الغالب السلامة لم يلزمه سلوكه ، فان كان في الطريق عدو يطلب خفارة فقال القاضي لا يلزمه السعي و ان كانت يسيرة لانها رشوة فلا يلزم بذلها في العبادة كالكبيرة ، و قال ابن حامد ان كان ذلك مما
(169)
لا يجحف بماله لزمه الحج لانها غرامة يقف إمكان الحج على بذلها فلم يمنع الوجوب مع مكان بذلها كثمن الماء و علف البهائم ( فصل ) و الاستطاعة المشترطة ملك الزاد و الراحلة ( 1 ) و به قال الحسن و مجاهد و سعيد بن جبير و الشافعي و إسحاق ، قال الترمذي و العمل عليه عن أهل العلم ، و قال عكرمة هي الصحة و قال الضحاك ان كان شابا فليؤاجر نفسه بأكله وعقه حتى يقضي نسكه ، و عن مالك ان كان يمكنه المشي و عادته سؤال الناس ( 2 ) لزمه الحج لان هذه الاستطاعة في حقه فهو كواجد الزاد و الراحلة و لنا أن النبي صلى الله عليه و آله فسر الاستطاعة بالزاد و الراحلة فوجب الرجوع إلى تفسيره فروى الدارقطني باسناده عن جابر و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو بن العاص و أنس و عائشة رضي الله عنهم ان النبي صلى الله عليه و آله سئل ما السبيل ؟ قال " الزاد و الراحلة " و روى ابن عمر قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و آله فقال يا رسول الله ما يوجب الحج ؟ قال " الزاد و الراحلة " رواه الترمذي و قال حديث حسن ، و روى الامام
(170)
أحمد ثنا هشيم عن يونس عن الحسن قال لما نزلت هذه الآية ( و لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ) قال رجل يا رسول الله ما السبيل ؟ قال " الزاد و الراحلة " و لانها عبادة تتعلق بقطع مسافة بعيدة فاشترط لوجوبها الزاد و الراحلة كالجهاد ، و ما ذكروه ليس باستطاعة فانه شاق و ان كان عادة و الاعتبار بعموم الاحوال دون خصوصها كما ان رخص السفر تعم من يشق عليه و من لا يشق عليه ( فصل ) و لا يلزمه الحج ببذل غيره له و لا يصير مستطيعا بذلك سواء كان الباذل قريبا أو أجنبيا و سواء بذل له الركوب و الزاد أو بذل له ما لا و عن الشافعي انه إذا بذل له ولده ما يتمكن به من الحج لزمه لانه أمكنه الحج من منة تلزمه و لا ضرر يلحقه فلزمه الحج كما لو ملك الزاد و الراحلة و لنا أن قول النبي صلى الله عليه و آله يوجب الحج الزاد و الراحلة يتعين فيه تقدير ملك ذلك أو ملك ما يحصل به بدليل ما لو كان الباذل أجنبيا ، و لانه ليس بمالك للزاد و الراحلة و لا ثمنهما فلم يلزمه الحج كما لو بذل له والده و لا نسلم انه لا يلزمه منة ، و لو سلمنا فيبطل ببذل الوالد و بذل من للمبذول له على أيادي كثيرة و نعم ( 1 ) ( فصل ) و من تكلف الحج ممن لا يلزمه فان أمكنه ذلك من ضرر يلحق بغيره مثل أن يمشي و يكتسب بصناعة كالخرز أو معاونة من ينفق عليه أو يكتري لزاده و لا يسأل الناس استحب له الحج لقول الله تعالى ( يأتوك رجالا و على كل ضامر ) فقدم ذكر الرجال و لان في ذلك مبالغة في طاعة الله عز و جل و خروجا من الخلاف ، و ان كان يسال الناس كره له الحج لانه يضيق على الناس و يحصل كلا عليهم في التزام ما لا يلزمه ، و سئل أحمد عمن يدخل البادية بلا زاد و لا راحلة فقال لا أحب له ذلك هذا يتوكل على أزواد الناس ( فصل ) و يختص اشتراط الراحلة بالبعيد الذي بينه و بين البيت مسافة القصر ، فأما القريب الذي يمكنه المشي فلا يعتبر وجود الراحلة في حقه لانها مسافة قريبة يمكنه المشي إليها فلزمه كالسعي
(171)
إلى الجمعة ، و ان كان ممن لا يمكنه المشي اعتبر وجود الحمولة في حقه لانه عاجز عن المشي فهو كالبعيد و أما الزاد فلا بد منه فان لم يجد زادا و لا قدر على كسبه لم يلزمه الحج ( فصل ) و الزاد الذي تشترط القدرة عليه هو ما يحتاج اليه في ذهابه و رجوعه من مأكول و مشروب و كسوة فان كان يملكه أو وجده يباع بثمن المثل في الغلاء و الرخص أو بزيادة يسيرة لا تجحف بماله لزمه شراؤه ، و ان كانت تجحف بماله لم يلزمه كما قلنا في شراء الماء للوضوء ، و إذا كان يجد الزاد في كل منزلة لم يلزمه حمله و ان لم يجده كذلك لزمه حمله ، و أما الماء و علف البهائم فان كان يوجد في المنازل التي ينزلها على حسب العادة و إلا لم يلزمه حمله من بلده و لا من أقرب البلدان إلى مكة كأطراف الشام و نحوها لان هذا يشق و لم تجر العادة به ، و لا يتمكن من حمل الماء لبهائمه في جميع الطريق ، و الطعام بخلاف ذلك ، و يعتبر أيضا قدرته على الآلات التي يحتاج إليها كالغرائر و نحوها و أوعية الماء و ما أشبهها لانه مما لا يستغنى عنه فهو كاعلاف البهائم ( فصل ) و أما الراحلة فيشترط أن يجد راحلة تصلح لمثله أما بشراء أو بكراء لذهابه و رجوعه و يجد ما يحتاج اليه من آلتها التي تصلح لمثله فان كان ممن يكفيه الرحل و القتب و لا يخشى السقوط أجزأ وجود ذلك و ان كان ممن لم تجر عادته بذلك و يخشى السقوط عنهما اعتبر وجود محمل و ما أشبهه مما لا مشقة في ركوبه و لا يخشى السقوط عنه لان اعتبار الراحلة في حق القادر على المشي انما كان لدفع المشقة فيجب أن يعتبر ههنا ما تدفع به المشقة و ان كان ممن لا يقدر على خدمة نفسه و القيام بأمره اعتبرت القدرة على من يخدمه لانه من سبيله
(172)
( فصل ) و يعتبر أن يكون هذا فاضلا عن ما يحتاج اليه لنفقة عياله الذين تلزمه مؤونتهم في مضيه و رجوعه لان النفقة متعلقة بحقوق الآدميين و هم أحوج و حقهم آكد و قد روى عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه و آله أنه قال " كفى بالمرء اثما أن يضيع من يقوت " رواه أبو داود و ان يكون فاضلا عما يحتاج هو و أهله اليه من سكن و خادم و ما لا بد منه و أن يكون فاضلا عن قضأ دينه لان قضأ الدين من حوائجه الاصلية و يتعلق به حقوق الآدميين فهو آكد و لذلك منع الزكاة مع تعلق حقوق الفقراء بها و حاجتهم إليها فالحج الذي هو خالص حق الله تعالى أولى و سواء كان الدين لآدمي معين أو من حقوق الله تعالى كزكاة في ذمته أو كفارات و نحوها ، و ان احتاج إلى النكاح و خاف على نفسه العنت قدم التزويج لانه واجب عليه و لا غنى به عنه فهو كنفقته و ان لم يخف قدم الحج لان النكاح تطوع فلا يقدم على الحج الواجب و ان حج من تلزمه هذه الحقوق و ضيعها صح حجه لانها متعلقة بذمته فلا تمنع صحة فعله ( فصل ) من له عقار يحتاج اليه لسكناه أو سكنى عياله أو يحتاج إلى أجرته لنفقة نفسه أو عياله أو بضاعة متى نقصها اختل ربحا فلم يكفهم أو سائمة يحتاجون إليها لم يلزمه الحج و ان كان له من ذلك شيء فاضل عن حاجته لزمه بيعه في الحج فان كان له مسكن واسع يفضل عن حاجته و أمكنه بيعه و شراء ما يكفيه و يفضل قدر ما يحج به لزمه و ان كانت له كتب يحتاج إليها لم يلزمه بيعها في الحج
(173)
و ان كانت مما لا يحتاج إليها أو كان له بكتاب نسختان يستغنى بأحدهما باع ما لا يحتاج اليه فان كان له دين على ملئ باذل له يكفيه للحج لزمه لانه قادر و ان كان على معسر أو تعذر استيفاؤه عليه لم يلزمه ( فصل ) و تجب العمرة على من يجب عليه الحج في احدى الروايتين ، روى ذلك عن عمر و ابن عباس و زيد بن ثابت و ابن عمر و سعيد بن المسيب و سعيد بن جبير و عطاء و طاووس و مجاهد و الحسن و ابن سيرين و الشعبي و به قال الثوري و إسحاق و الشافعي في احد قوليه ( و الرواية الثانية ) ليست واجبة و روي ذلك عن ابن مسعود و به قال مالك و أبو ثور و أصحاب الرأي لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه و آله سئل عن العمرة أ واجبة هي ؟ قال " لا و ان تعتمروا فهو أفضل " أخرجه الترمذي و قال هذا حديث حسن صحيح و عن طلحة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و آله يقول " الحج جهاد و العمرة تطوع " رواه ابن ماجة و لانه نسك غير موقت فلم يكن واجبا كالطواف المجرد و لنا قول الله تعالى ( و أتموا الحج و العمرة لله ) و مقتضى الامر الوجوب ( 1 ) ثم عطفها على الحج و الاصل التساوي بين المعطوف و المعطوف عليه قال ابن عباس انها لقرينة الحج في كتاب الله و عن الضبي بن معبد قال أتيت عمر فقلت يا أمير المؤمنين أني أسلمت واني وجدت الحج و العمرة مكتوبين علي فاهلك بهما فقال عمر هديت لسنة نبيك صلى الله عليه و آله رواه أبو داود و النسائي و عن أبي رزين أنه أتى النبي صلى الله عليه و آله فقال يا رسول الله ان أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج و لا العمرة و لا الظعن قال " حج عن أبيك و اعتمر " رواه أبو داود و النسائي و الترمذي و قال حديث حسن صحيح و ذكره احمد ثم قال و حديث يرويه سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و آله فقال أوصني قال " تقيم الصلاة و تؤتي الزكاة و تحج و تعتمر " و روى الاثرم باسناده عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه و آله كتب إلى أهل اليمن و كان في الكتاب إن العمرة هي الحج الاصغر و لانه قول من سمينا من الصحابة و لا مخالف لهم
(174)
نعلمه الا ابن مسعود على اختلاف عنه و أما حديث جابر فقال الترمذي قال الشافعي هو ضعيف لا تقوم بمثله الحجة و ليس في العمرة شيء ثابت بانها تطوع و قال ابن عبد الله : روي ذلك بأسانيد لا تصح و لا تقوم بمثلها الحجة ثم نحمله على المعهود و هي العمرة التي قضوها حين أحصروا في الحديبية أو على العمرة التي اعتمروها مع حجتهم مع النبي صلى الله عليه و آله فانها لم تكن واجبة على من اعتمر أو نحمله على ما زاد على العمرة الواحدة و تفارق العمرة الطواف لان من شرطها الاحرام و الطواف بخلافه ( فصل ) و ليس على أهل مكة عمرة نص عليه أحمد و قال كان ابن عباس يرى العمرة واجبة و يقول : يا أهل مكة ليس عليكم عمرة انما عمرتكم طوافكم بالبيت و بهذا قال عطاء و طاووس قال عطاء ليس أحد من خلق الله إلا عليه حج و عمرة واجبان لابد منهما لمن استطاع إليهما سبيلا إلا أهل مكة فان عليهم حجة و ليس عليهم عمرة من أجل طوافهم بالبيت و وجه ذلك ان ركن العمرة و معظمها الطواف بالبيت و هم يفعلونه فاجزأ عنهم و حمل القاضي كلام احمد على أنه لا عمرة عليهم مع الحجة لانه يتقدم منهم فعلها في وقت الحج و الامر على ما قلناه ( فصل ) و تجزئ عمرة المتمتع و عمرة القارن و العمرة من أدنى الحل عن العمرة الواجبة و لا نعلم في إجزاء عمرة التمتع خلافا كذلك قال ابن عمر و عطاء و طاووس و مجاهد و لا نعلم عن غيرهم خلافهم و روي عن احمد أن عمرة القارن لا تجزئ و هو اختيار ابي بكر و عن احمد ان العمرة من أدنى الحل لا تجزي عن العمرة الواجبة و قال إنما هي من أربعة أميال على أن عمرة القارن لا تجزي أن عائشة حين حاضت أعمرها من التنعيم فلو كانت عمرتها في قرانها اجزأتها لما اعمرها بعدها و لنا قول الضبي بن معبد اني وجدت الحج و العمرة مكتوبين على فأهللت بهما فقال عمر هديت لسنة نبيك و هذا يدل على أنه أحرم بهما يعتقد اداء ما كتبه الله عليه منهما و الخروج عن عهدتهما