مغنی علی مختصر ابی القاسم عمربن الحسین بن عبدالله بن احمد الخرقی

ت‍ال‍ی‍ف‌: م‍وف‍ق‌ ال‍دی‍ن‌ اب‍ی‌ م‍ح‍م‍د ع‍ب‍دال‍ل‍ه ‌ب‍ن‌ اح‍م‍د ب‍ن‌ م‍ح‍م‍دب‍ن‌ ق‍دام‍ه‌، وی‍ل‍ی‍ه‌ ال‍ش‍رح‌ ال‍ک‍ب‍ی‍ر ع‍ل‍ی‌ م‍ت‍ن‌ ال‍م‍ق‍ن‍ع‌ [اب‍ن‌ق‍دام‍ه‌] ت‍ال‍ی‍ف‌ ش‍م‍س‌ ال‍دی‍ن‌ اب‍و ال‍ف‍رج‌ ع‍ب‍دال‍رح‍م‍ن ‌ب‍ن‌ اب‍ی‌ ع‍م‍ر م‍ح‍م‍د ب‍ن‌ اح‍م‍د ب‍ن‌ ق‍دام‍ه‌ ال‍م‍ق‍دس‍ی‌

جلد 3 -صفحه : 86/ 39
نمايش فراداده

(259)

نشزا و إذا لقي راكبا و إذا استوت به راحلته ، و بهذا قال الشافعي ، و قد كان قبل يقول مثل قول مالك لا يلبي عند اصطدام الرفاق ، و قول النخعي يدل على أن السلف رحمهم الله كانوا يستحبون ذلك و الحديث يدل عليه أيضا ( فصل ) و يجزئ من التلبية في دبر الصلاة مرة واحدة قال الاثرم قلت لابي عبد الله ما شئ يفعله العامة يلبون في دبر الصلاة ثلاث مرات ؟ فتبسم و قال ما أدري من أين جاؤا به ؟ قلت أ ليس يجزئه مرة واحدة ؟ قال بلى ، و هذا لان المروي التلبية مطلقا من تقييد و ذلك يحصل بمرة واحدة و هكذا التكبير في ادبار الصلوات في أيام الاضحى و أيام التشريق .

و لا بأس بالزيادة على مرة لان ذلك زيادة ذكر و خير و تكراره ثلاثا حسن فان الله وتر يحب الوتر ( فصل ) و لا يستحب رفع الصوت بالتلبية في الامصار و لا في مساجدها الا في مكة و المسجد الحرام لما روي عن ابن عباس انه سمع رجلا يلبي بالمدينة فقال ان هذا لمجنون انما التلبية إذا برزت و هذا قول مالك و قال الشافعي : يلبي في المساجد كلها و يرفع صوته اخذا من عموم الحديث و لنا قول ابن عباس : و لان المساجد إنما بنيت للصلاة و جاءت الكراهة لرفع الصوت فيها عاما الا الامام خاصة فوجب إبقاؤها على عمومها فاما مكة فتستحب التلبية فيها لانها محل النسك و كذلك المسجد الحرام و سائر مساجد الحرم كمسجد منى و في عرفات ايضا

(260)

( فصل ) و لا يلبي بغير العربية الا أن يعجز عنها لانه ذكر مشروع فلا يشرع بغير العربية كالاذان و الاذكار المشروعة في الصلاة .

( فصل ) و لا بأس بالتلبية في طواف القدوم و به يقول ابن عباس و عطاء بن السائب و ربيعة بن عبد الرحمن و ابن أبي ليلي و داود و الشافعي و روي عن سالم بن عبد الله أنه قال لا يلبى حول البيت و قال ابن عيينة ما رأينا أحدا يقتدى به يلبي حول البيت الا عطاء بن السائب و ذكر أبو الخطاب أنه لا يلبي .

و هو قول للشافعي لانه مشتغل بذكريخصه فكان أولى و لنا أنه زمن التلبية فلم يكره له كما لو لم يكن حول البيت و يمكن الجمع بين التلبية و الذكر المشروع في الطواف و يكره له رفع الصوت بالتلبية لئلا يشغل الطائفين عن طوافهم و اذكارهم و إذا فرغ من التلبية صلى على النبي صلى الله عليه و آله و دعا بما أحب من خير الدنيا و الآخرة لما روى الدارقطني باسناده عن خزيمة بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه و آله كان إذا فرغ من تلبيته سأل الله مغفرته و رضوانه و استعاذه برحمته من النار .

و قال القاسم بن محمد يستحب للرجل إذا فرغ من تلبيته أن يصلي على محمد صلى الله عليه و آله و جاء في التفسير في تأويل قوله تعالى ( و رفعنا لك ذكرك ) لا أذكر إلا ذكرت معي ( 1 ) و لان أكثر المواضع التي شرع فيها ذكر الله تعالى شرع فيها ذكر نبيه عليه السلام كالاذان و الصلاة

(261)

( فصل ) و لا بأس أن يلبي الحلال و به قال الحسن و النخعي و عطاء بن السائب و الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر و أصحاب الرأي و كرهه مالك .

و لنا أنه ذكر يستحب للمحرم فلم يكره لغيره كسائر الاذكار ( مسألة ) ( قال و المرأة يستحب لها أن تغتسل عند الاحرام و ان كانت حائضا أو نفساء لان النبي صلى الله عليه و آله أمر أسماء بنت عميس و هي نفساء أن تغتسل ) و جملة ذلك أن الاغتسال مشروع للنساء عند الاحرام كما يشرع للرجال لانه نسك و هو في حق الحائض و النفساء آكد لورود الخبر فيهما قال جابر حتى أتينا ذا الحليفة فولدت اسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه و آله كيف أصنع ؟ قال " اغتسلي و استثفري بثوب و أحرمي " رواه مسلم و عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و آله قال " النفساء و الحائض إذا أتيا على الوقت يغتسلان و يحرمان و يقضيان المناسك كلها الطواف بالبيت رواه أبو داود و أمر النبي صلى الله عليه و آله عائشة أن تغتسل لا هلال الحج و هي حائض ، و ان رجت الحائض الطهر قبل الخروج من الميقات أو النفساء استحب لها تأخير الاغتسال حتى تطهر ليكون أكمل لها فان خشيت الرحيل قبله اغتسلت و أحرمت

(262)

( مسألة ) قال ( و من أحرم و عليه قميص خلعه و لم يشقه ) هذا قول أكثر أهل العلم و حكي عن الشعبي و النخعي و أبي قلابة و أبي صالح ذكوان أنه يشق ثيابه لئلا يتغطى رأسه حين ينزع القميص منه و لنا ما روى يعلى بن أمية أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه و آله فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعد ماتضمخ بطيب ؟ فنظر اليه النبي صلى الله عليه و آله ساعة ثم سكت فجاءه الوحي فقال له النبي صلى الله عليه و آله " أما الطيب الذي بك فاغسله ، و اما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك " متفق عليه و هذا لفظ مسلم قال عطاء كنا قبل أن نسمع هذا الحديث نقول فيمن أحرم و عليه قميص أو جبة فليخرقها عنه فلما بلغنا هذا الحديث أخذنا به و تركنا ما كنا نفتي به قبل ذلك ، و لان في شق الثوب إضاعة ماليته و قد نهى النبي صلى الله عليه و آله عن إضاعة المال .

( فصل ) و إذا نزع في الحال فلا فدية عليه لان النبي صلى الله عليه و آله لم يأمر الرجل بفدية ، و إن استدام اللبس بعد إمكان نزعه فعليه الفدية لان استدامة اللبس محرم كابتدائه بدليل أن النبي صلى الله عليه و آله أمر الرجل بنزع جبته ، و انما لم يأمره بفدية لما مضى فيما نرى لانه كان جاهلا بالتحريم فجرى مجرى الناسي

(263)

( مسألة ) قال ( و أشهر الحج شوال و ذو القعدة و عشرة من ذي الحجة ) هذا قول ابن مسعود و ابن عباس و ابن الزبير و عطاء و مجاهد و الحسن و الشعبي و النخعي و قتادة و الثوري و أصحاب الرأي ، و روي عن عمر و ابنه و ابن عباس أشهر الحج شوال و ذو القعدة و ذو الحجة و هو قول مالك لان أقل الجمع ثلاثة ، و قال الشافعي آخر أشهر الحج ليلة النحر و ليس يوم النحر منها لقوله تعالى ( فمن فرض فيهن الحج ) و لا يمكن فرضه بعد ليلة النحر و لنا قول النبي صلى الله عليه و آله " يوم الحج الاكبر يوم النحر " رواه أبو داود فيكف يجوز أن يكون يوم الحج الاكبر ليس من أشهره ، و أيضا فانه قول من سمينا من الصحابة ، و لان يوم النحر فيه ركن الحج و هو طواف الزيارة ، و فيه كثير من أفعال الحج منها رمي جمرة العقبة و النحر و الحلق و الطواف و السعي و الرجوع إلى منى .

و ما بعده ليس من أشهره لانه ليس بوقت لاحرامه و لا لاركانه فهو كالمحرم و لا يمتنع التعبير بلفظ الجمع عن شيئين و بعض الثالث ، فقد قال بعض أهل العربية عشرون جمع عشر و انما هي عشران و بعض الثالث ، و قال الله تعالى ( يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) و القرء الطهر عنده و لو طلقها في طهر احتسبت ببقيته ، و تقول العرب ثلاث خلون من ذي الحجة و هم في الثالثة ، و قوله ( فرض فيهن الحج ) أي في أكثرهن و الله أعلم

(264)

باب ما يتوقى المحرم و ما أبيح له ( مسألة ) قال أبو القاسم ( و يتوقى في إحرامه ما نهاه الله عنه من الرفث و هو الجماع و الفسوق و هو السباب و الجدال و هو المراء ) يعني بقوله ما نهاه الله عنه قوله سبحانه ( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج ) و هذا صيغته صيغة النفي أريد به النهي كقوله سبحانه ( لا تضار والدة بولدها ) و الرفث هو الجماع روي ذلك عن ابن عباس و ابن عمر و عطاء بن أبي رباح و عطاء بن يسار و مجاهد و الحسن و النخعي و الزهري و قتادة ، و روي عن ابن عباس أنه قال : الرفث غشيان النساء و التقبيل و الغمز ، و ان يعرض لها بالفحش من الكلام ، و قال أبو عبيدة : الرفث لغا الكلام و أنشد قول العجاج عن اللغا و رفث التكلم و قيل الرفث هو ما يكنى عنه من ذكر الجماع ، و روي عن ابن عباس أنه أنشد بيتا فيه التصريح بما يكنى عنه من الجماع و هو محرم فقيل له في ذلك ، فقال انما الرفث ماروجع به النساء ، و في لفظ

(265)

ما قيل من ذلك عند النساء ، و كل ما فسر به الرفث ينبغي للمحرم أن يجتنبه إلا أنه في الجماع أظهر لما ذكرنا من تفسير الائمة له بذلك ، و لانه قد جاء في الكتاب في موضع آخر و أريد به الجماع قال الله تعالى ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) فأما الفسوق فهو السباب لقول النبي ( ص ) " سباب المسلم فسوق " متفق عليه ، و قيل الفسوق المعاصي ، روي ذلك عن ابن عباس و ابن عمر و عطاء و إبراهيم و قالوا أيضا الجدال المراء ، و قال ابن عباس هو أن تماري صاحبك حتى تغضبه و المحرم ممنوع من ذلك كله قال النبي ( ص ) " من حج فلم يرفث و لم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " متفق عليه ، و قال مجاهد في قوله تعالى ( و لا جدال في الحج ) أي لا مجادلة و لا شك في الحج أنه في ذي الحجة و قول الجمهور أولى ( مسألة ) قال ( و يستحب له قلة الكلام إلا فيما ينفع ، و قد روي عن شريح أنه كان إذا أحرم كأنه حية صماء ) و جملة ذلك أن قلة الكلام فيما لا ينفع مستحبة في كل حال صيانة لنفسه عن اللغو و الوقوع في الكذب و ما لا يحل ، فان من كثر كلامه كثر سقطه ، و في الحديث عن أبي هريرة عن رسول الله