( فصل ) إذا أحرم بنسك ثم نسيه قبل الطواف فله صرفه إلى أي الانساك شاء فانه ان صرفه إلى عمرة و كان المنسي عمرة فقد أصاب ، و ان كان حجا مفردا أو قرانا فله فسخهما إلى العمرة على ما سنذكره ، و إن صرفه إلى القرآن و كان المنسي قرانا فقد أصاب ، و ان كان عمرة فادخال الحج على العمرة جائز قبل الطواف فيصير قارنا ، و ان كان مفردا لغا إحرامه بالعمرة و صح بالحج و سقط فرضه ، و ان صرفه إلى الافراد و كان مفردا فقد أصاب ، و ان كان متمتعا فقد أدخل الحج على العمرة فصار قارنا في الحكم و فيما بينه و بين الله تعالى و هو يظن انه مفرد ، و ان كان قارنا فكذلك و المنصوص عن احمد انه يجعله عمرة ، قال القاضي هذا على سبيل الاستحباب لانه إذا استحب ذلك في حال العلم فمع عدمه أولى ، و قال أبو حنيفة يصرفه إلى القرآن و هو قول الشافعي في الجديد ، و قال في القديم يتحرى فيبني على غالب ظنه لانه من شرائط العبادة فيدخله التحري كالقبلة ، و منشأ الخلاف على فسخ الحج إلى العمرة فانه جائز عندنا و غير جائز عندهم فعلى هذا إن صرفه إلى المتعة فهو متمتع عليه دم المتعة و يجزئه عن الحج و العمرة جميعا ، و إن صرفه إلى افراد أو قران لم يجزئه عن العمرة إذ من
(253)
المحتمل أن يكون المنسي حجا مفردا و ليس له إدخال العمرة على الحج فتكون صحة العمرة مشكوكا فيها فلا تسقط من ذمته بالشك و لا دم عليه لذلك فانه لم يثبت حكم القرآن يقينا ، و لا يجب الدم مع الشك في سببه ، و يحتمل أن يجب فاما ان شك بعد الطواف لم يجز صرفه إلا إلى العمرة لان إدخال الحج على العمرة بعد الطواف جائز فان صرفه إلى الحج أو قران فانه يتحلل بفعل الحج و لا يجزئه عن واحد من النسكين لانه يحتمل ان يكون المنسي عمرة فلم يصح إدخال الحج عليها بعد طوافها ، يوحتمل ان يكون حجا و إدخال العمرة عليه جائز فلم يجزئه واحد منهما مع الشك و لا دم عليه للشك فيما يوجب الدم و لا قضأ عليه للشك فيما يوجبه ، و ان شك و هو في الوقوف بعد ان طاف وسعى جعله عمرة فقصر ثم أحرم بالحج فانه ان كان المنسي عمرة فقد أصاب و كان متمتعا ، و ان كان افرادا أو قرانا لم ينفسخ بتقصيره و عليه دم بكل حال ، فانه لا يخلو من أن يكون متمتعا عليه دم المتعة أو متمتع فيلزمه دم لتقصيره ، و ان شك و لم يكن طاف وسعى جعله قرانا لانه ان كان قارنا فقد أصاب و ان كان معتمرا فقد أدخل الحج على العمرة و صار قارنا ، و ان كان مفردا لغا إحرامه بالعمرة و صح إحرامه بالحج ، و ان صرفه إلى الحج جاز أيضا و لا يجزئه عن العمرة في هذه المواضع لاحتمال أن يكون مفردا ، و إدخال العمرة على الحج جائز و لا دم عليه للشك في وجود سببه
(254)
( فصل ) و ان أحرم بحجتين أو عمرتين انعقد بإحداهما و لغت الاخرى ، و به قال مالك و الشافعي و قال أبو حنيفة ينعقد بهما و عليه قضأ احداهما لانه أحرم بها و لم يتمها و لنا انهما عبادتهان لا يلزمه فيهما فلم يصح الاحرام بهما كالصلاتين ، و على هذا لو أفسد حجه أو عمرته لم يلزمه الا قضاؤها ؟ و عند أبي حنيفة يلزمه قضاؤهما معا بناء على صحة إحرامه بهما ( مسألة ) قال ( فإذا استوى على راحلته لبى ) التلبية في الاحرام مسنونة لان النبي صلى الله عليه و آله فعلها و أمر برفع الصوت بها ، و أقل أحوال ذلك الاستحباب ، و سئل النبي صلى الله عليه و آله اي الحج أفضل ؟ قال " العج و الثلج " و هذا حديث غريب و معنى العج رفع الصوت بالتلبية ، و الثلج اسالة الدماء بالذبح و النحر ، و روى سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله " ما من مسلم يلبي الا لبى ما عن يمينه من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الارض من ههنا و ههنا " رواه ابن ماجة و ليست واجبة و بهذا قال الحسن بن حي و الشافعي و عن أصحاب مالك انها واجبة يجب بتركها دم و عن الثوري و أبي حنيفة انها من شرط الاحرام لا يصح الا بها كالتكبير للصلاة لان ابن عباس قال في قوله تعالى ( فمن فرض فيهن الحج ) قال ابن عباس : الاهلال .و عن عطاء و طاووس و عكرمة هو التلبية ، و لان النسك عبادة ذات إحرام و إحلال فكان فيها ذكر واجب كالصلاة و لنا انها ذكر فلم تجب في الحج كسائر الاذكار ، و فارق الصلاة فان النطق يجب في آخرها فوجب في أولها و الحج بخلافه و يستحب البداية بها إذا استوى على راحلته لما روى أنس و ابن عمر
(255)
النبي صلى الله عليه و آله لما ركب راحلته و استوت به أهل رواهما البخاري ، و قال ابن عباس أوجب رسول الله صلى الله عليه و آله الاحرام حين فرغ من صلاته فلما ركب راحتله و استوت به قائمة أهل يعني لبى و معنى الاهلال رفع الصوت بالتلبية من قولهم استهل الصبي إذا صاح و الاصل فيه انهم كانوا إذا رؤي الهلال صاحوا فيقال استهل الهلال ، ثم قيل لكل صائح مستهل و انما يرفع الصوت بالتلبية ( فصل ) و يرفع صوته بالتلبية لما روي عن النبي صلى الله عليه و آله أنه قال " أتاني جبريل فامرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالاهلال و التلبية " رواه النسائي و أبو داود و الترمذي و قال حديث حسن صحيح ، قال أنس سمعتهم يصرخون بهما صراخا ، و قال أبو حازم كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله لا يبلغون الروحاء حتى تبح حلوقهم من التلبية و قال سالم : كان ابن عمر يرفع صوته بالتلبية فلا يأتي الروحاء حتى يصحل صوته و لا يجهد نفسه في رفع الصوت زيادة على الطاقة لئلا ينقطع صوته و تلبيته ( مسألة ) قال ( فيقول لبيك أللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، ان الحمد و النعمة لك و الملك ، لا شريك لك ) هذه تلبية رسول الله صلى الله عليه و آله جاء في الصحيحين عن ابن عمر أن تلبية رسول الله صلى الله عليه و آله " لبيك أللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، ان الحمد و النعمة لك و الملك ، لا شريك لك " رواه البخاري عن عائشة و مسلم عن جابر ، و التلبية مأخوذة من لب بالمكان إذا لزمه فكأنه قال انا مقيم على طاعتك و أمرك خارج عن ذلك ، و لا شارد عليك هذا أو ما أشبهه .و ثنوها كرروها لانهم أرادوا اقامة بعد اقامة كما قالوا حنانيك أي رحمة بعد رحمة ، أو رحمة مع رحمة أو ما أشبهه ، و قال جماعة من أهل العلم معنى التلبية اجابة نداء إبراهيم عليه السلام حين نادى بالحج و روي عن ابن عباس قال لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت قيل له أذن في الناس بالحج فقال : رب ما يبلغ صوتي قال اذن
(256)
و علي البلاغ فنادي إبراهيم : أيها الناس كتب عليكم الحج قال فسمعه ما بين السماء و الارض أفلا ترى الناس يجيئون من أقطار الارض يلبون و يقولون : لبيك إن الحمد ( بكسر الالف ) نص عليه احمد و الفتح جائز الا ان الكسر أجود قال ثعلب : من قال أن بفتحها فقد خص و من قال بكسر الالف فقد عم يعني أن من كسر جعل الحمد لله على كل حال و من فتح فمعناه لبيك لان الحمد لك أي لهذا السبب ( فصل ) و لا تستحب الزيادة على تلبية رسول الله صلى الله عليه و آله و لا تكره و نحو ذلك قال الشافعي و ابن المنذر و ذلك لقول جابر : فأهل رسول الله صلى الله عليه و آله بالتوحيد " لبيك أللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك " و أهل الناس بهذا الذي يهلون ، و لزم رسول الله صلى الله عليه و آله تلبيته و كان ابن عمر يلبي بتلبية رسول الله صلى الله عليه و آله و يزيد مع هذا لبيك لبيك ، لبيك و سعديك و الخير بيديك ، و الرغباء إليك و العمل ، متفق عليه و زاد عمر : لبيك ذا النعماء و الفضل لبيك لبيك مرهوبا و مرغوبا إليك لبيك .هذا معناه رواه الاثرم و يروى أن أنسا كان يزيد لبيك حقا حقا ، تعبدا ورقا و هذا يدل على انه لا بأس بالزيادة و لا تستحب لان النبي صلى الله عليه و آله لزم تلبيته فكررها و لم يزد عليها و قد روي أن سعدا سمع بعض بني أخيه و هو يلبي : يا ذا المعارج فقال انه لذو المعارج و ما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله
(257)
( فصل ) و يستحب ذكر ما أحرم به في تلبيته قال أحمد : ان شئت لبيت بالحج و ان شئت لبيت بالحج و العمرة ، و إن شئت بعمرة .و ان لبيت بحج و عمرة بدأت بالعمرة فقلت لبيك بعمرة و حجة و قال أبو الخطاب لا يستحب ذلك و هو اختيار ابن عمر و قول الشافعي لان جابرا قال ما سمى النبي صلى الله عليه و آله في تلبيته حجا و لا عمرة و سمع ابن عمر رجلا يقول لبيك بعمرة فضرب صدره و قال تعلمه ما في نفسك .و لنا ما روى أنس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول " لبيك عمرة و حجا " و قال جابر قدمنا مع النبي صلى الله عليه و آله و نحن نقول لبيك بالحج و قال ابن عباس قدم رسول الله صلى الله عليه و آله و أصحابه يلبون بالحج و قال ابن عمر بدأ رسول الله صلى الله عليه و آله فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج متفق على هذه الاحاديث و قال أنس سمعتهم يصرخون بهما صراخا رواه البخاري ، و قال أبو سعيد خرجنا مع النبي صلى الله عليه و آله نصرخ بالحج فحللنا فلما كان يوم التروية لبينا بالحج و اطلقنا إلى منى .و هذه الاحاديث أصح و أكثر من حديثهم و قول ابن عمر يخالفه قول أبيه فان النسائي روى باسناده عن الضبي بن معبد أنه أول ما حج لبى بالحج و العمرة جميعا ثم ذكر ذلك لعمر فقال هديث لسنة نبيك و ان لم يذكر ذلك في تلبيته فلا بأس فان النية محلها القلب و الله عالم بها
(258)
( فصل ) و ان حج عن غيره كفاه مجرد النية عنه قال أحمد لا بأس بالحج عن الرجل و لا يسميه و ان ذكره في التلبية فحسن قال احمد إذا حج عن رجل يقول أول ما يلبي : عن فلان ، ثم لا يبالي أن لا يقول بعد و ذلك لقول النبي صلى الله عليه و آله للذي سمعه يلبي عن شبرمة " لب عن نفسك ثم لب عن شبرمة " و متى أتى بهما جميعا بدأ بذكر العمرة نص عليه أحمد في مواضع و ذلك لقول أنس إن النبي صلى الله عليه و آله قال " لبيك بعمرة و حج " ( مسألة ) ( قال ثم لا يزال يلبي إذا علا نشزا ، واو هبط واديا ، و إذا التقت الرفاق ، و إذا غطى رأسه ناسيا ، و في دبر الصلوات المكتوبة ) و يستحب استدامة التلبية و الاكثار منها على كل حال لما روى ابن ماجة عن عبد الله بن عامر ان ربيعة قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله " ما من مسلم يضحى لله يلبي حتى تغيب الشمس إلا غابت بذنوبه فعاد كما ولدته أمه " و هي أشد استحبابا في المواضع التي سمى الخرقي لما روى جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه و آله يلبي في حجته إذا لقي راكبا أو علا أكمة أو هبط واديا ، و في ادبار الصلوات المكتوبة ، و من آخر الليل ، و قال إبراهيم النخعي كانوا يستحبون التلبية دبر الصلاة المكتوبة ، و إذا هبط واديا و إذا علا