و ان قسمها فهو أحسن و أفضل و لا يعطي الجازر بأجرته شيئا منها لما روي عن علي رضى الله عنه قال أمرني النبي صلى الله عليه و سلم أن أقوم على بدنه و ان أقسم بدنه كلها جلودها و جلالها و أن لا أعطي الجازر منها ؟ شيئا و قال نحن نعطيه من عندنا متفق على معناه و لانه بقسمها يكون على يقين من إفضائها إلى مسحقها و يكفي المساكين مؤنة النهب و الزحام عليها و إنما لم يعط الجازر بأجرته منا لانه ذبحها فعوضه عليه دون المساكين و لان دفع جزء منها عوضا عن الجزارة كبيعة و لا يجوز بيع شيء منها و إن كان الجزر فقيرا فأعطاه لفقره سوى ما يعطيه أجره جاز لانه مستحق الاخذ منها لفقره لا لاجره فجاز كغيره و يقسم جلودها و جلالها كما جاء في الخبر لانه ساقها لله على تلك الصفة فلا يأخذ شيئا مما جعل الله و قال بعض أصحابنا لا يلزمه إعطاء جلالها لانه إنما أهدى الحيوان دون ما عليه ( فصل ) و السنة النحر بمنى لان النبي صلى الله عليه و سلم نحر بها ؟ و حيث نحر من الحرم أجزأه لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم " كل منى منحر و كل فجاج مكة منحر و طريق " رواه أبو داود ( فصل ) و ليس من شرط الهدي أن يجمع فيه بين الحل و الحرم و لا أن يقفه بعرفة لكن يستحب ذلك روي هذا عن ابن عباس و به قال الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي و كان ابن عمر لا يرى الهدي الا ما عرف به و نحوه عن سعيد بن جبير و قال مالك أحب للقارن أن يسوق هديه من حيث يحرم فان ابتاعه من دون ذلك مما يلي مكة بعد أن يقفه بعرفة جاز و قال في هدي المجامع ان لم يكن ساقه فليشتره من مكة ثم ليخرجه إلى الحل و ليسقه إلى مكة و لنا أن المراد من الهدي نحره و نفع المساكين بلحمه بهذا لا يقف على شيء مما ذكر و هو لم يرد بما قالوه دليل يوجبه فبقي على أصله ( مسألة ) قال ( و يحلق أو يقصر ) و جملة ذلك أنه إذا نحر هديه فانه يحلق رأسه أو يقصر منه لان النبي صلى الله عليه و سلم حلق رأسه فروى أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رمى جمرة العقبة يوم النحر ثم رجع إلى منزله بمنى فدعا فذبح ثم دعا
(456)
بالحلاق فأخذ بشق رأسه الايمن فحلقه فجعل يقسم بين من يليه الشعرة و الشعرتين ثم أخذ بشق رأسه الايسر فحلقه ثم قال " ههنا أبو طلحة ؟ قد ؟ لي أبي طلحة رواه أبو داود و السنة أن يبدأ بشق رأسه الايمن ثم الايسر لهذا الخبر و لان النبي صلى الله عليه و سلم كان يعجه التيامن في شأنه كله فان لم يفعل أجزأه لا نعلم فيه خلافا و هو مخير بين الحلق و التقصير أيهما فعل أجزأه في قول أكثر أهل العلم قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن التقصير يجزئ يعنى في حق من لم يوجد منه معنى يقتضى وجوب الحلق عليه إلا أنه يروى عن الحسن أنه كان يوجب الحلق في أول حجة حجها و لا يصح هذا لان الله تعالى
(457)
قال ( محلقين روؤسكم و مقصرين ) و لم يفرق النبي صلى الله عليه و سلم قال " رحم الله المحلقين و المقصرين " و قد كان مع النبي صلى الله عليه و سلم من قصر فلم يعب عليه و لو لم يكن مجزيا لانكر عليه و الحق أفضل لان النبي صلى الله عليه و سلم قال رحم المحلقين قالوا يا رسول الله و المقصرين ؟ قال رحم المحلقين قالوا و المقصرين يا رسول الله ؟ قال رحم الله المحلقين و المقصرين رواه مسلم و لان النبي صلى الله عليه و سلم حلق .و اختلف أهل العلم فيمن لبد ، أو عقص ، أو ضفر .فقال احمد من فعل ذلك فليحلق و هو قل النخعي و مالك و الشافعي و إسحاق و كان ابن عباس يقول : من لبد ، أو ضفر ، أو عقد ، أو فتل ، أو عقص فهو على
(458)
ما نوى ، يعني إن نوى الحلق فليحلق و إلا فلا يلزمه و قال أصحاب الرأي هو مخير على كل حال لان ما ذكرناه يقتضي التخيير على العموم و لم يثبت في خلاف ذلك دليل و احتج من نصر القول الاول بانه روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال " من لبد فليحلق " و ثبت عن عمر و ابنه أنهما أمر من لبد رأسه أن يحلقه ، و ثبت أن النبي صلى الله عليه و سلم لبد رأسه و أنه حلقه و الصحيح أنه مخير إلا أن يثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه و سلم و قول عمر و ابنه قد خالفهما فيه ابن عباس و فعل النبي صلى الله عليه و سلم له لا يدل على وجوبه بعد ما بين لهم جواز الامرين ( فصل ) و الحلق و التقصير نسك في الحج و العمرة في ظاهر مذهب احمد و قول الخرقي و هو قول مالك و أبي حنيفة و الشافعي و عن احمد أنه ليس بنسك و إنما هو إطلاق من محظور كان محرما عليه بالاحرام فأطلق فيه عند الحل كاللباس و الطيب و سائر محظورات الاحرام فعلى هذه الرواية لا شيء
(459)
على تاركه و يحصل الحل بدونه ، و وجهها أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بالحل من العمرة قبله فروى أبو موسى قال قدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لي " بم أهللت ؟ " قلت لبيك بإهلال كاهلال رسول الله صلى الله عليه و سلم قال " أحسنت فأمرني فطفت بالبيت و بين الصفا و المروة ثم قال لي " أحل " متفق عليه و عن جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم لما سعي بين الصفا و المروة قال " من كان معه هدي فليحل و ليجعلها عمرة " رواه مسلم .و عن سراقة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال " إذا قدمتم فمن تطوف بالبتيت و بين الصفا و المروة فقد حل الا من كان معه هدي " رواه أبو إسحاق الجوزجاني في المترجم و لان ما كان محرما في الاحرام إذا أبيح كان إطلاقا من محظور كسائر محرماته ، و الرواية الاولى أصح فان النبي صلى الله عليه و سلم أمر به فروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال " من لم يكن معه هدي فليطف بالبيت و بين الصفا و المروة ، و ليقصر و ليحلل " و عن جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال " أحلوا إحرامكم بطواف البيت و المروة ، و قصروا " و أمره يقتضي الوجوب و لان الله تعالى وصفهم به بقوله سبحانه ( محلقين روؤسكم و مقصرين ) و لو لم يكن من المناسك لما وصفهم به كاللبس و قتل الصيد و لان النبي صلى الله عليه و سلم ترحم على المحلقين ثلاثا و على المقصرين مرة و لو لم يكن من المناسك لما دخله التفضيل كالمباحات و لان النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه فعلوه في جميع حجهم و عمرهم و لم يخلوا به و لو لم يكن نسكا لما داوموا عليه بل لم يفعلوه لانه لم يكن من عادتهم فيفعلوه عادة و لا فيه فضل فيفعلوه لفضله و أما أمره بالحل فانما معناه - و الله أعلم - الحل بفعله لان
(460)
ذلك كان مشهورا عندهم فاستغني عن ذكره و لا يمتنع الحل من العبادة بما كان محرما فيها كالسلام من الصلاة ( فصل ) و يجوز تأخير الحلق و التقصير إلى آخر أيام النحر لانه إذا جاز تأخير النحر المقدم عليه فتأخيره أولى فان أخره عن ذلك ففيه روايتان ( احداهما ) لا دم عليه و به قال عطاء و أبو يوسف و أبو ثور و يشبه مذهب الشافعي لان الله تعالى بين أول وقته بقوله ( و لا تحلقوا روؤسكم حتى يبلغ الهدي محله ) و لم يتبين آخره فمتى أتى به أجزأه كطواف الزيارة و السعي و لانه نسك أجزأه ( 1 ) إلى وقت جواز فعله فأشبه السعي و عن احمد عليه دم بتأخيره و هو مذهب أبي حنيفة لانه نسك أخره عن محله و من ترك نسكا فعليه دم و لا فرق في التأخير بين القليل و الكثير و العامد و الساهي .و قال مالك و الثوري و إسحاق و أبو حنيفة و محمد بن الحسن : من تركه حتى حل فعليه دم لانه نسك فيأتي به في إحرام الحج كسائر مناسكه و لنا ما تقدم ( فصل ) و الا صطع الذي لا شعر على رأسه يستحب أن يمر الموسى على رأسه روي ذلك عن ابن عمر ، و به قال مسروق و سعيد بن جبير و النخعي و مالك و الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي قال ابن
(461)
المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الاصلع يمر الموسى على رأسه و ليس ذلك واجبا .و قال أبو حنيفة يجب لان النبي صلى الله عليه و سلم قال " إذا أمرتكم بامر فأتوا منه ما استطعتم " فهذا لو كان ذا شعر وجب عليه ازالته و إمرار الموسى على رأسه فإذا سقط أحدهما لتعذره وجب الآخر و لنا أن الحلق محله الشعر فسقط بعدمه كما يسقط وجوب غسل العضو في الوضوء بفقده و لانه امرار لو فعله في الاحرام لم يجب به دم فلم يجب عند التحلل كامراره على الشعر من حلق ( فصل ) و يستحب لمن حلق أو قصر تقليم أظافره و لاخذ من شاربه لان النبي صلى الله عليه و سلم فعله .قال ابن المنذر ثبت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما حلق رأسه قلم أظفاره و كان ابن عمر يأخذ من شاربه و أظفاره و كان عطاء و طاووس و الشافعي ؟ ؟ لو أخذ من لحيته شيئا .و يستحب إذا حلق أن يبلغ العظم الذي تند منقطع الصدغ من الوجه كان ابن عمر يقول للحالق أبلغ العظمين ، افصل الرأس من اللحية و كان عطاء يقول من السنة إذا حلق رأسه أن يبلغ العظمين