجب الجنابة وضعا . و على هذا فالآية الكريمة تدل بظاهرها على انهم اعيان نجسة 2 و ذوات قذرة شرعية بلا فرق بين افرادهم بحيث لو فرض مورد على خلاف ذلك فهو استثناء من الحكم الكلى العام ، و لو كان المراد من النجس هو القذارة أو الخباثة 1 . ممن قال بذلك و جنح اليه هو قتادة فانه على ما حكاه الطبرسي قال : سماهم نجسا لانهم يجنبون و لا يغتسلون و يحدثون و لا يتوضؤن فمنعوا من دخوله المسجد لان الجنب لا يجوز له دخول المسجد . 2 . أقول : لا يقال : ان المراد من النجس النجاسة المعنوية الموجبة للمنع عن دخول المسجد الحرام مثل القذارة المعنوية الحاصلة من الجنابة أو الحيض المانعة من الدخول فيه فالنجاسة هنا هى القذارة القائمة بالنفس اعنى الكفر و هي كناية عن خبث اعتقادهم فان الكفر قذارة باطنية و نجاسة معنوية و دخول الكافر في المسجد لهتك حرمته . لانا نقول : ظاهر الآية نجاسة البدن اعنى الهيكل الخاص لا نجاسة روحه و نفسه و صرفها إلى المنقصة في النفس و القذارة الباطنة تأويل لا دليل عليه قال ابن زهرة في الغنية : و قول المخالف : المراد بذلك نجاسة الحكم ، معتمد لان إطلاق لفظ النجاسة في الشريعة تقتضي كظاهره نجاسة العين حقيقة و حمله على الحكم مجاز و اللفظ بالحقيقة أولى من المجاز و لا نا نحمل اللفظ على الامرين جميعا لانه لا تنافي بينهما .ما هو المراد من النجس