بدائع الصنائع فی ترتیب الشرائع

أبوبکر بن مسعود الکاشانی

جلد 2 -صفحه : 50/ 15
نمايش فراداده

(84)

رمضان وصوم النفل خارج رمضان و المنذور به في وقت بعينه يجور بنية مطلقة عندنا و قال الشافعي صوم النفل يجوز بنية مطلقة فاما الصوم الواجب فلا يجوز الا بنية معينة وجه قوله أن هذا صوم مفروض فلا يتأدى الا بنية الفرض كصوم القضاء و الكفارات و النذور المطلقة و هذا لان الفرضية صفة زائدة على أصل الصوم يتعلق بها زيادة الثواب فلا بد من زيادة النية و هي نية الفرض و لنا قوله تعالي فمن شهد منكم الشهر فليصمه و هذا قد شهد الشهر و صامه فيخرج عن العهدة و لان النية لو شرطت انما تشترط اما ليصير الامساك لله تعالى و اما للتمييز بين نوع و نوع و لا وجه للاول لان مطلق النية كان لصيرورة الامساك لله تعالى لانه يكفى لقطع التردد و لقول النبي صلى الله عليه و سلم و لكل امرئ ما نوى و قد نوى ان يكون إمساكه لله تعالى فلو لم يقع لله تعالي لا يكون له ما نوى و هذا خلاف النص و لا وجه للثاني لان مشروع الوقت واحد لا يتنوع فلا حاجة إلى التمييز بتعيين النية بخلاف صوم القضاء و النذر و الكفارة لان مشروع الوقت و هو خارج رمضان متنوع فوقعت الحاجة إلى التعيين بالنية فهو الفرق و قوله هذا صوم مفروض مسلم و لكن لم لا تتأدى نية الفرض بدون نية الفرض و قوله الفرضية صفة للصوم زائدة عليه فتفتقر الي نية زائدة ممنوع انها صفة زائدة على الصوم لان الصوم صفة و الصفة لا تحتمل صفة زائدة عليها قائمة بها بل هو وصف اضافى فيسمى الصوم مفروضا و فريضة لدخوله تحت فرض الله تعالى لا لفرضية قامت به و إذا لم يكن صفة قائمة بالصوم لا يشترط له نية الفرض و زيادة الثواب لفضيلة الوقت لا لزيادة صفة العمل و الله أعلم و لو صام رمضان بنية النفل أو صام المنذور بعينه بنية النفل يقع صومه عن رمضان و عن المنذور عندنا و عند الشافعي لا يقع و كذا لو صام رمضان بنية واجب آخر من القضاء و الكفارات و النذور يقع عن رمضان عندنا و عنده لا يقع هو يقول لما نوى النفل فقد أعرض عن الفرض و المعرض عن فعل لا يكون آتيابه و نحن نقول انه نوى الاصل و الوصف و الوقت قابل للاصل قابل للوصف فبطلت نية الوصف و بقيت نية الاصل و انها كافية لصيرورة الامساك لله تعالى على ما بينا في المسألة الاولي و لو نوى في النذر المعين واجبا آخر يقع عما نوى بالاجماع بخلاف صوم رمضان وجه الفرق ان كل واحد من الوقتين و ان تعين لصومه الا ان أحدهما و هو شهر رمضان معين بتعيين من له الولاية على الاطلاق و هو الله تعالى فثبت التعيين على الاطلاق فيظهر في حق فسخ سائر الصيامات و الآخر تعين بتعيين من له ولاية قاصرة و هو العبد فيظهر تعيينه فيما عينه له و هو صوم التطوع دون الواجبات التي هى حق الله تعالى في هذه الاوقات فبقيت الاوقات محلا لها فإذا نواها صح هذا الذي ذكرنا في حق المقيم فاما المسافر فان صام رمضان بمطلق النية فكذلك يقع صومه عن رمضان بلا خلاف بين أصحابنا و ان صام بنية واجب آخر يقع عما نوى في قول أبى حنيفة و عند أبى يوسف و محمد يقع عن رمضان و ان صام بنية التطوع فعندهما يقع عن رمضان و عن أبى حنيفة فيه روايتان روى أبو يوسف عن أبى حنيفة انه يقع عن التطوع و روى الحسن عنه انه يقع عن رمضان قال القدوري الرواية الاولى هى الاصح وجه قولهما ان الصوم واجب على المسافر و هو العزيمة و الافطار له خصة فإذا اختار العزيمة و ترك الرخصة صار هو و المقيم سواء فيقع صومه عن رمضان كالمقيم و لابي حنيفة ان الصوم و ان وجب عليه لكن رخص له في الافطار نظرا له فلان يرخص له إسقاط ما في ذمته و النظر له فيه أكثر أولى و اما إذا نوى التطوع فوجه رواية أبى يوسف عن أبى حنيفة ان الصوم واجب على المسافر في رمضان بدليل انه يباح له الفطر فاشبه خارج رمضان و لو نوى التطوع خارج رمضان يقع عن التطوع كله كذا في رمضان وجه رواية الحسن عنه ان صوم التطوع لا يفتقر إلى تعيين نية المتطوع بل نية الصوم فيه كافية فتلغو نية التعيين و يبقى أصل النية فيصير صائما في رمضان بنية مطلقة فيقع عن رمضان و اما قوله ان الصوم واجب على المسافر في رمضان فممنوع بل هو واجب الا انه يترخص فيه فإذا لم يترخص و لم ينو واجبا آخر بقي صوم رمضان واجبا عليه فيقع صومه عنه و اما المريض الذي رخص له في الافطار فان صام بنية مطلقة يقع صومه عن رمضان بلا خلاف و ان صام بنية التطوع فعامة مشايخنا قالوا انه يقع صومه عن رمضان لانه لما قدر على الصوم صار كالصحيح

(85)

و الكرخي سوى بين المريض و المسافر و روى أبو يوسف عن أبى حنيفة انه يقع عن التطوع و يشترط لكل يوم من رمضان نية على حدة عند عامة العلماء و قال مالك يجوز صوم جميع الشهر بنية واحدة وجه قوله ان الواجب صوم الشهر لقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه و الشهر اسم لزمان واحد فكان الصوم من أوله إلى آخره عبادة واحدة كالصلاة و الحج فيتأدى بنية واحدة و لنا ان صوم كل يوم عبادة على حدة متعلقة باليوم الآخر بدليل ان ما يفسد أحدهما لا يفسد الآخر فيشترط لكل يوم منه نية على حدة و قوله الشهر اسم لزمان واحد ممنوع بل هو اسم لازمنة مختلفة بعضها محل للصوم و بعضها ليس بوقت له و هو الليالي فقد تخلل بين كل يومين ما ليس بوقت لهما فصار صوم كل يومين عبادتين مختلفتين كصلاتين و نحو ذلك و ان كان الصوم دينا و هو صوم القضاء و الكفارات و النذور المطلقة لا يجوز الا بتعيين النية حتى لو صام بنية مطلق الصوم لا يقع عما عليه لان زمان خارج رمضان متعين للنفل شرعا عند بعض مشايخنا و المطلق ينصرف إلى ما تعين له الوقت و عند بعضهم هو وقت للصيامات كلها على الابهام فلا بد من تعيين الوقت للبعض بالنية لتتعين له لكنه عند الاطلاق ينصرف إلى التطوع لانه أدنى و الادنى متيقن به فيقع الامساك عنه و لو نوى بصومه قضأ رمضان و التطوع كان عن القضاء في قول أبى يوسف و قال محمد يكون عن التطوع وجه قوله انه عين الوقت لجهتين مختلفتين متنافيتين فسقطتا للتعارض و بقى أصل النية و هو نية الصوم فيكون عن التطوع و لابي يوسف ان نية التعيين في التطوع لغو فلغت و بقى أصل النية فصار كانه نوى قضأ رمضان و الصوم و لو كان كذلك يقع عن القضاء كذا هذا فان نوى قضأ رمضان و كفارة الظهار قال أبو يوسف يكون عن القضاء استحسانا و القياس أن يكون عن التطوع و هو قول محمد وجه القياس على نحو ما ذكرنا في المسألة الاولى ان جهتي التعيين تعارضتا للتنافي فسقطتا بحكم التعارض فبقى نية مطلق الصوم فيكون تطوعا وجه الاستحسان ان الترجيح لتعيين جهة القضاء لانه خلف عن صوم رمضان و خلف الشيء يقوم مقامه كانه هو وصوم رمضان أقوى الصيامات حتى تندفع به نية سائر الصيامات و لانه بدل صوم وجب بإيجاب الله تعالى ابتداء وصوم كفارة الظهار وجب بسبب وجد من جهة العبد فكان القضاء أقوى فلا يزاحمه الا ضعف و روى ابن سماعة عن محمد فيمن نذر صوم يوم بعينه فصامه ينوى النذر و كفارة اليمين فهو عن النذر لتعارض النيتين فتساقطا و بقى نية الصوم مطلقا فيقع عن النذر المعين و الله أعلم و اما الثالث و هو وقت النية فالأَفضل في الصيامات كلها أن ينوى وقت طلوع الفجر ان أمكنه ذلك أو من الليل لان النية عند طلوع الفجر تفارن أول جزء من العبادة حقيقة و من الليل تقارنه تقديرا و ان نوى بعد طلوع الفجر فان كان الصوم دينا لا يجوز بالاجماع و ان كان عينا و هو صوم رمضان وصوم التطوع خارج رمضان و المنذور المعين يجوز و قال زفر ان كان مسافرا لا يجوز صومه عن رمضان بنية من النهار و قال الشافعي لا يجوز بنية من النهار الا التطوع و قال مالك لا يجوز التطوع أيضا و لا يجوز صوم التطوع بنية من النهار بعد الزوال عندنا و للشافعي فيه قولان اما الكلام مع مالك فوجه قوله ان التطوع تبع للفرض ثم لا يجوز صوم الفرض بنية من النهار فكذا التطوع و لنا ما روى عن ابن عباس رضى الله عنه انه قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصبح لا ينوى الصوم ثم يبدو له فيصوم و عن عائشة رضى الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يدخل على أهله فيقول هل عندكم عن غداء فان قالوا لا قال فانى صائم وصوم التطوع بنية من النهار قبل الزوال مروى عن على و ابن مسعود و ابن عباس و أبى طلحة و أما الكلام فيما بعد الزوال فبناء على ان صوم النفل عندنا متجزئ كصوم الفرض و عند الشافعي في أحد قوليه متجزئ حتى قال يصير صائما من حين نوى لكن بشرط الامساك في أول النهار و حجته ما روينا عن ابن عباس و عائشة رضى الله عنهما مطلقا من فصل بين ما قبل الزوال و بعده و أما عندنا فالصوم لا يتجزأ فرضا كان أو نفلا و يصير صائما من أول النهار لكن بالنية الموجودة وقت الركن و هو الامساك وقت الغداء المتعارف لما نذكر فإذا نوى بعد الزوال فقد خلا بعض الركن عن الشرط فلا يصير صائما شرعا و الحديثان محمولان على ما قبل الزوال بدليل ما ذكرنا و أما الكلام مع

(86)

الشافعي في صوم رمضان فهو يحتج بما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لا صيام لمن لم يعزم الصوم من الليل و لان الامساك من أول النهار إلى آخره ركن فلا بد له من النية ليصير لله تعالى و قد انعدمت في أول النهار فلم يقع الامساك في أول النهار لله تعالي لفقد شرطه فكذا الباقى لان صوم الفرض لا يتجزأ و لهذا لا يجوز صوم القضاء و الكفارات و النذور المطلقة بنية من النهار و كذا صوم رمضان و لنا قوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى قوله ثم أتموا الصيام الي الليل أباح للمؤمنين الاكل و الشرب و الجماع في ليالي رمضان إلى طلوع الفجر و أمر بالصيام عنها بعد طلوع الفجر متأخرا عنه لان كلمة ثم للتعقيب مع التراخى فكان هذا أمرا بالصوم متراخيا عن أول النهار و الامر بالصوم أمر بالنية اذ لا صحة للصوم شرعا بدون النية فكان أمرا بالصوم بنية متأخرة عن أول النهار و قد أتى به فقد أتى بالمأمور به فيخرج عن العهدة و فيه دلالة ان الامساك في أول النهار يقع صوما وجدت فيه النية أو لم توجد لان إتمام الشيء يقتضى سابقية وجود بعض منه و لانه صام رمضان في وقت متعين شرعا لصوم رمضان لوجود ركن الصوم مع شرائطه التي ترجع إلى الاهلية و المحلية و لا كلام في سائر الشرائط و انما الكلام في النية و وقتها وقت وجود الركن و هو الامساك وقت الغداء المتعارف و الامساك في أول النهار شرط و ليس بركن لان ركن العبادة ما يكون شاقا على البدن مخالفا للعادة و هو النفس و ذلك هو الامساك وقت الغداء المتعارف فأما الامساك في أول النهار فمعتاد فلا يكون ركنا بل يكون شرطا لانه وسيلة إلى تحقيق معنى الركن الا انه لا يعرف كونه وسيلة للحال لجواز أن لا ينوى وقت الركن فإذا نوى ظهر كونه وسيلة من حين وجوده و النية تشترط لصيرورة الامساك الذي هو ركن عبادة لا لما يصير عبادة بطريق الوسيلة على ما قررنا في الخلافيات و أما الحديث فهو من الآحاد فلا يصلح ناسخا للكتاب لكنه يصلح مكملا له فيحمل على نفى الكمال كقوله لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد ليكون عملا بالدليلين بقدر الامكان و أما صيام القضاء و النذور و الكفارات فما صامها في وقت متعين لها شرعا لان خارج رمضان متعين للنفل موضوع له شرعا الا أن يعينه لغيره فإذا لم ينو من الليل صوما آخر بقي الوقت متعينا للتطوع شرعا فلا يملك تغييره فاما ههنا فالوقت متعين لصوم رمضان و قد صامه لوجود ركن الصوم و شرائطه على ما بينا و اما الكلام مع زفر في المسافر إذا صام رمضان بنية من النهار فوجه قوله ان الصوم واجب على المسافر في رمضان حتما ألا ترى ان له أن يفطر و الوقت متعين لصوم رمضان في حقه فان له أن يصوم عن واجب آخر فاشبه صوم القضاء خارج رمضان و ذا لا يتأدى بنية من النهار كذا هذا و لنا ان الصوم واجب على المسافر في رمضان و هو العزيمة في حقه الا ان له أن يترخص بالافطار و له أن يصوم عن واجب آخر عند أبى حنيفة بطريق الرخصة و التيسير أيضا لما فيه من إسقاط الفرض عن ذمته على ما بينا فيما تقدم فإذا لم يفطر و لم ينو واجبا آخر بقي صوم رمضان واجبا عليه و قد صامه فيخرج عن العهدة كالمقيم سواء و يتصل بهذين الفصلين و هو بيان كيفية النية و وقت النية مسألة الاسير في يد العدو إذا اشتبه عليه شهر رمضان فتحرى و صام شهرا عن رمضان و جملة الكلام فيه انه إذا صام شهرا عن رمضان لا يخلوا ما ان وافق شهر رمضان أو لم يوافق بان تقدم أو تأخر فان وافق جاز و هذا لا يشكل لانه أدى ما عليه و ان تقدم لم يجز لانه أدى الواجب قبل وجوبه و قبل وجود سبب وجوبه و ان تأخر فان وافق شوال يجوز لكن يراعى فيه موافقة الشهرين في عدد الايام و تعيين النية و وجودها من الليل و أما موافقة العدد فلان صوم شهر آخر بعده يكون قضأ و القضاء يكون على قدر الفائت و الشهر قد يكون ثلاثين يوما و قد يكون تسعة و عشرين يوما و أما تعيين النية و وجودها من الليل فلان صوم القضاء لا يجوز بمطلق النية و لا بنية من النهار لما ذكرنا فيما تقدم و هل تشترط نية القضاء ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي انه لا يشترط و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي انه يشترط و الصحيح ما ذكره القدوري لانه نوى ما عليه من صوم رمضان و عليه القضا فكان ذلك منه تعيين نية القضاء و بيان هذه الجملة انه إذا وافق صومه شهر شوال ينظر ان كان رمضان كاملا و شوال كاملا قضى يوما واحدا لاجل يوم الفطر لان صوم القضاء لا يجوز فيه و ان كان رمضان كاملا

(87)

و شوال ناقصا قضى يومين يوما لاجل يوم الفطر و يوما لاجل النقصان لان القضاء يكون على قدر الفائت و ان كان رمضان ناقصا و شوال كاملا لا شيء عليه لانه أكمل عدد الفائت و ان وافق صومه هلال ذي الحجة فان كان رمضان كاملا و ذو الحجة كاملا قضى أربعة أيام يوما لاجل يوم النحر و ثلاثة أيام لاجل أيام التشريق لان القضاء لا يجوز في هذه الايام و ان كان رمضان كاملا و ذو الحجة ناقصا قضى خمسة أيام يوما للنقصان و أربعة أيام ليوم النحر و أيام التشريق و ان كان رمضان ناقصا و ذو الحجة كاملا قضى ثلاثة أيام لان الفائت ليس الا هذا القدر و ان وافق صومه شهرا آخر سوى هذين الشهرين فان كان الشهران كاملين أو ناقصين أو كان رمضان ناقصا و الشهر الآخر كاملا فلا شيء عليه و ان كان رمضان كاملا و الشهر الآخر ناقصا قضى يوما واحدا لان الفائت يوم واحد و لو صام بالتحري سنين كثيرة ثم تبين انه صام في كل سنة قبل شهر رمضان فهل يجوز صومه في السنة الثانية عن الاولى و فى الثالثة عن الثانية و فى الرابعة عن الثالثة هكذا قال بعضهم يجوز لانه في كل سنة من الثانية و الثالثة و الرابعة صام صوم رمضان الذي عليه و ليس عليه الا القضاء فيقع قضأ عن الاول و قال بعضهم لا يجوز و عليه قضأ الرمضانات لانه صام في كل سنة عن رمضان قبل دخول رمضان و فصل الفقية أبو جعفر الهندواني رحمه الله في ذلك تفصيلا فقال ان صام في السنة الثانية عن الواجب عليه الا انه ظن انه من رمضان يجوز و كذا في الثالثة و الرابعة لانه صام عن الواجب عليه و الواجب عليه قضأ صوم رمضان الاول دون الثاني و لا يكون عليه الا قضأ رمضان الاخير خاصة لانه ما قضاه فعليه قضاؤه و ان صام في السنة الثانية عن الثالثة و فى السنة الثالثة عن الرابعة لم يجز و عليه قضأ الرمضانات كلها أما عدم الجواز عن الرمضان الاول فلانه ما نوى عنه و تعيين النية في القضاء شرط و لا يجوز عن الثاني لانه صام قبله متقدما عليه و كذا الثالث و الرابع و ضرب له مثلا و هو رجل اقتدى بالامام على ظن انه زيد فإذا هو عمر و صح اقتداؤه به و لو اقتدى بزيد فإذا هو عمر و لم يصح اقتداؤه به لانه في الاول نوى الاقتداء بالامام الا انه ظن ان الامام زيد فاخطأ في ظنه فهذا لا يقدح في صحة اقتدائه بالامام و فى الثاني نوى الاقتداء بزيد فإذا لم يكن زيدا تبين انه ما اقتدى بأحد كذلك ههنا إذا نوى في صوم كل سنة عن الواجب عليه تعلقت نيته بالواجب عليه لا بالاول و الثاني الا انه ظن انه الثاني فاخطأ في ظنه فيقع عن الواجب عليه لا عما ظن و الله أعلم و أما الشرائط التي تخص بعض الصيامات دون بعض و هي شرائط الوجوب فمنها الاسلام فلا يجب الصوم على الكافر في حق أحكام الدنيا بلا خلاف حتى لا يخاطب بالقضاء بعد الاسلام و أما في حق أحكام الآخرة فكذلك عندنا و عند الشافعي يجب و لقب المسألة ان الكفار مخاطبين بشرائع هى عبادات عندنا خلافا له و هي تعرف في أصول الفقة و على هذا يخرج الكافر إذا أعلم في بعض شهر رمضان انه لا يلزمه قضأ ما مضى لان الوجوب لم يثبت فيما مضى فلم يتصور قضأ الواجب و هذا التخريج على قول من يشترط لوجوب القضاء سابقة وجوب الاداء من مشايخنا و أما على قول من لا يشترط ذلك منهم فانما لا يلزمه قضأ ما مضى لمكان الحرج اذ لو لزمه ذلك للزمه قضأ جميع ما مضى من الرمضانات في حال الكفر لان البعض ليس بأولى من البعض و فيه من الحرج ما لا يخفى و كذا إذا أسلم في يوم من رمضان قبل الزوال لا يلزمه صوم ذلك اليوم حتى لا يلزمه قضاؤه و قال مالك يلزمه و انه سديد لانه لم يكن من أهل الوجوب في أول اليوم أو لما في وجوب القضاء من الحرج على ما بينا و منها البلوغ فلا يجب صوم رمضان على الصبي و ان كان عاقلا حتى لا يلزمه القضاء بعد البلوغ لقول النبي صلى الله عليه و سلم رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم و عن المجنون حتى يفيق و عن النائم حتى يستيقظ و لان الصبي لضعف بنيته و قصور عقله و اشتغاله باللهو و اللعب يشق عليه تفهم الخطاب و أداء الصوم فاسقط الشرع عنه العبادات نظرا له فإذا لم يجب عليه الصوم في حال الصبا لا يلزمه القضاء لما بينا انه لا يلزمه لمكان الحرج لان مدة الصبا مديدة فكان في إيجاب القضاء عليه بعد البلوغ حرج و كذا إذا بلغ في يوم من رمضان قبل الزوال لا يجزئه صوم ذلك اليوم و ان نوى و ليس عليه قضاؤه اذ لم يجب عليه في أول اليوم لعدم أهلية الوجوب فيه و الصوم لا يتجزأ وجوبا و جوازا و لما فيه من الحرج

(88)

على ما ذكرنا و روى عن أبى يوسف في الصبي يبلغ قبل الزوال أو أسلم الكافر أن عليهما القضاء و وجهه انهما أدركا وقت النية فصار كانهما أدركا من الليل و الصحيح جواب ظاهر الرواية لما ذكرنا ان الصوم لا يتجزأ وجوبا فإذا لم يجب عليهما البعض لم يجب الباقى أو لما في إيجاب القضاء من الحرج و أما العقل فهل هو من شرائط الوجوب و كذا الافاقة و اليقظة قال عامة مشايخنا انها ليست من شرائط الوجوب و يجب صوم رمضان على المجنون و المغمى عليه و النائم لكن أصل الوجوب لا وجوب الاداء بناء على ان عندهم الوجوب نوعان أحدهما أصل الوجوب و هو اشتغال الذمة بالواجب و انه ثبت بالاسباب لا بالخطاب و لا تشترط القدرة لثبوته بل ثبت جبرا من الله تعالى شاء العبد أو أبى و الثاني وجوب الاداء و هو إسقاط ما في الذمة و تفريغها من الواجب و انه ثبت بالخطاب و تشترط له القدرة على فهم الخطاب و على أداء ما تناوله الخطاب لان الخطاب لا يتوجه الي العاجز عن فهم الخطاب و لا على العاجز عن فعل ما تناوله الخطاب و المجنون لعدم عقله أو لاستتاره و المغمى عليه و النائم لعجزهما عن استعمال عقلهما عاجزون عن فهم الخطاب و عن أداء ما تناوله الخطاب فلا يثبت وجوب الاداء في حقهم و يثبت أصل الوجوب في حقهم لانه لا يعتمد القدرة بل يثبت جبرا و تقرير هذا الاصل معروف في أصول الفقة و فى الخلافيات و قال أهل التحقيق من مشايخنا بما وراء النهر ان الوجوب في الحقيقة نوع واحد و هو وجوب الاداء فكل من كان من أهل الاداء كان من أهل الوجوب و من لا فلا و هو اختيار أستاذي الشيخ الاجل الزاهد علاء الدين رئيس أهل السنة محمد بن أحمد السمرقندي رضى الله عنه لان الوجوب المعقول هو وجوب الفعل كوجوب الصوم و الصلاة و سائر العبادات فمن لم يكن من أهل أداء الفعل الواجب و هو القادر على فهم الخطاب و القادر على فعل ما يتناوله الخطاب لا يكون من أهل الوجوب ضرورة و المجنون و المغمى عليه و النائم عاجزون عن فعل الخطاب بالصوم و عن ادائه اذ الصوم الشرعي هو الامساك لله تعالى و لن يكون ذلك بدون النية و هؤلاء ليسوا من أهل النية فلم يكونوا من أهل الاداء فلم يكونوا من أهل الوجوب و الذى دعا الاولين إلى القول بالوجوب في حق هؤلاء ما انعقد الاجماع عليه من وجوب القضاء على المغمى عليه و النائم بعد الافاقة و الانتباه بعد مضى بعض الشهر أو كله و ما قد صح من مذهب أصحابنا رحمهم الله في المجنون إذا أفاق في بعض شهر رمضان أنه يجب عليه قضأ ما مضى من الشهر فقالوا ان وجوب القضاء يستدعى فوات الواجب المؤقت عن وقته مع القدرة عليه و انتفاء الحرج فلا بد من الوجوب في الوقت ثم فواته حتى يمكن إيجاب القضاء فاضطرهم ذلك إلى إثبات الوجوب في حال الجنون و الاغماء والنوم و قال الآخرون ان وجوب القضاء لا يستدعى سابقية الوجوب لا محالة و انما يستدعى فوت العبادة عن وقتها و القدرة على القضاء من حرج و لذلك اختلفت طرقهم في المسألة و هذا الذي ذكرنا في المجنون إذا أفاق في بعض شهر رمضان أنه يلزمه قضأ ما مضى جواب الاستحسان و القياس أن لا يلزمه و هو قول زفر و الشافعي و أما المجنون جنونا مستوعبا بأن جن قبل دخول شهر رمضان و أفاق بعد مضيه فلا قضأ عليه عند عامة العلماء و عند مالك يقضى وجه القياس أن القضاء هو تسليم مثل الواجب و لا وجوب على المجنون لان الوجوب بالخطاب و لا خطاب عليه لانعدام القدرتين و لهذا لم يجب القضاء في الجنون المستوعب شهرا وجه قول أصحابنا أما من قال بالوجوب في حال الجنون يقول فانه الواجب عن وقته و قدر على قضائه من حرج فليزمه قضاؤه قياسا على النائم و المغمى عليه و دليل الوجوب لهم وجود سبب الوجوب و هو الشهر اذ الصوم يضاف اليه مطلقا يقال صوم الشهر و الاضافة دليل السببية و هو قادر على القضاء من حرج و فى إيجاب القضاء عند الاستيعاب حرج و أما من أبى القول بالوجوب في حال الجنون يقول هذا شخص فاته صوم شهر رمضان و قدر على قضائه من حرج فيلزمه قضاؤه قياسا على النائم و المغمى عليه و معنى قولنا فاته صوم شهر رمضان أى لم يصم شهر رمضان و قولنا من حرج فلانه لا حرج في قضأ نصف الشهر و تأثيرها من وجهين أحدهما أن الصوم عبادة و الاصل في العبادات وجوبها على الدوام بشرط الامكان و انتفاء الحرج لما ذكرنا في

(89)

الخلافيات الا أن الشرع عين شهر رمضان من السنة في حق القادر على الصوم فبقى الوقت المطلق في حق العاجز عنه و قتاله و الثاني أنه لما فاته صوم شهر رمضان فقد فاته الثواب المتعلق به فيحتاج إلى استدراكه بالصوم في عدة من أيام أخر ليقوم الصوم فيها مقام الفائت فينجبر الفوات بالقدر الممكن فإذا قدر على قضائه من حرج أمكن القول بالوجوب عليه فيجب كما في المغمى عليه و النائم بخلاف الجنون المستوعب فان هناك في إيجاب القضاء حرجا لان الجنون المستوعب قلما يزول بخلاف الاغماء والنوم إذا استوعب لان استيعابه نادر و النادر ملحق بالعدم بخلاف الجنون فان استيعابه ليس بنادر و يستوى الجواب في وجوب قضأ ما مضى عند أصحابنا في الجنون العارض ما إذا أفاق في وسط الشهر أو في أوله حتى لو جن قبل الشهر ثم أفاق في آخر يوم منه يلزمه قضأ جميع الشهر و لو جن في أول يوم من رمضان فلم يفق الا بعد مضى الشهر يلزمه قضأ كل الشهر الا قضأ اليوم الذي جن فيه ان كان نوى الصوم في الليل و ان كان لم ينو قضى جميع الشهر و لو جن في طرفي الشهر و أفاق في وسطه فعليه قضأ الطرفين و أما المجنون الاصلى و هو الذي بلغ مجنونا ثم أفاق في بعض الشهر فقد روى عن محمد انه فرق بينهما فقال لا يقضى ما مضى من الشهر و روى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه سوى بينهما و قال يقضى ما مضى من الشهر و هكذا روى هشام عن أبى يوسف في صبي له عشر سنين جن فلم يزل مجنونا حتى أتى عليه ثلاثون سنة أو أكثر ثم صح في آخر يوم من شهر رمضان فالقياس أنه لا يجب عليه قضأ ما مضى لكن استحسن أن يقضى ما مضى في هذا الشهر وجه قول محمد أن زمان الافاقة في حيز زمان ابتداء التكليف فاشبه الصغير إذا بلغ في بعض الشهر بخلاف الجنون العارض فان هناك زمان التكليف سبق الجنون الا أنه عجز عن الاداء بعارض فاشبه المريض العاجز عن اداء الصوم إذا صح وجه رواية عن أبى حنيفة و أبى يوسف ما ذكرنا من الطريقين في الجنون العارض و لو أفاق المجنون جنونا عارضا في نهار رمضان قبل الزوال فنوى الصوم أجزأه عن رمضان و الجنون الاصلى على الاختلاف الذي ذكرنا و يجوز في الاغماء والنوم بلا خلاف بين أصحابنا و على هذا الطهارة من الحيض و النفاس انها شرط الوجوب عند أهل التحقيق من مشايخنا اذ الصوم الشرعي لا يتحقق من الحائض و النفساء فتعذر القول بوجوب الصوم عليهما في وقت الحيض و النفاس الا أنه يجب عليهما قضأ الصوم لفوات صوم رمضان عليهما و لقدرتهما على القضاء في عدة من أيام اخر من حرج و ليس عليهما قضأ الصلوات لما فيه من الحرج لان وجوبها يتكرر في كل يوم خمس مرات و لا يلزم الحائض في السنة الا قضأ عشرة أيام و لا حرج في ذلك و على قول عامة المشايخ ليس بشرط واصل الوجوب ثابت في حالة الحيض و النفاس و انما تشترط الطهارة لاهلية الاداء و الاصل فيه ما روى أن إمرأة سألت عائشة رضى الله عنها فقالت لم تقض الحائض الصوم و لا تقضى الصلاة فقالت عائشة رضى الله عنها للسائلة أحرورية أنت هكذا كن النساء يفعلن على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم اشارت إلى أن ذلك ثبت تعبدا محضا و الظاهر أن فتواها بلغ الصحابة و لم ينقل أنه أنكر عليها منكر فيكون إجماعا من الصحابة رضى الله عنهم و لو طهرتا بعد طلوع الفجر قبل الزوال لا يجزيهما صوم ذلك اليوم لا عن فرض و لا عن نفل لعدم وجوب الصوم عليهما و وجوده في أول اليوم فلا يجب و لا يوجد في الباقى لعدم التجزى و عليهما قضاؤه مع الايام الاخر لما ذكرنا و ان طهرتا قبل طلوع الفجر ينظران كان الحيض عشرة أيام و النفاس أربعين يوما فعليهما قضأ صلاة العشاء و يجزيهما صومهما من الغد عن رمضان إذا نوتا قبل طلوع الفجر لخروجهما عن الحيض و النفاس بمجرد انقطاع الدم فتقع الحاجة الي النية لا و ان كان الحيض دون العشرة و النفاس دون الاربعين فان بقي من الليل مقدار ما يسع للاغتسال و مقدار ما يسع النية بعد الاغتسال فكذلك و ان بقي من الليل دون ذلك لا يلزمهما قضأ صلاة العشاء و لا يجزيهما صومهما من الغد و عليهما قضأ ذلك اليوم كما لو طهرتا بعد طلوع الفجر لان مدة الاغتسال فيما دون العشرة و الاربعين من الحيض بإجماع الصحابة رضى عنهم و لو أسلم الكافر قبل طلوع الفجر بمقدار ما يمكنه النية فعليه صوم الغد و الا فلا

(90)

و كذلك الصبي إذا بلغ و كذلك المجنون جنونا أصليا على قول محمد لانه بمنزلة الصبا عنده ( فصل )

و أما ركنه فالإِمساك عن الاكل و الشرب و الجماع لان الله تعالى أباح الاكل و الشرب و الجماع في ليالي رمضان لقوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى قوله فالآن باشروهن و ابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا و اشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر أى حتى يتبين لكم ضوء النهار من ظلمة الليل من الفجر ثم أمر بالامساك عن هذه الاشياء في النهار بقوله عز و جل ثم أتموا الصيام إلى الليل فدل أن ركن الصوم ما قلنا فلا يوجد الصوم بدونه و على هذا الاصل ينبنى بيان ما يفسد الصوم و ينقضه لان انتقاض الشيء عند فوات ركنه أمر ضروري و ذلك بالاكل و الشرب و الجماع سواء كان صورة و معنى أو صورة لا معنى أو معنى لا صورة و سواء كان بغير عذر أو بعذر و سواء كان عمدا أو خطأ طوعا أو كرها بعد ان كان ذاكرا لصومه لا ناسيا و لا في معنى الناسي و القياس أن يفسد و ان كان ناسيا و هو قول مالك لوجود ضد الركن حتى قال أبو حنيفة لو لا قول الناس لقلت يقضى أى لو لا قول الناس أن أبا حنيفة خالف الامر لقلت يقضى لكنا تركنا القياس بالنص و هو ما روى عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من نسى و هو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فان الله عز وجل أطعمة و سقاه حكم ببقاء صومه و علل بانقطاع نسبة فعله عنه بإضافته الي الله تعالى لوقوعه من قصده و روى عن أبى حنيفة أنه قال لا قضأ على الناسي للاثر المروي عن النبي صلى الله عليه و سلم و القياس أن يقضى ذلك و لكن اتباع الاثر أولى إذا كان صحيحا و حديث صححه أبو حنيفة لا يبقى لاحد فيه مطعن و كذا انتقده أبو يوسف حيث قال و ليس حديث شاذ نجترئ على رده و كان من صيارفة الحديث و روى عن على و ابن عمرو و أبى هريرة رضى الله عنهم مثل مذهبنا و لان النسيان في باب الصوم مما يغلب وجوده و لا يمكن دفعه الا بحرج فجعل عذار دفعا للحرج و عن عطاء و الثورى انهما فرقا بين الاكل و الشرب و بين الجماع ناسيا فقالا يفسد صومه في الجماع و لا يفسد في الاكل و الشرب لان القياس يقتضى الفساد في الكل لفوات ركن الصوم في الكل الا انا تركنا القياس بالخبر و انه ورد في الاكل و الشرب فبقى الجماع على أصل القياس و انا نقول نعم الحديث ورد في الاكل و الشرب لكنه معلول بمعنى يوجد في الكل و هو أنه فعل مضاف إلى الله تعالى على طريق التمحيض بقوله فانما أطعمة الله و سقاه قطع اضافته عن العبد لوقوعه فيه من قصده و اختياره و هذا المعنى يوجد في الكل و العلة إذا كانت منصوصا عليها كان الحكم منصوصا عليه و يتعمم الحكم بمعموم العلة و كذا معنى الحرج يوجد في الكل و لو أكل فقيل له انك صائم و هو لا يتذكر انه صائم ثم علم بعد ذلك فعليه القضاء في قول أبى يوسف و عند زفر و الحسن بن زياد لا قضأ عليه وجه قولهما انه لما تذكر انه كان صائما تبين انه أكل ناسيا فلم يفسد صومه و لابي يوسف انه أكل متعمدا لان عنده أنه ليس بصائم فيبطل صومه و لو دخل الذباب حلقه لم يفطره لانه لا يمكنه الاحتراز عنه فاشبه الناسي و لو أخذه فأكله فطره لانه تعمد أكله و ان لم يكن مأكولا كما لو أكل التراب و لو دخل الغبار أو الدخان أو الرائحة في حلقه لم يفطره لما قلنا و كذا لو ابتلع البلل الذي بقي بعد المضمضة في فمه مع البزاق أو ابتلع البزاق الذي اجتمع في فمه لما ذكرنا و لو بقي بين اسنانه شيء فابتلعه ذكر في الجامع الصغير أنه لا يفسد صومه و ان أدخله حلقه متعمدا روى عن أبى يوسف أنه ان تعمد عليه القضاء و لا كفارة عليه ووفق ابن أبى مالك فقال ان كان مقدار الحمصة أو أكثر يفسد صومه و عليه القضاء و لا كفارة كما قال أبو يوسف رحمه الله تعالى و قول أبى يوسف محمول عليه و ان كان دون الحمصة لا يفسد صومه كما لو ذكر في الجامع الصغير و المذكور فيه محمول عليه و هو الاصح و وجهه ان ما دون الحمصة يسير يبقى بين الاسنان عادة فلا يمكن التحرز عنه بمنزلة الريق فيشبه الناسي و لا كذلك قدر الحمصة فان بقاءه بين الاسنان معتاد فيمكن الاحتراز عنه فلا يلحق بالناسي و قال زفر عليه القضاء و الكفارة وجه قوله انه أكل ما هو مأكول في نفسه الا انه متغير فاشبه اللحم المنتن و لنا انه أكل ما لا يؤكل عادة اذ لا يقصد به الغذاء و لا الدواء فان تثاءب فرفع رأسه إلى السماء فوقع في حلقه قطرة مطر أو ماء صب في ميزاب فطره