( مسألة ) قال ( الا أن عليه دما فان لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجع هذا استثناء منقطع معناه لكن عليه دم فان وجوب الدم ليس من الافعال المنفية بقوله ، و ليس في عمل القارن زيادة على عمل المفرد ، و لا نعلم في وجوب الدم على القارن خلافا إلا ما حكي عن داود انه لا دم عليه و روي ذلك عن طاوس ، و حكى ابن المنذر ان ابن داود لما دخل مكة سئل عن القارن هل يجب عليه دم ؟ فقال لا فجر برجله و هذا يدل على شهرة الامر بينهم و لنا قول الله تعالى ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ) و القارن متمتع بالعمرة إلى الحج بدليل ان عليا رضي الله عنه لما سمع عثمان ينهى عن المتعة أهل بالحج و العمرة ليعلم الناس أنه ليس بمنهي عنه ، و قال ابن عمر انما القرآن لاهل الآفاق و تلا قوله تعالى ( ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ) و قد روي ان النبي صلى الله عليه و سلم قال " من قرن بين حجه و عمرته فليهرق دما " و لانه ترفه بسقوط أحد السفرين فلزمه دم كالمتمتع .و إذا عدم الدم فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجع كالمتمتع سواء ( فصل ) و من شرط وجوب الدم عليه أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام في قول جمهور العلماء .و قال ابن الماجشون عليه دم لان الله تعالى انما أسقط الدم ( 1 ) و ليس هذا متمتعا ، و ليس هذا بصحيح فاننا قد ذكرنا انه متمتع و ان لم يكن متمتعا فهو فرع عليه و وجوب الدم على القارن انما كان بمعنى النص على المتمتع فلا يجوز أن يخالف الفرع أصله
(498)
( مسألة ) قال ( و من اعتمر في أشهر الحج فطاف و سمى ثم أحرم بالحج من عامه و لم يكن خرج من مكة إلى ما تقصر فيه الصلاة فهو متمتع عليه دم ) الكلام في هذه المسألة في فصول ( أحدها ) وجوب الدم على المتمتع في الجملة و أجمع أهل العلم عليه .قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن من أهل بعمرة في أشهر الحج من أهل الآفاق من الميقات و قدم مكة ففرغ منها و أقام بها و حج من عامه انه متمتع و عليه الهدي ان وجد و الا فالصيام و قد نص الله تعالى عليه بقوله تعالى ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ) الآية و قال ابن عمر تمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه و آله بالعمرة إلى الحج فلما قدم رسول الله صلى الله عليه و آله قال للناس " من لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت و بالصفا و المروة و ليقصر ثم ليهل بالحج و يهدي فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجع إلى أهله " متفق عليه و قال جابر كنا نتمتع مع رسول الله صلى الله عليه و آله بالعمرة إلى الحج فنذبح البقرة عن سبعة نشترك فيها " رواه مسلم ، و عن أبي جمرة قال سألت ابن عباس عن المتعة فأمرني بها و سألته عن الهدي فقال فيها جزور أو بقرة أو شاة أو شرك من دم .متفق عليه .و الدم الواجب شاة أو سبع بقرة أو سبع بدنة فان نحر بدنة أو ذبح بقرة فقد زاد خيرا .و بهذا قال الشافعي و أصحاب الرأي .و قال مالك لا يجزئ
(499)
الا بدنة لان النبي صلى الله عليه و آله لما تمتع ساق بدنة ، و هذا ترك لظاهر قوله تعالى ( فما استيسر من الهدي ) و طرح للآثار الثابتة ، و ما احتجوا به فلا حجة فيه فان اهداء النبي صلى الله عليه و سلم للبدنة لا يمنع إجزاء ما دونها فان النبي صلى الله عليه و سلم قد ساق مائة بدنة و لا خلاف في أن ذلك ليس بواجب و لا يجب أن تكون البدنة التي يذبحها على صفة بدن النبي صلى الله عليه و سلم ، ثم انهم يقولون ان النبي صلى الله عليه و سلم كان مفردا في حجته و كذلك ذهبوا إلى تفضيل الافراد فكيف يكون سوقه للبدن دليلا لهم في التمتع و لم يكن متمتعا ؟ ( الفصل الثاني ) في الشروط التي يجب الدم على من اجتمعت فيه و هي خمسة ( الاول ) أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج فان أحرم بها في أشهره لم يكن متمتعا سواء وقعت أفعالها في أشهر الحج أو في أشهره نص عليه أحمد .قال الاثرم سمعت أبا عبد الله سئل عمن أهل بعمرة في أشهر الحج ثم قدم في شوال أ يحل من عمرته في شوال أو يكون متمتعا ؟ فقال لا يكون متمتعا و احتج بحديث جابر و ذكر إسناده عن أبي الزبير انه سمع جابر بن عبد الله يسئل عن إمرأة تجعل على نفسها عمرة في شهر مسمى ثم تحل إلا ليلة واحدة ثم تحيض قال لتخرج ثم لتهل بعمرة ثم لتنتظر حتى تطهر ثم لتطف بالبيت ، قال أبو عبد الله فجعل عمرتها في الشهر الذي أهلت فيه الا في الشهر الذي حلت فيه ، و لا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن من اعتمر في أشهر الحج عمرة وحل منها قبل أشهر الحج انه لا يكون متمتعا إلا قولين شاذين ( أحدهما ) عن طاوس أنه قال : إذا اعتمرت في أشهر الحج ثم أقمت حتى الحج
(500)
فأنت متمتع ( و الثاني ) عن الحسن انه قال : من اعتمر بعد النحر فهي متعة .قال ابن المنذر لا نعلم أحدا قال بواحد من هذين القولين ، فأما إن أحرم بالعرمة في أشهر الحج ثم حل منها في أشهر الحج فذهب أحمد انه لا يكون متمتعا .و نقل معنى ذلك عن جابر و أبي عياض و هو قول إسحق واحد قولي الشافعي : و قال طاوس عمرته في الشهر الذي يدخل فيه الحرم ، و قال الحسن و الحكم و ابن شبرمة و الثوري و الشافعي في أحد قوليه : عمرته في الشهر الذي يطوف فيه ، و قال عطاء عمرته في الشهر الذي يحل فيه و هو قول مالك ، و قال أبو حنيفة ان طاف للعمرة أربعة أشواط في أشهر الحج فليس بمتمتع و ان طاف الاربعة في أشهر الحج فهو متمتع لان العمرة صحت في أشهر الحج بدلل انه لو وطي أفسدها أشبه إذا أحرم بها في أشهر الحج و لنا ما ذكرنا عن جابر و لانه أتى بنسك لا تتم العمرة إلا به في أشهر الحج فلم يكن متمتعا كما لو طاف و يخرج عليه ما قاسوا عليه ( الثاني ) أن يحج من عامه فان اعتمر في أشهر الحج و لم يحج ذلك العام بل حج من العام القابل فليس بمتمتع لا نعلم فيه خلافا إلا قولا شاذا عن الحسن فيمن اعتمر في أشهر الحج فهو متمتع حج أو لم يحج و الجمهور على خلاف هذا لان الله تعالى قال فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ) و هذا يقتضي الموالاة بينهما ، و لانهم إذا أجمعوا على أن من اعتمر في أشهر الحج ثم حج من عامه
(501)
ذلك فليس بمتمتع فهذا أولى فان التباعد بينهما أكثر ( الثالث ) أن لا يسافر بين العمرة و الحج سفرا بعيدا تقصر في مثله الصلاة نص عليه ، و روي ذلك عن عطاء و المغيرة المديني و إسحاق ، و قال الشافعي ان رجع إلى الميقات فلا دم عليه .و قال أصحاب الرأي ان رجع إلى مصره بطلت متعته و إلا فلا .و قال مالك ان رجع إلى مصره أو إلى غيره أبعد من مصره بطلت متعته و إلا فلا .و قال الحسن : هو متمتع و إن رجع إلى بلده و اختاره ابن المنذر لعموم قوله تعالى ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ) و لنا ما روي عن عمر رضي الله عنه انه قال إذا اعتمر في أشهر الحج ثم أقام فهو متمتع فان خرج و رجع فليس بمتمتع .و عن ابن عمر نحو ذلك و لانه إذا رجع إلى الميقات أو ما دونه لزمه الاحرام منه فان كان بعيدا فقد أنشأ سفرا بعيدا لحجه فلم يترقه بأحد السفرين فلم يلزمه دم كموضع الوفاق و الآية تناولت المتمتع و هذا ليس بمتمتع بدليل قول عمر ( الرابع ) أن يحل من إحرام العمرة قبل إحرامه بالحج فان أدخل الحج على العمرة قبل حله منها كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم و الذين كان معهم الهدي من أصحابه فهذا يصير قارنا و لا يلزمه دم المتعة ، قالت عائشة : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة فقدمت مكة و أنا حائض لم أطف بالبت و لا بين الصفا و المروة فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال " انقضي رأسك و امتشطي و أهلي بالحج و دعى العمرة " قالت ففعلت فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه و سلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت معه فقال " هذه مكان عمرتك " قال عروة فقضى الله حجها و عمرتها و لم يكن في شيء من ذلك هدي و لا صوم و لا صدقة متفق عليه ، و لكن عليه دم للقران لانه صار قارنا و ترفه بسقوط أحد السفرين .و قول عروة لم يكن في ذلك هدي يحتمل انه أراد لم يكن فيه هدي للمتعة اذ قد ثبت ان رسول الله صلى الله عليه و سلم ذبح عن نسائه بقرة بينهن ( الخامس ) أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام و لا خلاف بين أهل العلم في أن دم المتعة
(502)
لا يجب على حاضري المسجد الحرام اذ قد نص الله تعالى في كتابه بقوله سبحانه ( ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ) و لان حاضر المسجد الحرام ميقاته مكة فلم يحصل له الترفه بأحد السفرين ( 1 ) و لانه أحرم بالحج من ميقاته فأشبه المفرد ( فصل ) و ( حاضري المسجد الحرام ) أهل الحرم و من بينه و بين مكة دون مسافة القصر نص عليه أحمد و روي ذلك عن عطاء و به قال الشافعي و قال مالك أهل مكة .و قال مجاهد أهل الحرم ، و روي ذلك عن طاوس و قال مكحول و أصحاب الرأي : من دون الميقات لانه موضع شرع فيه النسك فأشبه الحرم و لنا ان حاضر الشيء من دنا منه ، و من دون مسافة القصر قريب في حكم الحضار بدليل انه إذا قصده لا يترخص رخص السفر فيكون من حاضريه ، و تحديده بالميقات لا يصح لانه قد يكون بعيدا يثبت له حكم السفر البعيدة إذا فقده و لان ذلك يفضي إلى جعل البعيد من حاضريه و القريب من حاضريه في المواقيت قريبا و بعيدا ، و اعتبارنا أولى لان الشارع حد الحاضر بدون المسافة القصر بنفي أحكام المسافرين عنه فالاعتبار به أولى من الاعتبار بالنسك لوجود لفظ الحضور في الآية ( فصل ) إذا كان للمتمتع قريتان قريبة و بعيدة فهو من حاضري المسجد الحرام لانه إذا كان بعض أهله قريبا فلم يوجد فيه الشرط و هو أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام ، و لان له أن يحرم من القرية فلم يكن بالتمتع مترفها بترك أحد السفرين .و قال القاضي له حكم القرية التي يقيم بها أكثر فان استويا فمن التي ماله بها أكثر فان استويا فمن التي ينوي الاقامة بها أكثر فان استويا حكم للقرية التي أحرم منها .و قد ذكرنا الدليل لما قلناه ( فصل ) فان دخل الآفاقي مكة متمتعا ناويا للاقامة بها بعد تمتعه فعليه دم المتعة قال ابن المنذر أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم ، و لو كان الرجل منشؤه و مولده بمكة فخرج عنها منتقلا مقيما بغيرها ثم عاد إليها متمتعا ناويا للاقامة بها أو ناو لذلك فعليه دم المتعة لانه خرج بالانتقال عنها عن أن يكون من أهلها .و بذلك قال منا لك و الشافعي و إسحاق و ذلك لان حضور المسجد الحرام انما يحصل بنية الاقامة و فعلها و هذا إنما نوى الاقامة إذا فرغ من أفعال الحج لانه إذا فرغ من عمرته فهو ناو للخروج إلى الحج فكأنه انما نوى أن يقيم بعد أن يجب عليه الدم .فاما أن خرج المكي مسافرا
(503)
منتقل ثم عاد فاعتمر من الميقات أو قصر و حج من عامه فلا دم عليه لانه لم يخرج بهذا السفر عن كون أهله من حاضري المسجد الحرام ( فصل ) و هذا الشرط لوجوب الدم عليه ، و ليس بشرط لكونه متمتعا فان متعة المكي صحيحة لان التمتع أحد الانساك الثلاثة فصح من المكي كالنسكين الآخرين و لان حقيقة التمتع هو أن يعتمر في أشهر الحج ثم يحج من عامه و هذا موجود في المكي ، و قد نقل عن احمد : ليس على أهل مكة متعة و معناه ليس عليهم دم المتعة لان المتعة له لا عليه فيتعين حمله على ما ذكرناه ( فصل ) إذا ترك الآفاقي الاحرام من الميقات أو أحرم من دونه بعمرة ثم حل منها و أحرم بالحج من مكة من عامه فهو متمتع عليه دمان دم المتعة و دم لاحرامه من دون ميقاته .قال ابن المنذر و ابن عبد الله أجمع العلماء على أن من أحرم في أشهر الحج بعمرة وحل منها و لم يكن من حاضري المسجد الحرام ثم أقام بمكة حلالا ثم حج من عامه أنه متمتع عليه دم ، و قال القاضي إذا تجاوز الميقات حتى صار بينه و بين مكة أقل من مسافة القصر فأحرم منه فلا دم عليه للمتعة لانه من حاضري المسجد الحرام و ليس هذا بجيد فان حضور المسجد الحرام انما يحصل بالاقامة به و هذا لم يحصل منه الاقامة و لا نيتها و لان الله تعال قال ( ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ) و هذا يقتضي أن يكون المانع من الدم السكنى به و هذا ليس بساكن و ان أحرم الآفاقي بعمرة في أشهر الحج ثم أقام بمكة فاعتمر من التنعيم في أشهر الحج ، و حج من عامه فهو متمتع عليه دم نص عليه احمد و في تنصيصه على هذه الصورة تنبيه على إيجاب الدم في الصورة الاولى بطريق الاولى و ذكر القاضي أن من شرط وجوب الدم أن ينوي في ابتداء العمرة أو في اثاثبا أنه متمتع .و ظاهر النص يدل على أن هذا مشترط فانه لم يذكره ، و كذلك الاجماع الذي ذكرناه مخالف لهذا القول .و لانه قد حصل له الترفه بسقوط أحد السفرين فلزمه الدم كمن لم ينو ( الفصل الثالث ) في وقت وجوب الهدي و وقت ذبحه .أما وقت وجوبه فعن احمد أنه يجب إذا أحرم بالحج .و هو قول أبي حنيفة و الشافعي لان الله تعالى قال ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ) و هذا قد فعل ذلك .و لان ما جعل غاية فوجود أوله كاف كقوله تعالى