( مسألة ) قال ( ثم قد حل له كل شيء ء الا النساء ) و جملة ذلك أن المحرم إذا رمى جمرة العقبة ثم حلق حل له كل ما كان محظورا بالاحرام الا النساء هذا الضحيح من مذهب احمد رحمه الله نص عليه في رواية جماعة فيبقى ما كان محرما عليه من النساء من الوطء و القبلة و اللمس لشهوة و عقد النكاح و يحل له ما سواه .هذا قول ابن الزبير و عائشة و علقه و سالم و طاووس و النخعي و عبد الله بن الحسين و خارجة بن زيد و الشافعي و أبي ثور و أصحاب الرأي .و روي أيضا عن ابن عباس و عن أحمد أنه يحل له كل شيء الا الوطء في الفرج لانه أغلظ المحرمات و يفسد النسك بخلاف غيره و قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحل له كل شيء الا النساء و الطيب و روي ذلك عن ابن عمر و عروة بن الزبير و عباد بن عبد الله بن الزبير لانه من دواعي الوطء فأشبه القبلة .و عن عروة أنه لا يلبس القميص و لا العمامة و لا يتطيب و روى في ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم حديثا و لنا ماروت عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال " إذا رميتم و حلقتم فقد حل لكم الطيب و الثياب و كل شيء الا النساء " رواه سعيد و في لفظ " إذا رمى أحدكم جمرة العقبة و حلق رأسه فقد حل له كل شيء الا النساء " رواه سعيد و في لفظ " إذا رمى أحدكم جمرة العقبة و حلق رأسه فقد حل له كل شيء
(463)
الا النساء " رواه الاثرم و أبو داود الا أن أبا داود قال هو ضعيف رواه الحجاج عن الزهري و لم يلقه الذي أخرجه سعيد رواه الحجاج عن أبي بكر بن محمد عن عمرة عن عائشة قالت عائشة طيبت رسول الله صلى الله عليه و سلم لحرمه حين أحرم ، و لحله قبل أن يطوف بالبيت متفق عليه و عن سالم عن أبيه قال قال عمربن الخطاب : إذا رميتم الجمرة و ذبحتم و حلقتم فقد حل لكم كل شيء الا الطيب و النساء فقالت عائشة رضي الله عنها أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه و سلم فسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم أحق أن تتبع رواه سعيد .و عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يوم النحر " ان هذا يوم رخص لكم إذا رميتم أن تحلوا " يعني من كل ما حرمتم منه الا النساء رواه أبو داود .و عن عبد الله بن عباس أنه قال إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء الا النساء فقال له رجل و الطيب قال : أما أنا فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يضمخ رأسه بالمسك أفطيب ذلك أم لا ؟ رواه ابن ماجه و قال مالك لا يحل له النساء و لا الطيب و لا قتل الصيد لقول الله تعالى ( و لا تقتلوا الصيد و أنتم حرم ) و هذا حرام و قد ذكرنا ما يرد هذا القول و يمنع أنه محرم و انما بقي بعض أحكام الاحرام ( فصل ) ظاهر كلام الخرقي هاهنا أن الحل انما يحصل بالرمي و الحلق معا و هو إحدى الروايتين عن أحمد و هو قول الشافعي و أصحاب الرأي لقول النبي صلى الله عليه و سلم " إذا رميتم و حلقتم فقد حل لكم كل شيء الا النساء " و ترتيب الحل عليهما دليل على حصوله بهما و لانهما نسكان يتعقبهما الحل فكان حاصلا بهما كالطواف و السعي في العمرة ، و عن احمد إذا رمى الجمرة فقد حل و إذا وطي بعد جمرة العقبة فعليه دم و لم يذكر الحلق ، و هذا يدل على أن الحل بدون الحلق .و هذا قول عطاء و مالك و أبي ثور و هو الصحيح ان شاء الله تعالى لقوله في حديث أم سلمة " إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل
(464)
شيء إلا النساء " و كذلك قال ابن عباس .قال بعض أصحابنا هذا يبنى على الخلاف في الحلق هل هو نسك أولا ؟ فان قلنا نسك حصل الحل به و إلا فلا ( مسألة ) قال ( و المرأة تقصر من شعرها مقدار الانملة ) الانملة رأس الاصبع من المفصل الاعلى و المشروع للمرأة التقصير دون الحلق لا خلاف في ذلك قال ابن المنذر أجمع على هذا أهل العلم و ذلك لان الحلق في حقهن مثلة ، و قد روى ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس على النساء حلق إنما على النساء التقصير " رواه أبو داود ، و عن علي قال نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تحلق المرأة رأسها رواه الترمذي و كان أحمد يقول تقصر من كل قرن قدر الانملة ، و هو قول ابن عمر و الشافعي و اسحقا و أبي ثور و قال أبو داود سمعت أحمد سئل عن المرأة تقصر من كل رأسها قبل نعم تجمع شعرها إلى مقدم رأسها ثم تأخذ من أطراف شعرها قدر أنملة و الرجل الذي يقصر في ذلك كالمرأة ، و قد ذكرنا في ذلك خلافا فيما مضى .( مسألة ) قال ( ثم يزور البيت فيطوف به سبعا و هو الطواف الواجب الذي به تمام الحج ، ثم يصلي ركعتين ان كان مفردا أو قارنا )
(465)
و جملة ذلك أنه اذا رمى و نحر و حلق و أفاض إلى مكة طاف طواف الزيارة لانه يأبي من منى فيزور البيت و لا يقيم بمكة بل يرجع إلى منى و يسمى طواف الافاضة لانه يأتي به عند إفاضته من منى إلى مكة و هو ركن للحج لا يتم الا به لا نعلم فيه خلافا و لان الله عز و جل قال ( و ليطوفوا بالبيت العتيق ) قال ابن عبد الله هو من فرائض الحج لا خلاف في ذلك بين العلماء ، و فيه عند جميعهم قال الله تعالى ( و ليطوفوا بالبيت العتيق ) و عن عائشة قالت حججنا مع النبي صلى الله عليه و سلم فافضنا يوم النحر فحاضت صفية فأراد النبي صلى الله عليه و سلم منها ما يرد الرجل من أهله فقلت يا رسول الله إنها حائض قال أحابستنا هي ؟ قالوا يا رسول الله انها قد أفاضت يوم النحر قال " أخرجوا متفق عليه فدل على أن هذا الطواف لابد منه و أنه حابس لمن لم يأت به و لان الحج أحد النسكين فكان الطواف ركنا كالعمرة ( فصل ) و لهذا الطواف وقتان وقت فضيلة و وقت اجزاء فاما وقت الفضيلة فيوم النحر بعد الرمي و النحر و الحلق لقول جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه و سلم يوم النحر فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر ، و في حديث عائشة الذي ذكرت فيه حيض صفية قالت فافضنا يوم النحر و قال ابن عمر أفاض النبي صلى الله عليه و سلم
(466)
يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر متفق عليهما فان أخره إلى الليل فلا بأس فان ابن عباس و عائشة رويا أن النبي صلى الله عليه و سلم أخر طواف الزيارة إلى الليل رواهما أبو داود و الترمذي ، و قال في كل واحد منهما حديث حسن ، و أما وقت الجواز فاوله من نصف الليل من ليلة النحر ، و بهذا قال الشافعي و قال أبو حنيفة أوله طلوع الفجر من يوم النحر و آخره آخر أيام النحر ، و هذا مبني على أول وقت الرمي و قد مضى الكلام فيه ، و أما آخر وقته فاحتج بانه نسك يفعل في الحج فكان آخره محدودا كالوقوف و الرمي و الصحيح أن آخر وقته محدود فانه متى أتى به صح بغير خلاف و انما الخلاف في وجوب الدم فيقول إنه طاف فيما بعد أيام النحر طوافا صحيحا فلم يلزمه دم كما لو طاف أيام النحر فاما الوقوف و الرمي فانهما لما كان موقتين كان لهما وقت يفوتان بفواته و ليس كذلك الطواف فانه متى أتى به صح ( فصل ) وصفة هذا الطواف كصفة طواف القدوم سوى أنه ينوي به طواف الزيارة و يعينه بالنية و لا رمل فيه و لا اضطباع قال ابن عباس إن النبي صلى الله عليه و سلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه و النية شرط هذا الطواف و هذا قول إسحاق و ابن القاسم صاحب مالك و ابن المنذر و قال الثوري و الشافعي و أصحاب الرأي يجزئه و ان لم ينو الفرض الذي عليه و لنا قول النبي صلى الله عليه و سلم " إنما الاعمال بالنيات و انما لكل امرئ ما نوى " و لان النبي صلى الله عليه و سلم سماه صلاة و الصلاة لا تصح الا بالنيات اتفاقا
(467)
( مسألة ) قال ( ثم قد حل من كل شيء ) يعني إذا طاف للزيارة بعد الرمي و النحر و الحلق حل له كل شيء حرمه الاحرام ، و قد ذكرنا أنه لم يكن بقي عليه من المحظورات سوى النساء فهذا الطواف حلل له النساء قال ابن عمر لم يحل النبي صلى الله عليه و سلم من شيء حرم منه حتى قضى حجه و نحر هديه يوم النحر فأفاض بالبيت ثم حل من كل شيء حرمه ، و عن عائشة مثله متفق عليهما و لا نعلم خلافا في حصول الحل بطواف الزيارة على الترتيب الذي ذكر الخرقي و أنه كان قد سعى مع طواف القدوم و إن لم يكن سعى لم يحل حتى يسعى ان قلنا ان السعي ركن و ان قلنا هو سنة فهل يحل قبل على وجهين ( أحدهما ) يحل لانه لم يبق عليه شيء من واجباته ( و الثاني ) لا يحل لانه من أفعال الحج فيأتي به في إحرام الحج كالسعي في العمرة فانما خص الخرقي المفرد و القارن بهذا لكونهما سعيا مع طواف القدوم و المتمتع لم يسع ( مسألة ) قال ( و ان كان متمتعا فيطوف بالبيت سبعا و بالصفا و المروة سبعا كما فعل بالعمرة ثم يعود فيطوف طوافا ينوي به الزيارة و هو قوله عز و جل ( و ليطوفوا بالبيت العتيق ) فأما الطواف الاول الي ذكره الخرقي هاهنا فهو طواف القدوم لان المتمتع لم يأت به قبل ذلك و الطواف الذي طافه في العمرة كان طوافها و نص احمد على أنه مسنون للمتمتع في رواية الاثرم قال قلت لابي عبد الله رحمه الله فإذا رجع أعني المتمتع كم يطوف و يسعي ؟ قال يطوف و يسعى لحجه
(468)
و يطوف طوافا آخر للزيارة - عاودناه في هذا مرة فثبت عليه و كذلك الحكم في القارن و المفرد إذا لم يكونا أتيا مكة قبل يوم النحر و لا طافا للقدوم فانهما يبدآن بطواف القدوم قبل طواف الزيارة نص عليه احمد أيضا و احتج بما روت عائشة قالت فطاف الذين أهلوا بالعمرة و بين الصفا و المروة ثم حلوا فطافوا طوافا آخر بعد ان رجعوا من منى لحجهم ، و أما الذين جمعوا الحج و العمرة فانما طافوا طوافا واحدا فحمل احمد قول عائشة على أن طوافهم لحجهم هو طواف القدوم و لانه قد ثبت أن طواف القدوم مشروع فلم يكن تعين طوال الزيارة مسقطا له كتحية المسجد عند دخوله في التلبس بصلاة الفرض و لم أعلم أحدا وافق أبا عبد الله على هذا الطواف الذي ذكره الخرقي بل المشروع طواف واحد للزيارة كمن دخل المسجد و قد أقيمت الصلاة فانه يكتفي بها عن تحية المسجد و لانه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه و سلم و لا عن أصحابه الذين تمتعوا معه في حجة الوداع و لا أمر به النبي صلى الله عليه و سلم أحدا و حديث عائشة دليل على هذا فانها قالت طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم و هذا هو طواف الزيارة و لم تذكر طوافا آخر و لو كان هذا الذي ذكرته طواف القدوم لكانت قد أخلت بذكر طواف الزيارة الذي هو ركن الحج لا يتم الحج الا به و ذكرت ما يستغنى عنه و على كل حال فما ذكرت الا طوافا واحدا فمن أين يستدل به على طوافين ؟ و أيضا فانها لما حاضت قرنت الحج