صلى الله عليه و آله أنه قال " من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح متفق عليه ، و عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله " من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه " رواه ابن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، و روي في المسند عن الحسين بن علي عن النبي صلى الله عليه و آله ، و قال أبو داود أصول السنن أربعة أحاديث هذا أحدها ، و هذا في حال الاحرام أشد استحبابا لانه حال عبادة و استشعار بطاعة الله عز و جل فيشبه الاعتكاف ، و قد احتج أحمد على ذلك بأن شريحا رحمه الله كان إذا أحرم كأنه حية صماء فيستحب للمحرم أن يشتغل بالتلبية و ذكر الله تعالى أو قراءة القرآن ، أو أمر بمعروف ، أو نهي عن منكر ، أو تعليم الجاهل ، أو يأمر بحاجته أو يسكت و إن تكلم بما لا مأثم فيه ، أو أنشد شعرا لا يقبح فهو مباح و لا يكثر فقد روى عن عمر ( رض ) أنه كان على ناقة له و هو محرم فجعل يقول كأن راكبها غصن بمروحة إذا تدلت به أو شارب ثمل الله أكبر الله أكبر و هذا يدل على الاباحة .و الفضيلة الاول
(267)
( مسألة ) قال ( و لا يتفلى المحرم و لا يقتل القمل ويحك رأسه و جسده حكا رفيقا ) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في إباحة قتل القمل فعنه اباحته لانه من أكثر الهوام أذى فأبيح قتله كالبراغيث و سائر ما يؤذي و قول النبي صلى الله عليه و آله " خمس فواسق يقتلن في الحل و الحرم " يدل بمعناه على إباحة قتل كل ما يؤذي بني آدم في أنفسهم و أموالهم ، و عنه أن قتله محرم و هو ظاهر كلام الخرقي لانه يترفه بإزالته عنه فحرم كقطع الشعر ، و لان النبي صلى الله عليه و آله رأى كعب ابن عجرة و القمل يتناثر على وجهه فقال له " احلق رأسك " فلو كان قتل القمل أو إزالته مباحا لم يكن كعب ليتركه حتى يصير كذلك أو لكان النبي صلى الله عليه و آله أمره بإزالته خاصة و الصئبان كالقمل في ذلك ، و لا فرق بين قتل القمل أو إزالته بإلقائه على الارض أو قتله بالزئبق ، فان قتله لم يحرم لحرمته لكن لما فيه من الترفه فعم المنع إزالته كيفما كانت ، و لا يتفلى فان التفلي عبارة عن إزالة القمل و هو ممنوع منه و يجوز له حك رأسه و يرفق في الحك كيلا يقطع شعرا أو يقتل قملة ،
(268)
فان حك فرأى في يده شعرا أحببنا أن يفديه احتياطا و لا يجب علييه حتى يستيقن أنه قلعه .قال بعض أصحابنا : انما اختلفت الرواية في القمل الذي في شعره ، فأما ما ألقاه من ظاهر بدنه فلا فدية فيه ( فصل ) فان خالف و تفلى أو قتل قملا فلا فدية فيه فان كعب بن عجرة حين حلق رأسه قد أذهب قملا كثيرا و لم يجب عليه لذلك شيء و انما وجبت الفدية بحلق الشعر ، و لان القمل لا قيمة له أشبه البعوض و البراغيث ، و لانه ليس بصيد و لا هو مأكول ، حكي عن ابن عمر قال : هي أهون مقتول ، و سئل ابن عباس عن محرم ألقى قملة ثم طلبها فلم يجدها فقال تلك ظالة لا تبتغي و هذا قول طاوس و سعيد بن جبير و عطاء و أبي ثور و ابن المنذر ، و عن أحمد فيمن قتل قملة قال يطعم شيئا ، فعلى هذا أي شيء تصدق به اجزأه سواء قتل كثيرا أو قليلا و هذا قول أصحاب الرأي ، و قال إسحاق تمرة فما فوقها ، و قال مالك حفنة من طعام و روي ذلك عن ابن عمر ، و قال عطاء قبضة من طعام ، و هذه الاقوال كلها ترجع إلى ما قلناه فانهم لم يريدوا بذلك التقدير و انما هو التقريب لاقل ما يتصدق به
(269)
( فصل ) و لا بأس أن يغسل المحرم رأسه و بدنه برفق فعل ذلك عمر و ابنه ، و رخص فيه علي و جابر و سعيد بن جبير و الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي و كره مالك للمحرم أن يغطس في الماء و يغيب فيه رأسه ، و لعله ذهب إلى أن ذلك ستر له و الصحيح أنه لا بأس بذلك و ليس ذلك بستر و لهذا لا يقوم مقام السترة في الصلاة ، و قد روي عن ابن عباس قال : ربما قال لي عمر و نحن محرمون بالجحفة تعال أباقيك أينا أطول نفسا في الماء و قال ربما قامست عمر بن الخطاب بالجحفة و نحن محرمون .رواهما سعيد ، و لانه ليس بستر معتاد أشبه صب الماء عليه أو وضع يديه عليه : و قد روي عبد الله بن جبير قال : أرسلني ابن عباس ألى أبي أيوب الانصاري فأتيته و هو يغتسل فسلمت عليه فقال من هذا ؟ فقلت أنا عبد الله بن جبير أرسلني إليك عبد الله بن عباس يسألك كيف كان رسول
(270)
الله صلى الله عليه و آله يغسل رأسه و هو محرم فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطاطاه حتى بدا لي رأسه ثم قال لانسان يصب عليه الماء صب فصب على رأسه ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما و أدبر ثم قال : هكذا رأيت رسول الله ( ص ) يفعل ، متفق عليه ، و أجمع أهل العلم على أن المحرم يغتسل من الجنابة ( فصل ) و يكره له غسل رأسه بالسدر و الخطمي و نحوهما لما فيه من إزالة الشعث و التعرض لقلع الشعر و كرهه جابر بن عبد الله و مالك و الشافعي و أصحاب الرأي فان فعل فلا فدية عليه ، و بهذا قال الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر و عن احمد عليه الفدية ، و به قال مالك و أبو حنيفة و قال صاحباه عليه
(271)
صدقه لان الخطمي تستلذ رائحته و تزيل الشعث و تقتل الهوام فوجبت به الفدية كالورس و لنا أن النبي صلى الله عليه و آله قال في المحرم الذي و قصه بعيره " أغسلوه بماء و سدر و كفنوه في ثوبيه و لا تحنطوه و لا تخمروا رأسه فانه يبعث يوم القيامة ملبيا " متفق عليه فأمر بغسله بالسدر مع إثبات حكم الاحرام في حقه و الخطمي كالسدر و لانه ليس بطيب فلم تجب باستعماله الفدية كالتراب و قولهم تستلذ رائحته ممنوع ثم يبطل بالفاكهة و بعض التراب ، و إزالة الشعث تحصل بذلك أيضا و قتل الهوام لا يعلم حصوله و لا يصح قياسه على الورس لانه طيب و لذلك لو استعمله في غى الغسل أو في ثوب منع منه بخلاف مسئلتنا
(272)
( مسألة ) قال ( و لا يلبس القميص و لا السراويل و لا البرنس ) قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من لبس القميص و العمائم و السراويلات و الخفاف و البرانس .و الاصل في هذا ما روى ابن عمر أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه و آله ما يلبس المحرم من الثياب ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و آله " لا يلبس القمص و لا العمائم و لا السراويلات و لا البرانس و لا الخفاف إلا أحدا لا يجد نعلين فليلبس الخفين و ليقطعهما أسفل من الكعبين و لا يلبس من الثياب شيئا مسه الزعفران و لا الورس " متفق عليه نص النبي صلى الله عليه و آله على هذه الاشياء و الحق بها أهل العلم ما في معناها مثل الجبة و الدراعة و الثياب و أشباه ذلك فليس للمحرم ستر بدنه بما عمل على قدره و لا ستر عضو من أعضائه بما عمل على قدره كالقميص للبدن و السراويل لبعض البدن و القفازين لليدين و الخفين للرجلين و نحو ذلك و ليس في هذا كله اختلاف قال ابن عبد الله لا يجوز لباس شيء من المخيط عند الجميع أهل العلم و أجمعوا على أن المراد بهذا الذكور دون النساء ( مسألة ) ( قال فان لم يجد ازارا لبس السراويل و ان لم يجد نعلين لبس الخفين و لا يقطعهما و لا فداء عليه ) لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أن للمحرم أن يلبس السراويل إذا لم يجد الازار و الخفين إذا لم يجد نعلين و بهذا قال عطاء و عكرمة و الثوري و مالك و الشافعي و إسحاق و أصحاب الرأي و غيرهم